ضمن رؤية 2040.. عمان تكسر صمتها وتبدأ في إنشاء مدينة "خزائن" الاقتصادية 

12

طباعة

مشاركة

في 3 يوليو/ تموز 2023، أعلنت سلطنة عمان عزمها إنشاء مدينة اقتصادية في محافظة جنوب الباطنة المطلة على خليج عمان تسمى "مدينة خزائن الاقتصادية" ضمن "رؤية 2040" الوطنية.

وفي هذا الإطار، فحص معهد "تراكاني" الإيطالي للعلوم والآداب والفنون، "رؤية 2040" لعمان وأبرز خصائصها مقارنة برؤى دول خليجية أخرى أكثر شهرة، مثل السعودية والإمارات وقطر.

وكانت قد دفعت أزمة هبوط أسعار النفط الخام منذ 2014، إلى بحث سلطنة عمان عن تنويع مصادر الدخل عبر ضخ استثمارات في الاقتصاد غير النفطي وجذب استثمارات أجنبية.

وتمكنت السلطنة في 2020 من إقرار رؤيتها الاقتصادية 2040، وتقسيمها إلى خطط خمسية تهدف كل خطة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف.

وتريد السلطنة من الرؤية الوصول إلى اقتصاد متنوع لا يقوم على النفط الخام ومشتقاته كمصدر رئيس للدخل، وتكثيف الاستثمار في القطاعات الأخرى كالسياحة والتصنيع والتجارة والموانئ والصيد والزراعة وتقديم قانون محفز لرؤوس الأموال.

مشاريع طموحة

وقال المعهد إن مشاريع طموحة جديدة بدأت تبرز إلى جانب العواصم المعروفة الآن في المنطقة مثل الدوحة أو الرياض أو دبي، والتي نمت بشكل كبير على مدار عقود قليلة. 

وذكر أن مدنا جديدة يتم إنشاؤها من الصفر وقادرة على ترسيخ نفسها كنقاط مرجعية جديدة في المنطقة بمجرد إنشائها، يتقدمها المشروع الأكثر شهرة والأكثر طموحًا، مدينة نيوم في السعودية.

وهي مشروع مدينة في الصحراء، ستشكل حسب الدعاية السعودية، "مركزا مرجعيًا جديدًا من الناحية الاقتصادية والمالية والسياحية والاجتماعية، وستكون بمثابة ثورة حقيقية من حيث التخطيط العمراني".

من ناحية أخرى، توجد خطط لمدن جديدة في المنطقة ربما تكون أقل شهرة من الناحية الإعلامية ولكنها ليست أقل إثارة للاهتمام فيما يتعلق بآثارها المحتملة على المنطقة. 

وأشار إلى أن الأمر يتعلق "بلا شك بمدينة خزائن الاقتصادية في عمان، خصوصا وأن هذا البلد يميل إلى أن يكون أقل ظهورا على الصعيدين الدولي والإعلامي من جيرانه السعوديين والإماراتيين والقطريين". 

ومع ذلك، لفت المعهد الإيطالي إلى أنه "يمتلك بعض الخصائص، فهو على سبيل المثال، الوحيد في العالم ذو الأغلبية الإباضية، تيار إسلامي داخلي بديل لكل من السنة والشيعة". 

فأثبتت السلطنة بمرور الوقت، أنها بلد مستقر بشكل ملحوظ داخليًا وقادرة من الناحية الدولية، على نسج شبكة من العلاقات مع الجيران رغم تواجدها داخل منطقة معروفة بمستوى عالٍ من الصراع لأسباب غالبا دينية.

وترتبط مسقط بالدول السنية برا مع بقية شبه الجزيرة العربية ومع إيران الشيعية المجاورة عبر  خليج عمان ومضيق هرمز المهم للغاية.

وبحسب المعهد، ساعدت هذه الخصائص في تعزيز صورة عمان على أنها "دولة صامتة"، وترسيخ الصورة النمطية لدولة مسالمة لا تمتلك طموحات خاصة مقارنة بـ"نمور" الخليج. 

مدينة "خزائن"

ومن ناحية أخرى، يضيف أن خزائن تمثل "تأكيدا مثالياً لحقيقة أن عمان لديها في الواقع أجندة طموحة مثل أجندة جيرانها، تنوي تحقيقها بأساليب مختلفة ومميزة".

على عكس نيوم، التي ستقع عمداً على مسافة كبيرة من المدن السعودية الرئيسة، سيتم إنشاء خزائن بالقرب من العاصمة مسقط، يلاحظ المعهد الإيطالي. 

وتُعرف الحكومة العُمانية خزائن على أنها "مدينة اقتصادية"، تتمثل مهمتها في الجمع في نقطة واحدة حركة العبور الداخلية وخاصة الدولية التي تشمل البلاد، ولا سيما تلك ذات القيمة المضافة العالية من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية. 

وانطلق المشروع رسميًا في بداية يوليو 2023 بموجب مرسوم ملكي باستثمارات  تقدر بنحو 300 مليون دولار، سيتم توفير جزء منها من الأموال العامة وآخر من الخارج، خاصة من دولة قطر التي أعلنت ضخ استثمارات بحوالي 50 مليون يورو.

ومن السمات المميزة الأخرى لخزائن، التي تمثل الطريقة التي تتخيل بها عُمان توسعها الاقتصادي، أنها ستكون ميناء جافًا أي مركزًا لوجستيًا لتبادل البضائع من الطرق البحرية غير الواقعة بالساحل ولكنها متصلة بميناء أو بعض الموانئ على البحر من خلال شبكة بنية تحتية مخصصة.

اختيار موقع المدينة، يشرح المعهد، جاء بناء على قدرته على خدمة كل من العاصمة وبالتالي مطارها الدولي وموانئ صحار والسويق على الخليج العربي.

ولاحظ أن الرهان العماني على هذا المركز اللوجستي متعدد الوسائط المحتمل بالإضافة إلى مركز مرجعي للقطاعات الأكثر تقدمًا في الاقتصاد، يختلف بلا شك عن تلك التي أنشأها جيرانها. 

ويشرح بأن خزائن تتميز بأنها مركز عصبي محتمل في المنطقة تركز بشكل أساسي على خطوط الخدمات اللوجستية والتجارة الدولية، بدلاً من السعي إلى بناء مدينة عملاقة أخرى لمنافسة دبي وأبو ظبي والدوحة والرياض.

وهو ما يتضح من مشروع شبكة سكك حديدية جديدة من وإلى دولة الإمارات العربية المتحدة بتكلفة تقديرية  تناهز ثلاث مليارات دولار.

طريق بديل

مشروع من شأنه، ينوه تراكاني، أن يجعل الوصول إلى الدولة بأكملها أسهل بكثير بفضل التدفق الهائل للأشخاص الذين يمرون عبر مدن الإمارات العربية المتحدة الكبيرة. 

هذا بفضل الموقع الجغرافي لعمان الواقعة تحديدا في الطرف الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وهي نقطة عبور أساسية سواء لاتصالها بالهند والساحل الشرقي لأفريقيا، وكذلك لأنها تشكل نقطة وصول إلى الخليج. 

على الرغم من أنها أقل شهرة مقارنة بنظيرتيها السعودية والإمارات، قامت الحكومة العمانية أيضًا بصياغة وثيقة برنامجية للمدى المتوسط، أي "رؤيتها"، لعام 2040 على عكس رؤى جيرانها لعام 2030.

ويفسر المعهد بأنه بينما تتشارك الرؤى الأخرى في الحاجة إلى تنويع اقتصادها المعتمد كليا تقريبا على الصادرات الطاقية، تركز رؤية 2040 على تحقيق معايير نوعية أكثر وضوحا.

كما تأمل الحكومة العمانية ألا تتجاوز مساهمة النفط في الاقتصاد 9 بالمئة في نفس العام". 

تحتوي الوثيقة على قائمة طويلة من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي تعتزم سلطنة عمان أن ترتكز عليها لتصبح بين أفضل 10 أو 20 دولة في العالم على مدى السنوات الـ 17 المقبلة. 

وتشمل هذه المؤشرات مؤشر الابتكار العالمي و كذلك مؤشر التنمية البشرية، إلى جانب آخر متعلق بالمنافسة العالمية. 

كل هذا سيكون ممكنًا من خلال نمو الناتج المحلي الإجمالي، والذي وفقا لهذه الوثيقة يجب أن يبلغ معدله 5 بالمئة سنويا حتى عام 2040.

ويستنتج المعهد الإيطالي أن رؤية 2040 "تجسد صورة لدولة تهدف لبناء تميز عالمي في المجالات الاقتصادية والمالية والتعليمية والتكنولوجية". 

وأضاف أن "مشاريع مثل مدينة خزائن، الهادفة أكثر والمحدودة مقارنة بالاستثمارات الحضرية الضخمة التي تقوم بها الدول العربية الأخرى في الخليج، تبرز إرادة الحكومة العمانية في البروز على المستوى الدولي تمامًا مثل جيرانها ولكن من خلال طريق بديل". 

وخلص إلى القول أن "الوقت وحده كفيل بإثبات ما إذا كانت مسقط قادرة على إثبات أنها ليست عاصمة دولة صامتة على الإطلاق".