جنة لغسل الأموال والفساد.. هل تنجح إيران في القضاء على الظاهرة؟
في خطوة إقرار رسمية بذلك، شهدت العاصمة الإيرانية طهران انعقاد "المؤتمر الأول لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، بحضور وزير الاقتصاد، إحسان خاندوزي.
وكان من أهم محاور المؤتمر الذي حضره عدد كبير من مسؤولي الدولة وكبار موظفيها في 22 أغسطس/آب 2023، شرح توجهات الحكومة وخططها في مجال "مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب".
وشهد المؤتمر عرض تقرير عن أداء جميع المؤسسات ذات الصلة، واستعرضت فيه خطط مركز المعلومات المالية لتعزيز وتطوير البنية التحتية اللازمة للوقاية من الفساد والتعامل معه.
استفحال الوضع
ونشر موقع "الإندبندنت" البريطاني بنسخته الفارسية، تقريرا عن المؤتمر، ركز فيه على تصريحات رئيس هيئة التفتيش العام، ذبيح الله خدائيان.
واشتكى خدائيان، خلال مشاركته في أعمال المؤتمر من معارضة مسؤولي الدولة وممثلي الحكومة لإشراف الهيئة ورقابتها الذكية على تعاملاتهم المالية.
وفي إشارة إلى استفحال وضع غسل الأموال في إيران، أوضح خدائيان، أن الهيئة التي يرأسها وديوان المحاسبة ووزارة الاستخبارات "ليسوا بمنأى عن مسألة المراقبة الذكية للتبادلات النقدية في البلاد".
واعترف هذا المسؤول الرقابي الرفيع المستوى بـ"وجود أدلة على وجود عمليات غسل أموال واسعة النطاق في إيران".
وأشار إلى الجماعات والأشخاص الذين يحصلون -حسب قوله- على أرباح غير مشروعة، من خلال العديد من الجرائم، مثل الاتجار بالبشر، والاختلاس، وبيع المخدرات، وتجارة الأسلحة.
واعتبر خدائيان أن "هذه الجماعات تتمتع بذكاء عالٍ، ولديها معلومات كافية عن النظام المصرفي والقانوني".
وبحسب قوله فإن "الأشخاص ذوي الياقات البيضاء" يتعاونون معها أيضا، ولا يمكن أن يكونوا مواطنين عاديين.
ووصف رئيس هيئة التفتيش العام، البورصة وسوق الإسكان والودائع البنكية بأنها "موضع جيد لهذه المجموعات من أجل غسل الأموال".
وقال: "الاقتصاد غير الشفاف والمريض والذي يحتوي على قطاعات سرية، تدخله العوائد الناتجة عن غسل الأموال بسهولة".
وبحسب خدائيان، فإن الأوضاع الاقتصادية في إيران تشتمل على دلائل قوية وواضحة على غسل الأموال، مما أدى إلى إضعاف القطاع الخاص.
واعتبر أن "الارتفاع المفاجئ في أسعار العملات والمساكن نتيجة من نتائج هذا الوضع".
وقد أثير هذا الكلام في الوقت الذي تعد فيه الدولة، والمؤسسات الحكومية، بما فيها الحرس الثوري، أهم اللاعبين في هذه الأسواق خلال السنوات الماضية، بحسب خبراء ومطلعين على السوق الإيراني.
وفي هذا الوضع، يبدو أن رئيس هيئة التفتيش حاول الاعتراض على دور العصابات الاقتصادية والمهربين التابعين لبعض المؤسسات الحكومية دون تسميتها، لأن المجموعات الاقتصادية التابعة لهذه المجموعة هي وحدها القادرة في إيران على إيقاف رقابة ديوان المحاسبة وهيئة التفتيش العام.
القائمة السوداء
ويرى الموقع أن "المؤتمر الأول حول مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قد عقد في وقت تعد فيه إيران دائما من أهم الدول الداعمة للإرهاب في العالم، بسبب دعمها الرسمي للجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، وتوفير الأسلحة والموارد المالية لها، بالإضافة إلى التهريب المنظم للسلع والمواد المخدرة".
وأكد أن "هذا الدعم كان أحد الأسباب المهمة لعدم عضوية طهران في اتفاقية باليرمو، وهي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة".
وذكر "الإندبندنت" أنه "بعد الاتفاق على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، الذي تم التوصل إليه مع الغرب والولايات المتحدة، أعلن المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، في لقاء مع ممثلي المجلس الإسلامي عام 2017، أنه يجب على البرلمان سن القوانين بشكل مستقل في قضايا مثل مواجهة الإرهاب ومكافحة غسل الأموال".
وفي عام 2018، وافق البرلمان على انضمام إيران إلى "اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب"، ولكن مجلس صيانة الدستور وافق على مشروعي قانونين من إجمالي مشاريع القوانين الأربعة لمجموعة العمل المالي، وهما "تعديل قانون مكافحة الإرهاب" و"تعديل قانون مكافحة غسل الأموال".
ورفض المجلس مشروع قانون "انضمام إيران إلى اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية" (اتفاقية باليرمو)، ومشروع قانون "انضمام إيران إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب" (CFT)، وترك تقرير مصير هذين المشروعين لمجمع تشخيص مصلحة النظام.
وطالب الرئيس السابق، حسن روحاني، مرارا وتكرارا، بالموافقة على بقية مشاريع القوانين في مجمع تشخيص مصلحة النظام، ولكن أعضاء هذا المجمع اعتبروا الموافقة على هذه القوانين كشفا لطرق التحايل على العقوبات المفروضة على إيران من جانب الولايات المتحدة والغرب.
ويعتقد بعض المحللين أن كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، وقادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري، هم المعارضون الرئيسون للموافقة على مشاريع هذه القوانين، لأنها ستكشف هيكلهم المالي، وهو ما يعرض القدرة على توفير الموارد المالية للمجموعات الوكيلة للخطر، بالإضافة إلى عمليات غسل الأموال واسعة النطاق.
وفي يوليو/تموز 2023، أعلنت مجموعة العمل المالي استمرار وجود إيران على قائمتها السوداء، وطلبت من الأعضاء تقييد جميع العلاقات المالية والتجارية والمصرفية مع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين الإيرانيين بتقييم أكثر دقة.
وكانت هذه الجماعة قد أعلنت أن عدم الموافقة على اتفاقيات "باليرمو" واتفاقية "مكافحة الإرهاب" ورفض تنفيذها هما السبب في استمرار وجود اسم إيران في قائمتها السوداء.
لكن، ورغم حاجة حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، إلى فتح المجال المالي من خلال خروج إيران من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي، فمن الواضح أن الذي يحدد مصير مشاريع القوانين هذه يحتل مكانة تتجاوز الحكومة ومجلس تشخيص مصلحة النظام.
ولعل المجموعات المجهولة نفسها هي التي حددت مصير هذه القوانين، وهي الجماعات التي حولت إيران -بحسب رئيس هيئة التفتيش العام- إلى جنة عالمية لغسل الأموال، من خلال تهيئة الظروف المناسبة.
وختم موقع "الإندبندنت" بالقول إن "المجموعات المعارضة للشفافية المالية في إيران ليست فقط غير متجاوبة مع أي من المؤسسات الرقابية، ولكنها تتمتع أيضا بسلطة التأثير على جميع عناصر صنع القرار في النظام، ويمكنها إلزام أعضاء مجلس صيانة الدستور عند الضرورة برفض قرار البرلمان حول إتمام جميع المعاملات بوثائق رسمية".