مناورة سياسية.. لماذا اهتمت السعودية بحجاج العراق ومنحتهم جائزة "أفضل بعثة"؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع فوز العراق بجائزة "لبيتم" السعودية عن أفضل بعثة للحج خلال موسم 1444 هجرية (2023 ميلادية)، تدور تساؤلات عدة عن توقيتها، وما إذا كان لها بعد سياسي، خصوصا بعد استقبال حار حظيت به شخصيات تنتمي إلى مليشيات مرتبطة بإيران من مسؤولي المملكة.

كل ذلك يأتي أيضا بعد التسوية السعودية الإيرانية التي جرت برعاية صينية في مارس/ آذار 2023، وذلك بعد قطيعة بين البلدين دامت لأكثر من 7 سنوات جرّاء حرق سفارة الرياض في طهران، عقب إقدام المملكة على إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر بتهمة الإرهاب.

جائزة شرفية

في 30 يونيو/حزيران 2023، حصلت بعثة الحج العراقية على المركز الأول بجائزة "لبيتم" للعام الهجري الحالي التي تُصدرها وزارة الحج السعودية لأفضل بعثة تمثّل بلدها هذا الموسم، وهي جائزة شرفية تُمنح لأفضل الدول تنظيما في أداء المناسك.

وأعلنت هيئة الحج العراقية -في بيان لها- فوزها بالمركز الأول لأفضل بعثة حج تمثّل بلدها في المملكة العربية السعودية هذا الموسم في منافسة شاركت فيها بعثات 72 دولة من مختلف الدول العربية والإسلامية.

وسلّم وزير الحج والعمرة السعودي توفيق محمد الربيعة رئيسَ بعثة الحج العراقية سامي المسعودي الجائزة الكبرى كأفضل بعثة حاصلة على أعلى نسبة في المعايير والمواصفات المطروحة.

ونقل موقع "الجزيرة نت" عن المسعودي في 2 يوليو/تموز 2023 قوله إن "بين الدول المتنافسة ماليزيا وتركيا وإيران وسنغافورة وإندونيسيا والبحرين وقطر والإمارات، ودول من أوروبا ومن شرق آسيا وإفريقيا".

وبحسب قوله، فإن المنافسة جرت وفق آلية تجميع النقاط التي تخص حسن الإدارة والتنظيم والتوثيق، فضلا عن الالتزام بالقوانين وعدم وجود خروق، حيث استمرت دراسة أداء البعثة العراقية شهرا.

ولفت المتحدث إلى أن الجائزة شرفية وليست عينية، وهي عبارة عن درع اسمه "لبيتُم" يقدم من وزارة الحج السعودية لمن لبّى وفق القواعد والقوانين، والتكريم شرفي ومعنوي وليس ماديا.

الجائزة التي لا توجد معلومات عن تاريخ نشأتها والدول التي حازت عليها في المواسم السابقة، لم يسبق للعراق الحصول عليها.

إذ تعد المرة الأولى التي يُكرم بها، حسب البيانات المنشورة في موقع الهيئة العليا للحج والعمرة العراقية حتى قبل الفوز بـ"لبيتم" في 30 يونيو 2023.

وبلغ عدد الحجاج العراقيين لموسم الحج 1444 هجرية أكثر من 41 ألفا، طبقا للحصة المقررة للعراق، بما فيهم سكان إقليم كردستان، حسب هيئة الحج العراقية التي أكدت تخصيص 15 بالمئة منها إلى ذوي الشهداء، وجرى اختيار الباقين وفق نظام القرعة.

استقبال المليشيات

وما لفت الانتباه، هو أن رئيس هيئة الحج والعمرة العراقية، سامي المسعودي، هو قيادي في قوات الحشد الشعبي، ومسؤول فصيل "وعدالله" المرتبط بالحرس الثوري الإيراني، وعليه العديد من الاتهامات بحق اغتصاب مساجد أهل السنة في العراق.

وقبل تعيينه رئيسا للهيئة في فبراير/ شباط 2020، كان المسعودي يشغل منصب نائب رئيس ديوان الوقف الشيعي، وله العديد من التصريحات ضد السعودية، ولاسيما تلك التي توعد فيها بفناء المملكة، وحكم آل سعود.

وصرّح المسعودي بعد إعدام السلطات السعودية، رجل الدين الشيعي نمر النمر، في يناير/كانون الثاني 2016، بأن "دماءه ستغرق آل سعود، وتعجل بفناء مملكتهم التي شيدوها على دماء الأبرياء والفقراء".

كما أن المسعودي متهم بالاستيلاء غصبا على مساجد وممتلكات الوقف السني في عام 2015، ومنها سيطرة الوقف الشيعي الذي كان الأول يشغل منصب نائب رئيسه على مقام النبي يوشع في بغداد، وطرد حراسه والقائمين عليه.

إضافة إلى استيلائه على جامع ومرقد حميد البغدادي، أحد أكبر شيوخ الصوفية عند أهل السنة في العاصمة العراقية.

ليس المسعودي فقط من استقبل بحفاوة من المسؤولين السعوديين، وإنما كان وزير التعليم التعالي والبحث العلمي في العراق، نعيم العبودي قد صافح ولي العهد محمد بن سلمان في العاصمة الرياض بعد الانتهاء من تأدية مناسك الحج، واستقبال كبار المسؤولين والشخصيات من مختلف البلدان.

قبل أن يتولى العبودي وزارة التعليم بحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في أكتوبر/تشرين الأول 2022، كان يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم مليشيا الموالية لإيران "عصائب أهل الحق" بزعامة المعمم الشيعي قيس الخزعلي.

ونشر الصحفي السعودي المعارض، تركي الشلهوب، في 7 يوليو 2023، مقطع فيديو مقابلة تلفزيونية سابقة لوزير التعليم العالمي العراقي نعيم العبودي الذي استقبله ابن سلمان يقول فيها: "عمودنا الفقري ثقافيًا وعقائديا هو ولاية الفقيه وأنا أؤمن بها ومرجعي هو (المرشد الإيراني الأعلى علي) خامنئي".

وفي عام 2006 تأسست مليشيا "عصائب أهل الحق"، التي يبلغ قوامها نحو 10 آلاف مقاتل، برعاية الحرس الثوري الإيراني، بعدما كان زعيمها قيس الخزعلي قياديا بارزا في مليشيا "جيش المهدي" التابعة للتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر.

وبرزت مليشيا "العصائب" خلال قتالها إلى جانب النظام السوري ضد المعارضة السورية عام 2011 بحجة الدفاع عن المراقد "المقدسة".

كما ظهرت بقوة في المعارك ضد تنظيم "الدولة" في العراق بين عامي 2014 و2017، والتي بدأت منذ بدايتها تسترعي الانتباه الدولي بسبب جرائمها الطائفية الوحشية.

وفي إحاطة نشرت في أكتوبر 2014 بعد أشهر قليلة من سيطرة تنظيم الدولة على الموصل، اتهمت منظمة العفو الدولية "عصائب أهل الحق" بخطف وقتل عشرات المدنيين السنة، وذلك في رد انتقامي مزعوم على الهجمات التي نفذها التنظيم.

أبعاد أخرى

وبخصوص توقيت منح الجائزة للعراق، وأبعادها، رأى الباحث في الشأن العراقي، ميثم محمد صاحب، أن "الأمر لا يخلو من المجاملة، فليس من المعقول أن "البلد المنهك في كل مفاصله ومؤسساته، ويعيش حالة من الفوضى يتفوق على بعثات بلدان مستقرة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، مثل تركيا وإندونيسيا وغيرهم من دول الخليج العربي".

وأعرب صاحب عن اعتقاده في حديث لـ"الاستقلال" أنه "ثمة توجيه حكومي من السلطات السعودية حيال هذا الأمر، ولا يختلف بذلك الاستقبال والترحاب الشعبي الاستثنائي وحتى من رجال الأمن في السعودية للحجاج العراقيين، فهو أمر مثير للاستغراب".

وفي 4 يوليو 2023، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا لأحد رجال الأمن السعوديين وهو يشيد بأخلاق وتعامل الحجاج العراقيين، واحترامهم، في سابقة لم تحصل من قبل، إذ تناقلت الفيديو وسائل إعلام سعودية.

ولم يستبعد الباحث العراقي أن يكون توجه المملكة العربية السعودية هذا مرتبط بالاستثمارات التي وقعتها مع الحكومة العراقية أخيرا بالمليارات وتسعى إلى تنفيذها، وأن التحدي الأكبر هي المليشيات الموالية لإيران.

في 4 يونيو/ حزيران 2023، أعلن السفير السعودي لدى بغداد عبد العزيز الشمري، عن توقيع عقد مع العراق لإنشاء مشروع ضخم قرب مطار بغداد الدولي، مشيرا إلى أن العلاقات بين البلدين بدأت تقطف ثمارها.

وأوضح السفير خلال تصريح لوكالة الأنباء العراقية "واع" أن "العقد الموقع هو لمشروع استثماري ضخم بحدود مليار دولار في منطقة الرفيل القريب من المطار وهو ما يطلق عليه (جادة بغداد)"، مؤكدا أنه "سيكون إضافة إلى العراق".

وبين الشمري أنه "مشروع مميز، وسيكون مفاجأة إلى جميع العراقيين وهو عبارة عن أكبر مول في العراق وسيضم كافيهات ومطاعم بمساحات كبيرة ومكاتب أعمال تجارية لكبرى الشركات العراقية إضافة إلى 4000 شقة سكنية و2500 فلة".

ولفت إلى أن "اللقاءات القادمة ستشهد اجتماعات اقتصادية وثقافية ونعد إخواننا العراقيين أن المرحلة المقبلة ستشهد زخما كبيرا في النشاطات التي تتم بين البلدين وستكون مرحلة متميزة للاستثمار بجهود رئيس الوزراء محمد شياع السوداني".

وعقب ذلك بثلاثة أيام، أعلن أمير المنطقة الشرقية بالسعودية سعود بن نايف، بدء تنفيذ الربط الكهربائي بين هيئة الربط الخليجي مع العراق، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء السعودية "واس".

وجاء حفل تدشين الربط الكهربائي، في 9 يونيو 2023 بحضور وزير الطاقة السعودي عبدالعزيز بن سلمان، ونظيره الطاقة العراقي زياد علي فاضل، وعدد من وزراء الطاقة بدول الخليج، وعدد من المسؤولين الخليجيين والعراقيين.

بدوره، قال وزير الطاقة السعودي إن "بدء تنفيذ مشروع الربط الكهربائي، بين شبكتي دول مجلس التعاون الخليجي وجنوب العراق، الذي تم توقيع عقد تنفيذه، على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، في يوليو 2022، يُمثّل أحد المشروعات الهادفة لتعزيز التعاون" بين الطرفين.

وأردف قائلا: "وكذلك، يعزز أمن الشبكات المترابطة واستقرارها، ويعظم الفوائد الاقتصادية منها، وزيادة قدراتها على إدماج مصادر الطاقة المتجددة فيها، بما يُسهم به في إيجاد سوق إقليمية ودولية لتبادل الطاقة الكهربائية وتصديرها".

وفي عام 2020، ظهر المشروع الزراعي الأبرز الذي اعتزمت السعودية تنفيذه، من خلال استثمار في العراق عبر صحراء الأنبار والنجف وكربلاء والمثنى (بادية السماوة)، بمساحة مليون هكتار، مع توفير أكثر من 60 ألف فرصة عمل.

ويشمل المشروع الذي خطط له حينها، إقامة مصدات خضراء على امتداد مساحات شاسعة عبر زراعة أكثر من 10 ملايين نخلة، وتأسيس مدن سكنية وصناعية ومزارع أبقار.

لكن الشركات السعودية أعلنت، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن إلغاء خططها للاستثمار الزراعي، بعد حملة شنتها جهات عراقية مقربة من طهران، بذريعة شح المياه في العراق.

ورغم العقبات التي واجهتها مشاريع السعودية خلال الحكومات العراقية السابقة ولم تر أغلبها النور، فإن المسؤولين فيها أعلنوا استعداد بلادهم للاستثمار بمليارات الدولارات.

وفي 25 مايو/أيار 2023، قال القائم بأعمال الرئيس التنفيذي للشركة السعودية العراقية للاستثمار "متعب الشثري"، إن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، أسس وحدة جديدة للاستثمار في قطاعات متنوعة في العراق برأسمال ثلاثة مليارات دولار وتتخذ من المملكة مقرا.