التنافس بين الأجهزة المخابراتية في إيران.. كيف أسهم في زيادة الاختراقات؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت الرسالة التي وجهها المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي أخيرا، إلى اجتماع لكبار المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين والعسكريين الضوء على التضارب بين الأجهزة المخابراتية المختلفة في إيران.

جرى الإعلان عن جزء من النزاعات بين وزارة الاستخبارات وجهاز المخابرات التابع للحرس الثوري الإيراني، لكن من المحتمل أن تكون هذه المؤسسات متورطة بشكل كبير مع بعضها البعض في الاحتجاجات التي عمّت البلاد منذ ما يقرب من عام.

كما تحدث أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي السابق علي شمخاني، عن تضارب المؤسسات الأمنية في الرسائل التي كشفت عنها مجموعة "ثورة حتى إسقاط النظام". وهي جماعة من الهاكرز الإيرانيين الذين يخترقون المؤسسات الإيرانية.

ويمكن للتغييرات في المجلس الأعلى للأمن القومي أن يكون لها تأثير على العملية الجديدة للعلاقات بين المؤسسات الأمنية، وقد أعد هذا المجلس مشروعا جديدا للتنسيق بينها. 

ومن المحتمل أن يكون مسؤولو هذا المجلس قد لجأوا إلى رسالة خامنئي من أجل إزالة العقبات التي تعترضهم، وحتى لا تقاوم القيادات الوسطى وقوى المؤسسات الأمنية تنفيذ المشروع.

وقد أعد موقع إيران واير تقريرا حول التضارب بين الأجهزة المخابراتية الإيرانية، والذي دفع القائد الأعلى لمخاطبة هذه الأجهزة من أجل التنسيق فيما بينها.

رسالة خامنئي

وأعلنت وكالات الأنباء الإيرانية عن عقد اجتماع أمني في مدينة مشهد، شارك فيه كبار المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين والعسكريين في الجمهورية الإسلامية، نهاية يونيو/حزيران 2023.

وذكرت الأنباء أن هذا الاجتماع عُقد للبحث في أوضاع الاحتجاجات الأخيرة، وتحديد إستراتيجية موحدة للتعامل مع الأحداث، في إشارة إلى المظاهرات الواسعة التي أعقبت مقتل الفتاة مهسا أميني.

وفي 16 سبتمبر/أيلول 2022، اندلعت احتجاجات بأنحاء إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) بعد 3 أيام على توقيفها لدى "شرطة الأخلاق" المعنية بمراقبة قواعد لباس النساء.

وأثارت الحادثة غضبا شعبيا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية بإيران، وسط روايات متضاربة عن أسباب الوفاة. 

وكذلك بحث الاجتماع تكوين مقرات مشتركة من وزارة الاستخبارات الإيرانية وجهاز المخابرات التابع لقوات الحرس الثوري وباقي القوى الأمنية، من أجل مواجهة الاحتجاجات وقمعها.

وقد وجه خامنئي رسالة إلى المجتمعين، قال فيها: "إن موضوع المعلومات من أهم قضايا البلاد، وعدم التفاهم بين الأجهزة الاستخباراتية واحدة من نقاط الضعف لدينا".

وأضاف في جزء آخر من هذه الرسالة: "اليوم، رغم وجود تفاهم جاد بين قيادتي هاتين المؤسستين، فإن الجهد الحقيقي هو تنفيذ هذا التعاون والتفاهم على جميع المستويات".

وحول أهمية الرسالة، قال تقرير موقع إيران واير إنه لو أراد زعيم الجمهورية الإسلامية إزالة التضارب عن المؤسسات الأمنية، لما كان هناك داعٍ لإصدار رسالة.

وأعاد ذلك إلى أنه "يمكنه إزالة هذا التضارب بنفسه. ولكنه يرغب في استمرار بقاء هذا الهيكل مع إحداث تغييرات بعملية التنفيذ".

وهذا يعني أن المؤسسات الأمنية المتوازية يجب أن تستمر كما هي، وأن يكون لديها نوع من المنافسة أيضا، ولكن لا ينبغي أن يوجه هذا التنافس ضربة للحكومة، وفق التقرير.

ويؤكد على أن رسالة خامنئي تعني أن بعض هذه الأنشطة الموازية قد تحولت إلى أزمة، وتسببت في ضربات خطيرة للحكومة في الداخل والخارج.

ويبدو أن هذا العمل الموازي خارج البلاد قد أصبح أكثر إزعاجا، ويمكن العثور على بوادر ذلك في عزل حسين طائب، الرئيس السابق لجهاز المخابرات التابع للحرس الثوري الإيراني.

وبعد ذلك، أثير أن وزير الاستخبارات إسماعيل خطيب، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، كان لهما دور أساسي في إقالة رئيس جهاز المخابرات.

وكان التوتر خارج البلاد أحد جوانب التداخل في أنشطة أجهزة المخابرات، بحسب تقرير الموقع الإيراني.

وقبل فترة من إقالته، كانت وسائل إعلام عبرية قد أعلنت أن جهاز المخابرات التابع للحرس الثوري الإيراني يخطط لاغتيال مواطنين إسرائيليين في تركيا، وذلك بدلا من فيلق القدس هذه المرة. 

لم تكن هذه القضية جديدة، لأنه كان هناك خلاف في ثمانينيات القرن الماضي بين وزارة الاستخبارات والحرس الثوري الإيراني حول نطاق الأنشطة في الخارج، ولكن يبدو الآن أن الوضع أصبح حرجا.

وبناءً على الرسائل المسربة من مراسلات مؤسسة رئاسة الجمهورية، يتضح أيضا أن علي شمخاني انتقد التضارب في عمل المؤسسات الأمنية لقمع الاحتجاجات خلال العام المنقضي.

وربما جاءت الموافقة على خطة وضعت في المجلس الأعلى للأمن القومي لتقسيم العمل بين هذه المؤسسات الأمنية والاستخباراتية بعد هذه الانتقادات، ثم عقد اجتماع مشهد لمتابعة هذا الموضوع.

وفي ظل هذه التفسيرات، ربما لجأ مسؤولو المجلس الأعلى للأمن القومي إلى رسالة زعيم الجمهورية (خامنئي) حتى لا يكون هناك عائق أمام تنفيذ الخطة الجديدة، والتي لا تعني نهاية العمل الاستخباراتي المتوازي، بل إجراء تغييرات في بعض التفاصيل فقط.

ويذكر التقرير أن رسالة خامنئي هي أيضا إشارة للقيادات الوسيطة وقوات المؤسسات الأمنية حتى يدركوا أن أقوال كبار المسؤولين حول الخطة الجديدة لا تصدر من جانبهم فحسب، بل تحظى أيضا بموافقة المرشد الأعلى.

التضارب في العمل 

يسرد التقرير تاريخ التضارب في عمل المؤسسات الأمنية والاستخباراتية، فيذكر أنه قائم منذ بداية الثورة، في عام 1979، وهو الوقت الذي كانت تنشط فيه مخابرات الحرس الثوري، ومخابرات رئاسة الوزراء وحماية المعلومات، ومؤسسات مختلفة أخرى، بما في ذلك الجيش.

وبعد إنشاء وزارة الاستخبارات، كان من المفترض إلغاء المؤسسات الموازية، واستمرت هذه العملية حتى فترة لاحقة، ولكن بعض المؤسسات تعافت مرة أخرى.

وينقل التقرير عن الرئيس الإيراني الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، أنه كتب في مذكراته لعام 1987، أن السيد ريشهري، وزير الاستخبارات حينها، جاء إليه واشتكى من وجود مراكز استخبارات في الحرس الثوري الإيراني، وفي وزارة الداخلية، وفي الجيش، وهو ما يعيق مركزية هذا الجهاز.

وأضاف رفسنجاني في مذكراته أن ريشهري تحدث عن القضايا الداخلية للحرس الثوري، واقترح أن تتحول وزارة المخابرات إلى جهاز، وتخضع لإشراف رئيس المحكمة العليا، أي للسلطة القضائية.

وذكر رفسنجاني في مذكراته لعام 1989، أن السيد ريشهري جاء إليه، وقدم تقارير استخباراتية، واقترح أن تكون وزارة الاستخبارات تحت إشراف القائد الأعلى للثورة، بعد أن تتم مراجعة الدستور، أو أن تتحول إلى مؤسسة.

كما قال علي خامنئي، في عام 1989، إن أنشطة المؤسسات الأمنية لا تفصل بينها فواصل، وطالب بالتعاون بين المؤسسات الأمنية، بما في ذلك المخابرات الخاصة بالحرس الثوري والجيش، بالإضافة إلى وزارة الاستخبارات.

وأضاف خامنئي: "توجد في بعض الأماكن حدود مشتركة بين مخابرات كل من الجيش والحرس الثوري ووزارة الاستخبارات، ويجب بذل كل الجهد للتعاون بين هذه الجهات".

وبعد فترة وجيزة من رئاسة محمد خاتمي، جرى تشكيل هيكل استخباراتي موازٍ تحت مظلة الحفاظ على المعلومات في السلطة القضاء، ثم تشكلت مخابرات الحرس الثوري.

وبدأت الأنشطة الاستخبارية الموازية باعتقال بعض أعضاء مكتب تحكيم الوحدة، وهو أحد تشكيلات اليسار. وكانت ذروتها في اعتقال ناشطين دينيين ومطالبين بالحرية. وفي ذلك الوقت، أعلنت وزارة الاستخبارات أن هذه الحركات ليست تخريبية. 

وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة للبرلمان السادس بسبب الاستخبارات الموازية المدعومة من خامنئي، استمر هذا الهيكل، ولم يمسه المرشد الأعلى حتى بعد وصول محمود أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية.

وبعد الانتخابات الرئاسية، في عام 2009، تحولت مخابرات الحرس الثوري عمليا إلى مؤسسة، وبمعنى آخر، جرى ترقية وضعها.

بعد ذلك، شدد خامنئي على موقف مخابرات الحرس الثوري الإيراني، وقال إن "استخباراتها يجب أن تراقب باستمرار القضايا وتحدد التهديدات".

وفي عهد الرئيس السابق، حسن روحاني، وصل موضوع الأنشطة الاستخبارية الموازية إلى ذروته مرة أخرى، وهو ما برز في المواجهة بين وزارة الاستخبارات وجهاز مخابرات الحرس الثوري بسبب ناشطين في مجال البيئة.

لكن قبل هذه الفترة، أثير موضوع المجلس التنسيقي للمؤسسات الاستخباراتية، وفي 2012، أفاد موقع الحكومة الإيرانية على الإنترنت بأن الاجتماع الأول لهذا المجلس قد انعقد برئاسة محمود علوي، وزير الاستخبارات في حكومة روحاني.

وفي عام 2018، تصاعد التوتر الداخلي مع الكشف عن قضية مازيار إبراهيمي، الذي اتهم بالتخابر مع إسرائيل اغتيال علماء نوويين، وفق موقع إيران واير.

وهنا أصبح من الواضح أن وزارة الاستخبارات وجهاز المخابرات التابع للحرس الثوري، كانا متضاربين بشأن قضية المتهمين باغتيال العلماء النوويين. كما تبين أن الحرس عطل مشاريع الوزارة، وفق التقرير.

وفي عام 2019، أثار اغتيال العالم النووي، محسن فخري زاده، انتقادات للحرس الثوري، ولكن في المقابل، اتهمت وسائل إعلام مقربة منه وزارة الاستخبارات بعدم اكتشاف اغتياله. 

لم ترد وزارة الاستخبارات على هذا الاتهام، ولكن المتحدث الرسمي باسم الحكومة وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي (لم يذكر اسمهما) أيضا دافعا عن هذه الوزارة.