فبركات وهجمات إعلامية.. هكذا حاول نظام السيسي تشويه عملية محمد صلاح

12

طباعة

مشاركة

يحاول نظام عبد الفتاح السيسي تشويه صورة المجند المصري الشهيد محمد صلاح عبر نسبه لتنظيم الدولة وبث الأكاذيب حوله من خلال اللجان الإلكترونية، بعد موجة إشادة شعبية واسعة به.

وشهدت الحدود المصرية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة في 3 يونيو/ حزيران 2023 حادث إطلاق نار أدى إلى مقتل 4 جنود إسرائيليين والمنفذ المصري محمد صلاح (22 عاما).

وتضاربت الروايات المصرية والإسرائيلية بشأن تسلل عنصر الأمن المصري فجرا، إلى الحدود التي تحتلها إسرائيل وقتله 3 جنود وإصابته رابعا قبل مقتله بوقت لاحق.

علما أنه بعد الحادث، قال الجيش المصري في بيان، إن أحد عناصر الأمن المكلفة بتأمين خط الحدود الدولية طارد عناصر تهريب المخدرات.

وفي مواجهة التعاطف الشعبي الواسع مع الشهيد المصري وتعليق صوره في الشوارع وعلى واجهات محلات ومطاعم، والغضب من منع العزاء فيه، ومع تزايد الضغوط الصهيونية على نظام عبد الفتاح السيسي، لوحظ أمران:

الأول: ترويج لجان الكترونية موالية للسيسي فيديوهات وهمية قديمة لجنازات ضباط جيش على أنها جنازة محمد صلاح، رغم أن السلطات منعت إقامتها وجرى دفنه سرا بحضور عمه وشقيقه فقط، بهدف محاولة تبريد الغضب الشعبي.

الثاني: وهو الأخطر، فبركة بيان لتنظيم الدولة ونشره على مواقع التواصل يزعم أن الأخير وراء قتل ليس فقط الجنود الإسرائيليين، بل والجندي المصري أيضا.

ولم يكن البيان الذي نُسب لوكالة "أعماق" التي تنشر بيانات وأخبار تنظيم الدولة، يحتاج لأدلة وتحليل أنه مُفبرك.

لكن الهدف من ورائه كان واضحا وهو التشويش على شجاعة الجندي، وتحجيم هذه الظاهرة خشية أن تنتشر بين الشباب والمجندين المصريين على الحدود.

فضلا عن محاولة تصدير "رسالة" للمصريين وإسرائيل معا، عبر إظهار أنها عملية لتنظيم الدول ولم تصدر من جندي مصري.

وترتبط مصر وإسرائيل بمعاهدة سلام منذ 1979، ولا تزال تل أبيب تحتل أراضي في كل من فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967.

ومن أصل 22 دولة عربية، تقيم 6 دول، هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، علاقات معلنة مع إسرائيل.

بيان مُفبرك

ففي 6 يونيو/حزيران 2023، وبينما كانت معركة التصريحات بين مصر وإسرائيل مشتعلة بشأن العملية، غرد اليوتيوبر علي حسين مهدي، زاعما أن تنظيم الدولة هو المسؤول عن عملية قتل الجنود الإسرائيليين على الحدود.

نشر بيانا قال إنه وصله من وكالة "أعماق"، الجناح الإعلامي لتنظيم الدولة يؤكد أن الأخيرة "تعلن مسؤوليتها رسميـا عن الهجوم على جنود الاحتلال وتتبنى عملية اقتحام الحدود المصرية مع الكيان المحتل".

كان لافتا أن يقول المعارض المصري المقيم في أميركا، والذي تتميز تغريداته بمبالغات غير حقيقية "وصلني صباح اليوم هذا البيان" ما قد يشير إما لتسريبه من قبل أجهزة أمنية مصرية، لتوريطه، أو أنه هو الذي فبرك البيان، لأهداف غير معروفة.

أكد هذا متابعوه وهم يردون على تغريدته، مؤكدين عبر حسابه على تويتر أن "من أرسل لك الصورة أراد التلاعب بك"، ووصف آخرون البيان الذي نشره بأنه: "شغل مخابرات".

"الاستقلال" تحققت من البيان وتبين أن وكالة "أعماق" لم تنشره، ما يعني أنه "مفبرك" ولم يصدر عن التنظيم، كما لم ينشره أي موقع من المواقع التابعة له.

تبين أن البيان الذي نشره "مهدي" مُضَلِّلٌ، فلم تعلن لا مصر ولا إسرائيل عن تنفيذ تنظيم الدولة أي عمليات عسكرية في أراضي سيناء، بل أكد كلاهما مسؤولية الجندي المصري، لكن اختلفا حول دوافعه.

تحليل البيان أظهر أنه مُخَادِعٌ لعدة أسباب منها أنه ذكر أن "مصادر عسكرية" قالت لوكالة أعماق، وبيانات تنظيم الدولة لا تنقل عن مصادر وإنما تعلن مباشرة عن تنفيذها العمليات.

بُنط البيان أيضا جاء مخالفا لحجم خط بيانات وكالة أعماق ويختلف عن الأصلي الذي يجرى استخدامه في جميع بيانات الوكالة، ما يشير لأنه مفبرك.

ولاحظ المغرد "بلال البخاري" أن الصياغة ركيكة جدا وبدائية ومضحكة مبينا ان التنظيم لا يكتب "سيناء" بدون إرفاق مصطلح "ولاية" معها.

وقالت صحيفة "الشروق" الخاصة المصرية 6 يونيو 2023 إنها تحققت أيضا من صحة المنشور المتداول، وتبين أن لا موقع وكالة أعماق ولا المنصات التابعة للتنظيم نشرت أي بيانات تخص عملية الحدود.

وذكرت أن شكل وحجم الخط المستخدم في البيان المتداول، لا يشبه الخط المستخدم في كتابة أخبار وكالة "أعماق الإخبارية".

كما أن البيان المتداول مذيل بتاريخ ميلادي، وهو ما يتعارض مع البيانات التي ينشرها التنظيم التي تكون عادة مكتوبة مع التاريخ الهجري.

ونشرت "الشروق" صورة للبيان المفبرك وآخر لبيان حقيقي لتنظيم الدولة أصدرته وكالة أعماق لتبين الفارق بينهما وأن بيان عملية سيناء غير صحيح.

ويرى محللون أن البيان المفبرك ربما تقف وراءه أجهزة سيادية مصرية في محاولة للتقليل من شأن ودور الجندي المصري وعدم تحويله لبطل يقتدي به جنود آخرون ما يعرض العلاقات مع الاحتلال للخطر.

فيما يستبعد آخرون ذلك لأن نسب العملية لولاية سيناء، يعني الاعتراف باستمرار قوة التنظيم رغم تأكيد الجيش المصري أنه بات ضعيفا ويعاني من الانهيار بفعل ضرباته.

فضلا عن أن هذا، لو حدث، يعني اعتراف نظام السيسي بفشله في السيطرة على الحدود، وهو اتهام إسرائيلي موجه للقاهرة بالفعل، لذا يرجحون فبركة جهات أخرى غير معلومة للبيان.

وقالت الصحفية المصرية صفاء صالح التي زارت معاقل تنظيم الدولة في سوريا والعراق لتنفيذ بسلسلة تحقيقات في تعليقها على البيان أنه "تلفيق وتدليس ومحاولة لخدمة (تنظيم الدولة) وإظهاره بمظهر المسيطر في سيناء".

أوضحت أن البيان ملفق ابتداء من بنط الكتابة "التي لا تغيره أعماق وأخواتها" إلى طريقة الصياغة واستخدام المصطلحات، كما أن التنظيم يعاني من ضعف في سيناء بعد الضربات الأخيرة ومن الصعب تصور تنفيذه مثل هذه العملية.

وسبق أن أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية 3 فبراير/شباط 2018 أن سلاح الجو الإسرائيلي شن خلال عامي 2016 و2017 أكثر من مئة غارة على أهداف في سيناء، في إطار الحرب على تنظيم الدولة، "بموافقة من نظام السيسي".

قالت إن نظام السيسي "سعى لإخفاء دور إسرائيل في الضربات الجوية خوفا من رد فعل عنيف داخل مصر، حيث لا تزال إسرائيل عدوا بالنسبة للمصريين".

وبينت أن الطائرات والمروحيات الإسرائيلية التي تقصف سيناء لا تحمل علامات، أو تغطي هويتها (نجمة داوود) وتطير في مسارات ملتوية لخلق الانطباع بأنها تنطلق من مطارات مصرية لا إسرائيلية.

وبدوره، قال يورام ميتال، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في معهد هرتسوغ لدراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون في مقال بعنوان: "شهر العسل مع مصر يمكن أن يتضرر" إن أحد أسباب هذه العملية هو دعم إسرائيل لحرب الجيش المصري علي تنظيم ولاية سيناء.

وفي مقال بصحيفة "يسرائيل هَيوم" 4 يونيو 2023، أرجع السبب الثاني للعملية إلى "تأييد إسرائيل، من دون أي تحفظ، الانقلاب الذي قام به السيسي وأدى إلى تنحية الرئيس محمد مرسي ووضع جماعة الإخوان المسلمين في إطار خارج القانون".

جنازة قديمة

مثلما جرت محاولة لانتزاع الانتصار الذي حققه الجندي المصري ونسبه لجهات أخرى إرهابية عبر بيان مُفبرك، نشر مقربون من لجان إلكترونية موالية للسلطات المصرية جنازات قديمة ادعو أنها للشهيد محمد صلاح، ردا على أنباء منع جنازته.

ونشرت اللجان على نطاق واسع عدة جنازات قديمة، على مواقع مواقع التواصل الاجتماعي مع تعليق "اهي جنازة الشهيد محمد صلاح الله يرحمه بحضور أهله وناسه.. اوعي تصدق البعدا اللي قالولك متعملش للشهيد البطل محمد صلاح جنازة ودفنوه ليلا".

لكن منصات لتتبع الحقائق كشفت أنها فيديوهات قديمة ولا علاقة لها بالجندي صلاح الذي لم تقم له جنازة واقتصر تشييعه سرا على عمه وشقيقه، وبينت أن نفس العبارة التي قيلت مع الفيديو كررتها اللجان الإلكترونية.

ومنعت قوات الأمن مساء 6 يونيو 2023 نصب صوان عزاء أمام منزل المجند محمد صلاح في شارع الهادي سلامة، المتفرع من شارع أحمد عصمت بمنطقة عين شمس، وعرقلت وصول مُعزين وصحفيين للمكان.

وحضر قرابة 200 و300 شخص للعزاء وهم واقفين لعدم وجود صوان ومقاعد، لأسرة الشهيد، فيما فرق الأمن السري أي مجموعات حاولت دخول المنطقة للعزاء، بحسب موقع "مدي مصر" 6 يونيو 2023.

وقال صديق لـ "صلاح"، لموقع "متصدقش" إن الأمن كان وعد شقيقه محمود أثناء دفن شقيقه بإقامة عزاء وإصدار تصاريح أمنية، لكنه عاد ورفض، وهو ما أكدته أيضا مصادر تحدثت إلى "مدى مصر".

ومنعت قوات الأمن التصوير تماما وأبعدت الصحفيين الموجودين أمام المنزل ومنعتهم من الحديث إلى أسرة المجند، واحتجزت بعضهم للتحقق من هويتهم ثم أطلقت سراحهم.

وفي المقابل، أقيمت جنازة رمزية رفع فيها علم مصر وصورة الجندي محمد صلاح في عدة مدن فلسطينية.

وقال الصحفي الصهيوني إيدي كوهين في سلسلة تغريدات إن مصر تعهدت والتزمت بطلب إسرائيلي نقل إلى عباس كامل مدير المخابرات المصرية حين ذهب للعزاء في إسرائيل، ألا تسمح بجنازة للجندي المصري ولا تذكر أنه شهيد.

وكان الإعلامي المقرب من النظام محمد الباز قال في فيديو عبر صفحته على فيسبوك إنه لا يرى فيما فعله محمد صلاح أي بطولة، وزعم أن مشاعر الاحتفاء به على مواقع التواصل الاجتماعي "ساذجة".

بدوره، قال المسؤول السابق بالخارجية المصرية والسياسي مصطفى الفقي: أنا ضد ما فعله الجندي المصري على الحدود لأننا "لا نريد شيئا يعكر صفو التعايش المشترك مع إسرائيل". 

كما زعمت داليا زيادة التي تدير مركزا بحثيا مقربا من نظام السيسي، أن "إسرائيل ليست عدو مصر"، وأنها "جارة"، ومن أكثر الدول التي وقفت إلى جانبنا في أكثر الفترات الحرجة التي مرت بها، ولا يوجد أي سبب لإشعال الصراع معها. 

ولذلك، استضافها التلفزيون الإسرائيلي الرسمي (قناة كان) لتقول للمذيع الإسرائيلي "روعي كيس": "نشارككم حزنكم من أعماق قلوبنا".

تهدئة الأوضاع

وجاء هذا بعدما قال إيدي كوهين مجددا إن تعليمات صدرت من نظام السيسي للأجهزة الإعلامية كافة ومؤيدي السلطة "بتخفيف حالة العداء الشعبية مع إسرائيل والتذكير بوجوب احترام المعاهدات".

وبدورها، قالت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية في 6 يونيو إن عبد الفتاح السيسي عمل على تعزية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بعد إطلاق النار على الحدود، وشدد الطرفان على أهمية التنسيق بينهما في التعامل مع الحادثة.

ونقلت الصحيفة عن مكتب رئيس الحكومة قوله أن: "السيسي أعرب عن أسفه العميق للحادثة على الحدود المصرية، وشكره نتنياهو على تعهُّده إجراء تحقيق مشترك في هذا الشأن".

وعلق الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي على تقديم السيسي العزاء لنتنياهو بهلاك الجنود الصهاينة، مذكرا بأنه في 13 سبتمبر/ايلول 2019 كشف نتنياهو أنه التقى رئيس النظام المصري سرا في سيناء فقط 6 مرات منذ عام 2011.

أوضح أن هذه اللقاءات جرت منذ أن كان السيسي مديرا للمخابرات الحربية، ما يشير بدورهما معا في الثورة المضادة والانقلاب على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي.

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف لـ "الاستقلال" إن مسارعة السيسي لتعزية نتنياهو ومنع الحديث عن الجندي الشهيد البطل محمد صلاح، ترجع للقلق من أن تفتح العملية باب المزاد العلني للمصريين والعرب لتنفيذ أعمال بطولية ضد الاحتلال.

أوضح أن محمد صلاح وجه رسالة من خلال عمليته البطولية، تقول: لا يوجد مستحيل، ولا يجوز الصمت على ما يرتكبه الاحتلال، حتى لو كان نظاما فاشيا متعاونا معه، فكل الطرق مفتوحة للوصول إلى الهدف.

وقال مصدر أمني مطلع لموقع "مدى مصر" في 6 يونيو 2023 إن عملية الجندي المصري تسببت في حرج كبير للإدارة المصرية، خاصة أنها ليست مرتبطة بأي تنظيمات إرهابية.

وأوضح محللون أن ما يقلق نظام السيسي أكثر من إسرائيل هو أن الشهيد محمد صلاح قتل حلم التطبيع مع إسرائيل ودمر العلاقات الإيجابية التي بناها السيسي مع تل أبيب لحماية كرسي الحكم.

ومع هذا اعترف اللواء سمير فرج قائد "السيسي" العسكري سابقا في الجيش، خلال لقاء ببرنامج «على مسؤوليتي» بفضائية صدى البلد 5 يونيو 2023 أن "حادث الجندي المصري أثبت أن جيش إسرائيل لا يساوي شيئا".

تابع: "شاب مصري واحد، شوف عمل إيه، النهاردة إسرائيل كلها في كارثة زي يوم السبت الحزين 9 أكتوبر عندما أعلنوا هزيمة إسرائيل، النهاردة ولد مصري عمل فيهم كدا وأثبت أن جيش الدفاع الإسرائيلي، لا يساوي شيئا".

ووصف ما حدث من قتل المجند المصري لثلاثة من جنود الاحتلال بالفضيحة العسكرية، متسائلا: "كيف ستقنع إسرائيل مواطنيها بمقتل 3 وجرح آخرين على خط حدود من جندي مصري بـ 100 طلقة عمل كل ده".