بعدما تشدقا بـ"حرية التعبير".. لماذا تعتزم السويد والدنمارك حظر حرق القرآن؟
في تطور هام وغير معتاد، عقب سماحهما بحرق وتدنيس نسخ من القرآن الكريم سبع مرات على أرضهما، بحسب رصد "الاستقلال"، أعلنت حكومتا السويد والدنمارك دراستهما تغيير قوانينهما، لمنع حرق الكتب المقدسة.
وفي مباحثات هاتفية بينهما يوم 30 يوليو/ تموز 2023، اتفق رئيسا وزراء السويد والدنمارك على "إطلاق مساعي إيجاد طرق لمواجهة قوانين حرية التعبير التي تسمح بتدنيس الكتب المقدسة بشكل متكرر"، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وتنبع أهمية هذه الخطوة من أنها جاءت عقب رفض كوبنهاغن واستوكهولم في أكثر من مناسبة التصدي لهذه الاعتداءات بدعوى أنهما "لا يمكنهما منعها بموجب القواعد التي تحمي حرية التعبير".
تراجع قسري
في 30 يوليو 2023 أعلنت الحكومة الدنماركية في بيان، أنها تبحث "طرقا قانونية" لوقف حرق النصوص المقدسة تجنبا لوقوع مخاطر أمنية نتيجة ردود الفعل العنيفة المحتملة في مثل هذه الحوادث، وفقا لوكالة "رويترز".
وفي مقابلة مع الإذاعة الدنماركية، قال وزير الخارجية لارس لوك راسموسن في نفس اليوم، إن الحكومة تسعى إلى جعل تدنيس المصحف والكتب الدينية الأخرى أمام السفارات الأجنبية أمرا غير قانوني، بحسب وكالة "أسوشيتدبرس".
أيضا قال رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون: "لقد بدأنا أيضاً في تحليل الوضع القانوني بالفعل من أجل النظر في تدابير لتعزيز أمننا القومي وأمن السويديين في السويد وحول العالم".
وبينما استبعد كريسترسون إجراء تغييرات جذرية على قوانين حرية التعبير، قال إن حكومته "تدرس تغييرات من شأنها أن تسمح للشرطة بإيقاف حرق القرآن إذا كان يشكل تهديدًا للأمن القومي".
"كريسترسون" قال في تبريره لتغيير القوانين، إن "الغرباء يستخدمون حريات البلاد لنشر الكراهية"، وأفعالا مثل احتجاجات حرق القرآن قد تجر السويد إلى صراعات دولية"، بحسب "الغارديان".
وكان يشير بذلك لقيام اثنين من العراقيين المسيحيين (سلوان موميكا وسلوان نجم) بإحراق نسخ من القرآن، ولحقت بهم فتاة إيرانية تعيش في السويد أحرقت نسخة من القرآن أيضا يوم 3 أغسطس/ آب 2023.
وأحدهما، وهو سلوان موميكا، قالت عنه الإذاعة السويدية، إنه "قائد في ميليشيا مسيحية" عراقية، لكنه يصف نفسه بأنه "زعيم حزب سياسي".
وتشير حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى صلات له مع مجموعة مسيحية مسلحة في "نينوي" العراقية مقر إقامته السابق.
وقال رئيس الوزراء السويدي، إن بلده والدنمارك لديهما تقييم مشترك بأن بلديهما سيكونان في وضع خطير لو تم جرهما إلى صراعات (دينية)".
ولا يقوم غرباء فقط بحرق نسخ القرآن في السويد والدنمارك كما يقول مسؤولو البلدين، ولكن هناك جماعات عنصرية أخرى تفعل ذلك.
فقد قامت جماعة يمينية تُدعى "دانش باتريوت" أو "الوطنيون الدنماركيون" بحرق المصحف أمام السفارة العراقية في كوبنهاغن في 25 يوليو 2023.
ومن هؤلاء المتطرفين زعيم حزب "هارد لاين" السويدي اليميني المتطرف، راسموس بالودان، ومنظمة "أوقفوا أسلمة النرويج" التي سبق أن أحرقت نسختين من القرآن وألقتهما في سلة قمامة.
وتأسست جماعة "الوطنيون الدنماركيون" في عام 2021 على يد "توك أونزن لورنزن"، وهو ناشط يميني دنماركي متطرف انفصل عن منظمة (الخط الصلب) اليمينية، الأوسع انتشارا، والتي أسسها المتطرف السويدي الدنماركي البارز راسموس بالودان عام 2017 والمعروفة بعدائها ضد الإسلام والمهاجرين.
ويشير تقرير لصحيفة REDOX الدنماركية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 إلى أن المجموعة معروفة بتعاطفها مع النازيين، وقد شاركت سابقا في التشويش على تظاهرات معادية للنازية في الدنمارك.
وقد أثار إعلان الحكومة تغيير القوانين لمنع إهانة القرآن، جدلا في الدنمارك، وانقسمت الأحزاب بين مؤيد يرى أن من شأن هذه الخطوة حماية لأمن البلاد.
وبين معارض يعد ذلك "يخالف مبدأ حرية التعبير"، بحسب موقع "ذا لوكال" السويدي في 31 يوليو، الذي نقل عن خبراء قانونيين أنه "من السهل على البرلمان سن قوانين تجرم حرق المصحف والنصوص المقدسة الأخرى".
قوانين "التجديف"
لدى الدنمارك قانون يسمى "قانون التجديف" تم إقراره عام 1866 لكن لم يتم مقاضاة أي شخص بموجبه إلا مرات قليلة منذ إقراره، لكن تم إلغاؤه عام 2017.
أما السويد فألغت هذا القانون منذ سبعينيات القرن العشرين، بعدما ظل ساريا منذ القرن السابع عشر.
وقانون التجديف هو قانون يحظر التجديف (ازدراء الأديان)، وهو فعل إهانة أو إظهار الازدراء أو عدم احترام الإله أو الأشياء المقدسة، أو أي شيء يعد مقدسا أو ذا حرمة. وفقا لمركز بيو للأبحاث الدينية الأميركي.
وهناك 79 دولة ومنطقة من أصل 198 دولة وإقليما بالعالم لديها قوانين أو سياسات تحظر التجديف.
فيما ترى السويد والدنمارك أن "حرية التعبير" حق دستوري، وإهانة الدين أو تدنيس النصوص الدينية مثل القرآن أمر قانوني، بحسب مارتن شوتلز، أستاذ القانون في جامعة ستوكهولم، لشبكة "سي إن إن" في 2 أغسطس/آب 2023.
وفي عام 1971، عندما بث شخصان أغنية تسخر من المسيحية وأثير جدل حول الحياة الجنسية للإناث، تمت مقاضاتهما بموجب قانون التجديف، لكن المتهمين حصلا على البراءة.
وقبل هذا في عام 1946، عندما ارتدى رجل زي كاهن وعمد دمية في حفلة تنكرية، أثير القانون ولكن لم تتم إدانة أي شخص بالجريمة، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" في 31 يوليو 2023.
وفي فبراير/ شباط 2017 وجه المدعون العامون في الدنمارك تهمة "التجديف" لرجل أحرق نسخة من المصحف في حديقة منزله الخلفية، ما أثار صدمة، آنذاك، في البلاد التي تعتز بقوانينها العلمانية، خشية غضب الدول الإسلامية.
وقد لوحق الرجل قانونيا أولا بتهمة خطاب الكراهية، قبل أن يتم تعديل لائحة الاتهام إلى التجديف، وكان من المفترض أن يحاكم في يونيو/ حزيران 2017 لكن البرلمان الدنماركي ألغى القانون قبل المحاكمة!
وأثارت هذه الصور غضب المسلمين، ووقعت احتجاجات أمام السفارات الدنماركية في الدول العربية والإسلامية ومقاطعة تجارية ضد الدنمارك، لكن المدعين العامين الدنماركيين رفضوا في ذلك الوقت اتهام محرري الصحيفة بالتجديف.
وتعاقب قوانين الدول الغربية عادة على جرائم الكراهية، وهي الجرائم التي تستهدف بالتحريض أشخاصا آخرين بسبب الدين أو الجنس أو العمر أو الحالة المرضية أو النوع الاجتماعي أو التوجهات الجنسية.
رد الفعل الإسلامي
ومن أبرز أسباب تراجع السويد والدنمارك عن نهجهما، احتجاجات عدة شهدتها دول إسلامية استدعت سفراء السويد والدنمارك وهددت بقطع العلاقات، فضلا عن شن حملات لمقاطعة سلعها.
وعقدت منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تمثل 57 دولة إسلامية، جلسة خاصة يوم 31 يوليو 2023 لمناقشة الإساءات الدينية للإسلام، وأدانت عمليات حرق القرآن ووصفتها بأنها "أعمال عدوانية حقيرة"، ودعت الأمم المتحدة للتدخل.
وفي خطة عمل من 35 نقطة، دعت المنظمة الأمين العام للأمم المتحدة إلى تعيين مقرر خاص معني بمكافحة الإسلاموفوبيا، وحثت جميع الحكومات على التنفيذ الكامل للقوانين القائمة أو اعتماد تشريعات جديدة إذا لزم الأمر.
وأثارت الاعتداءات المتتالية على حرمة المصحف الشريف بكل من السويد والدنمارك، غضباً واسعاً في الدول الإسلامية، والذي أخذ التعبير عنه الشكلين الشعبي والرسمي.
وأتت أبرز ردود الفعل الشعبية من العراق، حيث تظاهر محتجون غاضبون أمام السفارة السويدية ببغداد، يوم 20 يوليو/تموز 2023 قبل أن تتدهور الأمور إلى مشاهد أعنف، باقتحام المتظاهرين السفارة وإحراق أجزاء منها.
وطردت الحكومة العراقية السفيرة السويدية وقطعت علاقتها بالسويد، فيما استدعت السعودية ومصر وقطر وتركيا سفراء السويد وأدانت بشدة تكرار أحداث حرق المصحف.
وفي 26 يوليو، دعا الأزهر الشريف، في بيان، الشعوب الإسلامية لمقاطعة منتجات السويد والدنمارك ردا على سماحهما لـ"المجرمين الإرهابيين" بحرق نسخ من القرآن الكريم.
كما طالب المجتمع الدولي "بفرض عقوبات رادعة لوقف الحملات الهمجية العنصرية على الإسلام والمسلمين وتبني مشروع دولي يجرم الإساءة للمقدسات الدينية".
وتخشى كل من السويد والدنمارك تدهور العلاقات الاقتصادية مع الدول الإسلامية في وقت تزداد فيه الدعوات بالدول الإسلامية إلى مقاطعة المنتجات السويدية والدنماركية.
وقُدرت صادرات السويد إلى الدول العربية في عام 2022، بنحو 4 مليارات و330 مليون دولار، وهو ما قد ينهار حال جرت الاستجابة لدعوات المقاطعة في تلك الدول، بحسب شبكة "سي إن إن" في 4 أغسطس.
وفي 2023، ذكرت "سي إن إن"، أن الصادرات الدنماركية للدول الإسلامية انخفضت بنسبة 31 بالمئة، بينما استفادت من المقاطعة دول مثل فنلندا، التي تقدّم منتجات منافسة لمنتجات الدنمارك.