"التيار المصري الحر".. تكتل جديد يتسلح بدرع الليبرالية ضد قبضة السيسي العسكرية

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو عام من المشاورات، وتأجيل تلو الآخر، ظهر تكتل مصري جديد يُدعى "التيار الحر"، ممثلا لأربعة أحزاب ليبرالية هي (المحافظين- الدستور- الإصلاح والتنمية- مصر الحرية)، إضافة إلى بعض الشخصيات المستقلة.

ويضم التيار مجموعة من الشخصيات الليبرالية المصرية وعددا من الشخصيات العامة، بينهم أكمل قرطام رئيس حزب المحافظين، ومحمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية.

إضافة إلى جميلة إسماعيل رئيس حزب الدستور، وإيهاب الخولى عضو مجلس النواب السابق، وعدد من السياسيين، ونحو 20 من رجال الأعمال.

تيار غامض

التيار الجديد طرح خلال إعلان ولادته يوم 25 يونيو/ حزيران 2023 برنامجا غامضا، حيث تحدث ضمنا عن أن هدفه هو "حماية المصريين ورجال الأعمال اقتصاديا وتقديم نصائح للسلطة لمراعاة ذلك".

لكن في الوقت ذاته قال إنه "قد يطور رؤيته مستقبلا ليصبح له أجندة سياسية"، ما عده مراقبون تخوفا من بطش السلطة قبل أن يبدأ مسيرته.

ولوحظ أيضا أن برنامج التيار جاء منقوصا حيث اقتصر على القضايا الاقتصادية دون السياسية، وربما كان الأمر مقصودا من مؤسسيه تجنبا لصدام مع السلطة التي تقمع كل الحركات السياسية.

ومع هذا، فرضت القضايا السياسية نفسها على المؤتمر الصحفي للمؤسسين الذين طالبوا بضمانات حقيقية للانتخابات الرئاسية المقبلة نهاية 2023، مؤكدين أن ما جرى في انتخابات 2018 لا يمكن تكراره.

وكان قد كشف أكمل قرطام رئيس حزب المحافظين أن تأسيس هذا التيار جاء بالمصادفة حينما تواصل مع عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية لمناقشته في وثيقة الإصلاحات السياسية التي أعدها الحزب.

وقال في حوار مع موقع "الموقع" المحلي في 15 يونيو: "بعدها تولدت فكرة إنشاء هذا التيار الليبرالي، وعمرو موسى اختار اسم التيار الوطني الحر لهذا التيار الليبرالي الجديد".

فيما أرجع الدكتور عماد جاد الباحث بمركز الأهرام وعضو هذا التيار، سبب نشأته إلى "تشتت مكونات التيار الليبرالي وعدم وجود غطاء جامع لممثلي هذا التيار الأصيل في الثقافة المصرية".

وقال في تدوينة عبر فيسبوك في 27 يونيو، إن "هذا التيار يضم قطاعا من المصريين ومن القوى والأحزاب والحركات التي تؤمن بالفلسفة الليبرالية في المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، السياسية والإنسانية".

الطبيعي أن يكون لكل تكتل سياسي رؤية اقتصادية وسياسية واجتماعية، لكن "التيار الحر" ركز على تصوير نفسه كتحالف "فكري" يدافع عن ثروات المصريين وبيزنس رجال الأعمال الذي جار عليه بيزنس الجيش.

في إعلانه تدشين التيار قال الناشر والرئيس اﻷسبق للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان هشام قاسم، المتحدث باسمه، إن تدشين تحالف التيار الحر، جاء لـ "يكون تحالفا فكريا قد يتطور لاحقًا لتحالف انتخابي".

هذا السقف "الفكري" الذي تحدث عنه التيار الحر، دفع جمال سلطان، رئيس تحرير صحيفة المصريون لانتقاد أن يكون جهدهم "فكريا"، وهو تقديم توصيات سياسية واقتصادية للحكومة، أكثر منه "نضاليا".

قال في تغريدة عبر تويتر: هذا عمل مراكز أبحاث ونوادٍ سياسية وليس عمل أحزاب، وأرجع "السقف الواطي" لبرنامج التيار إلى فرض العسكر الخوف على الجميع.

أيضا انتقد الخبير السياسي الدكتور مصطفي عاشور التيار الحر، مؤكدا أنه "ليس حرا" لأنه يقول إنه ليس معارضا للسلطة وانما جاء لتقديم النصح لها وأنه "فكري" في الأساس، وتأكيده إمكانية تطويره لاحقا إلى تحالف حزبي لخوض الانتخابات.

وانتقد الأحزاب المشكلة للتيار قائلا عبر تويتر: "هذا نتاج عملكم الذي صنعتموه في 30يونيو 2013 والآن إما أنكم تساعدون النظام على غسيل عاره ومساعدته على تجاوز مأزقه وإجرامه أو أنكم تحاولون الحركة ولكنكم لا تستطيعون حتى الحركة في المكان.

ودعاهم إلى التوبة عن "دعم هذا النظام العسكري الديكتاتوري المستبد وإعلان المعارضة السياسية الصريحة له بهدف إسقاطه بعد أن دمر بعضا من الوطن ويسعى للقضاء على ما تبقى منه وهو يضحك فاغرا فاهه بغرابة شديدة".

واجهة اقتصادية

ولاحظت "الاستقلال" تركيز أعضاء التيار الحر خلال مؤتمر تدشينه وفي تصريحاتهم التالية على الدفاع عن القطاع الخاص، حيث يعد عدد كبير من أعضاء التيار من رجال الأعمال، ما يثير تساؤلات حول هل سبب تدشين التيار هو الدفاع عن رجال الأعمال في مواجهة بيزنس الجيش المنافس لهم بصورة صارخة.

فقد انتقد المتحدث باسم التيار ما وصفه بـ "التضييق على الأعمال الخاصة"، و"ابتزاز رجال الأعمال"، واستشهد بواقعة تحدث عنها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بشأن حبس أحد رجال الأعمال لإجباره على التنازل عن ملكيته في الإسكندرية.

واستنكر قاسم "تعامل الدولة مع القطاع الخاص بمنطق حسنة وأنا سيدك"، قائلا: إن "القطاع الخاص هو الذي يحمل الاقتصاد وهو العمق الإستراتيجي له".

وقال: "الحكاية مش مستحملة، الاقتصاد خرب"، مشيرا لما جري لصاحب شركة الألبان "جهينة" من اعتقال وابتزاز مالي.

وتزامن حديثه مع إطلاق السلطات سراح مالك مجموعة "التوحيد والنور" الاقتصادية سيد السويركي، دون أي تحقيق معه أو إحالة للقضاء، وعقب نهب السلطة بعض محاله الشهيرة وغلق أخرى بسبب سوء إدارة السلطة لها في ظل حبسه.

ودافع "قاسم" عن القطاع الخاص، قائلا إن "العاملين في القطاع الخاص سيكونون في القلب من الجمهور المُستهدف للتيار الحر، والذين تعرضوا لأوضاع قاسية خلال السنوات الماضية، حيث إنهم يمثلون 80 بالمئة من قوة العمل في مصر ويسعى التيار الحر إلى تحرير الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة على مدار 70 سنة".

فيما حاول محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، أحد أعضاء تحالف التيار الحر، نفي أن يكون التيار قاصرا على رجال الأعمال.

وقال في تصريحات لصحف مصرية في 25 يونيو، إن التيار الليبرالي الحر يضم العديد من الشخصيات السياسية.

لكنه حين تحدث عن رسالة "التيار" للسلطة، قال إن رسالتهم هي ضرورة ترشيد الإنفاق ووقف الاقتراض، وتأجيل عدد من المشروعات، والتعاون الذكي مع أزمة الديون.

وأضاف أن "الاستقرار السياسي مهم لتحقيق التقدم الاقتصادي، والناس لازم تشعر بالتنافس الحقيقي في العمل السياسي وتحقيق الحرية في الإعلام".

وانتقد البيان التأسيسي للتيار بصورة لافتة "سياسة الاقتراض التي تتبناها السلطة في مصر".

ورأى أن "الاعتقاد بأن دولة بحجم مصر ومكانتها الإقليمية وتعداد سكانها، يمكن أن تستمر في العيش على القروض والهبات، كما أصبح الحال الآن، ليس فقط أمرا مهينا لهذا الشعب ومؤشرا على أنه آن الأوان لتغيير هذا النمط الفاشل، ولكنه أيضاً مستحيل عمليا".

ولفت إلى "توقف مؤسسات التمويل الدولية عن التعامل معنا وتوقف دول الخليج أي معونات اقتصادية أو استثمارات، وحتى برنامج بيع الشركات سدادا لديون، بسبب الفساد الذي يشوب تلك الشركات وسوء إدارة عمليات البيع".

المسار السياسي

سياسيا، قال المتحدث باسم التيار الحر قاسم: "إحنا مواطنين من حقنا ممارسة السياسة وتقديم توصيات سياسية لما هو الأمثل ونعرض نفسنا لانتخابات قادمة".

وأضاف لموقع "المنصة" المحلي: "إحنا مجموعة ليبراليين أحزاب أو أفراد التيار بتاعنا تم قمعه منذ 1952 ولا توجد محاولات حقيقية لأداء سياسي ليبرالي حقيقي".

وأشار إلى أن "التيار الحر سيطرح خارطة طريق لتحرير الاقتصاد المصري، وهو ما يستدعي إصلاحا سياسيا سيعمل التيار على صياغته كخطوة أولى".

أيضا قال قرطام رئيس حزب المحافظين، للمذيع عمرو أديب، في برنامج "الحكاية"، على قناة "إم بي سي مصر"، في 27 يونيو، إن التيار الحر لديه مشاريع متعددة منها تعديل الدستور.

وأكد أن "هدفنا هو الإصلاح السياسي وهو إصلاح إداري وتشريعي وبرلماني، حتى يحدث إصلاح اقتصادي".

لكن قاسم أوضح لموقع "مدي مصر" في 27 يونيو، أن "التيار لا ينوي، الدفع بمرشح للتنافس على منصب رئاسة الجمهورية، نظرا لغياب ضمانات التنافس العادل، حال ترشح السيسي".

وأكد، مع هذا، أن "التيار" سيعمل، من جانب آخر، على حشد التأييد خلال العامين المقبلين للتنافس في انتخابات مجلس النواب المقررة عام 2025".

وقال إن "الوضع الحالي للسياسة في مصر غير مبشر، خاصة في ظل اختفاء شخصيات عامة حاولت منافسة السيسي في الانتخابات السابقة، مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق وكذلك سامي عنان وأحمد قنصوة".

وشدد على إن "ضبابية المشهد الحالي تحتم على التيار الحر النأي بنفسه عن لعب دور الكومبارس في الانتخابات القادمة، ما لم تتوفر ضمانات لغير ذلك".

وقد انتقد "أحمد ناجي قمحه" رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية التابعة لصحيفة "الأهرام" الحكومية، قول التيار الحر إنه لن يشارك في الانتخابات لو ترشح السيسي.

وقال إن "التيار الحر الليبرالي هو تيار سياسي موازي لكيان الحركة المدنية (يسارية)" فكيف لن يخوض الانتخابات؟

فيما كان قد قال قاسم في مؤتمر تدشين التيار، إنه "لا يتعارض مع الحركة المدنية التي شكلها عدد من الأحزاب والقوى السياسية"، مضيفا أنه "لن تكون هناك انسحابات لأعضاء التيار من الحركة".

كما نفي لموقع "رصيف 22" التخوفات أن يكون التيار الحر بديلا للحركة المدنية.

وقال: "لا أعرف لماذا الإصرار على جر التيار لمعركة مع الحركة المدنية بالقول إنه جاء لضربها"، مؤكدا أن "التيار الحر هو تكتل مختلف يضم الشخصيات والأحزاب المؤمنة بالتعددية السياسية والاقتصاد الحر".

ليبراليون ضد يساريين

الصحفي قطب العربي، شرح بتفصيل أكثر الفارق بين التيارين (الحر والمدنية) في مقال بموقع "الجزيرة مباشر" في 28 يونيو، مشيرا إلى حالة خلط بين اليسار والليبراليين.

قال إن "الحدود لم تكن واضحة بين الأحزاب الليبرالية وتلك اليسارية، فجميعها كانت تتحدث لغة متقاربة، وكان غالبية المصريين يصفونها في مجملها بالأحزاب الليبرالية".

وأضاف: "ترى مثلا شخصا يساريا طيلة حياته، أو ناصريا قحا (فريد زهران أو حسام عيسى، أو خالد داود نموذجا) يرأس أو يتولى موقعا قياديا في حزب ليبرالي مثل المصري الديمقراطي أو الدستور".

وتابع: "ترى أحزابا يسارية متشابهة إلى حد التطابق في برامجها مثل التجمع والتحالف الشعبي والاشتراكي المصري، وأخرى ناصرية لا يميزها عن بعضها سوى قادتها مثل الحزب الناصري والكرامة والوفاق".

والحركة المدنية الديمقراطية هي تكتل يضم أحزابا وشخصيات عامة معارضة، لا يجمعها أساس أيديولوجي، فيشارك فيها أحزاب يسارية مثل التحالف الشعبي الاشتراكي، وأخرى قومية، إضافة إلى عدد من الأحزاب الليبرالية. 

لكنها يجمعها فقط الموقف السياسي الرافض لممارسات وسياسات النظام الحالي، بينما يجمع التيار الليبرالي أعضاءه على أساس أيديولوجي ويرون أن عدم ترشيح السيسي في الانتخابات المقبلة هو المخرج الوحيد من الأزمة السياسية والاقتصادية الحالية.

ويضم التيار الليبرالي الجديد على الأقل نصف الأحزاب السياسية في "الحركة المدنية" التي تم تدشينها في 2017، وهو ما يثير تخوف قيادات في تيار الحركة المدنية الديمقراطية أن يقود هذا إلى انقسام في الحركة. 

ويتوقع محللون حدوث انشقاق للأحزاب الليبرالية المنضوية تحت تحالف "الحركة المدنية" اليسارية بعد تدشين التيار الحر، بسبب وجود ليبراليين في بعض هذه الأحزاب التي يغلب عليها الطابع اليساري، وتسمي نفسها "مدنية".

وفي مصر الآن أكثر من 100 حزب، والمعروف منها لا يتجاوز العشرة، وأكبرها حزب الأغلبية البرلمانية (مستقبل وطن) الذي أسسته جهات أمنية ورتبت له تحالفا انتخابيا منحه أغلبية البرلمان، لكن الحزب هش لا يقوى على المنافسة الحرة.

وولد مشوها مثل "الحزب الوطني الحاكم" السابق قبل يناير 2011، ولو قررت الجهات الراعية رفع يدها عنه فإنه سيتبخر في ساعات، كما تبخر الحزب الوطني في اللحظات الأولى لثورة يناير.

لذلك رحب الكاتب سليم عزوز بخروج "التيار (الليبرالي) الحر" من "عباءة اليسار الوظيفي وناصرية أي حاجة في سندوتش" وفق تعبيره، لكنه قال إنهم (التيار الحر) سيكونون "عساكر مراسلة" يخدمون في بلاط السلطة أيضا.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، المنتمي للتيار اليساري، انتقد ضمنا تشكيل التيار الحر معتبرا أنه نتاج خوف البعض من تصدر التيارين الناصري واليساري منصة "الحوار الوطني" الذي دعا له عبد الفتاح السيسي 

وقال لـ"الجزيرة نت" أنه لن يكون لهذا التيار فرصة للعمل السياسي لأنه بعد انفضاض الحوار الوطني الجاري حاليا "لن يتبقى شيء لأن المناخ العام لا يسمح بممارسة النشاط السياسي إلا للأحزاب المرتبطة بالأجهزة الأمنية"، بحسب وصفه.

لكن الصحفي قطب العربي راى في مقاله بموقع "الجزيرة مباشر" أن "ولادة التيار الحر بمثابة حجر في بركة السياسة المصرية الآسنة منذ عشر سنوات".

قال: من الجيد أن تُشكّل أحزاب ليبرالية تيارا يميزها عن غيرها من الأحزاب، ومن المهم أن تحذو الأحزاب اليسارية والناصرية وما تبقى من الأحزاب الإسلامية حذوها، فتشكّل مظلات نوعية خاصة بها، ليتمكن الشعب من تمييز بعضها عن بعض، وليحدد موقفه تجاهها، وحتى يتم إنهاء حالة العشوائية الحزبية.

وأوضح أن الحياة الحزبية، كما غيرها من مظاهر الحياة في مصر، عاشت منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 عشرية سوداء، حيث أُغلقت أحزاب عدة كبرى مثل حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للإخوان المسلمين.

وحزب البناء والتنمية الجناح السياسي للجماعة الإسلامية، وحزب الاستقلال، كما جُمدت أحزاب أخرى مثل حزب مصر القوية، وحزب الوسط، واختفت الأحزاب السلفية باستثناء حزب النور.

كما انكمشت الأحزاب الليبرالية واليسارية داخل مقراتها، وتراجع تمثيلها البرلماني إلى حد التلاشي، رغم أنها كانت جزءا من منظومة 30 يونيو.