بعد مقاله الفاضح لوعود السيسي المزيفة.. ستيفن كوك يرد على هجمات الإعلام المصري
قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن خوف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، يبدو جليا عندما يصف كل منتقديه بأنهم ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي مقال نشرته المجلة، أشار الخبير في العلاقات الأميركية-الشرق أوسطية، ستيفن كوك، إلى اتهام نشأت الديهي، الإعلامي المقرب من نظام السيسي، له بأنه "يتقاضى أجرا من جماعة الإخوان المسلمين".
وقال: "لم يكن الديهي المصري الوحيد الذي أغضبه مقالي الأخير، الذي تحدثت فيه عن كيف يدمر السيسي مصر".
وفي 9 أغسطس/آب 2023، كتب كوك تحليلا نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية وانتشر بشكل واسع في وسائل الإعلام العربية، يرصد فيه الوعود التي قدمها السيسي للمصريين على مدى 10 سنوات، وكيف أن أياً منها لم يتحقق، وأصبحت مصر على شفا الإفلاس.
وقال كوك في مقاله الجديد على نفس المجلة في 30 أغسطس: "لقد تدفقت تعليقات لا نهاية لها من أنصار السيسي على حسابي في منصة إكس (تويتر سابقا)، تضمنت إهانات لشخصي، وظل ذلك لعدة أيام".
وهذا يكشف مرة أخرى أن كل أمل في إجراء نقاش رصين على وسائل التواصل الاجتماعي قد ضاع منذ أمد بعيد، وفق كوك.
وأضاف أن "ادعاء الديهي سخيف بكل وضوح، فببساطة، من غير الممكن أن يدفع لي الإخوان المسلمون مقابل أي شيء؛ وذلك بسبب هويتي وما كتبته عنهم من انتقادات قبل ذلك".
وأوضح كوك أنه "بعد أن كتب عن مصر لسنوات، فقد اعتاد على هذا النوع من الادعاءات"، مشيرا إلى أن ديدنه هو تجاهل مثل هذه الإساءات.
وأردف: "لكن تعليق الديهي لفت انتباهي؛ وذلك لأن الاتهام بأن منتقدي السيسي جميعا هم تابعون للإخوان المسلمين، مؤشر على مشكلتين مترابطتين يعاني منهما رئيس النظام المصري وأنصاره، ولا يملكون أي حل لهما".
أولا، "كما كتبت في مقالي السابق، فإن هناك تباينا كبيرا ومتزايدا وملحوظا بين ما يعد به النظام المصريين، وحقيقة ما يحياه المصريون في حياتهم اليومية".
وأشار إلى أنه "عندما يتجرأ الناس على الإشارة إلى ذلك، فإنهم يُصَنَّفون على أنهم من داعمي الإخوان المسلمين، أو يتعرضون للسجن والإيذاء الجسدي، كما رأينا مع كثير من المصريين".
وقال الكاتب الأميركي إن "هذا الرد العنيف دليل على مخاوف السيسي ومؤيديه، من أن هناك عددا متزايدا من المصريين، باتوا يدركون هذه الفجوة بين وعود الحكومة والواقع، وطبيعتها التي قد تزعزع استقرار البلاد".
"ثانيا، وهذا ما أريد أن أركز عليه هنا، هو أنه على الرغم من الجهود التي يبذلها السيسي، فإنه لا يزال غير قادر على التخلص من الظلال الممتدة التي تواصل جماعة الإخوان إلقاءها على السياسة والمجتمع في مصر"، يضيف كوك.
قمع واسترضاء
وأردف: "وبطبيعة الحال، حتى قبل عهد السيسي بفترة طويلة، كان من الشائع أن يسترضي المسؤولون المصريون جماعة الإخوان المسلمين ثم يقمعوهم، وهكذا دواليك".
ففي أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، استسلم رئيس الوزراء، مصطفى النحاس، للضغوط السياسية التي مارستها الجماعة، واتخذ إجراءات صارمة ضد الخمور والدعارة، بينما سمح للإخوان المسلمين بنشر صحف خاصة بها.
وبعد بضع سنوات، قمعت حكومة جديدة جماعة الإخوان، قبل أن تستأنف مرة أخرى استرضاءها، وفق كوك.
وتلا ذلك، اعتقال عبد الناصر الآلاف من قيادات وأعضاء الإخوان، ثم إطلاق سراح بعضهم، ليعود ويدخلهم سجونه مرة أخرى.
وأضاف الكاتب: "ثم جاء خليفته أنور السادات –الذي كان في لحظة ما رفيق درب للإخوان– فأطلق سراحهم وأعطاهم الفرصة للنشر والدعوة".
ومع ذلك، فقد اختلفوا حول اتفاقية التطبيع التي عقدها السادات مع إسرائيل، لتمتلئ السجون المصرية بالإخوان مرة أخرى.
وأفاد كوك بأنه "بعد اغتيال السادات عام 1981، منح (رئيس النظام الأسبق محمد حسني) مبارك الجماعة الفرصة لاستئناف أنشطتها، معتقدا أن ظهورها بشكل أكبر في مجالات النشر والتعليم والمجتمع المدني، من شأنه أن يسحب البساط من تحت المتطرفين الذين اغتالوا" سابقه.
وتابع: "بعد حوالي عقد من الزمن، قرر مبارك أنه اكتفى من هذه السياسة، وأمر أجهزته الأمنية بالتضييق على الجماعة".
ويرى الكاتب أنه "طوال وجود هذا النمط من التسوية والمواجهة، ظلت جماعة الإخوان المسلمين لاعبا سياسيا واجتماعيا وثقافيا مهما في مصر".
لكن أشار إلى أنه "خلال السنوات الأخيرة، أصبح قمع الجماعة، والادعاء بأن منتقدي النظام ينتمون إليها، أو يتلقون أموالا منها، أكثر وضوحا وخطورة".
وأرجع "كوك" سبب ذلك إلى "سعى السيسي لإعادة صياغة السردية الوطنية في مصر، عبر استبعاد جماعة الإخوان المسلمين منها".
ويعتقد أن "السردية القومية لا تتكون بشكل عفوي، بل تُصنع وتُرسم في التصورات، وتأتي كنتيجة لمشاريع سياسية مخطط لها، ومن ثم، يُعاد تفسيرها بشكل دوري لتناسب احتياجات القادة السياسيين".
وأفاد الكاتب أن "هذا بالضبط ما يفعله السيسي لتصوير الإخوان المسلمين على أنها جماعة عنف غريبة عن جسد المجتمع الذي نشأت فيه، بالرغم من أن جذورها ومكانتها ونظرتها للعالم، ضاربة في التجربة المصرية ككل".
إعادة صياغة
وقال كوك: "بعد الانقلاب الذي أوصل السيسي إلى السلطة، قادت أجهزة الدولة حملة إعلامية، بهدف صياغة والحفاظ على السردية التي تفيد بأن هناك ثورة ثانية اندلعت في مصر".
"وبالتوازي مع ذلك، فقد كان هناك دافع لتصوير أعضاء جماعة الإخوان المسلمين على أنهم عملاء للقطريين أو للأتراك، أو لكليهما".
وفي الوقت نفسه، برر السيسي العنف الذي استخدمه لقمع الإخوان، تحت ادعاء أنها منظمة إرهابية، يقول كوك.
وأشار الكاتب الأميركي إلى أنه في مرحلة ما، احتفظت جماعة الإخوان المسلمين بما يسمى بـ"الجهاز السري"، لكنه فُكك منذ زمن بعيد، وفق قوله.
"ومع ذلك، فقد ربط النظام المصري بشكل مباشر بين الإخوان وتنظيم الدولة، ثم عندما شكك المحللون في رواية السلطة وتحدثوا عن استخدامها للعنف، صورهم الإعلام المصري مباشرة على أنهم أدوات في أيدي الجماعة"، حسب قوله.
وتابع كوك: "ضع مائة من المحللين الغربيين المهتمين بالشأن المصري، واطلب من الذين اتُهموا بالعمل لصالح الإخوان رفع أيديهم، وأنا أضمن لك أن الأغلبية ستفعل".
وذكر أن هذا يعيدنا إلى المشكلة الثانية التي يواجهها النظام المصري، ولا يملك لها حلا، وهي أنه "مهما يبذل السيسي من جهد لإعادة كتابة السردية الوطنية في مصر، فإن جهوده لإبعاد الإخوان المسلمين منها ستظل محاولة سخيفة".
فقد لعب الإخوان دورا مهما في بعض أهم الأحداث الوطنية في القرن العشرين، من ذلك الثورة ضد الاحتلال البريطاني.
"وعلى الرغم من أنهم كانوا في البداية ينظرون بإيجابية للأسرة الملكية، فقد عارضوا الملك فاروق طوال معظم الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي".
علاوة على ذلك، كانت الإخوان المسلمون من أوائل الجماعات التي دقت ناقوس الخطر بشأن الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وأضاف الكاتب: "وفي حرب عام 1948، التي وقعت بين الدولة الناشئة إسرائيل وجيرانها، حارب الإخوان ضد الإسرائيليين بالقرب من بئر السبع وبيت لحم والقدس، وإن لم يتمخض هذا عن نصر".
كذلك، اشتُهر الإخوان بمساعدتهم للآلاف من الجنود والضباط المصريين الذين تقطعت بهم السبل في جيب الفالوجا -بالقرب من قطاع غزة- في المراحل الأخيرة من الحرب".
محاولات فاشلة
أضف إلى ذلك بعدا سياسيا آخر كان حاسما فيما يخص نشاط الإخوان لصالح فلسطين، وهو اعتقاد الجماعة بأن ضعف المجتمعات الإسلامية يقود إلى التدخل الأجنبي فيها.
وهي ذات الفكرة التي حملها إصلاحيون إسلاميون في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حسب الكاتب.
وأردف أنهم "بقدر ما عد الإخوان -هم وكثيرون غيرهم- أن الصهيونية أداة للاستعمار الأوروبي، فقد كانوا ينظرون إلى النضال الفلسطيني ضد الإسرائيليين، ونضالهم ضد البريطانيين، على أنهما يخرجان من مشكاة واحدة".
وحسب "كوك"، فإن الإخوان لم يكونوا وحدهم الفاعلين في هذه الأحداث المعقدة التي امتدت لعقود؛ حيث كان هناك الضباط الأحرار وحزب الوفد، ومجموعة متنوعة من الأحزاب الأخرى.
ولذلك، أكد الكاتب الأميركي أنه "حتى مع محاولات السيسي لإخراج الإخوان من السردية الوطنية المصرية، فإنه لا يمكن إنكار الدور الذي تلعبه الجماعة -ولا تزال- في القضايا الوطنية الحاسمة".
ومن ناحية ما، فإن ما يفعله السيسي هو قصة مصرية قديمة -وفق كوك- بحكم أن الأسئلة الأساسية حول المجتمع، والحكم، والهوية، ودور مصر الخارجي، موضع جدل منذ فترة طويلة.
"ولكن لأن قادة مصر يعتمدون في الأغلب على الخوف والإكراه للحفاظ على سيطرتهم السياسية، فإن حكمهم يصبح عرضة للخطر من القادة السياسيين المحتملين، الذين يملكون إجابات على هذه الأسئلة".
وقال كوك: "إن بإمكان السيسي استخدام الكثير من القوة والعنف، ولهذا السبب تكون الاتهامات بأن شخصا ما عضو في جماعة الإخوان المسلمين -أو متلقٍ أجرا منها- ذات تأثير قوي".
وتابع: "فقد اقتيد معارضون مصريون سلميون وغير إسلاميين للسجن، بسبب اتهامهم بالارتباط بالجماعة، الأمر الذي يزيد من صعوبة وخطورة عمل الناشطين".
"وهذا بالرغم من أن هذا الاتهام فارغ، بل طائش، وهو رد روتيني على أي انتقاد موجه للسيسي ومؤيديه، الذين لا يستطيعون استحضار رد متماسك على منتقديهم"، وفق كوك.
وختم الكاتب الأميركي بالقول: "وهذا أيضا هو نوع الرد الذي يستخدمه القادة السياسيون عندما يشعرون بالخوف، ولذا فإن السيسي بقدر ما يحكم البلاد بالخوف، إلا أنه محكوم به في الوقت نفسه".