تدير العصابات وتتجاهل التحقيقات.. كيف تنشر إسرائيل الجريمة لدى فلسطينيي 48؟
منذ مشاركة فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948 في "هبة الكرامة" للدفاع عن القدس خلال مايو/أيار 2021، ضمن "وحدة الساحات الفلسطينية" مع غزة والضفة، ووقوع مصادمات بينهم وبين شرطة الاحتلال والمستوطنين، وهناك تخطيط إسرائيلي لعقابهم.
لم يكتف الاحتلال بتجاهل "أمن" البلدات الفلسطينية في الداخل المحتل رغم حملهم الجنسية الإسرائيلية، وتجاهل التحقيق في الجرائم الجنائية التي تقع لهم، ولا التعاون مع منظمات جريمة بينهم ولكنه أوكل ملف أمنهم لوزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير.
وبن غفير يعادي الفلسطينيين في الداخل المحتل واشتهر بنشر فيديوهات له وهو يعتدي عليهم ومحلاتهم مع أفراد من تياره اليميني الديني الفاشي.
وفي 8 يونيو/حزيران 2023 قتل 5 من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 في جريمة إطلاق نار في بلدة يافة الناصرة بالداخل المحتل، خلال سلسلة جرائم عنف، وتظاهر السكان الفلسطينيون ضد ما اسموه "تواطؤ شرطة الاحتلال.
أكدوا أن عصابات كبيرة تمارس جرائم عنف وقتل منذ سنوات، حيث تتفشى الجريمة ضد العرب في الداخل، لكن الاحتلال لا يهتم سوى بالمستوطنين اليهود.
قالوا إن المفارقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سلم "بن غفير" وجهاز الشاباك الاستخباري، لا الشرطة، مسؤولية أمن فلسطينيي الأرض المحتلة 48 ما يشير لخطط خبيثة تجاههم والتعامل معهم كأنهم "إرهابيون".
وتظاهر فلسطينيو الداخل في 11 يونيو 2023 ضد حكومة وشرطة الاحتلال بسبب إهمالها الأمن الداخلي لهم وتقاعسها عن اعتقال مرتكبي حوادث قتل داخل الوسط العربي، ورفعوا شعار "الدم العربي مش رخيص".
ووصل عدد ضحايا العنف والجريمة في الداخل الفلسطيني المُحتل إلى 102 منذ بداية 2023 أي بمعدل جريمة قتل كل 37 ساعة، وهو رقم قياسي لم يسبق له مثيل في تاريخ الاحتلال.
علما أن عدد الفلسطينيين في أراضي الـ 48 يصل إلى أكثر من مليونين، يُعانون من سياسة التمييز العنصري، والإهمال والفقر على جميع المستويات والأصعدة كافة.
وقتل منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 نحو 1700 فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، وسط فوضى السلاح وتقاعس الاحتلال وتواطؤ الشرطة مع عصابات الجريمة المنظمة التي تتغول وتسيطر على مفاصل الحياة لفلسطينيي 48.
دور "بن غفير"
قبل أن يصبح ثاني أهم وزير في الحكومة الإسرائيلية الحالية، كان زعيم الحركة الكاهانية "بن غفير" يُغير مع قطعان المستوطنين على محلات ومساكن الفلسطينيين ويعتدي عليهم، ونُشرت له فيديوهات تفضحه.
تعرفوا على ثاني أهم وزير في الحكومة الصهيونية القادمة ووزير الأمن الداخلي العتيد.
— د.صالح النعامي (@salehelnaami) November 2, 2022
زعيم الكاهانية بن غفير الذي يرتدي القميص الأبيض عندما هاجم قبل سنوات بسطات باعة فلسطينيين في الخليل المحتلة.
هذه إسرائيل التي يرفض العالم وتحديدا الطغاة العرب رؤيتها على حقيقتها. pic.twitter.com/z4RNVMcxQf
لذا كانت مفارقة أن يتولى "بن غفير" ملف الأمن، وضمنه "أمن فلسطينيي 48" الذين أعلن مرارا رغبته في قتلهم، وأثار تساؤلات عما سيفعله حين يصبح هو الوزير المسؤول عن الأمن.
فهو كان أحد مؤيدي القاتل الإسرائيلي الأميركي باروخ غولدشتاين، الذي فتح النار في عام 1994، من مدفع رشاش على المسلمين أثناء صلاة الفجر في رمضان بمدينة الخليل ليستشهد 29 مصليا، ورحب حينئذ بما فعله زميله الإرهابي.
أيضا وجهت لبن غفير 53 لائحة اتهام من الشرطة الإسرائيلية بممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين، قبل أن يصبح هو وزيرا للشرطة.
لذلك عمل منذ توليه الوزارة في ديسمبر/كانون الأول 2022 ضد المجتمع العربي في دولة الاحتلال مستغلا منصبه.
وفي هذا السياق، نفذ ثلاث خطوات لتحقيق هذا الغرض ضد السكان الفلسطينيين أولها، إقامة "حرس قومي" لقمعهم، وثانيها، إشراك "الشاباك" (جهاز الأمن العام) في قضاياهم، ما يوحي بمعاملة فلسطينيي 48 مثل أهالي غزة والضفة كـ "إرهابيين".
والخطوة الثالثة، كانت المطالبة بصلاحيات (عبر مشروع قانون قدم للكنيست -البرلمان- 13 يونيو 2023) لإصدار أوامر اعتقال إداري تتيح احتجاز أي شخص لمدة ستة أشهر من دون أمر قضائي، تحت غطاء مكافحة الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.
وهو ما يعني أنه يستعد لشن حرب على فلسطينيي الـ 48، بدلاً من مكافحة الجريمة المستفحلة في صفوفهم، بصفته وزير الشرطة، وسعيه لاستغلال عصابات الجريمة المنتشرة في المجتمع العربي والمتعاونة مع الاحتلال لقمعهم، أيضا.
فقد حصل حزبه "القوة اليهودية"، على مكسب كبير حين أصبح وزيرا للأمن، هو تسليمه المسؤولية عن قوة مليشيا تُسمى "الحرس الوطني" قال فلسطينيو 48 ومحللون إنها موجهة أساسا لقمعهم.
وقال الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الاسلامية في فلسطين المحتلة 1948، في وقت سابق إن هذه القوات سيستخدمها "بن غفير" وتأتمر بأمره لينفذ بها أحقاده ضد الفلسطينيين، وقتلهم بالرصاص.
أيضا طلب بن غفير من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إشراك جهاز "الشاباك" في التحقيقات مع فلسطينيي 48 تنفيذا لبنود اتفاق الائتلاف الحكومي، وذلك بحسب القناة 13 العبرية 31 يناير/كانون الثاني 2023.
ووافق نتنياهو على طلبه أخيرا في 11 يونيو 2023، بزعم "إقحام الشاباك فورا في الحرب ضد المنظمات الإجرامية"، ومواجهة الاغتيالات في الوسط العربي.
ويرفض فلسطينيو الأرض المحتلة 1948 عموماً إدخال "الشاباك" في المسار الجنائي، كما ترفضه العديد من الجهات الحقوقية، لما في ذلك من تهديد للخصوصية والحريات.
ويرى "الشاباك" أن دخوله المجال الجنائي قد يهدد عمله في الجوانب الأمنية، ويتسبب في كشف أدوات ووسائل عمله في السياق الأمني والعمليات التي ينفذها ضد الفلسطينيين وغيرهم.
ومن أسباب معارضة إقحام "الشاباك" أيضاً في قضايا الجريمة، ما ورد في رسالة وجهها مركز "عدالة" الحقوقي إلى نتنياهو والمفتش العام للشرطة الإسرائيلية يعقوب شبتاي، حول استهداف العرب.
قال إن إقحام الشاباك "يشير إلى موقف أمني وعدائي وغير متساو من قبل السلطات الإسرائيلية تجاه العرب، وهو قرار عنصري يقع ضمن خانة التنميط العرقي ويخلق نظامين لتطبيق القانون، واحدا في البلدات العربية وتجاه المواطنين العرب، وآخر في البلدات اليهودية".
وأضاف "عدالة" في الرسالة خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021: "يعامل الشاباك المواطنين العرب كأعداء".
وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 11 يونيو 2023 اعترض رئيس الشاباك رونين بار، والمدعي العام غالي باهراف ميارا، على إشراك الشاباك في ملف الجريمة، بينما شدد بن غفير وشبتاي على ضرورة التحرك الفوري.
وقال المدعي العام الإسرائيلي إن"تغيير قانون الشاباك سيضر بالديمقراطية"، بينما علق بن غفير: "إما أن نغير القانون ونقول إن الشاباك سيتعامل مع منظمات الجريمة أو سنفعل ذلك من خلال أحكام مؤقتة".
ويعد "الشاباك" جزءاً من أجهزة الأمن الإسرائيلية، لكن أدواته وأساليبه المستخدمة خلال التحقيق مع المعتقلين محل انتقادات وإدانة من منظمات حقوقية لأنها أساليب استخبارية تتضمن التعذيب سرا، ويبدو أن هذا هدف استخدامها ضد العرب.
وفي خطوة أخرى عدها قادة الأحزاب العربية في إسرائيل "تهرباً من مواجهة القضية الجوهرية"، تقدم النائب تسفيكا فوغل، من حزب بن غفير، بمشروع قانون إلى الكنيست، يمنح صلاحيات ضخمة له.
الصلاحيات التي يطالب بها مشروع القانون لبن غفير، هي إصداره أوامر اعتقال إداري وفرض قيود على حركة أفراد يرى هو من وجهة نظره أنهم يشكلون خطرا على الأمن العام، وكذا إصدار أوامر لمنعهم من مغادرة دولة الاحتلال وتسليم جوازات سفرهم.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون لدى الوزير المتطرف سلطة الإلزام بالمثول أمام مركز الشرطة في تواريخ يحددها، وإبلاغه عن نية شخص ما المغادرة أو الدخول إلى منطقة معينة، ومنعه من بعض الخدمات والاتصالات عبر الإنترنت.
وهو ما يشبه قوانين أنظمة الطوارئ البريطانية التي فرضت على فلسطين في فترة الانتداب قبل عام 1948.
ويقول فلسطينيون إن ما يجري محاولة من بن غفير لزيادة صلاحياته ضد العرب في إسرائيل، الذين يعانون الأمرين من تفاقم نشاط منظمات الإجرام المنظم ونشاط المنظمات الكاهانية الاستيطانية التي يدعمها بن غفير نفسه.
يرون أن طرح أوامر الاعتقال الإداري، مثله مثل تدخل الشاباك في تحقيقات الشرطة في جرائم العنف، "مجرد تضليل" للتهرب من مسؤوليتهم في إيجاد حلول حقيقية للجرائم داخل المجتمع العربي.
تؤاطؤ رسمي
وتستفيد إسرائيل من الفوضى وسفك الدماء ونشر الرعب في المجتمع العربي في الداخل المحتل، من خلال إشغاله بقضايا ونزاعات داخلية، تغذي القلق والخوف وافتقاد الأمن الفردي.
وتراهن دولة الاحتلال على أن التضييق على هذا المجتمع العربي سيدفع بأبنائه نحو الانشغال بالأمن الشخصي، وسلامة أفراده وتغليب ذلك على الهم الوطني مثل مواجهة مخططات الهدم والتهجير وفرض تقسيم المسجد الأقصى.
ويدور الحديث بين فلسطينيي 48 عن سبع عصابات إجرامية كبيرة تنشط في البلدات العربية في مجال جمع الإتاوات بالترويع والإرهاب، وفي السيطرة على عطاءات السلطات المحلية، علاوة على المتاجرة بالممنوعات من السلاح إلى المخدرات.
ويؤكدون أن هذه العصابات لديها علاقات مع سلطة الاحتلال لأغراض أمنية واقتصادية، وأنهم سبب جرائم القتل الجماعي المتزايدة في المجتمع العربي.
لذا تحوم شكوك بشأن تورط الاحتلال في حمام الدم، من خلال هذه المنظمات، فضلا عن استخفافها بكبح العنف والجريمة التي باتت تطال الأبرياء.
وقد نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية 13 يونيو 2023 عن النائب السابق، طلب الصانع، رئيس لجنة مكافحة الجريمة داخل لجنة المتابعة، إن "غالبية قادة وأفراد عصابات الإجرام هم عملاء للمخابرات الإسرائيلية، هاربون من أهلهم وبلداتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة".
قال إنه لذلك لا الشرطة ولا (الشاباك) الإسرائيلي سيحارب المنظمات الإجرامية وهو آخر من يمكنه محاسبتهم على جرائمهم.
أيضا نقلت القناة العبرية (12) مطلع يوليو/تموز 2021 عن مصدر رفيع في الشرطة قوله "إن هؤلاء المجرمين يحظون بدعم من الشاباك كونهم متعاونين ومخبرين لها".
وذكر مراسل شؤون الشرطة في القناة الـ 12 "موشي نوسباوم" أن مصدرا رفيع المستوى بالشرطة الإسرائيلية أكد له أن "المجرمين الذين يقودون عمليات الإجرام الخطيرة في المجتمع العربي معظمهم متعاونون مع جهاز الشاباك".
أضاف: "في هذه الحالة يد الشرطة الإسرائيلية مكبلة، لأنه لا يمكن التعامل مع هؤلاء المتعاونين الذين يتمتعون بحصانة".
وقال شيمعون شيفر المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" 12 يونيو 2023 إن عصابات الإجرام المحلية باتت تنتشر كالخلايا السرطانية في البلدات العربية، وتستخدم الترهيب والرصاص من أجل ترويع الأهالي، والتصرف كما يحلو لها، كأنها دولة داخل دولة، وسط تقاعس شرطة الاحتلال.
وفي 30 مايو 2023، كشفت قناة "كان 11" الإسرائيلية عن شكوى قدمها مسؤولان في الشرطة الإسرائيلية إلى النائب العام عميت آيسمان، بشأن شبهات حول تورط نائبين عامين، بتسريب "معلومات حساسة" من تحقيقات جارية، لمنظمات إجرام خطيرة، بينها عربية.
وحين تقع أعمال قتل وجرائم داخل المجتمع العربي، تتذرع الشرطة الإسرائيلية بضعف الموارد ومحدودية قدراتها على الوصول إلى المجرمين في الداخل الفلسطيني.
لكن مراسل صحيفة "العربي" بحيفا، قال في 10 يونيو 2023 إن هذه حجة بدليل أن الشرطة الإسرائيلية تتحرك بكل قوتها مع باقي الأجهزة الصهيونية حين يتعلق الأمر بمواجهة انتفاضة أهالي 48 ضد تهويد القدس والأقصى.
أوضح أنه خلال أحداث "هبة الكرامة" في مايو 2021، حين تجند كل فلسطينيي 48 والضفة والقدس وغزة ضد تهويد الأقصى، وظفت شرطة إسرائيل قدراتها، بما فيها التكنولوجية، لاعتقال الشباب العرب وتقديمهم للمحاكمات.
ولا تزال تنفذ اعتقالات، حتى بعد عامين على الأحداث التي انطلقت احتجاجاً على الانتهاكات الإسرائيلية بحق القدس والمسجد الأقصى.
أيضا المقارنة بين نسبة نجاح الشرطة الإسرائيلية في فك الجرائم في المجتمع العربي مقابل النسبة في المجتمع الإسرائيلي تعطي مؤشراً على أن الشرطة تكيل بمكيالين عمدا بين التعامل مع الجرائم.
ووفقا لإحصاءات إسرائيلية، شهدت السنوات من 2018 حتى 2022 نحو 732 جريمة قتل في الأراضي المحتلة، شكلت الجرائم في المجتمع العربي نحو 70 في المائة منها.
ومع هذا لم تتجاوز نسبة تقديم لوائح الاتهام 29 في المائة، وذلك مقابل 69 في المائة في المجتمع الإسرائيلي.
ومنذ مطلع 2023 وقعت 102 جريمة قتل في المجتمع العربي، حققت الشرطة في 11 في المائة فقط.
وفي عام 2020 حققت في 35 في المائة، وفي عام 2021 لم يتجاوز التحقيق في الجرائم نسبة 24 بالمئة.
أما التدخل لحل الجرائم في المجتمع الإسرائيلي فلا تقل نسبته عن 70 و80 بالمئة، وفق صحف تل أبيب، ما يثير تساؤلات كثيرة حول هذه الفجوة.
لكن بحسب ما نشر موقع "عرب 48" في 4 أبريل/نيسان 2023 نجحت الشرطة الإسرائيلية في فك رموز 5 بالمائة فقط من جرائم القتل ضد المجتمع العربي، خلال الربع الأول من العام 2023.
وذلك مقابل 83 بالمئة في المجتمع اليهودي ما يشكل تمييزا صارخا واهتماما بالمستوطنين اليهود وإهمالا لفلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948.
المصادر
- إيتمار بن غفير يجهّز للحرب على فلسطينيي الـ 48
- قانون يخول بن غفير إصدار أوامر اعتقال إدارية تحت غطاء مكافحة الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل
- معظم منفذي عمليات الإجرام داخل الخط الأخضر متعاونون مع الشاباك
- Overruling objections, PM says Shin Bet must join fight against deadly Arab mob crime
- هكذا تستفيد إسرائيل من منظمات الإجرام في الداخل الفلسطيني