النموذج الكوري والبرنامج النووي.. هكذا تمضي خطة التطبيع بين السعودية وإسرائيل

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

"التقارب سيكون قريبا"، بهذه العبارة صرح الرئيس الأميركي جو بايدن، عن مسار التطبيع بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي، وفتح الباب أمام التساؤلات حول الحواجز التي تعيق الإعلان عن التوقيع النهائي.

العبارة التي جاءت على لسان بايدن خلال اجتماع في واشنطن في 4 أغسطس/ آب 2023، حملت الكثير من الدلالات بشأن ما وصل إليه قطار التطبيع بين الطرفين، وتفيد بأن "الخبر الرسمي" ينتظر فقط اللمسات الأخيرة.

وفي 10 أغسطس 2023، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، لشبكة "CNN"، أن بلاده أجرت "محادثات مثمرة" مع حكومتي إسرائيل والسعودية لتطبيع العلاقات.

النموذج الكوري

وتحدثت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية، في تقرير نشرته في 9 أغسطس 2023، تحت عنوان "خطة بايدن" أن "الإدارة الحالية للبيت الأبيض تسعى بقوة لتشكيل الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، من خلال العمل على تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل".

وأوضحت أن "خطة الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين الدولتين ستعيد تشكيل المنطقة، لكنها تواجه عقبات كبيرة".

ولفتت إلى أن "هذه العقبات تكمن في الشروط التي يتم إصدارها بشكل مستمر من النظامين، وأن السعودية لها شروطها، والكيان المحتل له شروطه الموازية".

وتابعت الصحيفة: "تل أبيب تضع خارطة مطالب لعقد اتفاق كالذي تم مع الإمارات والبحرين في 15 سبتمبر/ أيلول 2020 (اتفاقيات أبراهام)، ولكن هذه المرة مع أكبر دولة إسلامية في العالم، بصفتها مقر المقدسات الإسلامية (الحرم المكي والحرم المدني)".

الرياض أيضا لها مطالبها وتريد إذا ما طبعت، أن تحصل على أكبر مكتسبات سياسية وأمنية ممكنة.

كما نشر موقع "بي بي سي" البريطاني، في 2 أغسطس 2023 تقريرا نقل عن دبلوماسيين سعوديين أن المملكة "تسعى للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة، بما في ذلك ضمانات أمنية وعسكرية، ودعم برنامج نووي مدني والحصول على أسلحة متطورة، مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

لكن الشرط السعودي يقابله تململ ورفض إسرائيلي واضح، بل على العكس، تطالب تل أبيب بعدم امتلاك الرياض أي تكنولوجيا نووية.

وفي 8 أغسطس 2023، كتب وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، مقالة لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قال فيها إن "أي اتفاق تطبيع بين الرياض وتل أبيب، سيشمل ضمانا أميركيا للمساعدة في الحفاظ على أمن السعودية ودول الخليج من إيران".

وضرب الوزير الإسرائيلي في مقاله، مثالا على نموذج الضمان الدفاعي الذي منحته الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية في مواجهة هجمات محتملة من كوريا الشمالية.

وأضاف: "كوريا الجنوبية، رغم أنها تعيش في ظل جارة مسلحة نوويا ولديها الوسائل لتطوير أسلحتها النووية، فقد امتنعت عن تطوير الأسلحة النووية".

ليس كوهين وحده الرافض للبرنامج النووي السعودي داخل إدارة بنيامين نتنياهو، ففي 7 يونيو/ حزيران 2023، أعلن وزير الطاقة، يسرائيل كاتس، رفضه القاطع لتطوير برنامج نووي سعودي للأغراض السلمية.

ولفت إلى أن "إسرئيل لا تشجع مثل هذه الأمور، ولا أعتقد أن علينا الموافقة على هذا".

النقطة الثانية في الاشتراطات والعوائق ما يتعلق بملف التسليح السعودي، وحصول الرياض على صفقات أسلحة متطورة من واشنطن.

ورأى المحلل الإسرائيلي البارز المختص في شؤون الأمن، يوسي ميلمان، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، أن "التحركات الأخيرة تظهر أن نتنياهو لديه استعداد واضح للتضحية بالأمن القومي وتعريض بقاء إسرائيل للخطر، لتحسين وضعه الشخصي داخليا وخارجيا، حتى لو كان ذلك بامتلاك السعودية أسلحة متطورة". 

وفي 31 مايو/ آيار 2023، نقلت صحيفة "عرب 48" عن مصادر إسرائيلية، أن طلب السعودية الحصول على أسلحة أميركية متطورة "يعد عائقا أساسيا أمام مسارات التطبيع".

وأضاف المصدر العبري أن تزويد السعودية بأسلحة متطورة "من شأنه أن يستهدف التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط". 

يذكر أنه في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ذكر موقع "سبوتنيك" الروسي، أن مسؤولين إسرائيليين رفضوا تماما حصول الرياض على صفقة طائرات (إف 35) من واشنطن، حتى ولو كان ذلك بمثابة خطوة في طريق التطبيع.

إرهاصات الفشل 

المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، روبرت ستوف، نشر ورقة في 8 مايو 2023 عن مستجدات عملية مفاوضات التطبيع الإسرائيلية السعودية.

وقال ستوف: "أثار ولي العهد السعودي وصاحب النفوذ الكبير محمد بن سلمان شخصيا مسألة احتمال إقامة علاقات مع إسرائيل التي سماها (حليفا محتملا)، وهو وصف نادرا ما يستخدمه حتى أقدم شركاء السلام مع إسرائيل من بين العرب".

وأضاف: "لكن قادة المملكة السياسيين والدينيين قلقون من ردود الفعل الشعبية جراء انخراط البلد الإسلامي الكبير في عملية التطبيع".

وتابع: "هذا تحديدا ما جعل للتطبيع ثمنا لابد أن يدفع، فلا يمكن أن تنطلق المملكة إلى عملية تطبيع مطلقة تثير حفيظة المسلمين في سائر أنحاء العالم، دون مناورة وخطوة قوية تتعلق بالقضية الفلسطينية".

وهذا ما ذهب إليه الباحثون تشاك فريليتش، وإلداد شافيت، ويوئيل جوزنسكي في تحليلهم الصادر عن "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي (INSS) في 2 أغسطس 2023.

وأقروا أن فكرة تطبيع العلاقات رسميا مطروحة للنقاش منذ أن منح السعوديون موافقتهم الضمنية على تطبيع الإمارات والبحرين للعلاقات مع إسرائيل عام 2020.

واستدركوا: "لكن الرياض ترفض حتى اليوم التطبيع مع إسرائيل، مشترطة تطبيق مبادرة السلام العربية التي أطلقها عام 2002 الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز". 

وأشاروا إلى أن "من يتخيل أن السعوديين سيوافقون على التطبيع دون التطرق إلى القضية الفلسطينية واهم".

وتنص المبادرة العربية على إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود عام 1967، عاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل الاعتراف وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ومع ذلك، فإن تحليلات عبرية لم تتعاط بإيجابية مع المطالب السعودية، ونظرت لمستقبل صفقة التطبيع المحتملة "نظرة تشاؤمية".

ففي 8 أغسطس 2023، نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية، تقريرا للصحفيين بن صامويلز وأمير تيبون، تحدثا فيه بوضوح عن صعوبة إتمام الصفقة في الوقت الحالي.

ومما ورد في التقرير أن عددا غير قليل من أعضاء الكونغرس الأميركي يعدون المطالب السعودية الرئيسة الثلاثة للأميركيين من أجل تسهيل صفقة محتملة مع إسرائيل وهي الموافقة على بناء مفاعلات نووية مدنية، ووضع المملكة في مقام حليف مكافئ لعضوية الناتو، "مبالغ فيها".

ويرون أن ذلك يعني أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب السعوديين، وسيتطلب منها خوض حرب إذا تعرضت المملكة للهجوم، وسيتطلب أيضا توريد أسلحة متطورة، وهو ما لا يروق لإسرائيل بسبب أمنها القومي.

ولا يروق أيضا للإدارة الأميركية بسبب السجل السيئ للمملكة المتعلق بحقوق الإنسان، واغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية الرياض بإسطنبول عام 2018. 

أما بالنسبة للمسألة الفلسطينية كعائق أمام التطبيع، فإن تقرير "هآرتس" نقل ما قاله أحد كبار مساعدي الكونغرس عن الرحلة الصعبة المقبلة للوصول إلى توقيع الاتفاق.

وقال: "لا يهتم ابن سلمان بالفلسطينيين وحل الدولتين، لكن الكونغرس يفعل ذلك بالتأكيد، ومازلنا نسمع من حكومة إسرائيل أن ابن سلمان لا يهتم بالمصالح الفلسطينية، لكن الكثير منا يعتقد أنه لا يمكن ضمان السلام المستدام على المدى الطويل إلا من خلال معالجة المسائل الفلسطينية الحاسمة".