صفقة الدراويش.. لماذا يرمم السيسي مساجد الصوفية في مصر؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في قلب العاصمة المصرية القاهرة التي يزيد عمرها عن ألف سنة، هناك آلاف المساجد والأضرحة التاريخية التي تعد من مشاهد المدينة وآثارها العتيقة، خاصة مساجد ما يعرف بـ"آل البيت"، مثل الحسين والسيدة عائشة والسيدة زينب والإمام الشافعي وغيرها.

ويلعب النظام المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي في الآونة الأخيرة على تطوير تلك الأماكن، لحسابات سياسية، تتجاوز الطبيعة الدينية والاجتماعية لهذه المنابر. 

وأقام السيسي صفقة واضحة بالتعاون مع طائفة البهرة، لترميم المساجد والأضرحة الخاصة بالجماعات الصوفية في مصر، تحت بند "خطة جذب السياحة الدينية".

وتضمن الترميم مساجد وأضرحة الحسين، والسيدة فاطمة، والسيدة رقية، والسيدة سكينة، والسيدة حورية، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، والسيد أحمد البدوي بطنطا.

فيما افتتح السيسي، في 18 أغسطس/ آب 2023 مسجد وضريح السيدة نفيسة بعد أعمال تجديد وترميم، كلفت نحو 50 مليون جنيها (1.6 مليون دولار).

لتظهر تساؤلات عن سر اهتمام السيسي بمساجد الصوفية والسعي إلى إعمارها، لا سيما أنه منذ عام 2014 أشرف على هدم مئات المساجد بمختلف المحافظات في حملات متتالية. 

السيسي والصوفية 

يفسر جزءا كبيرا من دعم السيسي للصوفية وأماكنهم وتجمعاتهم، أنهم ركن أساسي من الظهير الشعبي لحكمه، فالمجلس الأعلى للطرق الصوفية (أعلى هيئة ممثلة للجماعة الصوفية في مصر) أظهر دعمه الكامل لرئيس النظام في الانتخابات الرئاسية عامي 2014 و2018، وتعديلاته الدستورية عام 2019.

وفي 1 ديسمبر/ كانون الأول 2013، أعلن رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، عبد الهادي القصبي، أن عدد الطرق الصوفية في مصر يبلغ نحو 77، منها 67 مسجلة بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية.

وأضاف أن جميعها تتفرع من 4 طرق رئيسة، هي الرفاعية، والبدوية، والشاذلية، والقنائية.

وفي 1 أغسطس 2015، ذكر موقع "بي بي سي" البريطاني، أن عدد المنتمين إلى الطرق الصوفية في مصر يصل إلى 15 مليون مواطن، وأشهر هيئاتها المجلس الأعلى، والاتحاد العام لتجمع آل البيت، ونقابة الأشراف.

تلك التجمعات لا تعمل بمعزل عن النظام الحاكم بل هي متحدة معه، ويرجع ذلك إلى الدور الذي تلعبه، كونها تتحكم في قطاعات واسعة من الجماهير غير المسيسة، لذلك فهي مؤثرة تأثيرا بالغا ملموسا وغير محسوس في دولاب العمل السياسي والعام.

والنظام يمنح أولوية خاصة لهذه الطرق الصوفية، بل يتدخل ليشرف على مفاصلها بنفسه وتحت عينه، كما حدث خلال عهود الرؤساء، جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، وأخيرا في عهد السيسي.

وهو ما يظهر في طريقة تشكيل وعمل الهيئات الصوفية، حيث تنخرط معظمها تحت ظل المجلس الأعلى للطرق الصوفية، الذي تشكل عام 1997، ويتكون من 16 عضوا على رأسهم شيخ مشايخ الطرق الصوفية الذي يعينه رئيس الجمهورية.

كما تجرى انتخابات العضوية كل 3 سنوات لاختيار 10 أعضاء بالانتخاب، بينما يعين الخمسة الباقين وزارات التنمية المحلية والثقافة والأوقاف والداخلية والأزهر الشريف.

وتتكون تشكيلة المجلس من، شيخ مشايخ الطرق الصوفية (رئيسا)، و10 أعضاء من مشايخ الطرق الصوفية المنتخبين لعضوية المجلس، وممثل للأزهر يختاره شيخ الأزهر، وممثل للأوقاف يختاره الوزير، وممثل للداخلية يختاره الوزير، وممثل لوزارة الثقافة يختاره الوزير، إضافة إلى ممثل للأمانة العامة للحكم المحلي والتنظيمات الشعبية يختاره الوزير المختص.

الولاء للسيسي

كانت تلك القوة الشعبية الهائلة في مصر دائما تحت ظل الحاكم، فهو الذي يختار قيادتها ويمولها ويدعم وجودها.

ولم يختلف ذلك المسار أبدا إلا في فترة حكم الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، الذي وجد معارضة وتململا من قبل قيادات الطرق في عموم البلاد، وانتهى الحال بتأييد الطرق الصوفية ومشايخها للانقلاب العسكري بقيادة السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013.

ويظل من أبرز مشاهد تلك الفترة، تصريحات مفتي الجمهورية السابق، الشيخ علي جمعة (معروف بانتمائه الصوفي، وأنه شيخ طريقة)، المتعلقة بتحريض ضباط الجيش على قتل المتظاهرين والمعتصمين السلميين الرافضين للانقلاب.

وفي مايو/ آيار 2014، أعلن السيسي ترشحه للانتخابات الرئاسية الأولى، التي تمت في مناخ مفعم بالاستبداد والاعتقالات، وتقدمت مشايخ الطرق الصوفية لدعمه وإعلان بيعته، وبينهم رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية،القصبي، ورفعوا شعار "لا إله إلا الله.. السيسي حبيب الله".

وبعدها أرسل المجلس الأعلى للطرق الصوفية تهنئة إلى السيسي ووصفه بأنه "الرئيس الجديد والمنتخب بإرادة شعبية حرة ونزيهة"، وناشد جميع المشايخ والمريدين "التكاتف معه والتضامن من أجل مصر".

وفي سبتمبر/ أيلول 2017، أكد القصبي كونه زعيم الصوفية في مصر، دعم الطرق للسيسي في مواجهة من أسماهم الأعداء، قائلا: "موقفنا من الرئيس السيسي واضح للجميع، ندعمه ونسانده في حربه ضد الإرهاب وحربه على الجماعات التخريبية والظلامية التي تسعى لهدم الدولة والقضاء عليها".

الدعم الذي قدمه القصبي للسيسي، وجد أثره سريعا، حيث تم ترشيحه إلى البرلمان، ودخل ضمن قائمة "في حب مصر" المدعومة من المخابرات والأجهزة الأمنية، بل وأصبح زعيم الأغلبية البرلمانية.

إستراتيجية انتقائية

تلك المكتسبات السياسية التي حصل عليها وجهاء الصوفية في مصر تحت حكم السيسي، كللت أيضا بترميم مراكزهم الدينية مثل جوامع "آل البيت". 

ومع ذلك تبرز جدلية أن تلك المساجد تظل مرتبطة بعموم المصريين، وأن فعل النظام الذاهب إلى تطويرها أمر إيجابي ومحمود. 

لكن الإستراتيجية التي اتخذها السيسي ضد المساجد عموما تثبت أن هناك انتقائية بين المساجد العامة وبين مساجد الصوفية.

ففي يونيو/ حزيران 2014، وإبان توليه منصب رئاسة الجمهورية، بلغ عدد المساجد والزوايا التي صدرت قرارات بإغلاقها في الإسكندرية وحدها 909 مساجد وزاوية، بدعوى مخالفتها الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون. 

وفي مايو/أيار 2015، تعرضت خمسة مساجد للهدم في محافظة شمال سيناء بإشراف مباشر من الجيش، هي مساجد "الوالدين"، و"الفتاح"، و"النصر"، و"قباء"، و"قمبز".

أما في يوليو/تموز 2016، وافق وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، على هدم 64 مسجدا على مستوى الجمهورية، لوقوعها ضمن نطاق توسعات "مزلقانات" هيئة السكك الحديدية، بينها 12 مسجدا في مركزي طلخا وشربين بمحافظة الدقهلية.

وفي مارس/ آذار 2019، جرى هدم ثمانية مساجد في محافظة الإسكندرية وحدها، كان آخرها مسجد "الإخلاص"، لينضم إلى مساجد "عزبة سلام"، و"فجر الإسلام"، و"التوحيد"، و"عثمان بن عفان"، و"نور الإسلام"، و"الحمد"، و"العوايد الكبير". 

ويسعى نظام السيسي، إلى ربط المساجد بالإرهاب عبر سياسته القائمة، ففي يوليو 2016 وبحضوره، نفذت طائرات حربية مصرية مناورة تحاكي عملية لـ"محاربة الإرهاب" تضمنت قصف مجسم مسجد بحجة أنه "يأوي إرهابيين"، واستخدمت في المناورة مروحيات من أنواع مختلفة، إضافة إلى مجموعات قتالية من وحدات المظلات.

لذلك فإن مقصد ترميم جوامع آل البيت يختلف شكلا ومضمونا عن دعم السيسي للتوجهات الدينية عموما، أو تعمير المساجد بشكل عام، وإنما هو توجه نحو طائفة بعينها، يرى فيها السيسي عونا وسندا له.

وقال أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، محمد أبو زيد، إن "الحركات الصوفية تعتمد على مبدأ أن يكون المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي المغسل، حيث لا نقاش ولا خلاف ولا اعتراض، ويذكرون دائما كلمة (المعترض منطرد)".

وأضاف أبو زيد في حديثه "للاستقلال" أنه "لذلك يكون من السهل السيطرة عليهم وتطويعهم وانقيادهم لأي سلطة أو حكومة، فهم وإن لم يعملوا بالسياسة لكنهم مؤثرون بقوة في العمل السياسي، خاصة أنهم يمتلكون الأعداد والنفوذ، فالحركات الصوفية في مصر كثيرة ومتشعبة وضاربة في جذور المجتمع خاصة في منطقة الصعيد".

وأورد: "ولمن يعود إلى تاريخ الحركات الصوفية في مصر يجد أنهم لم يصطدموا بأي حاكم كائنا من كان، بل وكانوا داعمين له، حدث هذا منذ الحملة الفرنسية على مصر (1798 -1801)، حتى إن نابليون بونابرت شارك في الحضرات الصوفية بنفسه ووجه لهم الدعم".

وتابع: "عند الاحتلال الإنجليزي لمصر (1882)، ترك مشايخ الصوفية الدعوة للمقاومة وطلبوا من الناس اللجوء إلى الأضرحة والمقابر". 

وختم أبو زيد حديثه بالقول: "وبالتالي فإن النظام القائم لا يريد فقط دعم الطرق الصوفية، عن طريق المال أو ترميم المساجد، بل يريد ترسيخ هذا الفكر شعبيا، وأن يصل إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين، خاصة في المناطق الشعبية والفقيرة، لأنه بذلك يضرب عصفورين بحجر، يشبع الرغبة الدينية للناس، ويحد من قلاقلهم وإزعاجهم له".