عقدت خطة "إيكواس".. لماذا ترفض الجزائر التدخل العسكري ضد انقلاب النيجر؟

12

طباعة

مشاركة

تناول موقع "TV5 Monde" الفرنسي الموقف الجزائري من احتمالات التدخل العسكري في النيجر، مشيرا إلى أسباب إعلان الجزائر رفضها لتلويح المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بـ"استخدام القوة".

وأكد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في 5 أغسطس/آب 2023، على "ضرورة العودة إلى الشرعية الدستورية في النيجر"، معربا عن "رفضه التام والقطعي للتدخل العسكري" في الجارة الجنوبية لبلاده.

وفي 26 يوليو/تموز 2023، احتجز عناصر من الحرس الرئاسي في النيجر الرئيس محمد بازوم وعائلته، وبعد فشلهم في إرغامه على إعلان استقالته، علقوا في اليوم التالي العمل بالدستور.

كما أعلنوا تشكيل ما سُمي "المجلس الانتقالي لحماية الوطن"، بقيادة القائد السابق للحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن (عمر) تشياني. ولاحقا في 10 أغسطس، وقع الأخير، على مرسوم بتشكيل حكومة انتقالية جديدة ضمت 21 وزيرا من شخصيات مدنية وعسكرية.

وحذر تبون من أن "أي تدخل عسكري لا ينجر عنه إلا المشاكل"، مستدلا بما جرى في ليبيا وسوريا، حيث لا تزال "المشاكل مطروحة والأمور متشعبة". كما حذر من أن مثل هذا التدخل يمكن أن يؤدي إلى "إشعال (منطقة) الساحل (غربي إفريقيا)".

وجاء هذا التحذير بعد منح المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) مهلة أسبوع في النيجر (انتهت بالفعل في 5 أغسطس) لإنهاء الانقلاب، في ظل تهديد بتدخل عسكري محتمل لإعادة الرئيس بازوم إلى الحكم.

أسباب الرفض الجزائري

وحول رفض الرئيس تبون التدخل العسكري في النيجر، قال مدير الأبحاث في معهد "الدراسات الاستشرافية وأمن أوروبا" في باريس، قادر عبد الرحيم، إن "هناك عدة أسباب تدفعه لاتخاذ هذا الموقف".

وأوضح الباحث الجزائري للموقع الفرنسي: "أولا من حيث المبدأ، ولأنها عقيدتها منذ الاستقلال، فإن الجزائر معادية لأي شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة"، مؤكدا أنها "مسألة موقف دبلوماسي مبادئي".

"والسبب الآخر هو أن الجزائر تعد الساحل الإفريقي، والبلدان المجاورة لها مثل النيجر ومالي، فناؤها الخلفي وعمقها الإستراتيجي، ولذلك خرج الرئيس تبون بهذا التصريح".

وأضاف المحلل السياسي أنه "يجب علينا جميعا العودة إلى جذور الأزمة والصراعات التي نشهدها في النيجر والمنطقة منذ أكثر من 10 سنوات".

وأردف: "إنها نتيجة للحرب التي أشعلتها فرنسا وبريطانيا عام 2011 في ليبيا، فقد أدى ذلك إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، ومازلنا ندفع ثمن الأمر حتى اليوم".

وأكد عبد الرحيم أن "الجزائر بلد يشعر اليوم بالقلق، من رؤية تطورات الصراعات الشاملة على حدوده وفي محيطه الإقليمي".

 وتابع: "الجزائر تمتلك ألف كيلومتر من الحدود المشتركة مع النيجر، و1200 كيلومتر مع ليبيا التي لا تستطيع استعادة استقرارها، كما أن لها 900 كيلومتر من الحدود مع تونس، وهي أيضا دولة تعيش على حافة الهاوية".

وأضاف: "إذا نظرنا إلى الحدود الجنوبية للصحراء ومنطقة الساحل، فإن النيجر ومالي وبوركينا فاسو اليوم في حالة من عدم الاستقرار، بعد وقوع انقلابات عسكرية وتحولات مختلفة، وهذا ما يفسر قلق الجزائر".

وقال المحلل الجزائري: "لقد مضت 12 سنة، ولم ينجح الأوروبيون بعد في بسط الاستقرار في هذه الدول، التي كانت في الأصل موالية لفرنسا". 

وعلاوة على ذلك، لم يجد الأوروبيون النمط العسكري اللازم لمحاربة الجماعات الإرهابية المختلفة في المنطقة، ومنها تنظيما الدولة والقاعدة.

دور روسي

ووجه موقع "TV5 Monde" الفرنسي سؤالا للباحث الجزائري، حول الدور الروسي في قرار الجزائر رفض التدخل العسكري، علما بأن موسكو هي أكبر مورد للأسلحة إلى الدولة المغاربية.

ورد عبد الرحيم بالقول: "كلا، هذان شيئان منفصلان"، مشيرا إلى أن "الجزائر تعمل اليوم على تنويع شراكاتها، على الرغم من أن 70 بالمئة من سلاح الجيش الجزائري قادم من روسيا". 

وأضاف: "من وجهة نظر دبلوماسية بحتة، فإن روسيا لن تسعى، بالطبع، إلى الدخول في مواجهة مع الجزائر، هذا فضلا عن أن مجموعة (مرتزقة) فاغنر الروسية موجودة بالفعل في النيجر، ولم تتدخل بعد".

وشدد عبد الرحيم على أن "روسيا ستتيح للجزائر مواصلة إدارة مساحتها وبيئتها الطبيعية والإستراتيجية".

وأكد أن "طبيعة العلاقات بين الجزائر وروسيا تعني أنه ليس لأي طرف منهما اليوم أي مصلحة في المواجهة".

"بل على العكس تماما، فإن الدولتين تتشاوران مع بعضهما بعضا أكثر مما هو مُعلن، لا سيما بشأن القضايا التي تخص منطقة الساحل الإفريقي"، وفق الباحث الجزائري.

وتابع أن "هذا يتأكد بشكل خاص في ظل الوضع الذي باتت فاغنر تمثل فيه مشكلة بالنسبة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين".

وأضاف: "لذا، لن تكون هناك نقاط خلاف حول هذا الموضوع بين الجزائر وروسيا".

فرص التدخل العسكري

ويرى عبد الرحيم أن "الجماعات الإرهابية -أيا كانت وأيا كان انتماؤها- لن تشن هجوما في النيجر".

وأوضح: "صحيح أنهم في وضع مواتٍ لهم إلى حد ما، لكنهم سيظلون في حالة مراقبة، وسينتظرون ليروا كيف سيتطور الوضع".

وأردف أنه بالنسبة لاحتمالية شن جيوش مجموعة "إيكواس"، حربا لإعادة الرئيس النيجري، محمد بازوم، إلى منصبه، فإن "الأمر معقد".

ولا يعتقد أنه سيكون هناك أي تدخل عسكري من إيكواس، مضيفا: "إنها عملية معقدة جدا، فلا يوجد الكثير من جيوش الدول الأعضاء في المجموعة على استعداد اليوم للذهاب والموت من أجل النيجر".

وأفاد عبد الرحيم بأن نيجيريا تمتلك واحدا من أقوى الجيوش في القارة، لكن لديها مشكلة كبيرة، وهي أن غالبية الجنود الذين يشكلون جيشها هم من مجموعة عرقية واحدة، وهي "الهوسا".

ونوه إلى أن "هذه هي نفس العرقية التي ينتمي إليها الجنرال عبد الرحمن تشياني، الذي يقف وراء الانقلاب".

علاوة على ذلك، فإن "جنود جيش النيجر هم أيضا في الغالب من الهوسا، ولذلك سيكون التدخل العسكري معقدا".

أضف إلى ذلك أن "الجزائر أعلنت رفضها للتدخل العسكري، ومن الصعب اليوم تصور عمليات من هذا النوع دون موافقة أو دعم -حتى لو لم يكن عسكريا، ولكن على الأقل دبلوماسيا- من (الدولة المغاربية)، خاصة في منطقة غير مستقر ومثقلة بالاضطرابات بالفعل".

دور مالي

وتساءل موقع "TV5 Monde" الفرنسي، قائلا: "هل لدى مالي وبوركينا فاسو -اللتين أعلنتا أنهما ستحملان السلاح إلى جانب النيجر في حالة التدخل العسكري- علاقة قوية أيضا مع الجزائر؟".

وأجاب عبد الرحيم بالتأكيد على أن "مالي أيضا تمثل عمقا إستراتيجيا للجزائر، إذ تمتد حدودهما على طول حوالي ألف كيلومتر، على الجهة الجنوبية للدولة المغاربية".

وتُعد "جبال إيفوغاس" موضوع اهتمام كبير، حيث تسيطر حاليا الجماعات الإرهابية عليها، وفق قوله.

وأشار إلى أن هذا أيضا يفسر قلق الجزائر، إذ لا يمكن أن نتخيل للحظة واحدة أن الجيش المالي سيذهب للقتال إلى جانب النيجريين، إذا كان هناك تدخل عسكري من "إيكواس".

"وذلك نظرا لعدم قدرته أصلا على التدخل في أرضه، وخصوصا في الشمال، للحد من الضحايا، وهذا هو السبب ببساطة"، وفق عبد الرحيم.

وشدد الباحث على أن "الجنود الماليين لا يمتلكون خبرة قتالية كبيرة، وقد فشل الجيش المالي في وقف تصاعد الإرهاب في المنطقة وفي بلاده حتى الآن".

ويعتقد عبد الرحيم أن "الحل يكمن في وضع خطة تعاون حقيقية، وحيث إن الولايات المتحدة لم تتحدث كثيرا عن هذا الأمر، فإن المسؤولية تقع على عاتق الاتحاد الأوروبي ومجموعة إيكواس".

"ويجب أن تهدف هذه الخطة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية، جنبا إلى جنب مع مكافحة الإرهاب بطريقة فعالة، في تلك المنطقة التي تعاني من تفشيه"، حسب الباحث الجزائري.