وثيقة أمنية جديدة.. تعرف على أبرز التهديدات أمام ألمانيا بالداخل والخارج

12

طباعة

مشاركة

سلطت وكالة الأناضول التركية الضوء على وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الألماني، ودورها في صراعات السلطة التاريخية ووزنها في الاقتصاد العالمي اليوم. 

وقالت الوكالة في مقال للكاتب "كمال إنات" إن الوثيقة هي أول نص إستراتيجي شامل للأمن القومي في ألمانيا، بينما النصوص السابقة حول هذا الأمر كانت تنشر تحت اسم "الكتاب الأبيض".

وثيقة الأمن القومي

ومع ذلك، فإن وثيقة الإستراتيجية، التي صدرت في منتصف يونيو/حزيران 2023، هي الأولى في كونها نصا شاملا يتجاوز قضايا الدفاع ويغطي جميع المجالات التي ينظر إليها على أنها مرتبطة بالأمن القومي الألماني. 

ويؤكد المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي قدم بالفعل الوثيقة مع 4 وزراء، أنها أول وثيقة إستراتيجية للأمن القومي في ألمانيا من حيث نطاقها. 

وأردف إنات: الوثيقة المكونة من 76 صفحة والتي تتضمن مقدمات منفصلة لشولتز ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك تتبع ملخصا واسعا.

فالجزء الأول بعنوان "ألمانيا في أوروبا والعالم"، يدرس كيفية تعريف هوية البلاد وقيمها ومصالحها من حيث السياسة الأمنية.

أما الجزء الثاني والذي يحمل عنوان "الأمن المتكامل لألمانيا" يشرح الحاجة إلى بناء مناخ أمني يجرى فيه تضمين جميع القضايا والأدوات اللازمة من أجل أن تكون ألمانيا قادرة على الصمود في وجه جميع التهديدات من الخارج والداخل.

وأضاف: عندما ننظر إلى الكلمات المستخدمة في نص إستراتيجية الأمن القومي وعدد المرات التي ذكرت فيه، من الممكن الحصول على فكرة عامة عن كيفية إدراك الحكومة الائتلافية الألمانية المكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الليبرالي الألماني لمفهوم الأمن القومي. 

وفي الوثيقة تكررت كلمة الاقتصاد 89 مرة، وكلمة التكنولوجيا 44 مرة، وكلمة التجارة 23 مرة. وبناء على ذلك، من المفهوم أن الحفاظ على مكانة ألمانيا وتعزيزها من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية يعد مهما للغاية لضمان الأمن القومي.

مع التأكيد على أن ألمانيا، التي تمتلك مكانة مهمة في الاقتصاد العالمي كدولة تجارية، هي أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، حيث يجرى التشديد على أنها مستعدة للتهديدات التي تستهدف اقتصاد البلاد، وفق الوكالة التركية. 

وفي حين جرى التأكيد على أن ألمانيا ستواصل تطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية القائمة، يُذكَرُ أيضا أنه ينبغي اتباع السياسات اللازمة لتجنب التبعية في هذا الصدد. 

في هذا السياق وبالنظر إلى استخدام مفهوم المواد الخام 30 مرة في النص يمكن القول إنه جرى إعطاء أهمية كبيرة لمسألة أمن إمدادات المواد الخام، حيث إنه أمر ضروري من أجل التحول السلس لعجلات الاقتصاد. 

وليس من الصعب تخمين أن الحزب الديمقراطي الحر، أحد الشركاء الصغار في التحالف، كان له تأثير على التركيز على الاقتصاد والتكنولوجيا، وفق الكاتب. 

ومن الجدير بالذكر أيضا تأثير الشريك الأصغر الآخر، حزب الخضر، في ضمان أن تكون قضايا حماية البيئة والمناخ أكثر من المعتاد في وثيقة إستراتيجية الأمن القومي. 

فتظهر كلمة المناخ 71 مرة في وثيقة الإستراتيجية، بينما يجري استخدام كلمة البيئة في 9 أماكن. 

وقال الكاتب: "يتم النظر إلى تطوير السياسات، بما يتماشى مع الأهداف المناخية المنصوص عليها في الصفقة الخضراء الأوروبية، على أنه مرتبط بشكل مباشر بالأمن القومي الألماني". 

ويذكر أيضا أن أزمة المناخ والتي هي من صنع الإنسان والكوارث البيئية قد أدت إلى الهجرة غير الشرعية وهددت أمن ألمانيا من خلال التسبب في صراعات في أجزاء مختلفة من العالم، وتدعو الوثيقة إلى معالجة هذه المشاكل بشكل أكثر حسما.

ويمكن رؤية أن مفهوم الطاقة أيضا، الذي يحتل مكانة مهمة من حيث مكافحة مشاكل المناخ ومنع الاعتماد الاقتصادي، قد وجد مكانه بشكل مكثف في وثيقة الإستراتيجية، وفق الكاتب. 

فضمن إطار كلمة الطاقة، التي استخدمت 23 مرة في النص، جرى ذكر كل من الطاقة النظيفة والطاقة المتجددة وأمن إمدادات الطاقة. 

ويقال إنه يجب زيادة استثمارات الطاقة المتجددة من أجل الأمن القومي الألماني، وفق الكاتب. 

ومع ذلك، بالنظر إلى أن هذا لن يكون كافيا لإنقاذ ألمانيا من أن تكون دولة مستوردة للطاقة في المستقبل القريب، يجرى التأكيد على أنه يجب اتباع السياسات التي تهدف إلى عدم السماح بتكوين التبعيات في هذا المجال.

أكبر تهديد

وأضاف إنات: فيما يتعلق بالتهديدات الأمنية التقليدية، فإن إلقاء نظرة على وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الألماني يحدد بوضوح اعتبار روسيا أكبر تهديد لألمانيا. 

إذ تنص الوثيقة على أن هجوم روسيا على أوكرانيا (منذ فبراير/شباط 2022) يهدد كلا من ألمانيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي. 

كما جرى التأكيد على أن دعم أوكرانيا في مواجهة هذا الهجوم يعني أيضا حماية أمن ألمانيا وأوروبا.

وبينما تظهر كلمة روسيا في 19 مكاناً وفي سياق سلبي في النص، يلاحظ أن سياسة ألمانيا المتغيرة تجاه موسكو إلى جانب الحرب الأوكرانية الروسية تنعكس أيضا في إستراتيجية الأمن القومي. 

وأشار الكاتب إلى أن ألمانيا حاولت اتباع سياسة متوازنة ضد موسكو قبل حرب أوكرانيا من خلال النظر في اعتمادها الطاقي على روسيا ومراعاة استثمارات الشركات الألمانية في هذا البلد.

ولكنها حددت روسيا كتهديد في وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الخاصة، وبذلك تُظهِر سياسة برلين الأمنية تحوّلا متّجها أكثر إلى خط الناتو والولايات المتحدة الأميركية.

وعلى الرغم من أن هذه المعاملة لروسيا في وثيقة إستراتيجية الأمن القومي تظهر أن وزن الولايات المتحدة في السياسة الخارجية والأمنية لألمانيا يتزايد على المدى القصير، فإن قرار برلين بزيادة إنفاقها العسكري إلى 2 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي سيعني أن البلاد ستصبح قريبا واحدة من أكبر المنفقين العسكريين في العالم. 

وهذا يثير احتمال إنهاء اعتماد ألمانيا على الولايات المتحدة من أجل الأمن على المدى المتوسط والطويل، والعودة إلى المسرح السياسي العالمي للقوة التقليدية لبرلين قبل الحرب العالمية الثانية. ويمكن القول إن الحرب الأوكرانية الروسية قد سرعت هذه العملية. 

وأضاف إنات: على الرغم من التركيز الشديد على روابط التحالف عبر الأطلسي والوحدة في ظل الاتحاد الأوروبي في إستراتيجية الأمن القومي، فإنه يمكن القول أيضا إن ألمانيا تمهد الطريق للعمل المستقل بشكل متزايد. 

ومع ذلك، فعلى المدى القصير يبدو أن ألمانيا، التي لا تزال تدرك أوجه القصور العسكرية الخطيرة، ستواصل سياستها في مطاردة الولايات المتحدة لفترة من الوقت.

وحقيقة أن ما ذُكِرَ عن الصين في وثيقة إستراتيجية الأمن القومي يُعد سلبيا بشكل عام، تشير أيضا إلى ذلك. 

ويقول الكاتب إن وصف الصين بأنها قوة تتصرف ضد قيم ومصالح ألمانيا والغرب، ولا تحترم حقوق الإنسان، وتستخدم قوتها الاقتصادية كوسيلة ضغط في الشؤون الدولية والإقليمية، يمكن أن ينظر إليه على أنه تأثير على حزب الخضر، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.

وبين أن رؤية برلين العالمية غير مكتملة وأن سياسة مطاردة الولايات المتحدة مستمرة في الوقت الحالي. 

وأرجع ذلك إلى عدم احتواء إستراتيجية الأمن القومي لألمانيا على ذكر دولٍ مثل تركيا والهند والبرازيل، وعلى مفاهيم الإسلام والمسلمين.

هذا إلى جانب عدم ذكرها أميركا اللاتينية على الإطلاق، وحقيقة أن كلمة إفريقيا مذكورة فقط في مكانين وكلمة آسيا في مكان واحد فقط.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن اعتبار ذكر إسرائيل مرتين في الوثيقة على أنه انعكاس آخر للنفوذ الأميركي، يخلص الكاتب.