حرب إيران وإسرائيل.. هل ترسم مسارا جديدا لمستقبل الحوثيين في اليمن؟

تباينت آراء المراقبين بخصوص خيارات الحوثي في ظل الحرب مع إيران
مع تلقي إيران ضربات إسرائيلية عنيفة، برزت العديد من التساؤلات عن مصير حكم جماعة الحوثي لأجزاء من الجغرافية اليمنية، والتي بسطت سيطرتها عليها منذ عام 2014، بعد انقلابها على السلطة الشرعية في البلاد.
ومن جملة التساؤلات التي أثارتها الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران منذ 13 يونيو/ حزيران 2025، هي ما مدى إقدام جماعة الحوثي على تقديم تنازلات والتخلي عن إيران، وفتح قناة للتفاوض مع السعودية في محاولة لإحياء الحل السياسي للأزمة في اليمن؟
ويرى فريق من المراقبين أنه في حال انهيار إيران الداعم الرئيس للحوثيين، فقد تجنح الجماعة للسلام عبر طرق أبواب السعودية، فيما يعتقد فريق آخر أنها لن تتنازل ولن تتأثر بما يجرى في طهران.

تقديم التنازلات
وعن مصير سلطة الحوثي، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي: إن "إيران كانت المستفيد الأكبر من وجود الحوثيين في صنعاء وعملت في أسرع وقت ممكن على تقوية مركزه السياسي والعسكري، واستفادت من كل الظروف التي أتيحت لهم".
وأوضح الكاتب في حديث لـ"الاستقلال" أن "الإمداد العسكري الذي منح الحوثي الفرصة لممارسة الضغوط العسكرية على المستويين الإقليمي والدولي والمحلي، لا شك أنه سيقل وربما سيتوقف وينتهي في المرحلة المقبلة".
ورأى أن "المشكلة ليست في أن الحوثي سيفقد داعما إقليميا مهما من خلال تلقي الهزيمة في هذه الحرب، وإنما في القوى التي يمكنها أن تستقبل هذا التحول الإستراتيجي على مستوى المنطقة".
وأوضح الخبير اليمني أن “هذا الحدث يأتي في وقت تعاني فيه الساحة اليمنية من شلل كبير جدا، وهذا ليس فقط سببه أن الحوثي تتحكم في مركز الدولة بصنعاء”.
وإنما يعود في جزء أساسي منه إلى انقسام الشرعية (الحكومة المعترف بها دوليا) ووجود مشاريع مناهضة للدولة اليمنية، ومنها مشروع الانفصال المدعوم من دولة الإمارات.
بالتالي "نحتاج إلى تحوّل في الموقف الإقليمي الذي يدعي أنه يدعم الحكومة الشرعية لنتأكد من أنه بالفعل يمكن لليمن استعادة السلام والاستقرار، ويستفيد من التحول الإقليمي الذي نراه اليوم".
من جهته، رأى المحلل السياسي اليمني، نبيل البكيري، أن “الحوثيين هم من جملة الأطراف المدعومة إيرانيا التي ستتأثر بأي نتيجة للحرب الحالية”.
وفي حديث لـ"الاستقلال" أوضح أن "الضربات التي تلقتها إيران قاصمة وكبيرة ولا يقل تأثيرها على جماعة الحوثي كتأثيرها على بقية الأذرع والمليشيات في العراق ولبنان".
وأعرب البكيري عن اعتقاده بأن "المسار الحالي للأحداث هو ما سيرسم حدود ومستقبل جماعة الحوثي؛ لأن هزيمة إيران واستسلامها هي بالضرورة هزيمة للحوثيين".
وأشار إلى أن “الحوثيين متمنعون ولم يقدموا تنازلات على مدار عشر سنوات من الحرب في اليمن، لكنهم إذا شعروا أنهم بقوا وحيدين ربما يتنازلوا”.
وذكر أن "هذه الجماعة لم تعد مقبولة من اليمنيين؛ لأنها تتناقض مع فكرة الدولة والاجتماع والحوار الوطني والجمهورية والنظام القائم".
ورجّح الخبير اليمني أن "يسارع الحوثيون بتقديم تنازلات، لكن الأزمة اليمنية أعمق من هذه المسألة.
ولفت إلى أن بوادر الحرب في اليمن أكثر من فرص السلام، خصوصا أن الصراع لا يزال قائما في البلاد، لكنه في حالة خمول الآن.

خياران اثنان
وعن مدى جنوح الحوثي إلى الحل السياسي وفتح قنوات تواصل مع السعودية التي سبق لها أن قادت مبادرة من هذا النوع لإنهاء الأزمة في اليمن، رأى التميمي أن "علاقة الحوثيين بالسعودية مرّت بأطوار عدة".
وبيّن أن “الحوثي حصل على السلام وتجنب الهزيمة العسكرية بفعل الضغوط الأميركية التي مورست على السعودية، خصوصا في عهد حكم الحزب الديمقراطي للولايات المتحدة”.
فبعد ذلك حدث تحول في الموقف الأميركي حتى في ظل إدارة الرئيس السابق جو بايدن وأصبح الحوثي هدفا عسكريا في عهد خلفه دونالد ترامب.
وأردف: "بالتالي فإنه خلال الفترة الأولى ذهبت السعودية للتفاوض مع الحوثيين، وفي المرحلة التالية أبقت الرياض على قنوات الاتصال نشطة مع الجماعة لكنها كانت في معزل عن الضغوط التي كان يهدد بها الحوثي في الغالب".
وطبقا للتميمي، فإن “الحوثي اليوم يفقد فرصا أكثر وأكثر ويصبح أضعف من أي وقت مضى”. مبينا أن "السعودية يمكن لها أن تدفعهم إلى صفقة لكن وفق ما تريدها هي، عوضا عن أنها تفي بالتزاماتها تجاه الشرعية اليمنية".
وتابع: "السعودية هنا، قد تفرض أولوياتها على الحوثيين أكثر من أولويات الشعب اليمني، بالتالي فإننا نتوقع في كل الأحوال أن تؤول الأمور إلى ما لا يتفق مع مصالح اليمنيين، وهذا يعود في جانب منه إلى سوء الأولويات والنوايا الإقليمية تجاه اليمن".
وفي أبريل/ نيسان 2023، بدأت "محادثات خارطة الطريق" بين السعودية والحوثيين لإيجاد حلّ سياسي في البلاد.
وجاء ذلك عندما التقى السفير السعوي لدى اليمن، محمد الجابر، مسؤولين حوثيين في صنعاء، ثم زيارة وفد حوثي إلى السعودية، ولقاء المسؤولين هناك بوساطة عُمانية.
لكن المحادثات توقفت مع أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ودخول الحوثيين طرفا مساندا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وذلك عبر استهدافهم السفن الداعمة لإسرائيل في البحر الأحمر، إضافة إلى قصف الأراضي المحتلة بالصواريخ والمسيّرات.
وعلى الصعيد ذاته، أكد البكيري أن "الضربات الإسرائيلية القاصمة التي وجهت لإيران لا شك أنه سيترتب عليها أشياء كثيرة تتعلق بمستقبل جماعة الحوثي في اليمن".
ونوّه إلى أن "الحوثي استنفدت كل أوراقها، وكانت آخر ورقة استخدمتها هي الهجمات في البحر الأحمر، والتي حسمت من خلال ضربات تلقتها الجماعة من الأميركيين والإسرائيليين".
وخلص البكري إلى أنه "لم يعد أمام الحوثيين سوى خيارين اثنين، هما إما الانتحار أو الذهاب إلى تقديم تنازلات والتي لم تعد مقبولة من الشعب اليمني (أي أنه يطالب برحيلها)".

"وريث الممانعة"
وفي المقابل، قلل الكاتب السياسي السمني، عادل الأحمدي، من أثر التطورات الحالية، ورأى أن الحوثي "لن يكون ضعيفا لمجرد إضعاف إيران، حتى ولو سقط النظام هناك، فيجب الاستهانة بخطرهم القائم بحد ذاته والذي قد لا يتأثر بسقوط داعميه".
وأضاف الأحمدي خلال حديث صحيفة "الأيام" اليمنية في 16 يونيو، أن "علاقة الحوثي بإيران كعلاقة الأصابع بالكفّ، ولكن الجماعة امتداد لتيار إمامي ظل يتخفى فترات زمنية ويعمل بإيعاز من الطموح الفارسي، ولهذا فلا سبيل أمام القوى الحكومية سوى سحقه عسكريا".
وحتى في حال سقوط النظام الإيراني، يضيف الأحمدي، فإن ذلك "لن يدفع الحوثي للحاضنة العربية؛ لأنه مشروع يتشرب العداء للجوار العربي، ولا أتوقع أن يدفعهم ذلك إلى الموافقة على خريطة الطريق للسلام؛ لأنهم يريدون أن ينتقل إليهم المشروع ومحور الممانعة".
وفي النقطة ذاتها، قال الباحث والأكاديمي اليمني، عمر عبد الجليل: إن تزامن هجمات الحوثيين مع الضربة الإيرانية الأخيرة على إسرائيل ليس مجرد تضامن لحظي أو استعراض عسكري، بل يندرج ضمن خطة إستراتيجية أوسع تُحرِّكها طهران لمواجهة التصعيد الإسرائيلي.
ولفت عبد الجليل في تصريح لموقع "يمن مونيتور" اليمني في 15 يونيو، إلى أن "العلاقة بين إيران والحوثي عضوية؛ حيث تسارع الجماعة للانخراط في المواجهة كلما تعرضت طهران لهزات، ليس فقط لحماية الأخيرة كحليف إستراتيجي، وإنما لحماية نفسها أيضا".
وبحسب عبد الجليل، فإن “جماعة الحوثي هي الورقة الإيرانية الأكثر قدرة على التحرك والمناورة، بخلاف أذرع أخرى في المنطقة”.
لذلك، يتوقع أن "نشهد تصعيدًا واسعًا من الحوثيين على أكثر من محور: استهداف العمق الإسرائيلي، وضرب الملاحة في مضيق باب المندب، بينما تتولى إيران الضغط من جهة مضيق هرمز".
لكن الأكاديمي اليمني حذر من أن هذه الخطوات "محفوفة بالمخاطر؛ إذ إن الهجمات على الملاحة الدولية قد تستفز رد فعل دولي جماعي، خاصة مع تصاعد الضغوط الداخلية ضد الحوثيين من قبل قوى يمنية محلية".
وفي اليوم الثاني للهجوم الإسرائيلي على إيران، أعلنت تل أبيب تنفيذ غارة استهدفت موقًعا في صنعاء، متحدثة عن استهداف رئيس أركان الحوثيين محمد الغماري، وهو ما نفته الجماعة في 15 يونيو.
يأتي ذلك في وقت تتواصل فيه الهجمات الحوثية على أهداف مرتبطة بإسرائيل، في محاولة للوقوف مع طهران، وهو ما وصفه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خلال خطاب تلفزيوني في 15 يونيو، بـ"الرد الطبيعي على العدوان الصهيوني الوقح".
وفي الداخل اليمني، أعلنت الجماعة رفع جاهزيتها الأمنية في صنعاء ومناطق سيطرتها، وسط تخوف متزايد من ضربات تستهدف قياداتها، خاصة في ظل تصاعد تهديدات إسرائيل، وتلميحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإمكانية استهداف المرشد الإيراني علي خامنئي نفسه.
المصادر
- ما تداعيات زلزال إيران على قواعد الحوثي؟
- هل تغير حرب إيران وإسرائيل مصير الحوثيين في اليمن؟
- الحوثي كذراع إيران النووية.. شراكة المصير وسط تصعيد يهز الشرق الأوسط-تقرير خاص
- أول تعليق من عبدالملك الحوثي على الضربة الإسرائيلية بإيران وموقف دول المنطقة
- محليا وإقليميا.. هل تستثمر "الشرعية اليمنية" في تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية؟
- "الحوثي" تنفي استهداف رئيس أركانها بغارة إسرائيلية