لبى ثلاثة مطالب.. كيف غسل الأسد جرائمه للعودة إلى الجامعة العربية؟
تحدثت صحيفة "تاجس شبيجل" الألمانية عن خيبة الأمل التي يعيشها اللاجئون والمنفيون السوريون بسبب الدعوة للاستثمارات بدلا من الحل السياسي في سوريا.
ففي إطار عودة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية وتطبيع العلاقات معه، تسلط الصحيفة الضوء على مصطلح "السياسة الواقعية".
وتلفت إلى أنه في حالة سوريا يعني قبول الجرائم المنهجية ضد الشعب السوري بأكمله. وتطرقت كذلك إلى تضامن الديكتاتوريين العرب في هذه الأزمة، موضحة الدور الذي تلعبه طهران وأوروبا في المشهد.
اتحاد الديكتاتوريين
تقول الصحيفة الألمانية إن "الحديث عن عودة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية أمر صادم للغاية".
وتعزو الصحيفة ذلك إلى كون عودته "تعني إغلاق فصل مظلم من التاريخ" تحت مظلة ما يسمى بـ"السياسة الواقعية"، لافتة إلى أنها عملية شائعة في إستراتيجية الدول الغربية هذه الأيام.
وتذكر أنه من السهل فهم مصطلح "السياسة الواقعية" المبتذل، لكنها توضح أنه في حالة سوريا يعني "قبول الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والفساد المنهجي واستعباد شعب بأكمله".
وتضيف الصحيفة أن "الشعب السوري لم يطالب بالمزيد من الحرية والقليل من العدالة والكرامة إلا بعد أن حُرم منها لمدة نصف قرن".
وبدلا من ذلك، فقد دعا وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال زيارته إلى دمشق في 3 يوليو/تموز 2023، إلى الاستثمار الدولي في البنية التحتية لسوريا.
بالنظر إلى سياسات الدول العربية، تقول "تاجس شبيجل" الألمانية إن "إعادة تأهيل الأسد لم تكن مفاجأة، بل هي حتمية متوقعة".
وتؤكد على حقيقة أن "التضامن بين الديكتاتوريين العرب كان قويا منذ بداية الثورات العربية". وتلفت إلى أن خوف الحكام الدكتاتوريين من "انتشار وباء معد يجتاح المنطقة بأكملها كان واضحا".
ولذلك، حاولت بعض الدول، مثل الإمارات أو السعودية، تجنب الموجة بمحاولة التلاعب بها، عبر أشكال مختلفة، كان التدخل العسكري المفضل من بينها.
وهكذا، من وجهة نظر الصحيفة، تحول الاحتجاج السلمي إلى مواجهة مسلحة بين الجيش والفصائل المسلحة في سوريا، على سبيل المثال.
وما يحدث الآن، في رأيها هو رسالة موجهة إلى الشعب السوري، مفادها أنه "إذا كان القادة العرب قد رحبوا الآن بالأسد مرة أخرى بينهم، فهذا لا يتعارض مع سياستهم الأصلية".
ومن الجدير بالذكر أن جامعة الدول العربية، منذ إنشائها في عام 1945، كانت ناديا عفا عليه الزمن تماما.
كما أصبحت الجامعة خزانا للديكتاتوريات التي نشأت من مشاريع بناء الدولة القومية الفاشلة في العالم العربي بعد الاستقلال، وفقا للصحيفة.
تقول: "هذا هو المكان الذي تلتقي فيه الأنظمة العربية، على الرغم من اختلاف أسمائها -المملكة أو الجمهورية أو الإمارة- فهي لم ولن تدعم أبدا إضفاء الطابع الديمقراطي على دولة عضو".
غسل الجرائم
وعلى العكس مما يحدث في الواقع، توضح الصحيفة أن الجامعة هيئة تتميز قبل كل شيء بالاجتماعات "الناجحة" دائما لوزراء الداخلية ورؤساء الأجهزة الأمنية.
وبشأن عودة سوريا لجامعة الدول العربية، تذكر الصحيفة أنه "من الناحية الشكلية، حدد المفاوضون العرب الذين يعملون على إعادتها ثلاث خطوات يجب أن تتخذها دمشق لمساعدتهم على تبرير هذا القرار".
الشرط الأول، كما وضحت الصحيفة، هو إنهاء سيطرة إيران السياسية والاقتصادية على دمشق.
أما الثاني، يجب على دمشق "السيطرة" على المليشيات التي تنتج وتصدر المخدرات إلى "الأشقاء" العرب، وفق الصحيفة الألمانية.
وكشرط أخير لقبولها في جامعة الدول العربية، طُلب من الأسد ضمان العودة الآمنة لملايين اللاجئين من الدول العربية المجاورة.
وتزعم الصحيفة أن "بشار الأسد لبى هذه المطالب الثلاثة ليغسل نفسه من أفعاله الدموية على الصعيد الدولي، من خلال إعادة التأهيل".
وهنا تتساءل: "هل ينبغي للمرء الآن أن يكتفي باتهام الديكتاتوريات العربية لأنها احتضنت مرة أخرى واحدة منها؟ وماذا عن الخطوط الحمراء لباراك أوباما (الرئيس الأميركي الأسبق)، التي تجاوزها النظام في دمشق إلى حد بعيد في 2013 باستخدام الغازات السامة؟ هل ستبقى دون أي رد فعل؟".
تلفت الصحيفة الألمانية الأنظار إلى الاتفاقيات الاقتصادية طويلة الأجل التي وقعتها طهران ودمشق، والتي تمنح الأولى سيطرة فعلية على الاقتصاد السوري.كما أنها تسلط الضوء على الزيارات السرية لأوروبا من قبل أعضاء المجمع العسكري والأمني السوري، المدرج أسماؤهم على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنبوذين.
على سبيل المثال، تشير الصحيفة إلى زيارة اللواء علي مملوك نائب رئيس النظام السوري للشؤون الأمنية في مهمة سرية إلى روما عام 2018، والتي كشفت عنها صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وفي المقابل، توضح أن قلة من أعضاء الاتحاد الأوروبي يتمسكون بموقفهم الأصلي، الذي يدعو إلى إطلاق سراح عشرات الآلاف من السجناء السياسيين والانتقال السياسي الحقيقي.
وتشير "تاجس شبيجل" الألمانية إلى أن فرنسا، التي لا تزال تتخذ موقفا متشددا بشأن تطبيع علاقاتها مع من هم في السلطة في دمشق، تتعرض لضغوط مستمرة من الإمارات ورجال الأعمال اللبنانيين، الذين يرون في سوريا موقعا رئيسا لبناء ثرواتهم.