"تحجيم حزب الله".. لماذا يثير تمويل الجيش اللبناني انقساما بالولايات المتحدة؟

من أجل الحد من قدرات جماعة حزب الله المدعومة بالمال والسلاح من إيران، تواصل الولايات المتحدة بصورة لافتة تقديم الدعم للجيش اللبناني ومن ورائه بقية المؤسسات الأمنية بالبلاد.
إذ تنظر واشنطن إلى الجيش اللبناني كقوة يجب أن تبقى مكافئة أو أقوى من حزب الله الذي يبلغ عدد مقاتليه مئة ألف في لبنان، وهو رقم يماثل عدد قوات الجيش.
دعم الجيش اللبناني
وتقدم واشنطن الدعم والتدريب لضباط الجيش اللبناني في الولايات المتحدة، كما تمده بالعديد من الأسلحة والمعدات.
وأطلق الجيش اللبناني والسفارة الأميركية ببيروت وبالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج دعم عناصر الجيش والأمن الداخلي في لبنان في 25 يناير/ كانون الثاني 2023.
وخلال المراسم أعلنت السفيرة الأميركية في لبنان دورثي شيا موافقة الكونغرس على تخصيص 72 مليون دولار كمساعدة مؤقتة لعناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي اللبناني.
وتقدم هذه المساعدة المالية، وفق بيان مشترك، "بقيمة 100 دولار شهريا لكل العناصر المستحقين وذلك لمدة ستة أشهر".
وأكدت شيا التي تحمل جذورا لبنانية، أن هذه المساعدة دليل على دعم الولايات المتحدة لاستقرار لبنان الذي مر بحرب أهلية طاحنة، وحروب مع إسرائيل، فضلا عن التفجيرات والاضطرابات الداخلية المتكررة بين القوى والتيارات السياسية.
وفي مقترح الموازنة الأميركية لعام 2024 المنشور في 14 يونيو/ حزيران 2023، عارضت "لجنة الدراسة الجمهورية RSC"، وهي مجموعة من الجمهوريين المحافظين في مجلس النواب، التمويل الأميركي للجيش اللبناني، والذي تدعمه إدارة بايدن.
وترى اللجنة الجمهورية التي يرأسها كيفن هيرن، أن الجيش اللبناني مرتبط بحزب الله، وبالتالي مع إيران، وهو ما تعده مبررا كافيا لتعليق تمويله بدلا من دفع واشنطن رواتب أفراد الجيش اللبناني.
وهذا التمويل الأميركي للجيش اللبناني هو جزء من ترتيب يتضمن اتفاقا بأن تشارك استخبارات الجيش اللبناني معلوماتها عن حزب الله، وفق ما تقول مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، في تقرير لها بتاريخ 29 مايو 2023.
ففي الوقت الذي تبني فيه واشنطن مجمع سفارات ضخم في بيروت، فإنها ترى في الجيش اللبناني وسيلة للحفاظ على استقرار جهاز الأمن اللبناني وبالتالي حمايته من هيمنة أكبر من طرف مقاتلي حزب الله.
وبحسب ما نشرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، في تقرير لها بتاريخ 22 يونيو/ حزيران 2023، فإنه لجعل الحرب ضد إيران أولوية، لا سيما من خلال فرقة العمل المعنية بالأمن القومي، تعتزم "لجنة الدراسة الجمهورية" تشجيع الكونغرس على تبني إستراتيجية تجاه لبنان مختلفة عن إستراتيجية الإدارة الحالية.
في الوقت ذاته كما تضيف "إنتلجنس أونلاين"، لا تتردد اللجنة في توجيه أصابع الاتهام إلى التواطؤ المزعوم مع حزب الله من طرف مديرية الأمن العام ورئيسها السابق حتى مارس 2023 عباس إبراهيم المتهم بالمشاركة في اختطاف وتعذيب المواطن اللبناني الأميركي عامر فاخوري الذي توفي لاحقا.
ويتمتع الجمهوريون بأغلبية في مجلس النواب منذ انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، ويروجون لإجراءات في الشرق الأوسط صارمة بحجة محاربة إيران، حتى إنهم، في حالة العراق، سحبوا الأموال المخصصة لوزارتي الداخلية والدفاع.
مؤسسة غير مستقرة
وتعد الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة للجيش اللبناني؛ بما يزيد على 2.5 مليار دولار من المساعدات منذ 2006؛ وفق ما قالت "شيا" عام 2021.
وذلك في إطار سعيها لتعزيز قدراته للدفاع عن لبنان في مواجهة النفوذ العسكري المتصاعد لـ"حزب الله"، ومواجهة التهديدات القادمة من سوريا.
وقد زادت واشنطن من تمويلها للجيش اللبناني خلال عام 2021، وقد قدمت للمرة الأولى دعما مباشرا للرواتب في العام المذكور.
وألقت الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان عام 2019، وصنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، وأودت بـ 90 بالمئة من المواطنين في براثن الفقر، بصعوبات كبرى على الجيش اللبناني تتعلق بتأمين حاجاته الأساسية من غذاء وأدوية وصيانة عتاد.
ويؤثر بشكل مباشر الانهيار الاقتصادي على القدرات العملياتية للجيش؛ ما يؤدي إلى تجفيف رواتب الجنود وتدمير روحهم المعنوية.
لا سيما أن كثيرا من عناصر وضباط الجيش عقب الأزمة الاقتصادية اضطروا لترك الخدمة بسبب عدم كفاية رواتبهم لتوفير احتياجاتهم المنزلية عقب انهيار الليرة وخسارتها أضعاف قيمتها.
حيث باتت قيمة رواتب الضباط لا تتجاوز اليوم المئة دولار، أما الجندي فلا يتجاوز راتبه 50 دولارا مقابل 800 دولار قبل عام 2019.
وعلى وقع ذلك، سجلت القوى الأمنية والجيش فرار المئات من عناصرها، فيما التحق آخرون بوظائف أخرى إلى جانب خدمتهم.
والضغط الكبير على الجيش اللبناني دفعه في 2021، لإطلاق رحلات جوية مخصصة للمدنيين للتجول فوق لبنان مقابل بدل مادي.
كما اضطرت قيادة الجيش في بداية الأزمة الاقتصادية إلى حذف اللحوم من وجبات العسكريين، قبل أن تعتمد تقشفا كبيرا في موازنتها.
لكن هذا لم يف بالغرض، ما دفع قائد الجيش العماد جوزيف عون في خطاب ألقاه أمام ضباط في مارس/آذار 2021، للتحذير من أن الجنود "يعانون مثل باقي اللبنانيين".
وانتقد عون الذي يحظى بعلاقات جيدة عربية وأميركية، "صراحة" القيادة السياسية، والتي قال إنها أصيبت بالشلل بسبب الاقتتال الداخلي، ولم تفعل أي شيء تقريبا لمعالجة الأزمة.
وأضاف "ماذا تنتظر؟ ما الذي تخطط القيادة لفعله؟ لقد حذرنا أكثر من مرة من مخاطر هذا الوضع".
وتعد هذه التصريحات غير مسبوقة لضباط في الجيش، حيث لا يسمح لهم بالإدلاء بتصريحات سياسية.
وخلال زيارة عون كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان بتاريخ 20 يونيو/حزيران 2023، شدد على أن لبنان لا يزال متماسكا بفضل إيمانكم بقدسية المهمة، ولا تزال الدول الصديقة تمد يد العون للجيش".
ومضى يقول: "إن ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي بالمؤسسة العسكرية لم تأت من فراغ، لقد أثبتم جدارتكم وكفاءتكم خلال السنوات الثلاث الماضية المليئة بالتحديات وليس أمامنا إلا التمسك بلبنان والجيش ولن نترك البلاد فريسة للمجرمين والإرهابيين والمخلين بالأمن."، وفق ما نقل موقع الجيش.
قوة موازية
حسبما يقول البنك الدولي فإن الجيش اللبناني مهدد الآن بأحد أسوأ الانهيارات المالية، التي شهدها العالم خلال المائة والخمسين عاما الماضية.
وحذر آرام نركيزيان، كبير مستشاري برنامج الشؤون المدنية- العسكرية في الدول العربية بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، من أن تدهور الجيش سيسمح لحزب الله بأن يكون القوة الوحيدة المسيطرة في البلاد، وهي نتيجة لا يريد معظم دول العالم، ولا سيما واشنطن، أن تتحقق.
وفي يونيو 2022، أعلنت وزارة الخارجية القطرية عن دعم مالي بقيمة 60 مليون دولار للجيش اللبناني. وقال مصدر عسكري لبناني في حينه إنها المساعدة المالية الأولى التي ستصبّ لصالح رواتب العسكريين.
وسبق أن وقعت فرنسا ولبنان عام 2020 مذكرة تفاهم لتطوير قدرات الجيش اللبناني وتعزيز التعاون بين البلدين، على هامش زيارة يجريها رئيس أركان الجيوش الفرنسية الجنرال فرنسوا لو كوينتر، إلى لبنان، وفق بيان للجيش اللبناني.
وقدمت فرنسا مساهمة إجمالية قدرها 45 مليون يورو على شكل تبرعات عامي 2017 و2018؛ لتعزيز قدرات الجيش اللبناني، ويبلغ إجمالي المساهمة الفرنسية لأمن لبنان نصف مليار دولار منذ 2015 حتى 2020، حسب وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.
وفي ظل غياب التمويل للجيش في موازنة الدولة اللبنانية يشكل الدعم الخارجي أساس لاستمرار الجيش في مهامه، ولا سيما أنه يمثل شرائح وطوائف هذا البلد المتنوعة.
وبرنامج المساعدة العسكرية الأميركي على الرغم من التزام الولايات المتحدة المستمر بالجيش اللبناني من خلال الإدارات المتعاقبة، يظل عرضة للتأثر بالسياسات الداخلية للولايات المتحدة.
ويؤكد مراقبون عسكريون أن الولايات المتحدة لا تريد أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى إضعاف الجيش والمؤسسات الأمنية في لبنان مقابل صعود قوة حزب الله.
وسبق أن أوقفت واشنطن دعمها للجيش اللبناني عام 2019 خشية أن تشهد البلاد على خلفية الأزمة الاقتصادية انزلاقا جديدا، قبل أن تفرج الإدارة الأميركية عن مساعدة عسكرية بقيمة مئة مليون دولار للبنان في ديسمبر/كانون الأول من العام المذكور.
وكثيرا ما دار الحديث عن اشتراط الولايات المتحدة ودول غربية لتسليح لبنان بعدم تعامل الجيش مع روسيا مع ضمان ألا تصل الأسلحة إلى يد حزب الله.
المساعدات ليست كافية
وهناك عدة أسباب في واشنطن تجعل المساعدة الأميركية للجيش اللبناني مثيرة للجدل، لوجود خلط بين السياسة الأميركية الشاملة تجاه لبنان من ناحية تثبيت وجود الولايات المتحدة في هذا البلد، واستمرار المساعدة العسكرية الأميركية للجيش اللبناني لضمان احتكار الأخير استخدام القوة داخل الأراضي اللبنانية.
فهناك في الولايات المتحدة من يرى أن القوات المسلحة اللبنانية لم تكن قادرة على احتواء حزب الله بشكل فعال، أو تأمين جميع حدود البلاد، أو تنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلقة بلبنان.
وهم بذلك يأخذون هذا دليلا على فشل المساعدة الأميركية للجيش اللبناني، بينما ينسبها معارضوهم إلى عدم كفاءة النظام السياسي اللبناني بأكمله.
وأنه عندما تكون الحكومة اللبنانية منقسمة، أو تعيش في صلاحيات محدودة نتيجة تكرار تولي حكومة تصريف أعمال البلاد يجعل من الجيش اللبناني وداعمته الولايات المتحدة يواجهان عقبات هائلة تتعلق بالانقسام الحاد في الحكومات اللبنانية.
لذلك فإن الطريقة الصحيحة للحكم على المساعدة العسكرية الأميركية للجيش اللبناني هي قياس التحسينات في الفعالية العسكرية للجيش اللبناني.
بينما احتواء حزب الله، أو ضمان أمن الحدود، أو تطبيق القانون الدولي هي أهداف سياسية يجب تحديدها من قبل الحكومة اللبنانية وتتطلب إجماعا سياسيا عليها، حسب تقرير نشره معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في 30 مارس/ آذار 2023.
من الواضح أن الدعم الأميركي، حوّل الجيش اللبناني من قوة ضعيفة إلى جيش محترف وكفء، وفقا لشهادة علنية صادرة عن القيادة العسكرية الأميركية.
ولا سيما أن الجيش اللبناني، قدم عرضا للبنتاغون الأميركي عن كيفية استخدامه للسلاح والعتاد الأميركي، في تنفيذ المهمات الموكلة إليه سواء عند الحدود أو في الداخل، ومدى فاعليته.
وذلك خلال مشاركة قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، في الاجتماع المشترك، الذي عُقد بمبنى البنتاغون، مع اللجنة الأميركية المكلّفة بملف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني في مايو/أيار 2019.
وحضر الاجتماع آنذاك مساعدة وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، كاثرين ويلبارغر، وعدد من ضباط الجيش الأميركي، حيث عرض الجيش اللبناني، احتياجاته المستقبلية التي تسهم في تطوير قدراته العسكرية، خاصة ما يتعلق بالحدود البحرية، وحماية منصات النفط.
المصادر
- Republicans oppose US financing of Lebanese Armed Forces
- الجيش اللبناني يقدم عرضا للبنتاغون عن كيفية استخدام السلاح الأمريكي
- Assessing US Assistance to the Lebanese Armed Forces
- الجيش اللبناني يتسلم الدفعة السادسة من الهبة المالية القطرية
- جندي صباحا وميكانيكي مساء.. الأزمة الاقتصادية تضرب أفراد الجيش اللبناني