بينما تغرق مصر في الديون.. لماذا لا يتوقف السيسي عن بناء العاصمة الجديدة؟
انتقد معهد إيطالي عدم توقف نظام عبد الفتاح السيسي في مصر عن إنجاز مشروع بناء العاصمة الإدارية الجديدة رغم تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد على إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا وتدهور الوضع المالي للبلاد.
وذكر "معهد تحليل العلاقات الدولية" أن الإعلان عن هذا المشروع في عام 2015، المتمثل في بناء مدينة جديدة تقع على بعد حوالي 35 كم شرق القاهرة وفي منتصف الطريق بينها وبين السويس، جاء في إطار رؤية 2030.
ومن المنتظر أن تمتد المدينة على مسافة 725 كيلومترا مربعًا وستشمل شبكة طرق بطول 650 كيلومترا ومطارا دوليا وما يصل إلى 21 منطقة سكنية.
إضفاء للشرعية
ولاحظ المعهد أن قرار إنجاز المشروع جاء في مرحلة كان السيسي لا يزال يحاول خلالها إضفاء الشرعية لسلطته في أعقاب الانقلاب الذي نفذه قبل عامين.
والهدف الرئيس لهذا المشروع يتمثل في بناء مدينة تستوعب جزءا من سكان القاهرة وبالتالي تخفيف الاكتظاظ السكاني على العاصمة التي كان يسكنها في ذلك الوقت أكثر من 18 مليون نسمة.
وبعد مرور ثماني سنوات وبتأخير عام على الموعد المحدد، لا تزال المدينة الجديدة بدون اسم رسمي، فيما يجرى الترويج لها على أنها "خضراء وذكية" من جميع النواحي.
المشروع يعيد إلى الأذهان مشاريع مماثلة ينفذها جيران الخليج مثل نيوم، المدينة الذكية السعودية التي من المقرر بناؤها عام 2025 وذلك بالنظر إلى أحدث الأنظمة الأمنية والأنظمة المبتكرة بالإضافة إلى مكانها الواقع في منطقة كانت صحراوية تماما حتى وقت قريب.
يشمل المشروع حديقة خضراء تبلغ مساحتها ضعف مساحة سنترال بارك (حديقة كبيرة في مانهاتن بمدينة نيويورك) وحديقة ترفيهية تبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة ديزني لاند أميركا.
علاوة على ذلك، أحد المباني الأكثر إثارة للإعجاب هو "الأوكتاغون"، أو "The Octagon"، الذي سيضم جميع مقرات أفرع القوات المسلحة المصرية.
وهذا المكان يتكون من عشرة مبانٍ يتألف كل منها من خمسة طوابق، ستضم مقر وزارة الدفاع، وهي تسمية قريبة من نظيرتها في الولايات المتحدة.
و"الأوكتاغون" تعني ثماني الأضلاع أو الزوايا، فيما يعني البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) The Pentagon، خماسي الأضلاع أو الزوايا.
كما ستستضيف المدينة أيضا المقار الرئيسة لجميع الوزارات الأخرى، إلى جانب الجامعات ومكاتب السفارات، فضلا عن بناء أطول برج في القارة الإفريقية بارتفاع 385 مترا.
وانتقد المعهد بأن ميزات هذا المشروع تسلط الضوء من ناحية معاكسة على تناقضه المتمثل في وصفه بأنه منطقة سكنية جديدة لجزء من سكان القاهرة خصوصا في ظل ارتفاع الأسعار المقدرة بـ 50 ألف دولار للشقة المكونة من غرفتين.
لذلك من المؤكد أن العاصمة الإدارية الجديدة لا تبدو مدينة في متناول الجميع، كما أنها قد لا تكون بديلا فعالا للعاصمة المصرية الحالية، يضيف المصدر الإيطالي.
أهداف أمنية
وأردف أن لهذه العاصمة أغراضا أخرى أحدها المساهمة في أمن البلاد على أمل أن ينهي نقل مقرات السلطة أي تهديدات محتملة، خصوصا أن ميدان التحرير، حيث تقع مقار الوزارات حالياً لم يعد يعد مكانا آمنا.
وذلك في ظل صعوبة المرور من الشوارع المجاورة للميدان والكثافة السكانية العالية للمنطقة ما يجعل أمن المكاتب الحكومية أمرا معقدا للغاية، وفق تعبير المعهد.
بينما من الممكن في العاصمة الإدارية الجديدة إدارة التدفق بشكل أفضل، إلا أن هذه ليست الميزة الأكثر إثارة للاهتمام.
ويفيد المعهد بأنه سيجرى مراقبة المدينة والأشخاص الذين سيترددون عليها من خلال استخدام الكاميرات الأمنية وأجهزة استشعار الحركة.
وسيتحقق ذلك بفضل بوابات ضخمة ونقاط تفتيش وربما أيضا أنظمة التعرف على الوجه ومراقبة الحركة والتجمع.
أردف المعهد الإيطالي بأنه جرى تكليف مجموعة طلعت مصطفى، وهي شركة رائدة في التطوير العقاري، ببناء مدينة نور داخل منطقة العاصمة الإدارية.
كما جرى تكليف شركة عامة تسمى العاصمة الإدارية الجديدة للتنمية العمرانية، المملوكة بنسبة 51 بالمئة لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية والنسبة المتبقية 49 بالمئة للجيش المصري، بنتفيذ وتشغيل المشروع.
وانتقد المعهد عدم وضوح معاملات هذه الشركة بالنظر إلى وجود لوائح تنص على أن نفقات الجيش المصري لا تخضع لنفس قيود الشفافية مثل بقية الإنفاق العام.
ويدل قرار تكليف شركة مملوكة جزئيا للجيش على الموقف المحافظ للحكومة، التي لا تزال مترددة في تقليص دور القوات المسلحة في شؤون الدولة وهو ما يطالب به المجتمع الدولي بشدة.
ويذكر هنا صرف صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2022، قرضا بقيمة 3 مليارات دولار مطالبا بانفتاح أكبر للقطاع الخاص داخل الاقتصاد إلى جانب تخفيض موازٍ لحضور الدولة.
وتظل المسألة الحاسمة فيما يتعلق بهذا المشروع العملاق، هي المشاركة الصينية. ورأى المعهد أن المشروع لم يكن ليبدأ أبدا بدون المساهمة المالية من الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي وقع على اتفاقية بقيمة 15 مليون دولار عام 2015 لبناء جزء من المنطقة الإدارية.
ورأى أن القرار الصيني، يخضع لاختبار صعب بسبب الأزمة الاقتصادية العميقة التي ضربت مصر وجعلت قدرتها على سداد القروض أكثر صعوبة.
تلميع النظام
وللمشروع هدف إضافي، يضيف المصدر، يتمثل في تلميع صورة الحكومة في استمرارية لما تميزت به دائما الرئاسات المصرية.
وأكد أن "القرار باستثمار أموال كبيرة في بناء مدن أو بنية تحتية جديدة ضخمة لا يعد في الواقع أمرا جديدا".
ويذكر بأن من الأمثلة الواضحة على ذلك مدينة نصر، وهو مشروع ترأسه مباشرة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في إطار توسعة القاهرة.
ويشرح المعهد أن مثل هذه المشاريع تعمل على إبراز رفاهية الدولة ولهذا السبب لم يقتصر السيسي على بناء العاصمة فحسب، بل هناك مشروع ضخم آخر يجرى تنفيذه على الأراضي المصرية يتعلق ببناء خط سكة حديد مزدوج عالي السرعة بطول 330 كيلومترا.
ومن المفترض أن يربط الخط بين مدينتي العين السخنة، الواقعة بالقرب من السويس، وبرج العرب، في محافظة الإسكندرية وقد أسند المشروع إلى شركة ألمانية بتكلفة 23 مليار دولار.
هذه المشاريع الكبيرة تقود إلى التفكير بسهولة في صورة بلد مزدهر لمن لا يملك معلومات عن الوضع الاقتصادي الحقيقي للبلد، وفق المعهد.
ويشرح بأن الاقتصاد المصري تعرض في السنوات الأخيرة، أولا مع جائحة كوفيد-19 ثم اندلاع الحرب في أوكرانيا، لضربة قاسية، حيث وصل معدل التضخم إلى 25.8 بالمئة وانخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار الأميركي بنسبة 50 بالمئة في مارس/آذار 2022.
وأثر ارتفاع الأسعار بشكل رئيس على المواد الغذائية، كما ارتفعت البطالة ونسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 60 بالمئة.
وبالإضافة إلى صندوق النقد الدولي، حاولت بعض دول الخليج أيضا إنقاذ الاقتصاد من الانهيار بتقديم كل من الإمارات و السعودية أكثر من 20 مليار دولار على مدار عام 2022.
السؤال الرئيس الآن لا يزال ما إذا كانت مصر ستتمكن من سداد ديونها العامة. وفي ظل هذا الوضع، ينتقد المعهد بالقول إنه من الصعب فهم الفائدة الفعلية من إنفاق 58 مليار دولار على بناء العاصمة الإدارية الجديدة.
تستهدف القاهرة خفض معدل الدين من الناتج المحلي الإجمالي من 93 بالمئة حاليا إلى 75 بالمئة بحلول عام 2026.
وعلق المعهد الإيطالي بأن هذا الهدف يظل رهين الوضع الاقتصادي الصعب، خاصة أن القاهرة مطالبة بسداد أكثر من 11 مليار دولار من الديون الممنوحة من صندوق النقد الدولي في نفس العام.
في الختام، لا يستبعد المعهد الإيطالي أن تؤدي مشاريع السيسي الضخمة إلى نتائج عسكية لما يهدف إليه من زيادة نسبة الإجماع حوله.
ولفت إلى أنه مستعد لفعل أي شيء للحفاظ على السلطة على غرار تعديل الدستور بتمديد ولايته من 4 إلى 6 سنوات كما حدث مع استفتاء عام 2019.