تحرشات إيران.. لماذا انسحبت الإمارات من قوة بحرية تقودها أميركا في الخليج؟

12

طباعة

مشاركة

أثار انسحاب دولة الإمارات المفاجئ من قوة أمنية بحرية تقودها الولايات المتحدة، جدلا واسعا عن أسباب هذه الخطوة وتوقيتها ومدى ارتباطها بإيران.

وأعلنت الإمارات في 31 مايو/أيار 2023 أنها أوقفت المشاركة في قوة أمنية بحرية بقيادة واشنطن هدفها حماية الأمن في الطرق البحرية وخاصة مضيق هرمز في الخليج الذي يمر عبره ثلث النفط المنقول بحرا في العالم.

وقبلها بثلاثة أسابيع، وتحديدا في 3 مايو، أعلنت السلطات الإيرانية احتجاز ناقلة نفط بمضيق هرمز الإستراتيجي، كانت في طريقها من دبي باتجاه ميناء الفجيرة في الإمارات.

وفي 27 أبريل/نيسان 2023 احتجزت ناقلة أخرى متجه من الخليج إلى أميركا، ضمن سلسلة عمليات إيرانية شملت "مضايقة أو مهاجمة" 15 سفينة تجارية ترفع أعلاما دولية في الخليج العربي خلال عامين، وفق البحرية الأميركية.

وربطت صحف أميركية بين انسحاب الإمارات من "التحالف البحري العالمي" الذي يضم 38 دولة، وبين شكوى الإمارات والسعودية من تراجع الحماية الأميركية لهما في مواجهة إيران.

لكن الخارجية الإماراتية نفت ربط ذلك بالتخاذل الأميركي عن حمايتها، وقالت في بيان 31 مايو 2023 أنها انسحبت "منذ شهرين"، رغم نفي الولايات المتحدة انسحابها.

وحاول البيان الذي أوردته وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) إخفاء السبب الحقيقي المباشر، وذكر سببا غامضا.

إذ قال إنها "سحبت مشاركتها" من القوة البحرية المشتركة "نتيجة لتقييمنا المستمر للتعاون الأمني الفعال مع جميع الشركاء".

,القوات البحرية المشتركة (The Combined Maritime Forces) هي تحالف متعدد الجنسيات، يهدف لمكافحة "الجهات غير المشروعة من غير الدول في أعالي البحار"، حسبما يقول موقعها الإلكتروني.

والمهام الرئيسة المعلنة للقوة البحرية التي تأسست في فبراير/شباط 2002 هي "مكافحة الإرهاب، ومنع القرصنة، والحد من الأنشطة غير القانونية، وتعزيز البيئة البحرية الآمنة". 

وتتألف هذه القوات المشتركة من 38 دولة، بينها دول عربية مثل مصر والسعودية والبحرين والإمارات واليمن، إضافة لدول غربية وآسيوية ولاتينية.

ويقع مقرها بالقاعدة البحرية الأميركية في البحرين وتعمل على ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب والقرصنة في البحر الأحمر والخليج، وفقا للموقع ذاته.

وتشمل منطقة عمليات CMF بعضًا من أهم ممرات الشحن في العالم بما في ذلك الممرات الرئيسة لقناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز.

سبب الانسحاب

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" 31 مايو 2023 نقلا عن مصادر أميركية وخليجية أن سبب انسحاب الإمارات أو التهديد بذلك هو "إحباطها من عدم رد الولايات المتحدة على احتجاز إيران لناقلات النفط مؤخرا".

قالت إن أبو ظبي "ضغطت" على واشنطن "لاتخاذ خطوات أكثر قوة لردع إيران بعد أن احتجزت ناقلتي نفط في خليج عمان خلال الأسابيع الأخيرة"، لكن دون جدوى.

وقال مسؤولون خليجيون للصحيفة الأميركية إن الولايات المتحدة فشلت بأداء ما يكفي لردع الهجمات التي يشنها وكلاء إيران خلال السنوات الأخيرة، مما يقوض إيمانهم بالتزام واشنطن تجاه المنطقة.

ونقلت عن مسؤولين أميركيين أن الإماراتيين شعروا بالإحباط بسبب عدم وجود رد أميركي على استيلاء إيران على ناقلتي نفط في 27 أبريل و3 مايو.

كما نقلت "وول ستريت" عن مسؤولين أميركيين بأنهم استخفوا بالتهديد الذي يتصوره الإماراتيون، لكنهم أشاروا إلى استخدام أنظمة الدفاع الجوي الأميركية لإسقاط صواريخ الحوثيين التي أطلقت على أبوظبي كدليل على التزاماتهم الأمنية.

قالوا إنهم يتفهمون مخاوف الإمارات ويعملون مع شركاء خليجيين لردع إيران عن استهداف السفن التجارية في المنطقة.

وكانت الإمارات أظهرت رد فعل غاضب في يناير/كانون الثاني 2022 عندما تباطأت الولايات المتحدة عن تقديم المساعدة بعد أن شن الحوثيون المدعومون من إيران هجوما مميتا بطائرة بدون طيار على العاصمة أبوظبي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.

أيضا عدت صحيفة "واشنطن بوست" 31 مايو 2023 إعلان الإمارات انسحابها من هذه القوة البحرية الدولية "دليل وتلميح للتوترات بين واشنطن وحلفاء الخليج الذين يشكون من أن أميركا لم تفعل ما يكفي لحمايتهم من التهديدات الإيرانية".

نقلت عن محللين سياسيين أن "البيان الإماراتي بمثابة رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن أبوظبي غير راضية عن مستوى الحماية الأميركية لحلفائها في الخليج ضد تهديدات إيران"، وأنها "تبحث عن مصالحها الخاصة".

إذ عبر المسؤولون الإماراتيون والسعوديون مرارًا عن إحباطهم من سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.

فالإمارات وفق قول أستاذ العلوم السياسية الإماراتي  "عبد الخالق عبد الله" لواشنطن بوست: "غير راضية عن الأميركيين".

وتقول "واشنطن بوست": يحاول المسؤولون الإماراتيون الحفاظ على توازن دقيق بين ردع إيران (عبر استدعاء التدخل الأميركي) وتخفيف التوترات مع طهران عبر تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين واستمرار التجارة النشطة بينهما.

حقيقة الانسحاب

ورغم إعلان الامارات 2023 أنها انسحبت من مشاركتها في "القوات البحرية الدولية المشتركة"، نفت البحرية الأميركية ذلك، واستبعدت الخطوة.

بحسب الموقع الإلكتروني للقوات البحرية المشتركة، لا تزال الإمارات موجودة في عضوية هذه الشراكة البحرية التي تقودها واشنطن، ما يشير إلى أن إعلان الانسحاب ربما هدفه الضغط على واشنطن.

المتحدث باسم الأسطول الأميركي الخامس "تيموثي هوكينز" قال لقناة "الحرة" الأميركية 31 مايو 2023 إن "الإمارات لا تزال شريكا في القوات البحرية المشتركة".

كما نقلت "واشنطن بوست" عن المتحدث باسم الأسطول الأميركي الخامس في البحرين (مقر القوة البحرية الدولية المشتركة) توضيحا أكثر بقوله إن الإمارات لا تزال "شريكًا" رغم أنها علقت مشاركتها (أي لم تنسحب).

قال إن الإمارات "سحبت مشاركتها في الوقت الحالي في فرق العمل ولكن ليس عضويتها الإجمالية".

ولفتت وكالة "رويترز" البريطانية في 31 مايو 2023 أن الإمارات "لم تترك القوة البحرية العسكرية الدولية التي تشكلت عام 2001 للمساعدة في مكافحة الإرهاب الدولي، ولا تزال واحدة من 38 دولة شريكة تعمل في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب والقرصنة في منطقة البحر الأحمر والخليج".

وفيما يبدو ردا على المخاوف الإماراتية أو "ابتزازها" لأميركا كي تتصدي لاحتجاز إيران سفنها في الخليج العربي، قال الأدميرال براد كوبر، قائد القوات البحرية الأميركية في المنطقة، إن السفن الحربية الأميركية زادت من دورياتها في مضيق هرمز ردًا على تحركات طهران.

أيضا كشف موقع "بلومبيرغ" الأميركي في 5 مايو 2023 أن الولايات المتحدة ستنشر "روبوتات بحرية" أو زوارق مسيرة في منطقة الشرق الأوسط، "في خطوة لمواجهة التهديدات الإيرانية في الممرات المائية الحيوية للتجارة العالمية".

"الولايات المتحدة تعمل على تشغيل أكثر من 100 زورق بحري مسير عن بعد (روبوتات بحرية) بحلول نهاية صيف هذا العام" 2023، وفق الأدميرال "براد كوبر".

وقالت "بلومبيرغ" إن هذه التحركات الأميركية، جاءت بعدما احتجزت إيران ناقلة نفط أثناء إبحارها عبر مضيق هرمز، وقلق واشنطن من توسع الصين بعلاقاتها العسكرية والأمنية مع دول الخليج، وإجرائها مناورات عسكرية هناك في مارس 2023.

وكشف الكابتن، كولين كوريدان، المسؤول عن نشر الزوارق المسيرة، أنها صنعتها شركات أميركية وكندية وإسرائيلية، وأنها أشبه بـ "عيون على المياه ترسل بيانات مستمرة".

أسباب الخطوة الإيرانية

حين احتجزت البحرية الإيرانية ناقلة نفط كانت متجهة من الكويت نحو الولايات المتحدة في خليج عمان، في 27 أبريل 2023، بررت ذلك بأن الناقلة اصطدمت بسفينة إيرانية وفُقد شخصان وأصيب آخرون وأنه يجري التحقيق في الأمر.

وعقب الإعلان عن احتجاز الحرس الثوري الإيراني لناقلة نفط ثانية خرجت من موانئ الإمارات، بعد ستة أيام من احتجاز الأولى، ذكر موقع "ميزان أونلاين" الإيراني أن مدعي عام طهران "احتجزها بناء على شكوى وأمر من السلطة القضائية".

ما أغضب أبو ظبي أن السفينة التي انطلقت من دبي لتعبر الخليج العربي باتجاه ميناء الفجيرة الإماراتي "هاجمتها عشرات زوارق هجوم سريع تابعة للحرس الثوري الإيراني، وسط المضيق، واقتادوها إلى ميناء بندر عباس، وفق بيان البحرية الأميركية.

ويعتقد أن احتجاز إيران السفن المحملة بالنفط والمتجهة إلى أميركا والغرب، جاء ردا على احتجاز واشنطن سفنا محملة بالنفط الإيراني.

من ذلك واقعة السفينة "سويز راجان" التي اختفت قبالة سنغافورة عام 2022، وكانت تحمل نفطا إيرانيا، وقيل إنها تحاول التهرب من العقوبات الأميركية.

وذكرت وكالة أسوشيتد برس الأميركية 17 فبراير 2022 أنه جرى الاستيلاء عليها بأمر من واشنطن.

أيضا عاقبت وزارة الخزانة الأميركية في أغسطس/آب 2021 السفينة "عُمان برايد"، بزعم تورطها في شبكة تهريب نفط دولية تدعم فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، وفق صحيفة "نيويورك بوست" 7 مايو 2022.

وكان تصدير النفط يعد من أبرز موارد إيران قبل عام 2018، لكن عقب انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أحاديا من الاتفاق النووي الإيراني، أعادت واشنطن فرض عقوبات قاسية على طهران، ما دفعها للرد.

وتبادلت واشنطن وطهران الاتهامات على خلفية سلسلة حوادث في مياه الخليج بما في ذلك هجمات غامضة على سفن وإسقاط طائرة مسيرة ومصادرة ناقلات نفط.

لذا قال "توربيورن سولتفيدت" من شركة فيرسك مايبلكروفت الاستشارية لوكالة الأنباء الفرنسية 3 مايو 2023 إن "ما نراه الآن هو العودة إلى نمط مألوف للغاية من ضغوط العقوبات الأميركية، ثم الضغط الإيراني المضاد، بهجمات متكررة على منشآت الشحن والطاقة.

أضاف: "الخطر على منشآت الشحن والطاقة في المنطقة الأوسع سيستمر طالما لا تزال مسألة البرنامج النووي الإيراني بدون حل".