كانت مستقرة حتى وقت قريب.. ماذا وراء انقلاب النيجر وما آثاره على المنطقة؟
بالمقارنة مع جيرانها، كانت النيجر تعد حتى وقت قريب للغاية مرساة للاستقرار، لكن الأحداث الأخيرة في البلد الواقع بمنطقة الساحل الإفريقي تهز هذه الصورة، على الأقل في المسرح الدولي.
وفي 26 يوليو/ تموز 2023، احتجز عناصر من الحرس الوطني في النيجر الرئيس محمد بازوم ووزير داخليته حمادو أدامو سولي، فيما قيل إنها محاولة انقلاب تجرى في البلاد.
فيما نشر الحساب الرسمي للرئاسة في النيجر، تغريدة قال فيها إن "بازوم" وعائلته في وضع جيد، مبينة أن عناصر في الحرس الوطني "ينفذون عملا مناهضا لقيم الجمهورية".
وأضافت رئاسة النيجر أن قائد الحرس الوطني الجنرال عمر تشياني الذي يتولى منصبه منذ 10 سنوات، يقف وراء احتجاز الرئيس بازوم.
وتأتي هذه المستجدات تزامنا مع حديث عن اعتزام الرئيس بازوم أخيرا إقالة رئيس الحرس الوطني عمر تشياني من منصبه.
ومنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960 شهدت النيجر 4 انقلابات كان آخرها عام 2010، كما شهدت عدة محاولات أخرى فاشلة.
في إطار تلك الأحداث، تحدثت صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية عن المشهد السياسي المتغير في البلاد، وتأثيره على المنطقة.
خلع الرئيس
تذكر الصحيفة الألمانية أن "النيجر بدت وكأنها آخر معقل للاستقرار في منطقة الساحل لفترة طويلة".
ففي عام 2021، كان هناك تغيير ديمقراطي ناجح للسلطة على رأس الدولة، بينما في البلدان المجاورة مالي وبوركينا فاسو، نفذت الجيوش أربعة انقلابات في تتابع سريع.
واستدركت: "لكن الآن، يبدو أن مظهر الاستقرار يذهب في النيجر، حيث اعتقل عناصر من الحرس الرئاسي رئيس الدولة محمد بازوم".
وأعلن متحدث عسكري "خلع الرئيس" في التلفزيون الحكومي وحل مؤسسات الجمهورية السابعة. ومن ناحية أخرى، تقول الصحيفة إن "بازوم نفسه لا يريد قبول هذا".
إذ كتب على تويتر: "سنحافظ على كل الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس"، مشيرا إلى أن كل النيجريين المحبين للديمقراطية والحرية سيهتمون بذلك.
ونقلا عن قناة "فرانس 24"، تذكر الصحيفة الألمانية أن "وزير الخارجية حسومي مسعود تحدث فقط عن محاولة انقلاب، وأوضح أن الجيش ليس وراءها ككل".
في غضون ذلك، تلفت الصحيفة إلى أن "القيادة العسكرية للجيش دعمت قوات الانقلاب، ويبدو أن هذا يهدف إلى تجنب تشكيل جبهات متنازعة قد تؤدي -في أسوأ الأحوال- إلى حرب مثل تلك التي تحدث في السودان".
حجم الاستياء
وفي مقابلة صحفية، قال الصحفي النيجري سيديك آبا: "لقد أخطأ الرئيس في عدم السيطرة على الفور على جهاز الأمن"، مضيفا أنه "لم يأخذ الوقت الكافي لوضع طابعه الخاص عليه".
ومن الجدير بالذكر أن بازوم حصل على دعم في فوزه في انتخابات فبراير/شباط 2021، من قبل سلفه وزميله عضو الحزب محمد يوسفو، الذي لم يُسمح له بالترشح مرة أخرى بعد فترتين في المنصب.
ويوضح الصحفي والمحلل موسى أكسار أن بازوم يُنظر إليه على أنه "نسخة مثالية" من سلفه، وهو الأمر الذي أثار استياء العديد من النيجريين.
فبحسب الصحيفة، كانوا يرون أن "الحكومة لم تتغير، فقد وعدت بمحاربة الفساد، لكن أعضاء الحزب الحاكم ارتكبوا أعمالا إجرامية".
ومنذ أن تولى يوسفو منصبه، زاد الحزب الحاكم للديمقراطية والاشتراكية النيجري الضغط على المعارضة.
وبهذا الشأن، تقول باونتي ديالو، عالمة الاجتماع بجامعة عبده موموني في نيامي عاصمة النيجر: "بدلا من السماح بوجود معارضة فاعلة، يحاولون إنشاء حزب موحد".
رأي المواطنين
وحسب الصحفي غزالي عبدو: "لم يكن البعض سعداء بالرئيس بازوم، لذا من الأفضل بالنسبة لهم أن يروا ما سيحدث مع الحاكم الجديد".
وأعرب آخرون عن مخاوفهم بشأن الانقلاب وعواقبه المحتملة، حيث قالت إحدى المواطنات: "إنها خطوة إلى الوراء لديمقراطيتنا، لأن الانقلاب سيئ لأي بلد".
وتابعت: "لذلك ندعو المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) والمجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات".
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في بيان: "عقب التطورات في النيجر، توقفت عملياتنا الإنسانية في البلاد التي تواجه بالفعل وضعا إنسانيا معقدا مرتبطا بتصاعد العنف والتحديات الاجتماعية والاقتصادية وتغير المناخ"، دون تحديد موعد لاستئنافها.
وتنوه الصحيفة الألمانية إلى أنه "من الصعب تحديد مدى شعبية بازوم بين السكان". وبالإضافة إلى سجله الحكومي، يستشهد الصحفي والمحلل أكسار بعامل آخر قد يحد من دعمه.
وقال أكسار إن "هناك أيضا تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بما يحدث في بوركينا فاسو أو مالي".
إذ يبتعد المجلس العسكري الحاكم في مالي عن القوة الاستعمارية السابقة فرنسا متجهًا نحو روسيا، وعلى ما يبدو فإنه مدعوم أيضا من الدعاية الموالية لروسيا على وسائل التواصل الاجتماعي، وفقا للصحيفة.
تأثير ممتد
من ناحية أخرى، تؤكد الصحيفة أن "بازوم كان يعد شريكا موثوقا به للغرب، والذي كان على النيجر أن تلعب بموجبه دورا أكثر أهمية".
فبحسب الصحيفة، عندما تنتهي العملية العسكرية الدولية بدولة مالي في غضون خمسة أشهر، ستظل النيجر القاعدة الوحيدة للقوات الغربية التي من المفترض أن تمنع الانهيار الكامل للأمن في منطقة الساحل.
وتلفت "دويتشه فيله" إلى أن "الجماعات الإرهابية الإسلامية تكثف أنشطتها في جميع أنحاء منطقة الساحل منذ سنوات، كما أنها نفذت بشكل متكرر هجمات دموية، بما في ذلك في النيجر"، وفق وصفها.
وبعد الانقلاب، أشارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك ووزيرة التنمية سفينيا شولتز إلى دعمهما لبازوم، ودعتا إلى العودة للنظام الدستوري.
وفي هذا السياق، يقول أولف ليسينج، رئيس مكتب الساحل التابع لمؤسسة كونراد أديناور التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في مالي: "لقد انتهى الآن الوهم بأن النيجر بلد مستقر للغاية ويمكنه تحقيق الاستقرار في بلدان أخرى في منطقة الساحل".
وأضاف أن "الجماعات الجهادية الناشطة في المثلث الحدودي مع مالي وبوركينا فاسو، وهي تنظيم الدولة وحركة نصرة الإسلام والمسلمين، ستستفيد من الانقلاب".
كما يتوقع المحلل النيجري، جيمبا كاكاندا، أن يقلص الشركاء الدوليون مشاركتهم في النيجر، وفقا للصحيفة.
وقال كاكاندا، في مقابلة مع "دويتشه فيله"، إنه يتوقع عقوبات وتخفيض مساعدات التنمية، مضيفا أن ذلك سيدفع الحكومة إلى اليأس وإلى تطبيق نظام صارم تجاه شعبها.
ويرى أن هذا "يصرفهم ويشتتهم عن المعركة الأكبر، وهي الحرب على الإرهاب، مما يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة".