الأسد وصمها بـ"الغدر والنفاق".. كيف قامرت حماس بمحيطها السني لأجل إيران؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

فجر رأس النظام السوري بشار الأسد مفاجئة من العيار الثقيل بإعادته العلاقة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى حالة التوتر من جديد، رغم محاولة الطرفين تطبيعها أخيرا بدفع إيراني.

وأطلق الأسد تصريحات عدها كثيرون، مخيبة للآمال بالنسبة لحركة حماس التي أعلنت تطبيع العلاقات معه في 15 سبتمبر/أيلول 2022 بعد عقد من القطيعة السياسية لرفضها قمع ثورة السوريين التي اندلعت عام 2011.

انقلاب على حماس

وبدون مقدمات أو وجود إشارات علنية لشكل الخلاف، قال بشار الأسد خلال مقابلة من القصر الجمهوري بدمشق مع قناة سكاي نيوز عربية التي تملكها الإمارات بتاريخ 9 أغسطس/آب 2023: "إن موقف حماس منا كان مزيجا من الغدر والنفاق".

وأضاف الأسد في معرض إجابته على سؤال حول إمكانية عودة العلاقة على ما كانت عليه، قائلا: "إن قيادة حماس التي ادعت بأنها تقف مع المقاومة هي نفسها التي حملت علم الاحتلال الفرنسي لسوريا".

وتساءل: "كيف يمكن لشخص يدعي المقاومة أن يقف مع احتلال نتج باحتلال أميركي وتركي وعدوان إسرائيلي، وهذا الموقف هو مزيج من الغدر والنفاق"، في إشارة لرفع قادة حماس علم الثورة السورية إبان اندلاعها.

وشكّلت الثورة وتدخل إيران عسكريا عام 2012 لحماية نظام الأسد من السقوط وتسخير كل قدراتها المالية والعسكرية لذلك، أولى بوادر جفاء حركة حماس التي تأسست عام 1987 مع طهران.

ونقلت الحركة حينها مقراتها وقياداتها خارج سوريا بعدما أعلنت وقوفها إلى جانب خيار الشعب الثائر.

وغادر رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك خالد مشعل عام 2012 مقر إقامته من دمشق إلى الدوحة، بعدما اتخذت حماس منذ عام 1999 العاصمة السورية مقرا لها.

وأشار الأسد في أول لقاء له على قناة إخبارية عربية منذ 2012 بالقول: "إن العلاقة اليوم مع حماس هي علاقة ضمن المبدأ العام والحركة حاليا ليس لديها مكاتب في سوريا ومن المبكر الحديث عن مثل هذا الأمر، لدينا أولويات الآن أهمها المعارك في الداخل".

وأصدرت حماس في 15 سبتمبر/أيلول 2022 بيانا رسميا بعد شهرين ونصف من التسريبات، أكدت فيه "مُضيها في بناء وتطوير علاقات راسخة مع الجمهورية العربية السورية".

وجاء في البيان أن قرار عودة العلاقات مع النظام السوري بعد قطيعة استمرت لعقد من الزمن، "جاء خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين".

وحمل بيان الحركة عنوان "أمة واحدة في مواجهة الاحتلال والعدوان"، ما أثار استهجانا كبيرا في صفوف المعارضة السورية.

التغزل بالأسد

اللافت أن حركة حماس ذهبت بعيدا في العلاقة مع الأسد الذي قتل وشرد السوريين والفلسطينيين على حد سواء خلال العقد الأخير.

وتمثل ذلك بتوجه خليل الحية نائب قائد حركة "حماس" في غزة، مع وفد من الفصائل الفلسطينية إلى العاصمة دمشق والاجتماع ببشار الأسد في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وقال الحية حينها إن اللقاء مع الأسد "كان دافئا وقد أبدى تصميمه على تقديم كل الدعم من سوريا للشعب الفلسطيني ومقاومته".

ووصف الحية اللقاء مع الأسد في مؤتمر صحفي بدمشق، بأنه "يوم مجيد ومنه نستأنف حضورنا في (دمشق) والعمل معها دعماً لشعبنا ولاستقرار سوريا".

ثم خرج رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار، خلال مهرجان نُظّم بغزة بمناسبة يوم القدس العالمي، في 14 أبريل/نيسان 2023، وقال إن الفضل في بناء المقاومة يعود "لدعم الجمهورية الإسلامية في إيران، ومساندة سوريا الأسد، وتطوير علاقتنا بحزب الله".

وقد رأى السوريون أن استخدام السنوار لجملة "سوريا الأسد" فيها إنكار مباشر ومتعمد لتضحيات الشعب السوري منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 للخلاص من الاستبداد والقمع.

إذ يحكم آل الأسد البلاد منذ عام 1971 واستباحوا خلال هذه السنوات مقدرات البلد وحولوه إلى مزرعة خاصة بهم مارسوا فيها كل أنواع الإجرام بحق السوريين.

كما ردت جماعة "الإخوان المسلمين في سوريا" في بيان لها، على خطاب "يحيى السنوار"، بالتأكيد على أن "القدس لا يحررها القتلة والمجرمون، الذين باعوها سابقا واليوم وغدا، وأيديهم ما زالت ملطخة بدماء الأطهار الذين قدموا وبذلوا الغالي والنفيس في محاولة تحريرها من المغتصبين".

التقية السياسية

وتواصلت "الاستقلال" مع الناطق الإعلامي باسم "حماس" حازم قاسم، للرد على موقف الحركة من تصريحات الأسد الجديدة بحقها على قناة سكاي نيوز عربية، إلا أنها لم تتلق ردا منه.

ولا يمكن الحديث عن العلاقة بين نظام الأسد وحركة حماس، بمعزل عن إيران التي تعد داعما رئيسا للمقاومة الفلسطينية والتي تضعها دائما في مرمى الاتهامات، وتعرّض صورتها للتشويه.

فمنذ استئناف العلاقة بين حماس والنظام السوري، قرأ البعض هذه الخطوة بوجود ضغط إيراني على الحركة، نحو استعادة تلك العلاقة لتقوية "المحور الإيراني" من باب إعادة طهران لترتيب صفوف حلفائها بالمنطقة، بهدف استخدامها كأوراق ضغط في مفاوضاتها مع الغرب.

لكن جرى تحذير حركة حماس من التداعيات السلبية التي قد تلحق بها وخاصة على صعيد "حاضنتها الشعبية وعمقها العربي" نتيجة تقاربها مع الأسد.

إذ يرى كثير من المراقبين أن الدعم الإيراني لحماس ماليا وعسكريا وسياسيا، ليس بلا ثمن، وهذا ما يمثل نقطة ضعف بالنسبة للحركة، والذي كان أحد أسباب نجاح الجمهورية الإسلامية في استدراجها للتطبيع مع الأسد.

وذكرت دراسة بحثية لـ "الاستقلال" تحت عنوان "علاقات حماس وإيران.. بين مبادئ الحركة وحسابات المصالح"، أن الإيرانيّين يتهمون هذا الفصيل الفلسطيني بارتكاب خطأ إستراتيجي تمثل في تخليها عمليا عن أفكارها وأيديولوجيتها "الثورية" في مواجهة الكيان الصهيوني.

ونوهت الدراسة إلى أن تفاهمات حماس الأخيرة مع النظام السوري كخطوة مهد إليها ورتبها الإيرانيون، وأثارت استياء أصوات مؤيدة لها، واستنكرت الخطوة التي رأتها غير مبررة، وأنها لن تفيد الفلسطينيين، وتدور في إطار الحليف الإيراني، وطالبت الحركة بمراجعة قرارها.

 وحول هذه الجزئية، رأى الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس، أن "تصريح الأسد حول حماس، يأتي في سياق واضح أن قبول النظام بالمصالحة معها، نتيجة الأمر الإيراني للجهتين".

وأضاف الهواس لـ "الاستقلال" قائلا: "كل جهة لا ترغب بالأخرى، ولكن التقية السياسية التي تمارسها حماس جعلتها تغض الطرف عن دماء الفلسطينيين الذين قتلوا على يد النظام، وكذلك السيادة المنقوصة للأسد".

فقد تحول رأس النظام إلى موظف عند الملالي (النظام الإيراني)، يوقع على ما يطلبون، وهم من يتحكم بما يسمى مناطق سيطرته، وفق الهواس.

ومضى يقول: "حقيقة الأمر أن الطرفين (نظام الأسد وحماس) مارسا النفاق ولم يتوقف على طرف بعينه"، وفق وصفه.

وألمح إلى أن "وصف الأسد لحماس بالنفاق والغدر، رد طبيعي لمجرم أرادت الحركة أن تغسل يديه من دماء السوريين ومجزرة التضامن، وأن تقدمه على أنه نظام يقاوم إسرائيل، مع أنه يحميها".

وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت في 27 أبريل 2022، تسجيلا مصورا يظهر مجزرة إعدام جماعي لـ41 مدنيا رميا بالرصاص في أبريل 2013 بحي التضامن جنوب دمشق، من قبل ضابط برتبة صغيرة في قوات الأسد.

وبين هؤلاء المدنيين العزّل الذين جرى إعدامهم بدم بارد، لاجئون فلسطينيون يقيمون في مخيم اليرموك جنوب العاصمة الذي يعد عاصمة الشتات الفلسطيني، وهي جرائم تداولها السوريون بعد تطبيع العلاقات في محاولة لثني حماس عن التطبيع.

مغامرة بالمحيط

مهاجمة نظام الأسد لحركة حماس بصوت عال، تشير إلى أن الحركة قامرت بمحيطها السني منذ إعلان التطبيع معه، من أجل إيران حليفته الأولى في قمع السوريين.

وهو الأمر الذي هز صورتها كحركة مقاومة عسكرية وطنية، تسعى لتحرير فلسطين وفي نفس الوقت تناصر مجرما استباح دماء السوريين والفلسطينيين على حد سواء.

ورأى بعض المراقبين أن حركة حماس أخطأت التقدير عندما تهافتت للتطبيع مع الأسد، ذلك أن النظام استقبلها بدمشق في أوج قوتها وصعودها وذروة حاجته لها لتعزيز شرعيته من جديد أمام السوريين.

لكن خلال عام واحد تقريبا وهي فترة إعلان استئناف حماس العلاقة مع النظام السوري، أثبتت الوقائع أن الحركة خسرت الشعوب العربية المناضلة لنيل الحرية، ولم تكسب أيضا رضا الطغاة وعلى رأسهم سفاح الشام بشار الأسد.

ولا سيما أن حماس تجاهلت دعوات شعبية سورية وعربية وأخرى من شخصيات لها ثقلها الإسلامي حثتها على التراجع عن خطوة تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد مجددا.

ودعت تلك الأطراف الحركة للتراجع لما في هذا القرار "من مفاسد عظيمة" وأنه "لا يتفق مع المبادئ والقيم والضوابط الشرعية"، حسبما نشر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في 9 يوليو/تموز 2022، في بيان عقب لقاء لثلة من علمائه مع قادة حماس بمدينة إسطنبول.

ورأى ناشطون أن اتهام النظام السوري لحركة حماس "بالنفاق والغدر"، أعطى دليلا على صوابية، لهجة التحذير المسبقة للحركة من التقارب معه.

إذ إنه إبان إعلان التطبيع نشرت جماعة "الإخوان المسلمين في سوريا"، رسالة، موجهة لحركة حماس، نبهتهم إلى أن "وضع يدكم بيد الطاغية الملوثة بدماء شعبكم سيفقدكم مصالحكم الإستراتيجية ويجردكم من قوتكم الحقيقية".

وجاء فيها: "لا تأخذكم ضغوط اللحظة الحاضرة إلى ضياع البوصلة، ولا تفجعونا بكم فأنتم أصحاب قضية عادلة، ولا تنسوا أن في سوريا أصحاب قضية عادلة أيضا".

وتابعت الرسالة الموجهة إلى حماس أنه "إذا كنتم تغارون على فلسطين فنحن نغار عليها وعلى سوريا أيضا".

درس للحركة

وأمام لدغ نظام الأسد لحماس مجددا، برزت كثير من الأصوات التي تدعو الحركة إلى مراجعة منهجيتها وإستراتيجيتها في التعامل مع الأنظمة المجرمة.

وضمن هذا الجزئية، كتب الإعلامي المصري معتز مطر على منصة "x" (تويتر سابقا) مخاطبا حماس: "وصفوه بالمقاوم الشريف وأرسلوا وفدا يتودد إليه في قلعة إجرامه.. فخرج بشار في حوار متلفز ليصفهم بالغدر والخيانة !!".

وأضاف مطر قائلا: "أن تسلك طريقا معوجا وتتحالف مع القتلة والمجرمين متعللا أنك تحاول الوصول لغاية نبيلة فهذا عبث، مقاومة الاحتلال أبدا لا تكون بشراكة الأنجاس !!.. فهل يتعلم القوم في حماس الدرس؟!".

بدورها علقت الإعلامية السورية صبا مدور بالقول: "توقعت حماس أن تفرط فقط بسمعتها أمام الشعوب، ورضيت بذلك. لكنها الآن تكتشف أن لا قيمة لها أمام نظام قاتل مجرم هرولت له بلا مقابل".

وزادت مدور بالقول في منشور على حسابها في منصة "x": "البعض يفضل السياسة والآخر يتمسك بالأخلاق ولكن الخيبة الكبرى أن تفشل في الاثنين معا".

وبدوره، قال المحلل السياسي طلال نصار، خلال تصريحات تلفزيونية في 10 أغسطس 2023: إن "قيادة حماس السابقة المتمثلة بخالد مشعل والحالية إسماعيل هنية تمثل إحداهما الأخرى، وهي ترد على الاحتلال الإسرائيلي".

بينما الذي عليه أن يخجل هو من تمر طائرات الاحتلال فوق قصره ولا يرد على هذه الطائرات بينما حماس ترد على كل خرق إسرائيلي وعلى كل اغتيال، وفق تقديره.

وأضاف: "هذه المغالطات من الأسد هي من أجل تثبيت كرسيه في الحكم، وبالتالي فإن الغمز على حماس يريد منه أن يضع الأسافيل (دق الأسافين) داخل الحركة".

ومضى يقول: "جلوس حماس مع الأسد لا يعني أنها أقرت بجرائمه تجاه الشعب السوري واغتصابه للنساء وضربه للكيماوي على الغوطة وتهيجر 14 مليون سوري".

ورأى أن "حماس التي ترفض التبرعات لها بشروط، سترفض تصريحات الأسد بحقها، وسيكون لها موقف منسجم مع الأمة العربية والإسلامية ومع الثورة السورية".

بدوره رأى مدير مركز القارات الثلاث للدراسات الباحث السوري أحمد الحسن، أن تصريحات الأسد "مرتبطة بازدواجية المعايير التي يستخدمها، فحين يكون على قناة إيرانية يتناول حركة حماس بإيجابية كما فعل في لقاءات سابقة مع قناة العالم والتلفزيون الإيراني".

وأضاف الحسن لـ "الاستقلال": "أما حين يحل بشار الأسد على قناة إماراتية لديها مشكلات مع حماس فيجري الحديث بطريقة سلبية".

ومضى يقول: "لذلك لا يحمل حديث بشار أي أهمية بالنهاية فالمتحكم بالقرارات وخاصة في موضوع حماس، هو إيران، والأسد أداة تنفيذ فقط".