عدم إصدار مراسيم البنوك الإسلامية في موريتانيا.. أسباب حقيقية أم غياب الإرادة؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

منذ وضع موريتانيا أسس المعاملات البنكية الإسلامية سنة 2018، إلا أن هذه المعاملات ما تزال تراوح مكانها، وسط اتهامات للبنك المركزي بتأخير إخراج المراسيم التطبيقية للمالية الإسلامية، في حين يرى آخرون أن هذا التأخر يرجع لأسباب متعددة ومتداخلة.

وفي الرأي الأول، حمل موقع "الفكر" المحلي، في تقرير 4 يونيو/حزيران 2023، البنك المركزي مسؤولية المماطلة في إصدار القوانين التطبيقية للباب الثالث من قانون مؤسسات القرض الصادر عام 2018.

وقال إن هذا التماطل "يراكم أضرارا اقتصادية ومؤسسية متعددة للمصارف ومؤسسات القرض الإسلامية في موريتانيا".

ومن هذه الأضرار، يردف الموقع، "غياب أي دور للبنك المركزي في متابعة الحوكمة (الحكامة) الشرعية للبنوك الإسلامية، التي هي قطاع عريض من السوق المصرفية في البلاد".

أضرار شاملة

وذكر موقع "الفكر" في تقريره، أن 25 من مؤسسة تنشط في تقديم القروض الصغيرة تصرح أنها تعتمد الشريعة الإسلامية من أصل 30 مؤسسة صغيرة مختصة في هذا المجال، كما أن كل البنوك الموريتانية التقليدية في عامتها تعلن عن وجود فروع إسلامية، أو نوافذ إسلامية لها.

ورأى أن هذا الواقع "يلغي دورا مهما من أدوار البنك المركزي، ويجعل عمله قاصرا عن الوصول إلى الرقابة التي هي من صميم تخصصه".

واستطرد: "فضلا عن غياب أي دور لحماية المستهلك الذي يتعامل مع هذه المصارف الإسلامية حتى يتأكد من أن الخدمات والمنتجات التي قدمت له مطابقة للشريعة الإسلامية، وموافقة لدفتر الالتزامات وبالعقد المبرم بين الزبون والمؤسسة المصرفية".

واستدرك الموقع مشددا على أن "عدم إصدار اللوائح التنظيمية، فإن هذا الحق سيظل مهدرا".

وسجل انعدام أي فعالية للجنة المطابقة، قائلا إن "هذا يعني مزيدا من الترهل والإهمال، وإظهار عدم الجدية تجاه الصناعة الإسلامية في الصيرفة".

ونبه التقرير إلى أن تعيين هذه اللجنة لم يراع قوانين البنك المركزي نفسه، الذي ينص على أن يكون أعضاؤها متخصصين ومتفرغين ولا يتقاضون رواتب من أي جهة أخرى، وهو ما تم خرقه بشكل واضح، لأن من بين أعضائها موظفون.

وبخلاف ما ذهب إليه موقع "الفكر"، يرى الأستاذ الجامعي المتخصص في المالية والصيرفة الإسلامية، محمد محمد غلام، أن "تأخر إصدار هذه القوانين من 2018 إلى الآن يرجع لأسباب متعددة ومتداخلة".

وأوضح محمد غلام لـ"الاستقلال"، أن "من بين هذه الأسباب أن البنك المركزي تناوب عليه ثلاثة محافظين منذ تلك السنة إلى الآن، وكل إدارة جديدة في الغالب تأخذ سنة أو أكثر لتحديد أولوياتها والنظر في اهتماماتها، والورشات الإصلاحية التي ترى أن لها الأولوية".

إضافة إلى سبب آخر، ويتمثل في "نقص الخبرات المهنية المتخصصة في المعاملات المالية الحديثة في البنك المركزي".

واسترسل محمد غلام، وهو مدير مركز "شنقيط للمالية الإسلامية"، أن هناك عوامل ترجع إلى اللغة، حيث إن المعاملات الإسلامية خاصة بموريتانيا ما تزال الدراسات بها عربية، والخبراء فيها يتحدثون بلغة واحدة وهي العربية، بينما اللغة المعمول بها في البنك المركزي بشكل كبير هي الفرنسية، فيكون عامل اللغة حاجزا إلى حد ما بين مختلف الإدارات والكوادر. 

ومن العوامل أيضا، "ضبابية التعاطي مع هذا القطاع، لأن البنك المركزي يُطلب منه أن يحوكم ويسهم في البنوك الإسلامية وأيضا حوكمة ما تراه البنوك التقليدية نوافذ وفروع لها ذات صبغة إسلامية، فكانت إدارة البنك تتخوف من فتح هذا الملف قبل الحصول على الأدوات اللازمة لمعالجته".

وشدد محمد غلام على أن "ما يطرحه بعض الباحثين من احتمال وجود جيوب مناصرة الصيرفة التقليدية على حساب الصيرفة الإسلامية، والتي ربما تضع العصي في الدواليب، احتمالية غير واردة".

ورأى أن "هذه الجيوب المقاومة للمالية الإسلامية ليست بتلك الدرجة أو القوة المشار إليها، ولا هو بالأمر البسيط أن يقال هذا في حق البنك المركزي، باعتقاد أنه مؤسسة عريقة ومحايدة".

في الاتجاه نفسه، قال الاقتصادي والخبير المالي، يعقوب أحمد يوره، إن البنك المركزي أصدر سنة 2018 مرسوم قرار ينظم المعاملات الإسلامية، كما تم تشكيل لجنة للإشراف على المعاملات الإسلامية وما يتطابق مع الشريعة.

ويشارك يوره في حديث لـ"الاستقلال" رأي محمد غلام من أن سبب التأخر في إصدار المراسيم التطبيقية إلى "التغيرات التي وقعت على مستوى رئاسة البنك المركزي في السنوات الخمس الأخيرة".

وأردف أن مرد هذا التفسير أن "كل محافظ جديد لا يبدأ من حيث انتهى الذي من قبله، بل غالبا ما تكون هناك أولويات عنده قد تسبق تطبيق مشروع التمويلات الإسلامية".

عوائق بنيوية

وأكدت الأستاذة الجامعية والمتخصصة في المالية والصيرفة الإسلامية، فاطمة مختار مولود، أنه "رغم ما شهدته مختلف الدول أخيرا من تطور للمالية الإسلامية، إلا أن موريتانيا ما تزال تفتقر إلى نظام مصرفي إسلامي حقيقي، حيث تهيمن الطبيعة الربوية التقليدية على بنوكها من حيث الممارسة".

ومن منظور قانوني، تقول فاطمة مولود في مقال نشرته عبر موقع "الجزيرة نت" القطري في 8 مارس/آذار 2023، إن "البنوك الإسلامية ما تزال تعاني مشكلة التوافق مع البنك المركزي، لأنها لا توفر أي قواعد محددة للبنوك الإسلامية".

وذكرت أن "عدم وجود إطار تنظيمي وتشريعي أدى إلى فشل وإفلاس بعض البنوك الإسلامية في موريتانيا لتصل إلى 4 بنوك إسلامية فقط، بعد أن كانت 8".

واسترسلت المتحدثة ذاتها، كما أن "البنوك الإسلامية ضعيفة البنية وغير قادرة على المنافسة، مقارنة بالبنوك التقليدية، بسبب خبرتها الضعيفة والحديثة نسبيا".

وقالت فاطمة مولود، إن "من التحديات الرئيسة أيضا أمام المالية الإسلامية بموريتانيا، هو عدم وجود صيغة تنظم النوافذ الإسلامية أو حتى التحقق من وجودها الفعلي في البنوك التقليدية".

ورأت أن "قلة الكوادر المدربة على آليات التمويل الإسلامي وغياب الاستثمارات الطويلة الأجل، تشكل عقبات خطيرة أمام تطوير الصناعة المصرفية والمالية الإسلامية".

وأضافت الأستاذة الجامعية أن "انعدام الشفافية وغياب أو ضعف الرقابة الشرعية داخل البنوك الإسلامية قد يؤدي كذلك إلى انعدام الثقة بين الجمهور وهذه المؤسسات".

فيما أكد الأستاذ الجامعي، محمد غلام، على "أهمية تدارك الخلل والتأخر القائم في إصدار المراسيم التطبيقية للمالية والصيرفة الإسلامية بموريتانيا".

وشدد في حديث لـ"الاستقلال" على أن "المسارعة لمعالجة هذا الوضع، سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد الوطني وحوكمة القطاع المصرفي الإسلامي على وجه الخصوص".

ولفت إلى أن "البنك المركزي سيكون مسؤولا عن متابعة وتفتيش ورقابة ما تعلق بالحوكمة الشرعية للبنوك الإسلامية، مما سيزيد الثقة فيها من لدن المتعاملين والعملاء، وسيرفع مؤشر الشمول المالي، الذي يبلغ الآن نسبة 30 بالمئة، بمعنى أن 70 بالمئة من الموريتانيين لا علاقة لهم بالقطاع المصرفي".

وأضاف الأستاذ الجامعي، هذه الرقابة، "ستضمن التأكد من مصداقية المعاملات البنكية وشفافيتها ومطابقتها للشرعية، مما سيؤدي إلى إقناع المواطنين المتخوفين من شبهة الربا بأن هذه البنوك هي إسلامية بالفعل".

وأوضح أن "تفتيش البنك المركزي ومتابعته تفيد هذه البنوك نفسها، لأنها تفتح أعينها أمام الإشكالات التي أمامها، وتضمن الاستجابة لمتطلبات الحوكمة الشرعية".

ونبه إلى أن "تفتيش البنك المركزي سيقلل من مخاطر عدم المطابقة للشرعية الإسلامية، لأن هذه المخاطر هي من المخاطر البنكية التي تختص بها البنوك الإسلامية".

وتابع: "البنك الإسلامي إن لم يلتزم بالضوابط الشرعية تعرض لمخاطر جمة، ومنها مخاطر السمعة التي ستوقف الآلاف من المنتسبين إليه، وإيقاف تدفق العملاء نحوه، ومخاطر أخرى قد تؤول إلى مخاطر مالية، أي حين الحصول على أرباح لا تتطابق مع الشريعة الإسلامية".

كما أن هذه المراسيم المنتظرة، وتدخل البنك المركزي، ستذلل الكثير من الصعاب للقطاع، خاصة في العلاقات مع المؤسسات الدولية التي تفرض عليها شروطه التي لا تراعي خصوصية البنوك الإسلامية، وفق محمد غلام.

وأوضح أن "البنك المركزي إذا تدخل بتقنين هذه المنتجات والعقود التي يسمح بها فقط للبنوك الإسلامية، سيكون ذلك معززا لجانب البنوك الإسلامية عندما تحاور البنوك الأجنبية والمؤسسات الدولية".

وخلص محمد غلام، إلى أن "هذه العناصر كلها، تبين الأهمية التي تستدعي إخراج المراسيم التطبيقية للمالية الإسلامية من لدن البنك المركزي، ومعالجة العوامل المؤخرة لذلك، سواء أكانت بشرية أم مؤسسية".