طمع الإمارات.. لماذا أثار تأسيس الشركة القابضة لقناة السويس قلق المصريين؟
في خضم الأزمة الاقتصادية العاصفة بالاقتصاد المصري، يسعي نظام عبد الفتاح السيسي لخصخصة الشركات الحكومية، لتدخل بعض القطاعات والمناطق الحساسة ضمن هذه الخطة المقلقة، وفي مقدمتها محور قناة السويس الإستراتيجي.
وفي 7 يونيو/ حزيران 2023، وافق مجلس الوزراء المصري برئاسة مصطفى مدبولي على عدة قرارات مفصلية، من ضمنها قرار إنشاء شركة قناة السويس القابضة للصناعات البحرية والاستثمار.
قرار جدلي
القرار رأى أن الشركة ذات شخصية اعتبارية ومقرها الرئيس مدينة الإسماعيلية، وقامت الحكومة بضم شركتي القناة لربط وأنوار السفن، والبورسعيدية للأعمال الهندسية والإنشاءات البحرية إلى الشركة الجديدة.
المثير أن الشركتين تم تحويلهما إلى شركات قطاع أعمال، وبما أن من اختصاص الشركة الأم (قناة السويس القابضة للصناعات البحرية والاستثمار) إدارة استثمار وأصول الشركات التابعة لها، يمكن طرحهما للبيع.
لم يقف الأمر عند هذا الحد فبموجب قرار رئاسة مجلس الوزراء، سيكون من حق الشركة الجديدة ضم وإنشاء شركات أخرى.
والقرار سيكون لرئيس هيئة قناة السويس، وهو الفريق أسامة ربيع، أحد كبار الجنرالات المقربين من السيسي.
وبحسب مراقبين سيكون الغرض الأساسي من هذه الشركة جذب الاستثمار الأجنبي، وتحديدا الخليجي، خاصة أن الإمارات لها تطلعات قديمة في منطقة القناة الإستراتيجية.
ويبلغ إجمالي قيمة الالتزامات على مصر خلال العام المالي 2022-2023، الذي بدأ في يوليو 2022، نحو 20.2 مليار دولار منها نحو 8.7 مليارات دولار خلال النصف الأول الذي انته في ديسمبر 2022، والبقية في النصف الأول من 2023.
غير أن الحكومة المصرية حتى يونيو/ حزيران 2023، لم تستطع جمع سوى نحو 153 مليون دولار بعيدا عن طرق الاستدانة التقليدية.
وذلك من بيع شركة باكين الحكومية و10 بالمئة من المصرية للاتصالات، بينما فشلت في بيع معظم الشركات التي طرحتها للبورصة (32 شركة) في مطلع 2023.
قلق وترقب
وتفاعلا مع هذا القرار، كتب الباحث المصري حسام بهجت، عبر تويتر: "فاكرين قانون إنشاء صندوق قناة السويس في ديسمبر؟ اليوم مجلس الوزراء وافق على إنشاء شركة قناة السويس القابضة للصناعات والاستثمار.
وأضاف، وهو مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، "من بين اختصاصات هذه الشركة استثمار أصول الشركات التابعة لها والأصول ذات الصلة التي تمت الموافقة على نقل تبعيتها لها وغيرها من الاختصاصات، ولا من شاف ولا من دري"، في إشارة إلى مخاوف من بيع أصول مصر.
فاكرين قانون انشاء صندوق قناة السويس في ديسمبر؟ اليوم مجلس الوزراء وافق على إنشاء شركة قناة السويس القابضة للصناعات والاستثمار ومن بين اختصاصاتها "استثمار أصول الشركات التابعة لها والأصول ذات الصلة التي تمت الموافقة على نقل تبعيتها لها وغيرها من الاختصاصات". ولا من شاف ولا من دري pic.twitter.com/fOFV8hq0Dq
— hossam bahgat حسام بهجت (@hossambahgat) June 7, 2023
كما كتب محمود فؤاد، عضو المجلس المصري للحق في الدواء: "خبر أخطر من الخطير إذ قال بالنص (الموافقة علي إنشاء شركة قناة السويس القابضة للصناعات والخدمات البحرية والاستثمار!)".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك: "الشركة ستكون ذات شخصية اعتبارية، ويجوز للشركة إدارة واستثمار أصول الشركات التابعة لها والأصول ذات الصلة والأصول التي سبق الموافقة على نقلها للشركة الجديدة".
وتابع فؤاد: "اللي فاهم القانون 202 قانون قطاع الأعمال يقدر يفهم غرض الشركة الجديدة".
يذكر أنه في 19 يوليو/ تموز 2020، وافق مجلس النواب، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 202 لسنة 1991 بشأن شركات قطاع الأعمال العام.
وأتاح التعديل، نقل بعض أصول شركات قطاع الأعمال لصندوق مصر السيادي، تمهيدا لبيعها أو طرحها في البورصة.
قانون هيئة القناة
القلق العام من العبث بأمن القناة وطبيعة الملكية فيها، ليس وليد الحالة الآنية، بل يعود إلى 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
عندما وافق مجلس النواب على مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة، بشأن تعديل أحكام قانون "نظام هيئة قناة السويس رقم 30 لسنة 1975".
وحوى مشروع القانون بنودا لاقت اعتراض سياسيين وحقوقيين، خاصة في الجزئية المتعلقة بـ"إنشاء صندوق مملوك لهيئة قناة السويس، تحت بند تنمية موارد القناة من خلال استغلال وتعظيم قيمة أموال ستوضع فيه".
وكذلك الجزئية الثانية المتعلقة بـ"تمكين الصندوق الجديد من شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها".
وجرى إرجاء التصويت النهائي عليه إلى أجل غير مسمى، على خلفية الرفض الشعبي الواسع لأحكام القانون، الهادف إلى احتجاز الجزء الأكبر من موارد هيئة قناة السويس بعيدا عن الموازنة العامة للدولة، وتوجيهها مباشرة لما يعرف بـ"خطط التنمية الرئاسية".
وقضى المشروع بـ"تأسيس صندوق هيئة قناة السويس للمساهمة بمفرده، أو مع الغير، في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها".
حينها هبت عاصفة اعتراضات من أطراف مختلفة وصلت إلى داخل قبة البرلمان نفسه، حيث اعترض عدد من أعضاء مجلس النواب على التعديلات الجديدة التي رأوا أن هدفها الرئيس "بيع أصول مملوكة لهيئة قناة السويس".
وعلى سبيل المثال أدلى النائب عاطف مغاوري بتصريحات تلفزيونية قال فيها، إن "موارد قناة السويس تعد موردا رئيسا للخزانة العامة المصرية ويجب عدم الاستقطاع منها".
بعدها في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تراجع مجلس النواب وأرجأ التصويت النهائي عليه إلى أجل غير مسمى، على خلفية الرفض الشعبي الواسع للقانون.
أما السيسي فقد خرج في خطاب مباشر للشعب المصري في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2022، نافيا نية بيع القناة.
لكنه شدد على أن "الدولة تعتزم طرح شركات هيئة قناة السويس في البورصة للمصريين فقط لشراء أسهمها".
غير أن الإعلامي حافظ الميرازي، علق على حديث رئيس النظام، في تغريدة على "تويتر" قال فيها: "لا يكفي لطمأنة الشعب المصري بأن الدولة لن تفرط في قناة السويس أن تطلب من رئيس مجلس النواب إصدار بيان يؤكد ذلك".
وأضافت: "ليس فقط لضعف حجته بأن بيع أسهم صندوق القناة لا يعني بيع القناة، بل لأن المستشار حنفي جبالي كان نفسه رئيس المحكمة الدستورية التي سمحت بالتفريط في ملكية مصر لتيران وصنافير".
لا يكفي لطمأنة الشعب المصري بأن الدولة لن تفرط في قناة السويس أن تطلب من رئيس مجلس النواب إصدار بيان يؤكد ذلك! ليس فقط لضعف حجته بان بيع اسهم صندوق القناة لايعني بيع القناة بل ولأن المستشار حنفي جبالي كان نفسه رئيس المحكمة الدستورية التي سمحت بالتفريط في ملكية مصر لتيران وصنافير!
— حافظ المرازي (@HafezMirazi) December 20, 2022
الإمارات والموانئ
جدليات بيع وشراء القناة، طرحت فرضية من يضع عينه على تلك المنطقة شديدة الأهمية؟ ومن الذي سيستثمر فيها؟
وجهت الإشارة إلى الإمارات بصفتها الحليف الوثيق للنظام المصري، ولاعتبار أن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، هو الراعي الأكبر للسيسي.
ويأتي كل ذلك في إطار أن المشروع الأهم لـ "أبوظبي" يتمثل في الهيمنة على موانئ العالم وطرق التجارة البحرية.
وهي رغبة أساسية تدفعها للدخول في استثمارات بمناطق صعبة مثل القرن الإفريقي، وذلك من أجل اقتناص موانيها.
كما فعلت في إريتريا، أو الاكتفاء من حرب اليمن ضد الحوثيين، بالسيطرة المباشرة وغير المباشرة على أبرز موانئ اليمن، مثل عدن والمخا، حيث المنافذ على البحر الأحمر.
حتى إن الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، المقرب من ابن زايد، صرح لموقع "دويتشه فيله" الألماني، في 6 سبتمبر/ أيلول 2017، بأن الإمارات تدير مجموعة كبيرة من الموانئ حول العالم".
وأتبع: "بدءا من الصين في شرق الكرة الأرضية، مرورا بموانئ في أوروبا وآسيا، وانتهاء بموانئ في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، وذلك بما يقارب 78 ميناء من أهم وأكبر وأفضل الموانئ في العالم".
لذلك كان طبيعيا أن تصب الإمارات جهودها الاستثمارية في مصر نحو منطقة القناة، وهو ما ذكره موقع "360 تحقيقات" المصري، في 14 ديسمبر 2021، عندما وصف الإمارات بأنها أشرس المنافسين في سباق الفوز بأكبر حصة ممكنة من فرص الاستثمار في محور قناة السويس المصرية.
وأورد: "أنها بالفعل أول من حصل على موطئ قدم في هذه المنطقة عام 2018، من خلال استثمارات شركة موانئ دبي العالمية في ميناء العين السخنة المصري".
وأضاف: "الآن الاتجاه الإماراتي يسعى إلى ضخ استثمارات جديدة على ضفاف القناة، التي تمر عبرها نسبة 10 بالمئة من التجارة البحرية العالمية".
عوائق ومخاوف
ولكن إذا كانت الإمارات هي أقرب حلفاء السيسي إليه، وهي التي ضخت استثمارات في مصر بمليارات الدولارات، فما الذي يمنع السيسي من فتح الأبواب لها منفردة في منطقة القناة؟
ولماذا أرجأ مشروع تنظيم هيئة قناة السويس؟ ولماذا يقاوم الضغوط الإماراتية التي تطالبه بتسهيل إجراءات البيع والخصخصة؟
وهنا لا يمكن إغفال أن حصة كبيرة من إمبراطورية الجيش المصري الاقتصادية قد صارت على المحك هذه المرة، خاصة في منطقة القناة وبقية الموانئ، وهو أمر ليس باليسير.
وهذا ما أكده موقع "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسي، في 19 أكتوبر 2022، عندما كشف أن محمد بن زايد حث السيسي على ضرورة الإسراع ببيع الشركات المصرية للمستثمرين الإماراتيين.
وهذا يعني بوضوح وجود تردد وعوائق من الجانب المصري في هذا السياق.
فسر الموقع الفرنسي الوضع بدخول صندوق الثروة السيادي التابع لأبوظبي في منافسة شرسة مع شركة موانئ دبي العالمية، التابعة لإمارة دبي، للحصول على موطئ قدم لأبوظبي في الموانئ المصرية.
وذلك في إطار خطة أبوظبي للسيطرة على الموانئ الرئيسة في المنطقة، وبخاصة في نطاق البحر الأحمر وباب المندب والقرن الإفريقي، وهنا تكمن أهمية قناة السويس.
تسبب الصراع الإماراتي الداخلي والنهم في السيطرة على تلك البقعة، في تردد الجنرالات المصريين، وإثارة المخاوف بشأن منطقة قناة السويس تحديدا.
هنا يظهر دور لواءات الجيش، الذين لا ينظرون بارتياح للتحمس الإماراتي في السباق بين دول الخليج على تأمين استثمارات لنفسها على ضفاف قناة السويس.
ولاعتبار أن المنطقة تمثل بعدا أمنيا لمصر، في علاقتها مع إسرائيل، وفي إثبات قوتها الإستراتيجية في منطقة البحر الأحمر وطرق التجارة العالمية، وبإضعاف قبضة الدولة على هذه البقعة، يكون المستقبل محفوفا بالمخاطر.
فكا رحى
وفي ضوء ذلك، يقول الباحث الاقتصادي المصري أحمد يوسف، إن "السيسي يقع بين فكي رحى من أكثر من جانب، أولا بين الأزمة الاقتصادية وتفاقم الديون والعجز الدولاري وبين ضرورة الخصخصة وسرعة تلك العملية".
ويضيف يوسف لـ"الاستقلال"، "وثانيا بين الدولة ومؤسساتها تحديدا الجيش، وبين الرعاة الخليجيين الذين يريدون الحصول على الحصة الأثمن من جواهر مصر".
وأشار إلى أن "السيسي من جانبه يمكن أن يفرط في أي شيء لإنقاذ نفسه وحل الأزمة الاقتصادية، حتى لو باع القناة، لكنه لا يستطيع الاصطدام بالجيش وكبار الجنرالات الذين يتحسبون تلك النقطة".
ويوضح أن "القناة جزء من تاريخ مصر، ولها خصوصية، فأجداد المصريين ماتوا أثناء الحفر، ودخلت مصر بسببها 3 حروب (1956 و1967 و1973) ومات الكثير من شهداء الوطن خلال لحظة العبور الخالدة".
ويتابع: "هناك بعد آخر فني بحت، أن القناة من القطاعات التي تدر على الدولة أرباحا بالفعل، حتى إنها وصلت إلى 8.8 مليارات دولار في العام 2022/2023، فهل من المنطقي بيع قطاع يعمل ويدر ربحا؟".
ومضى يوسف يقول: "الحكومة كانت تفكر في بعض الشركات المأزومة أو الفاشلة، وهو ما لم يرض الخليجيين، وفي الوقت ذاته وضع النظام في مأزق".
كذلك النظام يعلم جيدا أن الإمارات دمرت كثيرا من موانئ العالم في اليمن وإريتريا والصومال، وفق يوسف، وهو ما يمكن أن يحدث في قناة السويس، ما يمثل خطرا كبيرا في المستقبل، على واحدة من أكثر مكامن القوة الجغرافية والاقتصادية لمصر.
المصادر
- مصر تؤسس شركة جديدة للسماح بمشاركة القطاع الخاص في أنشطة «قناة السويس»
- «المال» تنشر خطة قناة السويس لتأسيس شركة قابضة جديدة
- Emirati investments around Suez Canal ruffle generals' feathers
- ننشر نص مشروع الحكومة لتعديل قانون هيئة قناة السويس
- سيطرة الإمارات على موانئ القرن الأفريقي.. طموح اقتصادي أم مشروع سياسي؟
- بين قلق مصر من “النوايا” والحاجة للأموال.. ماذا تريد الإمارات من قناة السويس وما حجم ما تمتلكه؟
- مصر: شركة جديدة لتحسين أوضاع العاملين في هيئة قناة السويس