صراع متصاعد بين سال وسونكو.. إلى أين يتجه الوضع السياسي بالسنغال؟

12

طباعة

مشاركة

في تطور جديد للأحداث بالسنغال، أعلنت وزارة الداخلية عن مقتل شخصين، خلال تظاهرات خرجت في جنوب البلاد، احتجاجا على اعتقال المعارض البارز عثمان سونكو أحد أكثر السياسيين المؤثرين في البلاد.

وفي 31 يوليو/تموز 2023، قالت الوزارة في بيان لها، إنه جرى العثور على جثتين في زيكينشور، المدينة التي يتولى سونكو (49 عاما) رئاسة بلديتها.

وتأتي هذه الاحتجاجات بعد أن ألقت السلطات السنغالية القبض على سونكو في 30 يوليو بعد مشاجرته مع عناصر قوات الأمن المتمركزين خارج منزله، بدعوى أنهم صوروه دون إذن.

واتهمت النيابة العامة السنغالية المعارض سونكو بـ"الدعوة إلى التمرد والتآمر ضد الدولة والتواطؤ الجنائي على إثر تصريحات أدلى بها وتجمعات شارك فيها منذ عام 2021".

هذه الاتهامات تأتي بعد شهرين من محاكمته في قضية منفصلة بتهمة الاغتصاب، والتي تسببت باحتجاجات دامية بأنحاء البلاد سقط خلالها حوالي 16 قتيلا.

وفي الأول من يونيو/حزيران 2023، أدانت محكمة محلية، سونكو المرشح للانتخابات الرئاسية المقررة في فبراير/شباط 2024، بالسجن لمدة عامين بتهمة "إفساد الشباب" المختلفة جدا عن جرائم الاغتصاب التي أدين بارتكابها لشهور.

إجراءات انتقامية

ولم تكتف السلطات السنغالية باعتقال المعارض سونكو وتوجيه تهم إليه، بل أعلنت أيضا عن حل الحزب الذي يترأسه وهو حزب "الوطنيون الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة"، المعروف اختصارا باسم "باستيف".

وفي 31 يوليو 2023، أكد وزير الداخلية السنغالي أنطوان ديوم، حل حزب "باستيف" الذي يقوده المعارض البارز المعتقل عثمان سونكو.

وقال الوزير ديوم -في بيان- إنه جرى حل حزب "باستيف" بموجب مرسوم، وأرجع القرار إلى ما وصفها بالدعوات المتكررة إلى التمرد الذي أسفر عن عدد كبير من القتلى بين مارس/آذار 2021 ويونيو 2023.

وفي مقابل هذه الإجراءات، نفى المعارض السنغالي سونكو ارتكاب أي مخالفات، وطلب من الشعب السنغالي عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل توقيفه "الوقوف على أهبة الاستعداد" لمواجهة الانتهاكات المستمرة بحقه.

وفي 30 يوليو 2023، أعلن سونكو الدخول في إضراب عن الطعام من داخل سجنه، وكتب على فيسبوك "في مواجهة الكثير من الكراهية والأكاذيب والقمع والاضطهاد قررت أن أقاوم، أبدأ إضرابا عن الطعام، أدعو كل المعتقلين السياسيين للقيام بالشيء نفسه".

وبعدها بيوم، كتب سونكو، في تدوينة عبر فيسبوك، "لقد جرى احتجازي ظلما الآن"، مضيفا "إذا تخلى الشعب السنغالي الذي لطالما قاتلت من أجله وقرر تركي بين يدي نظام ماكي سال، فسأخضع كما هي الحال دوما للإرادة الإلهية".

وبعد توجيه اتهامات جنائية إلى المعارض سونكو تشمل "التآمر لإشعال تمرد" والتي من شأنها أن تمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وصف محاموه هذه الاتهامات بأنها ملفقة و"مهزلة" ولها دوافع سياسية.

ويرى محامو وأنصار المعارض سونكو أن كل هذه الإجراءات والتهم الموجهة إلى سونكو تدخل في إطار مخطط لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

محامي عثمان سونكو باباكار ندياي، رأى أن القيادة السياسية بالسنغال تهدف إلى منع سونكو من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وفي الأول من أغسطس/آب 2023، قال ندياي، في تصريح لقناة "فرانس 24"، إنه "لسوء الحظ لدينا اليوم عدالة تكاد تكون خاضعة للسلطة التنفيذية".

وخلص محامي عثمان سونكو، إلى أن "النظام الحالي يضايق خصومه السياسيين ويسجنهم متى شاء وهذا أمر مؤسف لديمقراطيتنا". 

وهذه الأحداث حلقة في صراع طويل بين الحزب الحاكم بزعامة الرئيس ماكي سال وحزب "باستيف" بزعامة سونكو.

وتُعرف السنغال بكونها نموذجا للاستقرار والتداول السلمي للسلطة في إفريقيا طيلة 60 عاما أعقبت استقلالها، حيث لم تشهد البلاد نزاعات إلا نادرا، وهو ما أسهم في تحقيق استقرار دستوري وسياسي واقتصادي. 

ولكن هناك تخوفات من أن يؤثر هذا الصراع على الاستقرار الدستوري والسياسي والاقتصادي خاصة مع قرب سباق الانتخابات الرئاسية المرتقب في فبراير 2024.

فما هي تداعيات هذا الصراع على الوضع السياسي للبلاد الذي يعرف استقرارا منذ عقود؟ وهل يهدد هذا الصراع السياسي الاستقرار الذي تعيشه السنغال منذ عقود؟ 

زعزعة للاستقرار

الباحث السنغالي المختص في العلوم السياسية، هارون با، رأى أن ما يجرى بالسنغال قد يؤدي إلى "زعزعة استقرار البلاد"، مستدركا: "لكن الظاهر أن الدولة تحاول أن تتحكم في الملف قانونيا".

وأضاف با، في حديث لـ"الاستقلال"، أن السنغال تعرف موجة من الاعتقالات التي تنال قيادة حزب "باستيف" والمتعاطفين معه والمتظاهرين، واصفا ما يجرى بأنه "سياسة تكميم الأفواه". 

وقال إنه "يمكن أن تكون هناك توترات شديدة وأزمات حادة، وهذا ما يظهر اليوم من استقطاب حاد واختناق الحياة السياسية".

ولا يتوقع أنه في جميع الأحوال أن تنزلق البلاد إلى صراعات طويلة الأمد أو انقلابات ولكن يمكن أن تكون هناك أزمات حادة يمكن التغلب عليها.

ولفت الباحث السنغالي، إلى أن الائتلاف الحاكم بالبلاد يعيش تحت وطأة مشكلة من سيخلف الرئيس ماكي سال خلال الاستحقاقات الرئاسية المقبلة.

وفي 3 يوليو 2023، أعلن ماكي سال، أنه لن يترشح لولاية ثالثة في انتخابات العام المقبل، منهيا سنوات من عدم اليقين بشأن مستقبله السياسي.

وأوضح با، أن الائتلاف الحاكم لم يتوصل -لحد الساعة- لحل نهائي بخصوص خليفة سال خلال الاستحقاقات المقبلة.

وذكر أن هناك تخوفات من أن تندلع مشكلات داخل الائتلاف الحاكم، وبالتالي فإن تهديد استقرار البلاد يمكن أن يأتي من الفئة الحاكمة نفسها وليس من المعارضة، وفق رأي با.

وأشار إلى أن البلاد مقبلة على الاحتفال بما يسمى "مكال توبا"، مبينا أن المشايخ سيكون لهم بالتأكيد خطاب نحو التهدئة والاستقرار.

و"مكال توبا" أو "المكال الأكبر" هو احتفال سنوي يخلد ذكرى عودة الشيخ أحمدو بمبا مباكي (1853 -1927 ) مؤسس الطريقة المريدية من المنفى بالغابون.

وخلص با، إلى أن الشعب السنغالي رغم الآلام يمكن أن يصبر إلى حين الانتخابات الرئاسية وبالتالي ينتخب من يشاء، بمعنى أن هناك خيارات أخرى للشعب غير اللجوء إلى الصراع طويل الأمد.

مرشحة للعنف

وإذا كان الباحث السنغالي يستبعد أن تنزلق السنغال إلى صراع طويل الأمد رغم الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد، فإن الخبير الموريتاني في الشؤون الإفريقية "محمد الأمين ولد الداه"، يرى أن قرار حل حزب "باستيف" قد "يجعل البلاد مرشحة للعنف والفوضى".

وفي الأول من أغسطس 2023، أرجع ولد الداه، في حديث لجريدة "الشرق الأوسط"، إمكانية اندلاع أحداث عنف وفوضى إلى القاعدة الشعبية الكبيرة لحزب "باستيف" من مختلف الأطياف، وأغلبهم من الشباب المتحمسين لمبادئ وقيم الحزب وزعيمه.

وأكد الخبير في الشؤون الإفريقية، أن أنصار المعارض السنغالي وزعيم حزب باستيف عثمان سونكو، "سيقاومون القرار عبر احتجاجات واسعة".

وبخصوص إمكانية ترشح المعارض سونكو للاستحقاقات الرئاسية المقبلة، شدد ولد الداه، على أن هذه المسألة "قد حسمت عبر أحكام القضاء التي من المتوقع أن تدعم بأحكام جنائية أخرى بعد التهم الجديدة، ما يجعل أهليته للترشح مستبعدة تماما".

أما الباحث السنغالي المختص في العلوم السياسية، هارون با، فيرى أن إحدى خلفيات اعتقال سونكو والاتهامات التي وُجهت إليه، -حسب محاميه- هو استبعاده من المنافسة في الاستحقاقات الرئاسية القادمة.

وأضاف با، أنه "يبدو أنه من الصعب ألا تجرى محاكمة سونكو وإدانته بسبب التهم الجنائية الثقيلة التي وجهت له"، وبالتالي قطع الطريق أمامه للترشح للاستحقاقات الرئاسية المقبلة.

واستغرب با، من التهم التي وُجهت لسونكو، مبينا أن "الرئيس الحالي ماكي سال كان يوجهها للرئيس السابق عبد الله واد، عندما كان في موقف المعارضة، ودعا أنصاره سابقا للصمود والنزول إلى الشارع".

وسجل أن هناك أحيانا "تأويلا فاسدا" للدستور والقانون، مبينا أن سونكو بصفته رئيسا لحزب سياسي له قاعدة جماهيرية شعبية يمكنه أن يدعو للتجمع والتظاهر حيث إن هذا حق مسموح به.

وتساءل: لماذا يجرى تفسير الدعوة إلى التجمع والتظاهر بأنها "إخلال بالنظام العام"، مضيفا أن هناك تلاعبا بالقانون في هذه المسألة.

وأفاد با، بأن هناك أمرا ثانيا يقف خلف متابعة سونكو وحل حزبه، حسب دفاعه، ويتعلق بالدعوى التي رفعها محامٍ فرنسي ضد الدولة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وفي 22 يونيو 2023، أعلن خوان برانكو، وهو محام فرنسي إسباني يتولى الدفاع عن المعارض سونكو، أنه تقدم بشكوى في فرنسا وطلب إجراء تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد الرئيس السنغالي ماكي سال لـ"جرائم ضد الإنسانية" بعد أسوأ اضطرابات منذ سنوات في البلاد بداية يونيو 2023.

ولفت إلى أن الدولة تريد أن ترمي بالتهم الموجهة إليها نحو سونكو، ما يعني أنهم "يريدون أن يقلبوا عليه الطاولة".

فعوض أن تبقى الدولة هي المتهمة يصبح سونكو هو المتهم في كل الأحداث التي شهدتها البلاد.

وفي 15 يوليو 2023، أعلن القضاء السنغالي إطلاق مذكرة توقيف دولية بحق خوان برانكو، بتهمة ارتكاب "جرائم وجنح" مرتبطة بالاضطرابات التي وقعت مطلع يونيو 2023 في السنغال.