حساب المصالح.. لماذا تعطي واشنطن الأولوية لتايوان على حساب مصر السيسي؟

12

طباعة

مشاركة

رسالة مزدوجة أظهرها قرار الولايات المتحدة بتحويل المساعدات الأمنية من مصر إلى تايوان، مما يشكل تغييرا يعكس أولويات ومصالح السياسة الخارجية الأميركية المختلفة.

ويرى متابعون أن تايبيه "تشكل مثالا للديمقراطية التي تكافح ضد ضغوط الاستبداد الصينية، في حين جعلت رئاسة عبد الفتاح السيسي من الدولة الواقعة في شمال إفريقيا ديمقراطية واجهة لا أكثر". 

يذكر أن إدارة  الرئيس الأميركي، جو بايدن، كانت قد أعلمت الكونغرس بقرارها حجب 85 مليون دولار من المساعدات العسكرية عن مصر لعام 2023، واختارت بدلا من ذلك توجيه غالبيتها إلى تايوان.  

أهمية متزايدة

وذكرت مجلة "فورميكي" الإيطالية أن "قرار إعادة توجيه 55 مليون دولار من مصر لتعزيز القدرات الدفاعية لتايوان، يمثل الحالة الثانية بعد فترة من منح واشنطن أموالا لتايوان في إطار برنامج التمويل العسكري الأجنبي الذي عادة ما يكون مخصصا للدول و الأمم".

ونوهت بأن ذلك يمثل "شكلا مهما للغاية من أشكال الاعتراف غير المباشر بتايبيه، ويذكر بمدى حرص واشنطن في هذه المرحلة على مصير الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي والتي تطالب الصين بضمها الى أراضيها".

وأواخر أغسطس/آب 2023، أخطرت وزارة الخارجية الكونغرس بنيتها تقديم مساعدات بقيمة 80 مليون دولار لتايوان بدلا من مبيعات المعدات العسكرية. 

وأثار هذا القرار على الفور اتهامات من الصين بانتهاك اعتراف الولايات المتحدة بسياسة "الصين الواحدة" وتحدت بذلك مطالباتها بالسيادة على الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي.

يذكر أن الولايات المتحدة وقعت على "سياسة الصين الواحدة" التي تشدد بأنه لا توجد سوى دولة واحدة ذات سيادة تحمل اسم الصين وأقامت علاقات دبلوماسية مع بكين على أساسها.

وبذلك أكدت المجلة أن واشنطن حافظت على مر السنين دائما على ما يسمى "الغموض الإستراتيجي"، ولم تكشف أبدا بشكل مباشر عن إمكانية التدخل للدفاع عن تايبيه في حالة العدوان الصيني، لكنها ألمحت إلى ذلك، وفي السنوات الأخيرة رفعت الحجاب بعض الشيء عن هذا الغموض. 

من جهته، انتقد السيناتور روجر ويكر، وهو أكبر جمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، الأموال المعاد برمجتها ووصفها بأنها "غير كافية لتلبية احتياجات تايوان للدفاع عن نفسها" ضد التهديد الصيني الذي يلوح في الأفق.

كما أدان السيناتور الإدارة الديمقراطية لحجب المساعدات عن "شريك أمني آخر" بسبب عدم إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان، في إشارة إلى نظام السيسي.

علاقة معقدة

وعدت فورميكي "الكابيتول هيل ساحة معركة سياسية في ضوء الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة عام 2024 وهو ما تؤكده بعض التصريحات".  

ولفتت إلى أن "الجمهوريين يؤكدون على ضرورة عدم إثارة غضب رئيس النظام المصري الذي كان للديمقراطيين تحفظات بشأن احترامه المبادئ والقيم، بينما يتم التأكيد على دعم تايوان الديمقراطية ضد الضغط الاستبدادي الصيني".

وأكدت المجلة بأنه "لطالما عدت الولايات المتحدة مصر شريكا مهما لأمن الشرق الأوسط والاستقرار الإقليمي".

ولفتت إلى "أن الاستقرار الديمقراطي في مصر كان مهددا بشكل مستمر، وحل محله أولا الحكم العسكري القاسي ثم القبضة القوية التي أحكمت سيطرتها على السلطة الرئاسية". 

وذكرت في هذا الصدد "انقلاب عام 2013 الذي أطاح بالرئيس المنتخب، محمد مرسي بقياده السيسي الذي يشغل حاليا منصب الرئيس بعد أن خرج منتصرا إثر انتخابات حامت حولها شكوك ويحكم بقبضة من حديد ضد المعارضين".

وعام 2022، أمر الكونغرس الإدارة  الرئاسية أيضا بحجب 320 مليون دولار من أصل 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية المقدمة لمصر "ما لم يجر تقدم كبير في مجال حقوق الإنسان".

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن وزارة الخارجية وافقت عام 2022 على حزمة مبيعات أسلحة للقاهرة بقيمة 2.5 مليار دولار.

لذلك تستنتج مجلة فورميكي أن "مسألة حجب الـ80 مليون دولار التي تم تحويلها إلى تايوان تعد رمزية أكثر منها جوهرية، ولكنها لا تقل أهمية".

رسالة مزدوجة

وفي نهاية يوليو/ تموز 2023، دعت مجموعة مكونة من 11 عضوا ديمقراطيا في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى حجب تام لـ320 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي الممنوح لمصر؛ بسبب مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان. 

على غرار القتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري والتعذيب، إلى جانب ظروف السجن القاسية والقيود الصارمة على حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات  التي تم توثيقها بوضوح "وهي جوانب معروفة في عالم السيسي"، وفق فورميكي.

وفي خطاب ألقاه أمام مجلس الشيوخ، أشار رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية للشرق الأدنى بمجلس الشيوخ، كريس ميرفي، إلى أن نظام السيسي أطلق سراح أكثر من 1600 سجين سياسي منذ بداية عام 2022 لكنه سجن أكثر من 5000 آخرين. 

وبالتالي فهو لا يفي بمعايير "التقدم الواضح والمستمر" في إطلاق سراح السجناء السياسيين الذي يقتضيه القانون، وفق ميرفي.

وفي هذا الإطار، تصبح المساعدة المقدمة إلى تايوان بمثابة رسالة مزدوجة في إطار الموضوع الشامل "الديمقراطيات ضد الاستبداد"، تستنتج المجلة الإيطالية.

وشرحت بأنها من ناحية موجهة إلى القاهرة، نظرا لأن البلاد ستذهب إلى صناديق الاقتراع عام 2024 أو ربما في ديسمبر/ كانون الأول 2023. 

ومن ناحية أخرى، إلى بكين حيث تبرز من نفس المنظور دائما أن واشنطن "لا تتخلى عن رغبتها في أن تكون في ريادة الجبهة الديمقراطية التي تحافظ على النظام العالمي ضد مبادرات بكين ونموذجها الخاص". 

وأضافت المجلة أن "القرار يوجه رسالة كذلك نحو التعاون الصيني المصري خصوصا، وأن القاهرة شاركت في اللقاءات التمهيدية في إطار مبادرة الحزام والطريق، وهو ما تعارضه واشنطن خصوصا وأن العلاقات بين القاهرة وبكين تحسنت بشكل ملحوظ تحت حكم السيسي".