نظام السيسي واستعداء القبائل.. هكذا يبطش بها في شرق مصر وغربها

أصبح المكون القبلي في عداد الصدامات مع عسكر مصر والأجهزة الأمنية ضد مكونات المجتمع المختلفة منذ وقع الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي عام 2013.
وفي 11 يوليو/ تموز 2023, قام أحد ضباط شرطة قسم مدينة سيدي براني (غربي مصر بالقرب من الحدود الليبية) بقتل المواطن حفيظ حويا، الشهير بفرحات أبو الشاردة المحفوظي، بعدما أطلق عليه 3 أعيرة نارية، فأرداه قتيلا وسط تجمع من الأهالي.
وفرحات المحفوظي من عشيرة "المحافيظ"، التي تعد جزءا من قبيلة "أولاد علي"، لذلك قام الأهالي الذين تغلب عليهم الصبغة القبلية، بالتجمع أمام قسم شرطة المدينة.
وتسبب التجمهر في قتل أمين شرطة من قوة شرطة المدينة بعدما صدمته سيارة أحد الغاضبين.
وقام أبناء القبائل العربية على خط منطقة الساحل الشمالي المصري بقطع الطريق الرئيس بين مرسى مطروح والسلوم، لولا تدخل قوات الجيش واتصالها بمشايخ عائلات المنطقة.
وفتحت حادثة مقتل حفيظ حويا ملف ما يحدث للقبائل في مصر، سواء في الغرب تجاه مرسى مطروح وليبيا أم شرقا تجاه العريش والأراضي الفلسطينية المحتلة.
"سيناء أخرى"
وفي 12 يوليو 2023, نقل موقع "مدى مصر" المحلي عن عشيرة "المحافيظ"، أن مدينة سيدي براني تشهد حملات تفتيش أمنية من حين لآخر.
وأضاف أن فرحات ابن قبيلة "أولاد علي" كان موجودا أمام محال يمتلكها بالمدينة، واشتبه به ضابط الشرطة وأوقفه، فرفض الاستجابة إليه بحجة عدم وجود مبرر لتوقيفه.
فأطلق الضابط الرصاص عليه، فيما حددت مديرية الصحة بالمحافظة سبب وفاة فرحات بـ"طلق ناري متفرق بالجسم".
وفي 13 يوليو, انتشرت مقاطع مصورة للشيخ سعيد الحفيان، أحد وجهاء مطروح، ومن كبار قبيلة أولاد علي، وهو يقول: "الذي لا يثور على التنكيل يصبح كالخنازير".
واعترض الحفيان على طريقة تعامل الدولة مع القبائل وأبناء المنطقة عموما ووصف الوضع بجملة: "العب (الجزء) الغربي يغلي".
واحتد في حديثه قائلا: "أنا اعتقادي بيتم خلق سيناء أخرى هنا، لأن سيناء لم تجد معالجة سلمية، ولذلك وجد العنف والإرهاب".
وذكر أن "أهالي مطروح يتعرضون لتجاوزات وانتهاكات من قبل أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة، ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية".
وفي 13 يوليو, صرح المحامي ممدوح الدربالي، نقيب محامي مرسى مطروح السابق، لعدد من المواقع المحلية مثل "اليوم السابع" و"القاهرة 24"، أن "ازدراء واضطهاد قبائل الصحراء، السكان الأصليين لمحافظة مطروح ليس وليد اللحظة، بل يرجع إلى ثورة 23 يوليو 1952".
وأضاف: "بسبب اختلاف اللهجة والشكل، أصبح مواطنوها مشكوكا في ولائهم من وجهة نظر السلطة، ولا يحصلون على حق المواطنة كاملة ولا يمتلكون الأراضي، ولا يلتحقون بكليات الشرطة والحربية ولا يعملون بالمناصب القيادية".
وأكمل: "وفي ظل غياب حقوق الإنسان والحريات التي تصل إلى اعتقال من يكتب قصيدة تتعرض للسياسة، والتمييز ضدهم في أقسام الشرطة، بجانب تهجير السكان قسرا من الساحل الشمالي وهدم بيوتهم في مناطق الحمام ورأس الحكمة والقصر والضبعة بغرض عرضها للاستثمار الأجنبي، أصبح الناس يعيشون على الشريط الأسفلتي بين مطروح والإسكندرية".
قتلى الصحراء
من جانبه، قال الصحفي عامر حسن، الذي ينتمي إلى مدينة "الحمام" بمطروح إن "سياسة الدولة المصرية تجاه أبناء القبائل، من الإهمال أو العسف والتنكيل، قادتهم إلى مسالك تضر الدولة وتهدد النظام العام".
وأضاف لـ"الاستقلال": "يعمل الكثيرون من شباب القبائل في التهريب عبر الحدود الليبية، ويعرضون أنفسهم لخطر الموت أو السجن".
وأكد الصحفي المصري "أنه خلال السنوات الأخيرة قتل عدد كبير من أبناء مطروح والقبائل، على الحدود عن طريق قصف الجيش بالطائرات، أو حرقا بالصواريخ من دون إنذار مسبق وباتوا يعرفون بقتلى الرمال".
واستطرد: "الأسوأ أنه لا يتم تحرير محضر ولا تسليم الجثث لذوي القتلى ويجرى دفنهم في الصحراء، والتعتيم على تلك القضايا في ظل تخوف الأهالي".
"فضلا عن حوادث فردية تكررت لقتل شباب من أبناء قبائل مطروح خارج القانون من قبل ضباط شرطة، مثلما حدث مع قتيل سيدي براني، ولولا أنه من قبائل أولاد علي صاحبة القوة والنفوذ لتم التستر على القاتل"، يضيف حسن.
وشدد على أن "الدولة تصنع عدوا شرسا في تلك المنطقة، مع السنوات يمكن أن يهدد الأمن القومي، وتعاد قصة سيناء هنا بطريقة أكثر مأساوية، لأن حجم الظلم الواقع هنا لا يقل عن سيناء بحال من الأحوال".
ففي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021, كشف موقع التحقيقات الاستقصائية الفرنسي "ديسكلوز" عن تقديم باريس معلومات استخبارية للقاهرة، لتستخدمها في قصف أهداف بالصحراء الغربية.
وتحدث الموقع عن عملية استخبارية فرنسية مصرية، لاستهداف "الإرهابيين" في الصحراء الغربية على الحدود مع ليبيا، تحمل اسم "عملية سيرلي".
وأشار إلى تواطؤ فرنسا مع الجيش المصري في "جرائم ضد الإنسانية" في الصحراء الغربية، حيث يقصف ويقتل الضباط المصريون مدنيين في قوافل هجرة غير نظامية ومهربي سلع، و"جميعهم ليسوا إرهابيين".
واكتشف الفرنسيون لاحقا، وفق الموقع، أن الضباط المصريين يستغلون الطائرات والمعلومات الفرنسية لقصف قوافل مهربين للبشر أو السلع وقتل الآلاف منهم.
حيث تبين أن الجيش المصري نفذ طلعات جوية في منطقة تسمى "الموزة" قرب واحة سيوة، وقصف هناك شاحنات مأهولة بشباب لا تزيد سنهم على 30 عاما، ينشطون في التهريب المعيشي.
ثم أعلنت مصر لاحقا استهداف قوافل "إرهابيين"، وهو غير صحيح، ما يجعل فرنسا شريكا في "جرائم القصف العشوائي لمدنيين مصريين"، حسب الموقع.
وفي يوليو 2020 أعلنت الرئاسة المصرية أن "الجيش دمر في الست سنوات الماضية بعموم البلاد 10 آلاف عربة كانت تستخدم في أنشطة التهريب، وقتل الآلاف من المهربين".
وهو وضع يكشف حجم معاناة أهالي تلك المنطقة وجل سكانها من القبائل والعشائر.
جحيم سيناء
ما حدث غربا في مطروح كان النموذج المصغر لما يحدث شرقا في سيناء منذ الانقلاب العسكري، حيث تحولت سيناء وتحديدا مناطق العريش ورفح المصرية والشيخ زويد، إلى ساحات للحرب.
ودفع أهالي المنطقة وكثير منهم من أبناء قبائل مثل "السواركة والرميلات والبياضية والأخارسة" ثمن تلك الحرب.
وفي 5 يونيو/ حزيران 2023, احتد اللواء أركان حرب محمد ربيع، قائد الجيش الثانى الميدانى، على أحد شيوخ قبائل سيناء عندما تكلم الأخير عن أزمة التهجير، ليرد اللواء منفعلا: "احنا (نحن) مبنهجرش (لا نهجر) حد (أحد)"، قبل أن يلقي التهمة على من أسماهم "التكفيريين".
وجاء موقف اللواء ربيع في إطار أزمة مناطق جنوب رفح، في محافظة شمال سيناء شرقي مصر، عندما شارك المواطنون البدو في تجمعات، للتعبير عن رفضهم للإجراءات التي تتخذها قوات الجيش لتهجيرهم من قراهم التي يعيشون فيها منذ عشرات السنين.
وفي 15 يونيو 2015, كشف المرصد المصري للحقوق والحريات في تقرير عن سيناء أن الجيش المصري وقوات الشرطة "قتلت خارج إطار القانون 1374 حالة، واعتقلت تعسفيا 11906 حالات.
فضلا عن حرق 1853 عشة للبدو، وتدمير وحرق منقولات مادية خاصة بالمدنيين (600 سيارة _ 1367 دراجة بخارية)، فيما بلغت المنازل المهدمة 2577، وعدد الأسر المهجرة 3856.
ومن أبشع الحوادث التي تدلل على ما يحدث في سيناء، ما ذكره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 26 أغسطس/ آب 2022, عندما أبرز مقاطع فيديو تظهر فيها عناصر أمنية وهي تقتل من تزعم أنهم مسلحون، بمن في ذلك أحد القصر، بعد إلقاء القبض عليهم.
حيث ظهر فتى، عرف بعد ذلك أن اسمه أنس التياها، كان يبلغ من العمر 16 عاما وينتمي إلى قبيلة التياها، وهو مصاب ومستلق على بطنه، ربما بعد وقوع انفجار، ويده اليمنى مبتورة.
ثم يسمع أحد الرجال وهو يستجوبه حول تردد جهاز الإرسال الذي في قبضته، قبل أن يشاهد وهو يتعرض لإطلاق نار بثلاث رصاصات في الرأس.
وذكر الموقع البريطاني أن فيديو قتل التياها أثار سخطا عارما في أوساط قبائل المنطقة، ما استدعى زيارة وفد رفيع المستوى من المخابرات الحربية، خشية تطورات الأوضاع في المنطقة الملتهبة.
عرضة للتنكيل
ويؤكد سعيد رضوان، أحد أهالي العريش (مقيم خارج مصر)، أن "سكان وقبائل سيناء هم أكثر فئة دفعت ثمن الانقلاب العسكري، وكانت في الأساس هي الفئة الأكثر عرضة للاضطهاد والظلم في زمن حسني مبارك وما قبله".
ويضيف لـ"الاستقلال": "الجيش والأجهزة الأمنية لا يعاملون قبائل سيناء ولا سكانها على أنهم مصريون، وهذا الشعور تسبب في إحساس بالغضب".
ويوضح أن "ذلك أدى لانضمام أعداد من السكان للتنظيمات المسلحة، وحمل السلاح ضد الجيش والدولة، بدافع الانتقام، أو الثأر لأن كثيرا من هؤلاء فقدوا ذويهم خلال حملات أمنية أو عمليات قصف".
وضرب مثلا على ما يتعرض له سكان سيناء، بالقول: "إذا كنت من العريش ورفح والشيخ زويد فهذا من حظك العاثر، لأنك عرضة للاعتقال المباشر، والتنكيل الشديد".
ويتابع: "فكثير من أفراد هذه المناطق تم توقيفهم في كمائن حتى في المدن خارج سيناء في القاهرة والجيزة وغيرها، وبمجرد اكتشاف أنهم من أهل سيناء يذهبون إلى السجن مباشرة حتى ينظر في أمرهم".
تجدر الإشارة إلى أن مصر تمتلك حاليا 74 قبيلة عربية يبلغ تعدادها نحو 14 مليونا، وأشهرها أولاد على، الفوايد والرماح، والجوازى، الفرجان، القطعان، الحسون، وخويلد، والقذاذفة، الهمامية، وفق إعلام محلي في 2018.
المصادر
- مقتل شاب برصاص ضابط في مرسى مطروح.. احتجاجات وغضب الأهالي ومحاولات لتهدئة الأوضاع
- الجيش يتدخل لتهدئة أهالي سيدي براني إثر مقتل شاب برصاص ضابط شرطة
- Egypt: Videos show pro-government forces executing boy and alleged militants in Sinai
- التهجير يطاول أراضي المجموعات القبلية المساندة للجيش في سيناء
- القبائل العربية فى مصر
- تهجير قسري في سيناء: حرب على الإرهاب أم جرائم حرب محتملة؟