رغم فضائحه وانكشاف خلاياه.. لماذا يصر الموساد على التجسس في تركيا؟

12

طباعة

مشاركة

انعكس التنافس بين تركيا وإسرائيل على منظومات استخبارات البلدين، حيث يبحث كل من جهاز الاستخبارات التركية ونظيره الإسرائيلي "الموساد"، عن نقاط ضعف بعضهما البعض، بعدما كانا يتمتعان بعلاقات جيدة في عقود سابقة.

ومنذ تولي هاكان فيدان (وزير الخارجية حاليا) رئاسة المخابرات التركية في عام 2010، أعربت إسرائيل، مرارا وتكرارا عن عدم رغبتها في وجوده على رأس هذا الجهاز الحساس.

فعلى سبيل المثال، عام 2022، نشرت صحيفة "ماكور ريشون"، المعروفة بقربها من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خبرا شبهت فيه فيدان بقائد قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

وخلال الأيام الأخيرة، جرى الحديث كثيرا عن عملية استخباراتية جديدة بين الجهازين التركي والإسرائيلي، وسط غموض عما يجرى بين البلدين اللذين دخلا في مرحلة تطبيع منذ نحو سنتين.

عملية جديدة

وفي أحدث هذه العمليات، كشفت تركيا عن تفكيك جهاز الاستخبارات الوطني خليةَ تجسس تابعة للموساد بمدينة إسطنبول، كانت تستهدف مراقبة بعض المؤسسات العربية والمعارضين العرب المقيمين في المدينة وجمع المعلومات عنهم واختراق هواتفهم.

وبينما تركز نشاط هذه الخلية في التجسس على المعارضين العرب والفلسطينيين المقيمين في إسطنبول، امتد نشاط الخلايا التي أطيح بها في العامين الأخيرين إلى جنسيات عربية مختلفة بالإضافة إلى أشخاص إيرانيين في مختلف أنحاء البلاد.

وفي 3 يوليو/ تموز 2023، كشفت صحيفة صباح المقربة من الحكومة التركية عن عملية استخباراتية ناجحة أدت إلى القبض على سبعة جواسيس يعملون لصالح الموساد.

ونشرت الصحيفة معلومات حصلت عليها عن الجواسيس وصورهم، وهم أتراك ومواطنون عرب مقيمون في تركيا، تلقوا تعليماتهم من الخارج وخضعوا لدورات أونلاين من قبل مسؤولي الموساد.

وأفادت الصحيفة بأن جهاز المخابرات وعبر 10 فرق مختلفة مسؤولة عن مكافحة التجسس في منطقة الشرق الأوسط، استطاع تثبيت الجواسيس.

وأوضحت أنهم عملوا على جمع المعلومات عن الأجانب المقيمين في البلاد ووضع أجهزة تعقب على سياراتهم، وتحديد أجهزة إنترنت المستهدفين في عناوين سكنهم وكسر الشيفرات لهذه الأجهزة. 

كما عمل الجواسيس المعتقلون على المتابعة الفيزيائية لبعض الأفراد المطلوبة متابعتهم والتقاط الصور لهم في لقاءاتهم الثنائية ومراقبتهم وفعاليات أخرى.

وعلى مدار أشهر، تابعت وحدات مكافحة التجسس في جهاز الاستخبارات التركية، خطوة بخطوة للجواسيس، حيث جرى اختيارهم بعناية وخضعوا لدورات خارج تركيا، حسب الصحيفة. 

والجواسيس هم أحمد كوراي أوزغورون، وألبيرن إركوت، وخالد النبهان، وغزوان عموري، ونزار سعد الدين، ومحمد موري، وخالد نجم.

واعترفوا جميعا بعد اعتقالهم بالعمل لصالح الموساد، وتعتقد الأجهزة الأمنية أن الجواسيس مرتبطون بـ9 خلايا تضم 56 شخصا.

الموساد يتتبع العرب

وكشفت المعلومات المتداولة بالصحافة التركية، أن شخصا يدعى بريانشي باتيل كولهاري، يبلغ من العمر 24 عاما، ويدير شركة "Cyberintellingence International Private Ltd" للتجسس في تل أبيب، كان على اتصال دائم بشبكة الجواسيس الموجودة في إسطنبول.

وقد حدد كولهاري بنفسه كيفية اختراق هواتف الأشخاص المستهدفين ببرامج التجسس، وأي روابط إخبارية سيتم نشرها حتى ينقر الشخص المستهدف.

كما أُثبت أن الموساد قد طور أساليب معقدة للغاية حتى لا يُقبض على شبكة عملائه من قبل المخابرات التركية.

وكلف الموساد في إحدى عملياته محمد فللي وعبد الله فلاحة وهما من حلب، بالتخطيط لتفتيش مكتب هشام يونس يحيى قفيشة رئيس مجلس إدارة شركة "تريند جيو"، بإحدى مناطق إسطنبول، وسرقة هاتفه، وسرقة حاسوب ومستندات من أحد المنازل بمنطقة باشاك شهير.

كما كُلف فللي وفلاحة بمتابعة صحفي مصري بإسطنبول، وطبيب مصري أيضا بمنطقة الفاتح، وعامل مصري بمركز صرافة.

فضلا عن متابعة جمعية الأيادي البيضاء ونشاطاتها، دون أن تكشف الصحيفة عن مصير فللي وفلاحة وإن كانا معتقلين أم لا.

ويعمل الموساد على تنفيذ عمليات عن بعد من تل أبيب عبر تشكيل فرق عديدة، وذلك لجمع معلومات شخصية، وتحديد المواقع وعناوين الإنترنت عبر متابعة تقنية، وتأسيس مواقع إخبارية إلكترونية عديدة بلغات عدة على رأسها اللغة العربية.

وتسعة مسؤولين مختلفين من الموساد يعملون على إدارة هذه الخلايا وتشكيل شبكة استخبارية كبيرة، للعمل بشكل فعال على المستوى الدولي.

مراحل عملية التجسس

وتتكون عملية التجسس من خمس مراحل، ومع وصول الجواسيس للمرحلة الخامسة، يُرسلون للخارج من أجل التدريب الاحترافي على التجسس.

حيث تأكد جهاز الاستخبارات التركي من أن بعض الجواسيس في إسطنبول أُرسلوا لمتابعة لبنانيين وسوريين في منطقة حارة حريك بالعاصمة اللبنانية بيروت.

وكُلف هؤلاء في لبنان بتحديد إحداثيات مبنى تابع لجماعة "حزب الله" اللبنانية، وتحديد أسماء مسؤولي وهويات الحزب الذين يعملون في الطابق الثالث، وفعاليات دولية أخرى مماثلة.

وأحد قادة خلايا الموساد التسعة واسمه عبد الله قاسم المقيم في إسرائيل ولم يتم تحديد اسمه الحقيقي، طلب من زيد سعد الدين بعدما قدم نفسه كرجل أعمال أردني مقيم في السويد، تقديم دراسة عن مبنى إستراتيجي مهم في حي قدسيا الدمشقي مع صور مفصلة، دون الكشف عن مصير العميل.

وكان يعمل الموساد على إخفاء تنقلات الجواسيس الأتراك عبر سفرات سياحية من 3 مراحل تبدأ من صربيا مرورا بدبي، وصولا إلى عاصمة تايلاند بانكوك حيث لا توجد تأشيرات لهذه الدول.

وفي بانكوك يوجد مركز تدريب سري تابع للموساد وهناك تم تدريب أوكان البيرق، وهو مواطن تركي مطلوب فار حاليا، على كيفية كتابة التقارير الإخبارية.

كما تدرب على أعمال الترصد، والهروب من متابعة أجهزة المخابرات، وتحويل الصور لملفات، والمراقبة والتحليل ووضع أجهزة تعقب في السيارات والمتابعة التقنية.

وكلف الموساد الجواسيس من أصول عربية بجمع المعلومات عن لبنان وسوريا، وتحديد نقاط عمليات المسيّرات التركية.

ويتم اختيار الجواسيس عبر عمليات متابعة وهمية وتكليفهم بتصوير الجوامع والكنائس والمناطق الأثرية تمهيدا لتقييمهم وبعدها رفعهم لمستوى أعلى.

وعمليات الاتصال كانت تجرى من خطوط تعود لبلدان، مثل إسبانيا وإنكلترا وألمانيا والسويد وماليزيا وإندونيسيا وبلجيكا بأسماء مزيفة وخطوط إنترنت تستخدم مرة واحدة فقط.

وكانت متابعة المخابرات التركية للجواسيس خطوة بخطوة، وبعمليات متقدّمة، خاصة مع تدريب الجواسيس على طرق الهروب من المراقبة والمتابعة ونفذت عمليات أمنية عديدة في إسطنبول. 

عمليات سابقة

وسبق أن كشفت وسائل إعلام تركية في ديسمبر/كانون الأول 2022 عن تمكن أجهزة الأمن من الكشف عن خلية أخرى تتبع الموساد في إسطنبول مكونة من 44 مشتبها به.

وكانت تلك الخلية تقوم برصد نشاطات أشخاص ومنظمات فلسطينية غير حكومية في تركيا، تحت غطاء شركة تقدم خدمات استشارية.

كما ألقت المخابرات التركية القبض في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 على 15 مشتبها بالتجسس والعمل لصالح الموساد.

وحينها نفذت المخابرات التركية عملية المراقبة في سرية تامة لمدة عام كامل، والمشتبه بهم كانوا يجمعون معلومات عن طلاب أتراك وأجانب متفوقين دراسيا.

وشملت عملية التجسس أيضا تقديم معلومات للموساد عن نوع التسهيلات التي تقدمها تركيا للمعارضين الفلسطينيين وطريقة ولوج الطلاب منهم إلى الجامعات التركية.

وعن تكرار هذه العمليات، يقول الصحفي الفلسطيني محمد أبو طاقية المقيم في تركيا، إن "إسرائيل تنفذ عمليات دموية منذ تأسيسها، والجيش الإسرائيلي الذي يتكون من عصابات، أسس شبكة المخابرات الإسرائيلية".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "جميع أنشطة التجسس في تركيا يدعمها الغرب، والجواسيس يتلقون دعما ماليا وتعليميا من الدول الغربية".

وتابع: "لقد صمت الغرب أيضا عند تأسيس إسرائيل. إنها جريمة دولية ودبلوماسية أن يقوم الموساد بأنشطة تجسس في تركيا، حيث يعد هذا استهدافا لسيادتها واستقرارها".

ومضى أبو طاقية يقول: "إسرائيل لا تخجل من فعل هذا وتستمر في فعله بجرأة. يجب علينا تهنئة المخابرات التركية، ففي السنوات الأخيرة، نُفذ العديد من العمليات ضد الموساد واعتقل عدد من خلاياه". 

وأشار إلى أنه من خلال الحفاظ على سيادة تركيا، ترسل المخابرات التركية رسالة إلى إسرائيل، تفيد بأنه "لا يمكنك الاقتراب من هنا". 

وأوضح أبو طاقية أن إسرائيل ردت على هذه الرسالة بشكل وقح، بالادعاء أنها "لا تريد أن يتلقى الفلسطينيون دعما في تركيا وهي تبذل جهدا لضمان عدم وجود منظمات داعمة للفلسطينيين".