رغم الخلافات الكبيرة.. كيف ولماذا اتحدت أحزاب المعارضة الهندية ضد "مودي"؟

12

طباعة

مشاركة

على مدار يومي 17 و18 يوليو/ تموز 2023، اجتمع 26 حزبا هنديا في مدينة "بنغالور"، عاصمة ولاية كارناتاكا، لتعلن في نهاية المباحثات تدشين "التحالف الوطني الهندي التنموي الشامل" (الهند).

وتنبع أهمية هذا الاجتماع في أنه يعيد الهند إلى تعدديتها العرقية والدينية في مواجهة هوس "بهاراتيا جاناتا" الحزب الحاكم المتطرف الساعي إلى هند "هندوسية خالصة".

كما أن عقد الاجتماع وتدشين معارضة موحدة كان في ولاية "كارناتاكا" التي تلقي فيها حزب رئيس الوزراء اليميني المتطرف ناريندرا مودي (في السلطة منذ 2014)،  هزيمة قاسية من المعارضة.

زعماء المعارضة قالوا في "وثيقة" التحالف إنهم "اجتمعوا معًا لهزيمة الكراهية والعنف اللذين يتم تصنيعهما ضد الأقليات" في ظل السياسة القومية الهندوسية لحكومة مودي، بحسب صحيفة "الغارديان".

وتحكم أحزاب المعارضة الـ26 إجمالاً 11 ولاية، بينما يحكم حزب بهاراتيا جاناتا 15 ولاية، ويتمتع الأخير بأغلبية برلمانية حققها في انتخابات 2019، التي فاز فيها بـ303 مقاعد من أصل 543 مقعداً.

أهمية التحالف

يشكل اجتماع قادة الأحزاب الـ26 خطوة مهمة إلى الأمام في العلاقة بين أحزاب المعارضة الرئيسة في الهند، لأن هذا التحالف كان مستبعدا في السابق بسبب صعوبات تتعلق بالصراعات على السلطة وصدامات شخصية واختلافات أيديولوجية.

لهذا يعد توصل قادة المعارضة إلى إجماع، إنجازا مهما، لأنه بدون هذه الجبهة الموحدة، لن يحظَى أي حزب بفرصة حقيقية ضد حكومة مودي الذي يسعى للفوز بولاية ثالثة في انتخابات مايو/ أيار 2024.

أهمية التحالف أيضا أنه يشمل أكبر الأحزاب المعارضة، وهو حزب "المؤتمر" أو "الكونغرس"، الذي لا يزال الهنود يتذكرون أنه حزب المهاتما غاندي.

بالإضافة إلى الأحزاب الإقليمية القوية مثل "مؤتمر ترينامول" الذي يحكم ولاية البنغال الغربية تحت قيادة رئيس وزرائها ماماتا بانيرجي الذي يحظى بشعبية كبيرة، وحزب "آم آدمي" الذي يحكم دلهي والبنجاب.

لذلك وصف "ماليكارجون كارج"، رئيس حزب المؤتمر، للصحفيين أنه تحالف لإنقاذ الديمقراطية والدستور بما يحقق مصالح الشعب.

وأكد أن حزب المؤتمر اتخذ نهجاً مختلفاً على عكس الماضي، ولن يسعى للهيمنة على تحالف المعارضة، وليس مهتماً بمنصب رئيس الوزراء، وهو تطور هام.

فهذا الزهد في المناصب من جانب أكبر أحزاب المعارضة سيشجع آخرين على الانضمام ويوسع المعركة ضد الحزب الحاكم، ويجعل اجتماعات التحالف خلال الأشهر القليلة المقبلة أكثر أهمية.

وحدد التحالف إستراتيجية انتخابية كاملة تحت شعار "ستفوز الهند الوطنية".

وأعلن زعيم حزب المؤتمر "راهول غاندي"، أن انتخابات 2024 "ستكون معركة ضد أيديولوجية حزب بهاراتيا جاناتا".

ولا شك أن فوز أحزاب المعارضة، مثل "المؤتمر الوطني" و"مؤتمر ترينامول" في انتخابات الولايات الأخيرة، وتغلبهما فيها على حزب بهاراتيا جاناتا، فتحت شهيتهما للفوز في الانتخابات العامة ضمن تحالف عريض.

لكن هذا التحالف لا يعني أن أحزاب المعارضة لن تنتظرها "معركة شاقة" في مواجهة مودي، الذي لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة في الهند، بحسب "الغارديان".

سبب آخر قد يؤثر على نتائج الانتخابات المقبلة هو "أموال حزب بهاراتيا جاناتا وموارده وسلطاته التي تفوق بكثير موارد أي حزب سياسي آخر".

وفي اليوم نفسه الذي أُعلن فيه عن التحالف، عقد حزب بهاراتيا جاناتا اجتماعاً مع 38 ممثلاً عن حلفائه السياسيين، وشن "مودي" هجوماً لاذعاً على تحالف المعارضة، واصفاً إياه بــ"اتفاقية شديدة الفساد".

وزعم مودي أن "التحالفات المبنية على السلبية (أي مكرهين للوصول للسلطة) لم تفُز قط"، وحاول الدفاع عن نفسه على غرار باقي الديكتاتوريات، قائلا إنه يسعى مع حلفائه "لإنشاء الهند الجديدة".

واتهم حزب "المؤتمر" بتشكيل تحالفات في التسعينيات "زعزعت الاستقرار وهدمت الحكومات"، ويحلم الآن بالوصول للسلطة مرة أخرى.

احتمالات الفوز

يطرح تشكيل هذا التحالف الانتخابي العريض ضد الحزب الهندوسي الحاكم المتطرف تساؤلات حول احتمالات الفوز والهزيمة، والنتائج المترتبة على كلا الاحتمالين.

ففي 10 مايو 2023، حقق حزب "المؤتمر" (حزب المهاتما غاندي)، فوزا كبيرا على الحزب الهندوسي المتطرف الحاكم (بهارتيا جاناتا) في ولاية كارناتاكا جنوبي الهند.

كانت هذه أول وأهم هزيمة للحزب الهندوسي في انتخابات الولايات، وشكلت صحوة مهمة ضد هذا الحزب الفاشي الذي حول الهند لدولة طائفية تعادي الأقليات.

محللون هنود عدوا نتائج هذه الانتخابات الإقليمية مؤشرا لما قد يحدث في الانتخابات الهندية العامة التي ستجرى في مايو 2024.

إذ إن انتخابات "كارناتاكا" هي الأولى من بين خمسة انتخابات في ولايات حاسمة في 2023، وقد تحدد شكل المعركة التشريعية المقرر إجراؤها في أبريل أو مايو 2024.

حيث ستجرى قريبا انتخابات في ولايات مهمة منها مادهيا براديش، وتشاتيس كره، ونتائجها، مع نتائج انتخابات ولاية كرناتكا، سوف تكون بوصلة لاتجاه الناخبين في الانتخابات العامة لذا هي مهمة جدا واختبار لبهاراتيا جاناتا.

ويقول الصحفي الهندي "ظفر الإسلام خان" في مقال بشبكة "الجزيرة" في 13 مايو 2023، إنه "لو اتحدت أحزاب المعارضة وقررت ترشيح مرشح موحد في كل دائرة، فلن يستطيع بهاراتيا جاناتا الفوز".

وأضاف أن "فوز حزب المؤتمر في ولاية كرناتكا سيشجع أحزاب المعارضة على التكتل لإلحاق الهزيمة ببهاراتيا جاناتا".

ومع خروج حزب بهاراتيا جاناتا من ولاية كارناتاكا، لم يعد يحتفظ بالسلطة في أي من ولايات الهند الخمس الجنوبية.

وهناك مؤشر آخر على هزيمة الحزب الهندوسي الحاكم يتمثل في تزايد الانتقادات لفساد الحزب وعنصرية أنصاره الذين شكلوا جماعات مسلحة، على غرار مليشيات النظام النازي في ألمانيا بالقرن العشرين، تقتل وتنهب وتدمر منازل ومتاجر ومساجد وكنائس الأقليات.

وتزايد هذا الغضب الشعبي مع ظهور فيديو في مايو 2023، يبين كيف تعامل الغوغاء الهندوس من الحزب الحاكم مع فتاتين مسيحيتين من تعريتهما واغتصابهما خلال أعمال عنف في ولاية "مانيبور".

وهي ولاية قتل فيها ما لا يقل عن 130 وأصيب 400 آخرون في أعمال عنف بين الهندوس والمسيحيين، وحرقت فيها كنائس بحسب "الغارديان" في 20 يوليو/تموز 2023.

أيضا يواجه تحالف رئيس الوزراء الهندي مودي، خطر فقدان نفوذه في ولاية بيهار، ثالث أكثر الولايات الهندية تعداداً بالسكان، والتي بها نسبة كبيرة من المسلمين بعدما انسحب أحد شركائه (حزب جاناتا دال)، عام 2022 لبدء محادثات تحالف مع المعارضة.

و"بيهار" لديها رابع أكبر عدد من المشرعين في البرلمان من بين الولايات الهندية، ولها مكانة سياسية كبرى في حزام الولايات المتحدثة بالهندية في البلد، وقد خسر فيها حزب "مودي" في انتخابات المحليات عام 2015.

فشل مودي

من جانبها، شككت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية فيما يشاع عن نجاحات مودي، قائلة على لسان "تيم ساهي" كبير مديري السياسات في شبكة تضم 15 من منظمات المجتمع المدني بأميركا: "لا تُصدقوا ما يُقال عن نجاح السياسات الاقتصادية لمودي".

وأضافت في 23 يونيو/ حزيران 2023 أن "الهند عالقة حاليا في فخ نمو البطالة، ونسبت إلى الخبير الاقتصادي "آر ناغاراج" قوله: "الهند لم تشهد مثل هذا التراجع الاقتصادي خلال العقود السبعة الماضية مثلما تشهده حاليا".

وتابع: "خطورة هذه المشكلة ربما هي أنها لم تجد حتى الآن مكانا في أذهان صانعي السياسة والجمهور"، وهو سبب آخر دفع أحزاب المعارضة للتحالف ضد الحزب الحاكم و"مودي" لإسقاطه.

وأوضح أن مودي أخفق في الوفاء بوعوده خلال حملته الانتخابية لزيادة التصنيع في الهند حيث بلغ 25 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي كما فشل في زيادة الاستثمارات في المطارات والسكك الحديدية إلى 11 بالمئة من ميزانيتها لعام 2023.

وقال إن مودي وعد بإضافة 100 مليون وظيفة في قطاع الصناعة، لكن الهند خسرت 24 مليونا من هذه الوظائف بين عامي 2017 و2021، وأصبح عدد العاطلين عن العمل في الهند أكبر مما كان عليه عام 2011.

وأشار إلى انتشار الفاسد المالي والمحسوبية ومنح الامتيازات لشركات هندية ضخمة مرتبطة بالسياسة، ووضع الثروة قبل الصحة للسكان ورفض إعطاء الأولوية للاستثمارات في الرعاية الصحية وغيرها.

ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان "رام بونياني" في مقال بموقع "نيوز كليك" في 16 يوليو 2023، إن سجل الهند في مجال حقوق الإنسان يتراجع ولم تعد "أم الديمقراطية" حسب رصد العديد من المؤسسات المستقلة التي تراقب الحريات الديمقراطية.

وقال إن سجل الهند يتراجع للدرجة الأدنى من القاع في معظم المؤشرات الدولية والمحلية كدولة ديمقراطية تحترم الأقليات منذ مجيء "مودي" ونظامه المعادي للأقليات، وهي نقاط ليست في صالح حزبه في انتخابات 2024، تستغلها المعارضة.