"خوفا من عمران خان".. هل لجأ جيش باكستان لتزوير انتخابات بلدية كراتشي؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

منذ الاستقلال وإعلان الجمهورية الباكستانية عام 1947، والجيش يلعب دور الحاكم الفعلي للبلاد، ويتحكم بقوة في مسرحها السياسي، سواء بالانقلابات العسكرية أو فرض إرادته على دولابها الإداري ومفاصلها التنفيذية والتشريعية.

حتى إنه خلال عام 2022 قاد انقلابا ناعما على رئيس الوزراء (آنذاك)، عمران خان، بمساعدة البرلمان، وأطاحوا به من السلطة، ووصل الأمر إلى اعتقاله في مايو/ آيار 2023، من قبل مكتب "مكافحة الكسب غير المشروع"، في خطوة أثارت اضطرابات في الدولة المسلحة نوويا.

تطورت الأوضاع في 15 يونيو/ حزيران 2023، عندما وجهت ضربة جديدة للآلية الديمقراطية، حيث أعلنت "الجماعة الإسلامية" أن هذا اليوم كان الأسوأ في تاريخ البلاد، وأن "حزب الشعب" قتل الديمقراطية بتزوير أصوات أبناء مدينة كراتشي في انتخابات رئاسة البلدية، بمساعدة الجيش وأجهزة الأمن والمفوضية العليا للانتخابات.

وفي 15 يونيو 2023، شهدت كراتشي منافسة شرسة على رئاسة بلديتها، خاصة وأنها تعد المدينة الأكبر في البلاد، وعاصمة محافظة السند، وأكثر المدن اكتظاظا بالسكان، بتعداد يصل إلى 15.8 مليون مواطن.

وانتهت الانتخابات بإعلان فوز مرشح "حزب الشعب" (المدعوم من الجيش)، مرتضى وهاب، ضد مرشح الجماعة الإسلامية وزعيمها، حافظ نعيم الرحمن.

لكن الانتخابات شابها الكثير من الجدل والاشتباكات، حتى إن الجماعة الإسلامية وحليفها حزب "إنصاف"، أطلقوا على العملية برمتها "اليوم الأسود".

اختطاف وفوضى 

وبدأت الأحداث عندما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات فوز وهاب رئيسا لبلدية كراتشي بحصوله على 173 صوتا، بينما حل نعيم الرحمن في المركز الثاني بـ160 صوتا، من مجموع أصوات رؤساء المجالس الفائزين.

واندلعت اشتباكات واسعة بين أنصار الفريقين، وتدخلت فرق الشرطة التي اعتقلت العشرات من أعضاء الجماعة الإسلامية. 

عندها خرج نعيم الرحمن قائلا في خطاب إن "الجماعة الإسلامية ترفض نتائج الانتخابات، وستعلن عن مسار عملها المستقبلي، الذي يتضمن الاحتجاجات".

وأضاف: "ذلك بسبب السلوك غير الدستوري وغير الديمقراطي من جانب حزب الشعب الباكستاني في السند لأنها اختطفت 31 رئيسا منتخبا من رؤساء المجالس المحلية، قبل الانتخابات مباشرة، وخلال عملية الاقتراع".

وأوضح أن "جميع رؤساء المجالس التابعين لجماعة الإسلامية البالغ عددهم 130، شاركوا في انتخابات رئاسة البلدية، في حين أن 31 ممثلا منتخبا ينتمون إلى حركة الإنصاف والمصالحة (متحالفة مع الجماعة الإسلامية) من بينهم امرأتان، تم اختطافهم في وقت سابق، ولم يتم إحضارهم إلى مجلس المدينة رغم أوامر المحكمة". 

وخاطب نعيم الرحمن وسائل الإعلام: "يجب تغطية مظاهرات (اليوم الأسود)، حيث قررنا الخروج في احتجاجات تشمل جميع أنحاء البلاد".

وطالب السلطات بإعلان بطلان الاقتراع وإصدار جدول جديد لانتخابات رئاسة البلدية بعد إيجاد ضمانة لانتخابات "حرة ونزيهة" تعبر عن إرادة شعب كراتشي.

وشدد زعيم الجماعة الإسلامية على أن "حزب الشعب الباكستاني لم يفز بل استولى على مجلس المدينة في الوقت الحالي".

 ورأى أن "الجماعة الإسلامية ستستعيد تفويضها في مجلس المدينة، حيث قررت مواصلة المعركة الديمقراطية والدستورية والقانونية". 

ووجه كلماته لـ"حزب الشعب" مطالبا إياه ألا يخطئ في فرض رئيس بلدية على 15 مليون مواطن بطريقة "شريرة"، ثم يرى أنها "نهاية القصة".

وأردف: "هي بداية لمواجهة جديدة حيث أن الجماعة الإسلامية لا تقبل أي فاشية باسم الديمقراطية التي تقتل العدالة وتنتزع التفويض". 

وكان بيان الجماعة الإسلامية الصادر في أعقاب الانتخابات، قد أعلن أنهم يخوضون "حربا ديمقراطية ودستورية ضد من انتزع قسرا تفويض أبناء كراتشي واختطف نواب الشعب المنتخبين وغيروا الأصوات بأساليب وحشية". 

وطلب الحزب من أنصاره الاستعداد لـ"نضال جديد وطويل الأمد" ضد ما أسماه "الإقطاع لاستعادة الديمقراطية بروحها الحقيقية".

الخريطة الانتخابية

تلك المعركة الانتخابية الشرسة في كراتشي، تمثل بالأساس نموذجا مصغرا للوضع في باكستان. 

فالخارطة الحزبية للقوى المتصارعة، تشمل تحالف حزب الرابطة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، وحزب الشعب الباكستاني بزعامة الرئيس السابق آصف علي زرداري، الذي يتولى نجله بلاول بوتو منصب وزير الخارجية، وكلاهما قوة مدعومة من الجيش والسلطة. 

وحزب الشعب يمثل الأيديولوجية العلمانية في البلاد، حيث أسس عام 1967 واصفا نفسه بأنه حزب اشتراكي يساري وسطي، وهو ثالث أكبر حزب في الجمعية الوطنية (الذي يمثل إحدى غرف برلمان البلاد بجوار مجلس الشيوخ).

ومنذ تسعينيات القرن الماضي ترك الحزب تعريف نفسه كحزب يساري، وأعلن انتماءه إلى برنامج يمين الوسط، ونصب نفسه على السياسة الداخلية.

وفي 17 يونيو 2023، اتهمته مجلة "داون" الباكستانية، أنه أحد أسباب "فساد الحياة السياسية"، ويستعين بمجموعات من الخارجين على القانون لمهاجمة الأحزاب المنافسة كما حدث مع الجماعة الإسلامية في انتخابات رئاسة بلدية كراتشي.

التحالف الآخر المضاد، مكون من الجماعة الإسلامية بقيادة حافظ نعيم الرحمن، وحزب حركة الإنصاف، بقيادة رئيس الوزراء (السابق) والموقوف حاليا، عمران خان.

والجماعة الإسلامية واحدة من أعرق الحركات السياسية في البلاد، وأسسها العالم الإسلامي الراحل أبو الأعلى المودودي في 26 أغسطس/ آب 1946، وزعيمها يطلق عليه لقب "أمير".

وتعلن الجماعة رفضها القاطع لكل أشكال العلمانية والاشتراكية واليسار، وقد تعرضت لقمع حكومي شديد على يد جنرالات الجيش أعوام 1948 و1953 و1963، ويقدر عدد أعضاء الجماعة بحسب موقعها الرسمي بنحو 4.5 ملايين. 

أما حركة إنصاف الحليف الرئيسي للجماعة الإسلامية، فقد أسسها عمران خان عام 1996، تحت شعار "إنصاف، إنسانية، اعتزاز". 

وتأثرت بأفكار المفكر الإسلامي محمد إقبال، خاصة في جزئية "الدولة الاجتماعية الإسلامية". 

حققت الحركة أكبر انتصار في تاريخها خلال الانتخابات العامة الباكستانية عام 2018، حيث أصبح زعيمها عمران خان رئيسا لوزراء البلاد، وحازت العدد الأكبر من حيث التمثيل الدبلوماسي، داخل البرلمان. 

ويعرف الحزب نفسه أنه أكبر أحزاب باكستان من حيث العدد، بحشد يقارب 10 ملايين عضو، كواحد من أكبر الأحزاب السياسية في العالم. 

ويسعى عمران خان من خلال حزبه حركة إنصاف، وتحالفه مع الجماعة الإسلامية للعودة إلى الحكم، ومجابهة حزبي الشعب والرابطة الإسلامية.

وتشهد باكستان اضطرابات منذ الإطاحة بعمران خان في 10 أبريل/ نيسان 2022، وصولا إلى تأكيده أن الميجور جنرال فيصل نصير وهو ضابط كبير في الاستخبارات، ضالع في محاولة اغتياله التي جرت مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 حين أصيب خانبرصاصة في ساقه.

لهذا فإن انتخابات رئاسة البلدية التي دارت رحاها في كراتشي، كانت تمثل جزءا من نقاط العودة لعمران خان والجماعة الإسلامية نحو الحكم مرة أخرى.

وعلق الأكاديمي الباكستاني، حافظ عزيز علي خان، على الوضع القائم، قائلا: "لا يزال سكان كراتشي يرغبون في رؤية أمير الجماعة الإسلامية، حافظ نعيم الرحمن رئيسا لبلديتهم، لأنه كان صوت كراتشي منذ فترة طويلة".

وأضاف علي خان لـ"للاستقلال" أن "حملة نعيم الرحمن ووعوده تعكس حاجة كراتشي إليه، كما أن الجماعة الإسلامية قدمت دائما القيادة الصادقة لبدء عصر التقدم".

وشدد على أنه نتيجة "المؤامرات وسياسة حزب الشعب غير النزيهة، فإن نعيم الرحمن لم يتمكن من الحصول على رئاسة البلدية، وهذا ما دفع الناس للاحتجاج على هذه الانتخابات الزائفة، ووصل الغضب إلى جميع أنحاء البلاد". 

ورأى علي خان أن "الجيش هو المتحكم الأول في إدارة المشهد السياسي والانتخابي، وأن الموضوع يتخطى انتخابات رئاسة كراتشي، إلى اعتبار أن عمران خان هو التهديد الأكبر لهم منذ عقود طويلة، ويجب منعه بكل الطرق الممكنة من العودة إلى المشهد مرة أخرى". 

وختم حديثه بالقول إن "الجنرالات لن تنسى مشاهد هجوم أنصار حركة إنصاف على المقرات والمنشآت العسكرية وحتى النصب التذكاري للجنود، عشية الإطاحة برئيس الوزراء السابق، وكذلك تاريخ الجماعة الإسلامية الصدامي معهم، رغم التحالفات على أكثر من جبهة بعد ذلك، وبالتالي لن يسمحوا للتحالف القائم بامتلاك أي سلطة تفتح الباب نحو التغيير".