ترقب حذر بعد احتجاجات عنيفة.. إلى أين يتجه المشهد السياسي في السنغال؟

12

طباعة

مشاركة

هدوء حذر تعيشه السنغال، بعد تراجع طفيف لحدة التوتر والمظاهرات والصدامات التي أسفرت عن سقوط 16 قتيلا وإصابة واعتقال مئات الأشخاص في اشتباكات بين محتجين وقوات الأمن، في أسوأ موجة اضطرابات تشهدها الدولة الواقعة في غرب إفريقيا منذ عقود.

وفي الأول من يونيو/حزيران 2023، شهدت العاصمة دكار وعدد من المناطق، احتجاجات وأعمال عنف بعدما قضت محكمة جنائية بسجن عثمان سونكو زعيم المعارضة المرشح لانتخابات الرئاسة في 2024.

وجرى الحكم على سونكو عامين نافذين مع غرامة 600 ألف فرنك غرب إفريقي (يعادل ألف دولار) بتهمة "إفساد الشباب" وبرأته من اتهامات بالاغتصاب كانت موجهة إليه.

وفرضت المحكمة على سونكو، الذي رفض حضور الجلسات، البقاء في بيته تحت "إقامة جبرية"، لتندلع بعدها موجة مظاهرات في عدد من المدن السنغالية، يقودها في الأغلب شبان غاضبون من سجن زعيمهم بتهم يعدونها "ملفقة".

وشهدت السنغال بين الأول والثالث من يونيو 2023، مواجهات بين الشباب المحتج وقوات الأمن، و"عمليات تخريب" و"نهب" لكثير من المحلات التجارية والمنشآت العامة والخاصة إضافة إلى إغلاق الطرق وإضرام النار في السيارات.

وفي 4 يونيو 2023، قال المدير العام للأمن الوطني في السنغال، إبراهيما ديوب، خلال مؤتمر صحفي إنه "اعتقل حتى الآن 500 شخص (من المحتجين)، من بينهم قاصرون وأشخاص من جنسيات أجنبية".

وأضاف أن "غالبية المعتقلين كانت بحوزتهم زجاجات حارقة وأسلحة بيضاء وأسلحة نارية"، وفق قوله.

قمع وبلطجة

وأمام هذا الوضع المتوتر، يتبادل أنصار سونكو والرئيس ماكي سال الاتهامات بالتسبّب في أعمال العنف وسقوط الضحايا.

ويتهم الموالون لسونكو، المعسكر الرئاسي بدفع أموال "لبلطجية" يتنقلون بشاحنات صغيرة لتقديم المساعدة للشرطة والدرك وسحق المتظاهرين. 

وأشارت تقارير إعلامية إلى وجود تسجيلات فيديو وشهادات توضح "انتشار مسلحين بلباس مدني وصلوا بشاحنات صغيرة وطاردوا المتظاهرين خلال الاضطرابات الأخيرة التي أعقبت الحكم بالسجن على المعارض عثمان سونكو".

حزب "الوطنيون الأفارقة من أجل العمل والأخلاق والأخوة" المعروف اختصارا باسم "باستيف" والذي يتزعمه سونكو، أدان "القمع الدامي لقوات الدفاع والأمن"، متهما السلطة باللجوء إلى "مليشيات خاصة" من أجل "قمع" المدنيين.

وفي 4 يونيو 2023، دعا حزب "باستيف" في بيان له، السنغاليين إلى "توسيع وتكثيف الاحتجاجات"، متهما نظام الرئيس ماكي سال بارتكاب "تجاوزات دموية وديكتاتورية".

من جهتها، أدانت الحكومة، "أعمال التخريب واللصوصية"، ناسبة إياها إلى أنصار سونكو المدعومين من "قوى غامضة" و"أجانب" جاؤوا "لزعزعة استقرار البلاد" و"إغراقه في الفوضى".

وعدت الحكومة السنغالية، الحوادث التي شهدتها البلاد بأنها ليست "تظاهرة شعبية بمطالب سياسية"، بل "أعمال تخريب وقطع طرق".

وفي تعليقه على أسباب الاضطرابات التي شهدتها البلاد، قال الباحث السنغالي المختص في العلوم السياسية، هارون با، إن "مرد الاحتجاجات أسباب مركبة اجتماعية واقتصادية وسياسية وحتى قانونية".

وأضاف با، في حديث لـ"الاستقلال"، أن السبب المباشر الذي صب الزيت على النار كان صدور الحكم على السياسي المعارض عمدة بلدة زيغنشور عثمان سونكو بالسجن لسنتين بعد تبرئته من التهمتين الموجهتين إليه بالأساس وهما الاغتصاب والتهديد بالقتل وإدانته بما يمكن أن يصطلح عليه "إفساد الشباب".

وأوضح أن الحكم على السياسي المعارض سونكو هو "الذي جعل أنصاره يرون فيه حكما سياسيا بعد سقوط التهمتين"، مبينا أن "المراد من الحكم على سونكو هو إقصاؤه من الساحة السياسية ومن الترشح في السباق الرئاسي لسنة 2024".

ونبه الباحث السنغالي المختص في العلوم السياسية، إلى أن "عدم احتواء الغضب الشعبي بصورة عاجلة وعادلة وفق الآليات الديمقراطية السلمية قد يهدد أمن البلاد واستقرارها".

وتابع أن ذلك ظهر في استهداف المرافق الحكومية والممتلكات العامة والمصالح الأجنبية والإغلاق المؤقت للقنصليات بالخارج، ثم أخيرا شل الحركة العامة جزئيا، مشيرا إلى خسائر مادية ومعنوية ثقيلة.

من جهته، أكد المحلل السنغالي تيرنو بشير في 2 يونيو 2023، أن الحكم "أثار غضب أنصار سونكو، لأنه يحرمه من الأهلية للترشح للانتخابات القادمة، حيث يمنعه من ممارسة حقوقه المدنية".

سجل بشير، أن "الاحتجاجات الأخيرة شهدت عنفا كبيرا وأضرارا مادية نتيجة استهداف المحتجين الممتلكات العامة وبعض مقار الشركات الأجنبية"، وفق صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية.

وأشار المحلل السنغالي، إلى أن "حزب سونكو أصدر بيانا وصف فيه الحكم بالجائر والمسيّس، كما دعا الحزب أنصاره في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج والمقاومة".

خروج آمن

وفي الوقت الذي يخشى السنغاليون من تداعيات توقيف المعارض عثمان سونكو "المحتجز" بمنزله في دكار، أعلنت الحكومة فتح "تحقيقات قضائية فورية" في "أعمال العنف غير المسبوقة" التي شهدتها البلاد.

وفي 7 يونيو 2023، قال بيان نُشر بعد اجتماع للحكومة، إن هذه التحقيقات تهدف إلى "كشف المسؤوليات المتعلقة بهذه الأحداث" التي وقعت في دكار ومناطق أخرى.

وأدانت الحكومة في البيان هذه "الاعتداءات بالغة الخطورة على الدولة والجمهورية والمؤسسات"، التي "كان هدفها بلا شك زرع الرعب وشل بلادنا". 

وأشار البيان، إلى أن الرئيس ماكي سال طلب من الحكومة اتخاذ إجراءات لمساعدة "الكيانات والأشخاص الذين تضرروا"، مؤكدا من جديد "تصميمه على حماية الأمة والدولة" في هذا البلد الواقع في غرب إفريقيا ويعد واحة استقرار في منطقة مضطربة.

وفي مقابل التحقيق الذي أعلنت عنه الحكومة السنغالية، حذر مراقبون من خطورة انزلاق السنغال إلى مزيد من التوتر والعنف في حال استبعاد سونكو من الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 25 فبراير/شباط 2024.

ويرى الكثيرون أن القضايا التي تورط فيها المعارض السنغالي مفتعلة من قبل الرئيس الحالي سال المتوجس من الشعبية الكبيرة لسونكو خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

ورغم أن الرئيس سال الذي يتولى السلطة منذ عام 2012 لم يظهر نواياه بعد بخصوص الترشح لولاية ثالثة، فقد عبر عن رفضه "المزاعم بأن ترشحه أمر غير دستوري".

وفي 20 مارس/آذار 2023، أكد سال، في حوار مع صحيفة "ليكسبريس" الفرنسية أحقيته في الترشح للرئاسيات وذلك دون أن يحسم توجهه نحو هذه الخطوة.

الباحث المختص في العلوم السياسية هارون با، رأى أن هناك قناعة لدى المعارض السياسي وأنصاره بأن "الملف المعروض على القضاء بخصوصه ليس إلا مؤامرة سياسية تحاك ضده غرضها منعه من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة".

وأوضح با، أن الذي رسخ تلك القناعات هي السوابق مع المنافسين المحتملين للرئيس الحالي كعمدة دكار السابق خليفة سال وأيضا كريم نجل الرئيس السابق عبد الله واد.

وهذان الأخيران حال "المقص القانوني" دون مشاركتهما في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 وما أعقبها من استحقاقات محلية في 2021 وتشريعية في 2022.

وعن إمكانية إسهام الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس ماكي سال في 31 مايو/أيار 2023، في تهدئة الأوضاع بالسنغال ومعالجة هذه الأزمة، قال الباحث السنغالي هارون با، إن "الحوار الجاري لن يأتي بحل شامل لكن قد يكون بداية انفراج سلمي".

وفي 7 يونيو 2023، كشف بيان صادر عن اجتماع مجلس الوزراء، أن الرئيس ماكي سال، سيخاطب السنغاليين في ختام أعمال الحوار (قبل 25 من ذات الشهر).

 وشدد با، أن هذا الحوار قد يكون بداية انفراج سلمي إذا استجاب الرئيس لدعوات التهدئة والاستقرار من مختلف القوى الحية ضمانا لـ"الخروج الآمن" له، بتصريحه عدم نيته الترشح في الاستحقاق الرئاسي القادم.

وكذلك بإطلاق سراح سجناء الرأي وإصلاح المنظومة القضائية ثم العكوف على المسألة الاجتماعية لإيجاد حلول ناجعة بما في ذلك غلاء الأسعار وتوفير فرص العمل للعاطلين.