جذورها راسخة.. لماذا فشل السيسي في نزع جماعة الإخوان من القومية المصرية؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

مع استمرار استهداف ممنهج يشنه بلا هوادة النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي على جماعة الإخوان المسلمين منذ أكثر من 10 سنوات، تصدر دراسات ومقالات تارة بعد أخرى تتحدث عن صمود الجماعة في وجه السيسي وأجهزته القمعية، وفشلهم في مخطط سحقها.

وعلى مدى سنوات من قمع أنظمة حكمت مصر، اكتسبت الجماعة "تجربة قوية" جعلتها قادرة على التأقلم مع الصعوبات وتجديد نفسها، والتجذر أكثر وأكثر في المجتمع.

خوف وفشل

وفي 30 أغسطس/ آب 2023، نشر الكاتب والباحث الأميركي، ستيفن كوك، مقالة لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية بعنوان "السيسي يحكم مصر بالخوف وهو محكوم به". 

وقال كوك: "في السنوات الأخيرة أصبح قمع جماعة الإخوان المسلمين والادعاء بأن منتقدي الحكومة أعضاء في الجماعة أو يتلقون أموالا منها، أكثر وضوحا وخطورة".

وعلل كوك ذلك بأن "السيسي سعى إلى إعادة صياغة خطاب القومية المصرية"، مستبعدا منه "الإخوان المسلمين".

وأوضح أن "القومية لا تنشأ بطريقة عفوية، وأنها نتيجة لمشاريع سياسية متضافرة، وبالتالي تخضع بشكل دوري لإعادة التفسير لتناسب احتياجات القادة السياسيين".

وأتبع: "وبالفعل حاول السيسي، إعادة كتابة الخطاب القومي في مصر، لكن جهوده لإبعاد الإخوان المسلمين فشلت تماما". 

وفسر الكاتب هذا الفشل لأن "الإخوان لعبوا دورا مهما في الأحداث القومية الكبرى التي مرت بها مصر في القرن العشرين"، حيث ثاروا ضد المحتل البريطاني، وعارضوا الملك فاروق، وشاركوا في ثورة 23 يوليو/ تموز 1952. 

وعلى المستوى العربي، كانت جماعة الإخوان المسلمين من أوائل الجماعات التي دقت ناقوس الخطر بشأن الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين.

وفي حرب 1948 بين الكيان الإسرائيلي الجديد ودول عربية، حارب الإخوان ضد الإسرائيليين قرب بئر السبع وبيت لحم والقدس.

واختتم كوك مقاله "لذلك يمكن للسيسي استخدام الكثير من البطش والعنف، وتوجيه الاتهامات إلى شخص ما بأنه عضو في الجماعة أو يتقاضى أجرا".

ثم عقب: "هذا الاتهام فارغ، بل غبي، وهو رد روتيني على أي انتقاد موجه لزعيم وأنصاره، الذين لا يستطيعون تقديم رد متماسك على منتقديهم، وهو أيضا نوع الرد الذي يستخدمه القادة السياسيون عندما يشعرون بالخوف".

وعندما أسست جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد الداعية والمعلم، حسن البنا، وحتى انتشار دعوتها في عدة دول حول العالم، بلغت نحو 70 دولة، أظهرت قدرا كبيرا من الصمود والتكيف والاستمرارية في مواجهة المحن التي تعرضت لها.

لا سيما الوقوف في وجه قرارات الحل وموجات القمع ومحاولات التصفية النهائية، خاصة بعد تصاعدها داخليا وخارجيا بعد ثورات "الربيع العربي" التي بدأت في تونس عام 2010، وبلغت ذروتها خلال ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

وتمكن الإخوان من مواجهة التنكيل منذ قرار الحل الأول في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1948، والذي أعقبه حملة شرسة لاعتقالهم، واغتيال المرشد حسن البنا في العام التالي.

كما تحملوا الحملة الضارية إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر، حيث واجهوا قرار الحل الثاني في 14 يناير 1954، وما تبعه من اعتقالات جماعية شهدت تعذيبا وحشيا، وإعدامات قاسية.

ومن أبرز الذين قتلوا في تلك الحملة، محمد فرغلي وعبد القادر عودة، أهم قادة الجماعة بعد المرشد العام آنذاك المستشار حسن الهضيبي، وكذلك أعدم منظر الجماعة الأول سيد قطب على يد نظام عبد الناصر، الذي أراد محو الجماعة نهائيا من مصر.

المحنة الأصعب

مرت الجماعة من عاصفة الناصرية، ثم تعايشت أكثر من 40 سنة مع حالة عداء مستحكم تحت حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك.

وهو ما راكم لديها خبرات كافية لمواجهة تداعيات انقلاب الجيش على مرشحها المنتخب الرئيس الراحل محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، وما تلاه من قرار حلها الثالث في 2 سبتمبر/ أيلول من نفس العام.

تعرضت الجماعة بعد تولي قائد الانقلاب السيسي الحكم رسميا في يونيو/ حزيران 2014، لعمليات تصفية ممنهجة لضرب هيكلها التنظيمي وشل قدرتها على إعادة بناء قواعدها واستعادة وجودها الجماهيري، حيث وصل عدد المعتقلين لأكثر من 60 ألفا، غير من تعرضوا للإعدام والقتل داخل السجون.

ورغم صدور العديد من البيانات التي بشرت بقرب نهاية الإخوان، إلا أن النظام فشل في تحقيق ذلك، واستمرت جماعة الإخوان كجزء من الحالة العامة، وهو ما رصده العديد من المحللين الغربيين، وكثير من الدراسات التي أصدرتها المراكز البحثية الدولية. 

وتحدث عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ماهر العامري، عن سبب صمود وبقاء الإخوان رغم الحملة التي شنها السيسي ومن قبله بعض قادة الدولة مثل الملك فاروق وعبد الناصر.

وقال العامري لـ"الاستقلال"، إن "محنة جماعة الإخوان المسلمين تعود إلى عام 1954 عندما نكل بهم عبد الناصر وأراد إبادتهم تماما".

وأضاف "وقتها كتب الشيخ الراحل يوسف القرضاوي قصيدته (النونية) والتي أورد في أحد أبياتها (تالله ما الدعوات تهزم بالأذى أبدا وفي التاريخ بر يميني) وهنا لم يكن القرضاوي مجرد شاعر بل عالما فقيها يعلم جيدا أن الدعوة والفكرة لا يمكن أن تنتهي بحملة قمعية ولو استمرت سنوات طويلة". 

وتابع: "الإخوان ليست حزبا سياسيا بل هي فكرة عابرة للتنظيم، فكرة إسلامية تدعو للإصلاح على أساس الدين، وهو ما يتفق مع روح الشعب المصري والأمة من الشرق إلى الغرب، وبالتالي فهم جزء من نسيج المجتمع لا يمكن انتزاعه حتى تسحق هذا المجتمع عن بكرة أبيه". 

وأوضح العامري أن "الأمر الآخر أن الإخوان ليسوا نخبة فقط، فمنهم الموظف والعامل والطالب والفلاح ورجل الأعمال وعالم الدين، هي حاضنة كبيرة لمختلف طوائف الشعب المصري، وحصلوا في الانتخابات عام 2012 على أكثر من 13 مليون صوت، رأوا أن جماعة الإخوان يمكن أن تمثلهم أو تتقاطع معهم في كثير من الأفكار والتوجهات". 

البقاء رغم القمع 

وفي 18 مارس/ آذار 2023، نشر مركز "مالكوم كير كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط، تقريرا للباحثة باربرا زولنر، المحاضرة حول سياسات الشرق الأوسط في دائرة السياسات في كلية "بيركبيك" بلندن، تحت عنوان: "البقاء رغم القمع: كيف استطاعت جماعة الإخوان المسلمين المصرية الصمود والاستمرار؟".

وقالت زولنر: "رغم جهود السيسي لتدمير الجماعة، فإنها بقيت متماسكة إلى حد كبير، واستطاع الجسم الأساسي في التنظيم أن يواصل العمل لفترة طويلة من دون تعليمات يومية وتوجيهات إدارية أو أوامر إستراتيجية".

وأرجعت السبب في هذا إلى أن "الضامن الرئيس لبقاء الجماعة هم الأعضاء الملتزمون القادرون على التكيف ومواصلة العمل في أحلك الظروف وأصعبها".

وتطرقت إلى سبب آخر أن "القمع المتصاعد ضد الإخوان يرهق ميزانية النظام ويغلق الأفق السياسي، ويشوه صورة السيسي دوليا"، حيث تقول باربرا إن "النفس الطويل ومقاومة السقوط جراء ترسخ ثقافة المحنة وما تحققه من صبر وثبات، تعد من إحدى القضايا الحاسمة في فكر ومناقشات الجماعة".

وأضافت أنه "لا يمكن إغفال أن تكلفة قمع حركة اجتماعية كبرى كجماعة الإخوان المسلمين، تعد باهظة للغاية".

وأتبعت: "الثمن لا يقتصر فقط على أعضائها ومناصريها، بل يطال أيضا السلطات التي تطبق هذا النهج العنيف".

ولفتت إلى أن "عداء النظام للجماعة أدى إلى ردود فعل معاكسة، وأثبتت قيادة التنظيم أن النظام غير قادر على كسر وحدة الجماعة، بل إن المشاهد العامة لمحاكمات القادة المسجونين قد ساعدت على استعادة الاحترام لهذه الشخصيات في الأوساط العامة الأكثر ثورية واحتكاكا بالعمل السياسي".

وكان استطلاع للرأي قد أجراه معهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" خلال عام 2017، أظهرت نتائجه أن الجماعة تحظى بدعم ثلث الجمهور في مصر والسعودية والإمارات، رغم حظر الحكومات الثلاث لها بصفتها "إرهابية".

وأكد الاستطلاع أن آراء المصريين تبدو متماسكة حول الجماعة في السنوات الأخيرة، وهو ما يدل على أن الحملات الإعلامية التي ترعاها الحكومة ضد الإخوان، وإجراءات القمع الشاملة التي تفرضها عليهم، لا تؤثر في الرأي العام بسهولة.

وهو ما أظهرته ورقة عن مستقبل الإسلاميين في الشرق الأوسط أعدها مركز "بروكينغز" الأميركي عام 2019، قال فيها: "رغم الحصار المفروض على جماعة الإخوان المسلمين، فإنهم لا يزالون من أفضل القوى السياسية المنظمة في البلاد".

وأورد أنه "لا تزال هناك شبكات وحركات حيوية ومهمة مرتبطة بها موجودة على الأرض، رغم أن آلافا عدة من الجماعة مسجونون أو منفيون أو قتلى".

وأوضحت الورقة أن "التجربة التاريخية دلّت على أن الجماعة المنظمة الضخمة والمتجذرة قادرة على التأقلم مع الصعوبات وتجديد نفسها، وأن الفشل المحتمل لمنافسيها في تحقيق هيمنة سياسية أو في إيجاد أنظمة سياسية مستقرة، سيخلق لها منافذ واستهلالات جديدة".