يمثل خمس الناتج المحلي ويوفر الوظائف.. لماذا تدهور قطاع التكنولوجيا بإسرائيل؟
أبرز موقع أميركي المشكلات التي يتعرض لها مجال التكنولوجيا في "إسرائيل"، الذي يُعد حجر الزاوية في اقتصادها كونه القطاع الأسرع نموا هناك على مدى عِقد من الزمان.
وقال موقع "المونيتور"، إن "قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل يمثل حوالي 14 بالمئة من الوظائف، وما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف التقرير أن "مجال صناعة التكنولوجيا المزدهر في إسرائيل يتمتع بسمعة عالمية، فله الريادة فيما يتعلق بالابتكارات في مجالات التجارة الإلكترونية، والأمن، والذكاء الاصطناعي".
"ومثل الصناعات الأخرى في جميع أنحاء العالم، فقد أدت جائحة كورونا، والتضخم الذي تبعها، وغزو روسيا لأوكرانيا إلى تراجع في هذا القطاع"، وفق المونيتور.
غير أن تراجع قطاع التكنولوجيا في إسرائيل أصبح أكثر وضوحا هذا العام بسبب عدم الاستقرار في السياسة الداخلية الإسرائيلية.
خسائر كبيرة
أكد هذا التراجع ما نشره مركز الأبحاث IVC وLeumiTech، التابع لبنك "لئومي"، المتخصص في الخدمات المصرفية لشركات التكنولوجيا في إسرائيل.
إذ أظهرت بيانات المركز أن "الأموال التي جمعتها الشركات الناشئة والشركات التكنولوجية الإسرائيلية انخفضت بأكثر من 65 بالمئة، خلال الربع الثاني من عام 2023".
ووفق التقرير، جمعت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية ما مجموعه 1.78 مليار دولار من المستثمرين في الأشهر من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران 2023، بارتفاع طفيف عن 1.7 مليار دولار جُمعت في الأشهر الثلاثة الأولى من عام ذات العام.
لكن عند المقارنة بـ 5 مليارات دولار، جُمعت خلال الربع الثاني من عام 2022، نجد أن هناك نسبة انخفاض قدرها 65 بالمئة، وفق التقرير.
فقد أصبح تسريح العمال أمرا شائعا أيضا، إذ أعلنت شركة "جوجل"، التي تمتلكها الشركة الأم "ألفابت"، في 27 يونيو 2023، أنها ستلغي الوظائف في تطبيق الخرائط "Waze" الإسرائيلي، حيث ستدمج نظام الإعلانات لديها مع تقنية إعلانات جوجل.
وقالت جوجل، التي استحوذت على Waze مقابل 1.3 مليار دولار خلال عام 2013، في بيان لها، إنه "من أجل إنشاء تجربة أفضل وأكثر سلاسة طويلة المدى للمعلنين عبر Waze، بدأنا في نقل نظام الإعلان الحالي له إلى تقنية إعلانات جوجل".
وأضافت الشركة أنه "كجزء من هذا التحديث، قللنا تلك الأدوار التي تركز على تحقيق الدخل من إعلانات Waze".
"غير أن الشركة التي تُعد عملاقا في التكنولوجيا لم تذكر عدد حالات تسريح العمال لديها"، وفق المونيتور.
وفي منتصف مايو/ أيار 2023، أعلنت شركة "أوبر" للسيارات أنها ستخرج من السوق الإسرائيلية، لأنها لم تحصل على حصة كافية فيه.
وقال المتحدث باسم الشركة: "لقد اتخذنا القرار الصعب بإيقاف أعمال التنقل الخاصة بنا في إسرائيل، وهذا يتماشى مع جهودنا للتركيز على الأسواق التي لدينا فيها فرص للنمو المستدام".
علاوة على ذلك، قال موقع "ZipRecruiter" للإعلان عن الوظائف إنه سيخفض 20 بالمئة من موظفيه بسبب ظروف السوق.
كما ألغت شركة أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية، عشرات الوظائف في إسرائيل بسبب حالة "عدم اليقين الاقتصادي" الراهنة.
وأشار تقرير صادر عن الشركة في مايو 2023، إلى أن تسريح العمالة في إسرائيل سيستمر خلال ذات العام.
وبين التقرير أن "ربع الشركات توقفت عن تعيين موظفين جدد، بينما تخطط ربعها لتسريح بعض العمالة، والعديد منهها تسعى للتخلي عن 5 بالمئة من قوتها العاملة".
اضطرابات سياسية
وأخيرا، قالت "هيئة الابتكار الإسرائيلية" الحكومية إن "التباطؤ في قطاع التكنولوجيا في البلاد قد تفاقم هذا العام، وازداد سوءا بسبب الاضطرابات السياسية".
وأضاف المونيتور أن هذا أتى بالتزامن مع العودة المفاجئة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى السلطة نهاية عام 2022.
وأورد الموقع الأميركي أن نتنياهو عاد كجزء من حكومة يمينية متطرفة، كما أنه "ضغط لإصلاح النظام القضائي"، بشكل أثار جدلا كبيرا في الداخل، وأدى إلى احتجاجات حاشدة في الشوارع.
وشدد على أن "الشيكل الإسرائيلي (العملة) تعرض لضربات قوية، كما حذر اللاعبون في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي من أن الإصلاحات القضائية المقترحة ستجعل البلاد أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب".
وتقول المعارضة إن مشروع ما يسمى إصلاح القضاء "يهدف إلى إضعافه وخاصة المحكمة العليا الإسرائيلية ويحوّل إسرائيل إلى ديكتاتورية"، وظلت لمدة 22 أسبوعا، تنظم احتجاجات أسبوعية غير مسبوقة في عموم إسرائيل للمطالبة بوقفها.
وفي فبراير/شباط 2023، انخفض سعر صرف الشيكل مُقابل الدولار الأميركي إلى أدنى مُستوى له منذ ما يقرب ثلاث سنوات".
إذ بلغ حينها سعر الدولار مُقابل الشيكل 3.6، قبل أن تعود العملة الإسرائيلية للارتفاع مرة أخرى.
ومن جانبه، يرى يوجين كاندل، الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي الإسرائيلي وأستاذ الاقتصاد في الجامعة العبرية بالقدس، أن "الانكماش في صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية ناتج عن عوامل خارجية عالمية، فضلا عن العوامل المحلية".
وقال لـ"المونيتور": "أعتقد أنه بمجرد انتهاء الأزمة العالمية، سنبدأ في رؤية تطور مماثل في إسرائيل".
وأضاف كاندل: "سوف يحدد مدى عدم اليقين السياسي، والتطورات فيما يخص تشريعات الإصلاح القضائي مستقبل الاستثمار في التكنولوجيا الإسرائيلية".
وبدوره، قال عمر معاف، مستشار نتنياهو السابق وأستاذ الاقتصاد في جامعة "وارويك آند ريتشمان"، إن "هناك تباطؤا عالميا في الاستثمارات بقطاع التكنولوجيا الفائقة بشكل عام، لكنه أسوأ بكثير في إسرائيل".
وأردف أن "السبب يبدو أنه الحكومة الإسرائيلية الحالية وسياساتها، وخاصة الثورة القضائية، أو الخوف من مثل هذه الثورة".
قلق المستثمرين
وحسب الموقع الأميركي، فقد بدأ تباطؤ الاستثمار في قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل بعد غزو أوكرانيا عام 2022، على غرار بقية العالم.
واستدرك معاف: "لكن منذ بداية عام 2023، أصبح التراجع في إسرائيل منفصلا إلى حد ما عن المستوى العالمي".
وأكد أن "الإصلاح القضائي، وربما السياسات الأخرى للحكومة الإسرائيلية، تشكل تهديدا للاستقرار والنمو".
وأوضح أنه "مع ضعف النظام القضائي، يساور المستثمرين القلق من حماية حقوق الملكية"، مشيرا إلى أن "هذه المخاوف تتفاقم بسبب الميزانية التي تهمل الاستثمار المعزز للنمو، مثل الاستثمار في البنية التحتية والمهارات".
وأورد معاف أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتخذ بعض الإجراءات في الاتجاه المضاد للاستثمار والنمو، مثل تشجيع اليهود المتدينين (الحريديم) على مشاركة أقل في القوى العاملة".
هذا بالإضافة إلى أن الترشيحات للمناصب العليا في القطاع العام تتم على أساس العلاقات السياسية، وليس الكفاءة، وفق تقدير معاف.
وحسب المونيتور، فإن توطين الشركات الناشئة الإسرائيلية في الخارج يتزايد، فقد أبلغت العديد من شركات التكنولوجيا عن نقل الأموال من إسرائيل، نتيجة لعدم اليقين بشأن الاستثمار.
وكانت "هيئة الابتكار الإسرائيلية" قد قالت إنه عندما تبدأ أسواق الأسهم الأميركي في التعافي بعد ربعين -كما رأينا خلال عام 2023- فمن المتوقع أن يزداد رأس المال والتوظيف في إسرائيل، بما في ذلك قطاع التكنولوجيا الفائقة.
لكن هذا لم يظهر في أسواق الأسهم خلال عام 2023، حيث ارتفع مؤشر ناسداك بنسبة 29 بالمئة، بينما ارتفع مؤشر التكنولوجيا الرئيس في إسرائيل بنسبة 7.8 بالمئة فقط، حسب التقرير.
وأكدت وسائل إعلام حكومية في إسرائيل أن هناك "قلقا حقيقيا" من تدهور هذا المجال، الذي تعتمد عليه تل أبيب بشكل كبير في اقتصادها.
ولدى سؤاله عن الكيفية التي يمكن بها لإسرائيل أن تجعل قطاع التكنولوجيا ينتعش، قال كاندل: "ضع إستراتيجية طويلة المدى، وسياسات داعمة، وتوقف عن اللعب بالنار".