كيف حول الدعم السريع الصراع مع الجيش السوداني لعمليات إبادة عرقية؟ 

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على الوضع في السودان وحالة العنف التي استفحلت فيه؛ لتعيد إلى الأذهان الحرب الدامية التي وقعت في البلاد بين عامي 2003 و2008.

وتستنكر الأمم المتحدة ومنظمات أخرى الهجمات والانتهاكات الجديدة بعد اندلاع الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل/نيسان 2023. 

وقالت صحيفة "الدياريو" الإسبانية إن دارفور تهتز مرة أخرى بسبب أهوال الحرب التي خلفت، خلال العقد الأول من القرن الحالي، ما لا يقل عن 300 ألف قتيل ونحو مليوني نازح، بسبب الصراع بين الحكومة المركزية، بدعم من المليشيات العربية، ومجموعات المتمردين المحليين من مختلف الأعراق.

وأضافت أن هذه المليشيات العربية متهمة بارتكاب هجمات جديدة وقتل مدنيين، خاصة خلال المائة يوم التي مرت منذ اندلاع الصراع في السودان بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع.

والدعم السريع هي مجموعة شبه عسكرية قوية انبثقت عن مقاتلي الجنجويد (الفرسان المسلحين)، الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بين عامي 2003 و2008.

كما تتهم الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها بشن هجمات ضد الأقليات العرقية في دارفور، وهي واحدة من أكثر المناطق تضررا من النزاع المسلح الحالي والتي تعد بعيدة عن أنظار العالم وأضواء الإعلام، على عكس العاصمة الخرطوم. 

بصمات إثنية 

ونقلت الدياريو، في حوار لها مع المتحدث باسم مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، سيف ماغانغو، أن "هناك مخاوف في السودان لأن الصراع يبدو أنه يكتسب بعدا عرقيا في بعض أنحاء دارفور، ولا سيما في غرب المدينة". 

وكشف المتحدث من نيروبي: "أكدت لنا شهادات متعددة أن المليشيات العربية تهاجم، بشكل رئيس، الرجال المنتمين إلى مجتمع المساليت". 

وروى الناجون من الهجمات أن "المسلحين العرب وصفوا ضحاياهم بالعبيد وأبلغوهم أن السودان ليس بلدهم". 

وأضافت الصحيفة أن مكتب الأمم المتحدة أكد اكتشاف مقبرة جماعية في ضواحي الجنينة، المدينة الرئيسة بغرب دارفور، بها 87 جثة لضحايا جماعة المساليت العرقية. 

ويعترف ماغانغو قائلا: "يمكننا فقط أن نؤكد حتما وجود المقبرة الجماعية التي أخبرنا عنها شهود عيان والضحايا الذين علمنا أنهم دفنوا".

لكن، لا يمكننا استبعاد وجود مقابر جماعية أخرى بسبب ارتفاع عدد الوفيات المسجلة في غرب دارفور، وفق قولها.  

وتشير الشهادات التي جمعتها الأمم المتحدة إلى أن "الضحايا الذين دفنوا في المقبرة الجماعية قتلوا على أيدي قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها بين 13 و21 يونيو/حزيران في الجنينة". 

عموما، كل شيء يشير إلى أن الضحايا قتلوا في موجة العنف التي هزت المنطقة بعد مقتل والي غرب دارفور، خميس أبكر، في 14 يونيو، الذي اعتقلته قوات الدعم السريع.  

بالمثل، اعترف الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتيس، بأنه "قلق بشكل خاص من الوضع في الجنينة بعد عدة موجات من العنف منذ نهاية أبريل والتي اتخذت أبعادا عرقية".

من جانب آخر، حذر المسؤول في بيان صدر في منتصف يونيو، بالتزامن مع تصاعد العنف، من "ظهور نمط من الهجمات الانتقائية واسعة النطاق ضد المدنيين على أساس هويتهم العرقية".

جرائم ضد الإنسانية 

وذكر الممثل أن هذه الهجمات "ترتكبها المليشيات العربية وبعض المسلحين الذين كانوا يرتدون زي قوات الدعم السريع، ويمكن أن تشكل جرائم ضد الإنسانية".

ونقلت الصحيفة أن قوات الدعم السريع لها سجل حافل بالاتهامات، سواء كانت جرائم ضد الإنسانية أو غيرها. 

واتهمت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي العديد من قادة الجنجويد لدورهم في حرب دارفور، مثل علي محمد علي عبد الرحمن، الذي سلم نفسه عام 2020، وأسندت له اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأصدرت المحكمة الدولية مذكرة توقيف أولية بحقه عام 2007 لمسؤوليته عن الجرائم التي ارتُكبت بين عامي 2003 و2004، عندما قاد آلاف المقاتلين في دارفور. 

وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس السودان السابق نفسه، عمر البشير، الذي أطيح به سنة 2019 على يد ثورة شعبية بعد 30 عاما من حكم البلاد بقبضة من حديد، يحاكم من قبل المحكمة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعمليات إبادة جماعية في دارفور. 

وفي السابق، أراد البشير فرض سيطرته على المنطقة وإخضاع السكان من أصل غير عربي.

ولهذا اعتمد على الجنجويد الذي لا يرحم، والذي أصبح فيما بعد هيئة شبه عسكرية قوية تخضع مباشرة للرئاسة السودانية، وفق الصحيفة. 

مدينة مدمرة

أوردت الدياريو أن منظمة هيومن رايتس ووتش وثّقت هجوما واسعا شنته قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها على بلدة مستيري بغرب دارفور، حيث يستقر عشرات الآلاف من أفراد جماعة المساليت العرقية. 

بحسب المنظمة الدولية غير الحكومية، قتل في الهجوم الذي وقع في 28 مايو/أيار ما لا يقل عن 40 مدنيا على أيدي المسلحين، الذين نهبوا ممتلكاتهم وأضرموا النار في منازلهم، وأحرقوا معظم منطقة مستيري. 

كما أضرمت النار في ما لا يقل عن ست مناطق أخرى، خلال نفس الفترة. 

من جانبها، أكدت مديرة المنظمات غير الحكومية للقرن الإفريقي، لاتيتيا بدر، في مقابلة مع الدياريو، أنه خلال الهجوم على مستيري، "أُعدم 28 رجلا من المساليت دون محاكمة".

وكان 26 من بينهم لاجئون في مدرسة احتمى فيها المدنيون، إلا أن المسلحين اقتحموها وبحثوا عن الرجال لقتلهم، وفق قولها. 

وتستنكر بدر بالقول: "هذه جرائم حرب"، ولا يستبعد وقوع المزيد من "الهجمات والانتهاكات المماثلة". 

وتضيف: "هناك اتجاه مطول بمرور الوقت لهذا النوع من الهجمات في غرب دارفور، والذي يتفاقم ويزداد سوءا في هذه المنطقة منذ اندلاع الصراع في السودان" قبل ثلاثة أشهر ونصف. 

وبحسب قولها، تشير الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش إلى أن مستيري كان "هجوما على مجموعة عرقية". 

وترى أن "العديد من التجارب التي تعيشها هذه المجتمعات تذكرنا بالانتهاكات التي ارتكبت ضد المجتمعات غير العربية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في دارفور".

ونوهت بدر بأن "العديد من الانتهاكات التي حدثت في دارفور ترتبط بشكل مباشر بالإفلات من العقاب بعد الانتهاكات الجسيمة للغاية التي حدثت هناك".

وعلى الرغم من مغادرة بعض المسلحين دارفور، فإن العديد من القوات العاملة فيها هي نفسها التي استخدمتها الحكومة لمهاجمة المجتمعات غير العربية خلال حرب 2003-2008. 

وتخلص بدر إلى أن "الإفلات من العقاب كامن وجزء من دائرة العنف التي نراها الآن". وتأسف لأن "الاستجابة الدولية لا تعكس خطورة ما يحدث في دارفور".