نفوذ ومناصب.. لماذا تخلت الأنظمة العربية عن القضية الفلسطينية؟
قالت صحيفة عبرية إن فلسطين "كانت مسرحا للخطاب والدعاية العربية التي أخفت خلفها مصالح وأهدافا وطموحات لا علاقة لها في الأصل بقضية فلسطين".
ورأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه "لعقود عديدة، كانت نظم عدة في الشرق الأوسط تطمع في موقع القيادة العربية، لكن اليوم، سواء كانت على حدود فلسطين أم لا، لم تعد ترى ضرورة لاستخدام هذه البطاقة".
وذكرت الصحيفة أن "معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها، سحبت أيديها من صندوق الاستثمار الفلسطيني، ربما باستثناء النظام في سوريا".
وفي هذا الإطار، استرسلت الصحيفة في أسباب تخلي الأنظمة العربية عن دعمها للقضية الفلسطينية، لافتة إلى محاولة أغلبها الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
ممزوج بالمصلحة
وأشارت الصحيفة إلى أنه "منذ بداية الأزمة الفلسطينية، كانت كل الأنظمة العربية تستخدم القضية الفلسطينية لتصل إلى مبتغاها، وهو الاستيلاء على القيادة العربية".
ورأت أنه "منذ عقود وقضية فلسطين هي أكثر القضايا العربية إثارة"، لافتة إلى أنه "لم يكن من الممكن تجنبها أو التغاضي عنها".
لكن بالنظر إلى الوقت الحالي، أوضحت الصحيفة أن "الأنظمة العربية، سواء كانت الموجودة على حدود فلسطين أم لا، لم تعد تضع القضية الفلسطينية في أولويات خطاباتها ولا ترى ضرورة لاستخدام هذه البطاقة".
وذهبت الصحيفة العبرية إلى أن "الأنظمة العربية اليوم مشغولة بالمشاحنات الداخلية والمنافسة فيما بينها على النفوذ والمناصب القيادية".
وفي الوقت نفسه، وجهت الصحيفة الأنظار إلى "حرص هذه الأنظمة على الحفاظ على علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل في شكل عملية تطبيع هادئة وتدريجية".
وبالعودة بالزمن إلى الوراء قليلا، أوضحت "يديعوت أحرونوت" أن "استخدام البطاقة الفلسطينية كان إحدى خصائص السياسة العربية منذ ولادة الدول القومية الحديثة في المنطقة".
وتعتقد أن هذه الخاصية هي "نتاج المنافسة بين مصر بقيادة الملك فاروق والأردن بقيادة الملك عبد الله، وخلفهما عراق الملك فيصل والسعودية للملك عبد العزيز خلال فترة الاستعمار البريطاني والاستقلال العربي في الأربعينيات".
وقالت الصحيفة: "لقد كانت فلسطين مسرحا للخطاب والدعاية العربية التي أخفت خلفها مصالح ورغبات وطموحات لا تمت للقضية الفلسطينية بصلة".
ولفتت إلى حقيقة أن "الدعم الحقيقي لفلسطين كان ممزوجا بالاستخدام السخيف لقضيتها".
أنه "يمكن لنظام معين في فترة معينة أن يتبنى خطابا وسياسة نزيهة نسبيا، بينما كانت أكاذيب نظام آخر مرئية للجميع في الوقت نفسه".
ومع ذلك، في جميع الحالات، تعتقد الصحيفة العبرية أن "المزج بين الحقيقة والدعاية أدى إلى خلق منطقة رمادية حيث شارك الجميع في ألعاب الاحتيال".
فقد قدمت بعض الأنظمة الدعم المالي، وآخرون قدموا الدعم السياسي لفلسطين ومنظمة التحرير، وآخرون استضافوا فلسطينيين في بلدانهم وقدموا لهم فرصا للعمل، لكن من وجهة نظر الصحيفة، "كان هذا الدعم دائما محدودا ومحسوبا".
وأكدت أن "تلك الأنظمة قدمت أشكالا مختلفة من الدعم فقط لاستخدامها أمام شعوبهم ودول المنطقة كدليل على أنهم يقفون إلى جانب فلسطين".
صندوق للاستثمار
من ناحية أخرى، لا تنكر الصحيفة أهمية الدعم العربي بغض النظر عن الهدف المخفي وراءه، لكنها تشدد أيضا على فكرة أن "الأنظمة العربية استخدمته للحصول على (رأس المال الوطني) لتعزيز شرعيتها الداخلية والإقليمية".
فمن رأيها، كانت فلسطين -بالنسبة للأنظمة العربية- "صندوق استثمار" يمنحهم شرعية داخلية وعربية وإقليمية.
وذهبت الصحيفة إلى أن "معيار استخدام هذا الصندوق الاستثماري لغرض القيادة الإقليمية كان يتم عبر تبني نظام معين للقضية الفلسطينية، من أجل كسب التأييد الشعبي".
وترى أن "وضع فلسطين على رأس جدول الأعمال العربي الرسمي أدى إلى وجود القضية في الدول العربية البعيدة جغرافيا أيضا".
فعلى سبيل المثال، قادت المغرب "لجنة شؤون القدس" في منظمة التعاون الإسلامي، كما قدم السودان، وفي بعض الأحيان السعودية والإمارات، دعما ماليا وإعلاميا لمنظمة التحرير الفلسطينية.
علاوة على ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن عضوية ما أسمته "صندوق الاستثمار" توسعت إلى دول غير عربية في المنطقة، مثل إيران وتركيا.
وشددت على أن "هذا الاهتمام كان من منطلق إدراك أهمية المكون الفلسطيني في ترسيخ مكانة إقليمية وشرعية محلية وشعبية".
وظهر دعم فلسطين بدرجات متفاوتة في العقود الأربعة الماضية في إيران، وفي العقدين الأخيرين في تركيا، وفق الصحيفة العبرية.
وأوضحت أن معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها، سحبت أيديها من "صندوق الاستثمار الفلسطيني" ربما باستثناء النظام السوري الذي ترتكز شرعيته الكاملة على هذا الصندوق.
وترى أن "الدول العربية المركزية لم تعد ترى ضرورة حتى لترديد الكذبة القائلة إن فلسطين تمثل شيئا مهما بالنسبة لها".
وذكرت الصحيفة أن "السعودية ومصر هما المثالان الأبرز على ذلك"، لافتة إلى أن "كلتيهما تتنافس مع بعضهما بعضا ضد تركيا وإيران على قيادة الكتلة العربية".
ورأت كذلك أن كلتيهما لا تعتقد أن "استخدام الورقة الفلسطينية سيزيد من فرص نجاحهما، حيث تحرز السعودية تقدما استثنائيا نحو قيادة الكتلة العربية، دون إعطاء أهمية كبيرة وحقيقية لفلسطين".
وتابعت: "رغم أن السعودية هي التي قادت مبادرة السلام العربية في القمة ببيروت عام 2002، إلا أن التسريبات الحالية من إسرائيل والولايات المتحدة تظهر أنها تتخلى عن مبادرة السلام الخاصة بها".