رغم قطع علاقتها مع طهران.. لماذا داهمت ألبانيا معسكرا للمعارضة الإيرانية؟

12

طباعة

مشاركة

في 20 يونيو/حزيران 2023، اقتحم المئات من ضباط شرطة "مكافحة الفساد والجريمة المنظمة" والقوات الخاصة بمكافحة الإرهاب في ألبانيا، معسكر "أشرف 3"، وهو مجمع سكني تابع لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة.

داهمت هذه القوة المجمع الذي يقع على أطراف مدينة دوريس الساحلية الألبانية، للتفتيش، وتنفيذ قرار اعتقال بحق 70 من أعضاء المنظمة المتواجدين داخل المعسكر.

وما أن وصلت القوات التابعة للسلطات الألبانية إلى المعسكر حتى تدفق ما يقرب من 3000 شخص، على شوارع هذا المجمع لمنع الضباط والجنود الألبان من تفتيش وتوقيف من صدرت بحقهم قرارات اعتقال من جانب القضاء الألباني.

وهؤلاء الأشخاص كانوا قد نُقلوا من العراق إلى ألبانيا منذ عام 2014، بعد اتفاق مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وفق ما قال تقرير لصحيفة كيهان اللندنية الناطقة بالفارسية.

اشتباكات متبادلة

أدت محاولة أعضاء مجاهدي خلق منع وحدة مكافحة الإرهاب وشرطة "مكافحة الفساد والجريمة المنظمة" من التفتيش إلى حدوث اشتباك بين الطرفين.

واضطرت قوات الشرطة الألبانية لاستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق هؤلاء الأعضاء، وفتشت مكاتب هذا التنظيم.

أسفر الاشتباك عن وفاة عضو من أعضاء مجاهدي خلق، يدعى عبدالوهاب فرج نجاد، جراء سكتة قلبية، وفق صحيفة كيهان. 

ويعرف فرج نجاد تنظيميا باسم علي مستشاري، وهو أحد القادة العسكريين لهذا التنظيم في طهران في فترة الستينيات.

كما نقل عدد آخر من أعضاء التنظيم إلى المستشفى لإصابتهم بمشكلات في التنفس، نتيجة إلقاء الغاز المسيل للدموع من جانب الشرطة الألبانية.

غادر رجال الشرطة الألبانية معسكر "أشرف 3" بعد 4 ساعات من مداهمته وتفتيش مكاتبه ومصادرة أجهزة الكمبيوتر والوثائق الخاصة بالتنظيم.

وكان قرار تفتيش معسكر "أشرف 3" واعتقال 70 من أعضاء منظمة مجاهدي خلق قد صدر عن النيابة الخاصة بمكافحة الفساد والجريمة المنظمة، بعد ثلاثة أيام من الاجتماع الخاص لـ "مجلس الأمن القومي" الألباني، الذي عقد برئاسة الرئيس بيرم بيغاي.

ويأتي التحرك الألباني بالتزامن مع إجراءات أوروبية أخرى، استهدفت مجاهدي خلق، حيث أقدمت السلطات الفرنسية على خطوة مماثلة، بمنع المنظمة من عقد مؤتمرها السنوي في باريس. 

وفي تعليقها على هذه الأحداث، قالت رئيسة تحرير جريدة "ألبانيا بوست"، غرتا زعيمي، لصحيفة كيهان، إن هذا الاجتماع ناقش موضوع الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها البنية التحتية للإنترنت في ألبانيا من جانب إيران، والتي أدت إلى قطع العلاقات بين البلدين. 

وكانت ألبانيا العضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" قد تعرضت لهجمات سيبرانية متكررة، قيل إن مصدرها هو إيران، بسبب إيوائها منظمة مجاهدي خلق، المعارضة للنظام الإيراني. 

وأضافت زعيمي أن اجتماع مجلس الأمن القومي الألباني ناقش أيضا موضوع الأنشطة السيبرانية غير المشروعة لمنظمة مجاهدي خلق والعمليات المالية غير الشفافة التي تنفذها باستخدام "العملات الرقمية".

ووفقا للمعلومات التي حصلت عليها صحيفة كيهان من مصادر أمنية ألبانية، فإن 20 دولة على الأقل، قدمت للحكومة الألبانية أدلة على الأنشطة السيبرانية "الخبيثة" لمنظمة مجاهدي خلق ضد أنظمة اتصالاتهم، مطالبة باتخاذ إجراءات سريعة في هذا الصدد.

ولتوضيح الموقف الرسمي للحكومة، أصدرت وزارة الداخلية الألبانية بيانا، جاء فيه أن هذا المعسكر جزء من أراضي ألبانيا، ويمكن لشرطتها دخول هذه المنطقة وإجراء عمليات التفتيش اللازمة بإذن من الجهاز القضائي، وكلما رأت ضرورة لفعل ذلك.

وأضاف أنه "لسوء الحظ، لم يتعاون المقيمون في المعسكر مع الشرطة فحسب، بل حاولوا إيقاف عمليات التفتيش التي جاءت بإذن من النيابة، وفي هذا الوقت فقط اضطرت القوات إلى استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقهم".

وأكد البيان على أن رجالها تعاملوا مع الأحداث بشفافية كاملة، واحترموا القواعد طوال فترة وجودهم في هذا المكان.

ما الأسباب؟

وفي مؤتمر صحفي لوزير الداخلية الألباني، بيلدي كوتشي، قال إنه آسف وغاضب على حد سواء لسلوك أعضاء مجاهدي خلق، لأن عدم تعاونهم مع المسؤولين الذين كلفوا بتنفيذ أوامر القضاء أمر غير مقبول.

وأضاف الوزير أنه لا يمكن قبول أن أولئك الذين يعيشون في ألبانيا كضيوف يريدون التصرف بشكل تعسفي ولا يحترمون القانون.

وأكد أن أعضاء المنظمة قبلوا الالتزام رسميا وخطيا بتعهداتهم بعدم تنفيذ أي أنشطة ضد أي دولة أخرى من على الأراضي الألبانية.

وقال قائد الشرطة خلال المؤتمر الصحفي، إنهم اجتمعوا مع مسؤولين من المنظمة قبل دخول المعسكر، وطلبوا منهم التعاون.

لكنهم حاولوا منع دخول المسؤولين إلى 70 مبنى من أصل 127 في هذا المجمع، وشكلوا سلاسل بشرية، واستلقوا أمام سيارات الشرطة، وحرقوا بعض الوثائق والحواسيب.

كما أكد قائد الشرطة أن أعضاء المنظمة يمتلكون 40 هكتارا من الأراضي بالقرب من دوريس، وبنوا عليها مجمعًا سكنيا، ولكنها جزء من أراضي ألبانيا، وبالتالي فإنها تخضع لقوانين هذا البلد، وأنهم صبروا كثيرا على انتهاكاتهم.  

ولكن جانيس يوغاتائي، المحامي الذي يمثل منظمة مجاهدي خلق، قال في محادثة هاتفية قصيرة مع صحيفة كيهان، إنه جرى إرسال ألف رجل من السلطات الألبانية إلى هذا المعسكر دون إشعار مسبق، وأنهم استخدموا العنف داخل المكان.

وأضاف يوغاتائي إن عنف السلطات الألبانية أدى إلى مقتل شخص، وجرح أكثر من 30 آخرين، وأنهم في انتظار التقرير النهائي لوزارة الداخلية وجهاز الشرطة، ليتقدموا بعدها بشكوى إلى الجهاز القضائي بخصوص الأداء غير المهني لرجال الأمن.

غير أن رئيسة تحرير صحيفة "ألبانيا بوست" غرتا زعيمي، قالت في حديثها مع صحيفة كيهان إن أمر النيابة صدر بناء على الأنشطة غير القانونية لمنظمة مجاهدي خلق.

وأضافت الصحفية الألبانية، أن مجاهدي خلق انتهكوا مرارا الالتزامات التي تشكل أساس الاتفاق الذي سمح لهم بالاستقرار في ألبانيا منذ عام 2014، وأن مخالفات المنظمة زادت واتسعت رقعتها إلى حد أن الحكومة لم تعد قادرة على تجاهلها وعدم اتخاذ إجراء ضدها.

وقال مصدر في مكتب المدعي العام لصحيفة كيهان إن قرار دخول معسكر "أشرف 3" للتفتيش وتنفيذ مذكرات التوقيف لمجموعة من أعضاء منظمة مجاهدي خلق، جاء بعلم حلفاء ألبانيا في حلف الناتو وحكومة الولايات المتحدة.

وأضاف المصدر نفسه أن ادعاء منظمة مجاهدي خلق بأن السلطات الألبانية اتخذت مثل هذا الإجراء تحت ضغط من جمهورية إيران الإسلامية غير صحيح تماما، لأن ألبانيا قطعت علاقاتها مع طهران في عام 2022 نتيجة للهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحكومية للإنترنت.

وأضاف المصدر أن تطبيع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران ليس على جدول أعمال الحكومة الألبانية في الوقت الراهن.

وعلى الجانب الآخر، اتهم "المجلس الوطني للمقاومة"، وهو الذراع السياسي لمنظمة مجاهدي خلق، في بيان له، الحكومة الألبانية بمهاجمة معسكر "أشرف 3" بناء على طلب من الفاشية الدينية الحاكمة في إيران، وفق وصفه.

ووصف المجلس هذا الإجراء بأنه عمل "إجرامي وقمعي"، وقارن في بيانه بين الإجراءات الألبانية وهجمات حكومة نوري المالكي سابقا في العراق على معسكر "أشرف 1"، التي أدت إلى إغلاقه في السنوات التي تلت سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين.