فيلم "كيرالا" نموذجا.. كيف حول متطرفو الهند "بوليوود" لمنصة تعادي المسلمين؟

12

طباعة

مشاركة

كانت السينما الهندية "بوليوود"، أحد أهداف الحزب الهندوسي المتطرف الحاكم "بهارتيا جاناتا"، لاستخدامها كسلاح لتعظيم فكرة القومية الهندوسية (هندوتفا)، منذ توليه السلطة عام 2014.

لذا سعى إلى التدخل فيها بصورة رسمية، عبر إنتاج أفلام قومية متطرفة معادية للمسلمين، تتعارض مع تاريخ بوليوود في التسامح الديني، وفرض وصايتهم عليها.

إضافة إلى العمل ضد أبطالها المسلمين عبر السعي لتحجيم نشاطهم، بدعوى أنهم يمثلون أفلاما عاطفية تغذي فكرة ما يسمى "حب الجهاد"، التي تدفع هندوسيات للتحول إلى الإسلام بعد قصص حب مع مسلمين والزواج منهم.

اتجاه جديد

ويبدو أن فيلم "قصة كيرالا" الذي عُرض في دور السينما خلال مايو/ أيار 2023، وأثار جدلا لأنه يصور قصة خيالية لثلاث هنديات أُجبرن على اعتناق الإسلام، وانضممن لـ"تنظيم الدولة"، هو باكورة هذا التدخل الحكومي الهندوسي في السينما.

وحظي الفيلم بتأييد قادة حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، كما أشاد به رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، في تجمع انتخابي، مدعيا أن هدفه "إظهار تداعيات الإرهاب في المجتمع".

وزعم منتجوه أن "القصة تستند إلى سنوات من البحث والأحداث الحقيقية"، وهو ما ثبت كذبه وفق الصحف الهندية، ما يشير إلى تعمدهم تشويه المسلمين.

مجلة "إيكونوميست" البريطانية أكدت في 21 مايو/أيار 2023 أن رئيس الوزراء المتعصب مودي يحاول لي عنق السينما الهندية لتنتج أفلاما ضد المسلمين مثل فيلم "كيرالا".

وتساءلت تحت عنوان: "هل يسعى مودي لتحويل بوليوود لتعمل ضد المسلمين؟"

ولفتت المجلة البريطانية إلى أن "السينما الهندية كانت قد نجت من آفة الصراع الهندوسي الإسلامي وظلت تنتج، بفضل قيمها الليبرالية وممثليها المسلمين، أفلاما تعبر عن التسامح وتصون المجتمع من العنف".

وأكدت أن هذه السينما التي كانت "ترياقا" حمي الهند، تتحول الآن لصالح أهداف الحزب الهندوسي وتنتج أفلاما ضد المسلمين مثل "كيرالا".

وقالت مجلة "تايم" الأميركية في 18 مايو/أيار 2023 إن "هذا الفيلم جزء من اتجاه أكبر في الهند من جانب الحزب الهندوسي الحاكم لتغيير السينما".

وأشارت إلى إنتاج الهندوس أيضا فيلم "The Kashmir Files" (ملفات كشمير) الذي يزعم هجرة الهندوس من كشمير بسبب "الإرهاب الإسلامي"، ضمن عمليات استغلال وتوظيف بوليوود لأفكارهم القومية المتطرفة وغسيل مخ الهنود.

وذكرت المجلة أن "هذه الأفلام أثارت تساؤلا حول ما إذا كانت السينما الهندية تمر باتجاه جديد يضخم القصص التي أشعلت أجندة القومية الهندوسية لحزب بهاراتيا جاناتا منذ تولي مودي السلطة عام 2014".

من جانبه، يرى الكاتب بريم شانكار، أن "دعم رئيس الوزراء المتطرف مودي لـ(قصة كيرالا) التخيلية التحريضية يلقي الضوء على الحاجة الملحة لوحدة المعارضة الهندية للإطاحة به في انتخابات 2024".

وشدد شانكار في مقال نشره عبر موقع "ذا واير" الهندي في 8 مايو/أيار 2023، على أنه "إذا كان هناك درس يجب أن تتعلمه المعارضة من تأييد مودي لفيلم لم يشاهد بالتأكيد حتى المقطع الدعائي له، فهو أنه لن يتوقف عند أي شيء على الإطلاق للعودة إلى السلطة في 2024".

وحذر من أنه "بالكاد بعد مرور عام على إصدار فيلم (ملفات كشمير)، يستخدم مودي مرة أخرى فيلما مثيرا للفتن بشكل صارخ، هو قصة كيرالا، لإثارة كراهية المسلمين الهنود لضمان التصويت الهندوسي والبقاء في السلطة العام المقبل".

قصة الفيلم

وتدور أحداث فيلم "قصة كيرالا" الدرامي الخيالي حول ثلاث نساء في ولاية كيرالا الهندية الجنوبية ينجذبن للإسلام، ثم يقمن بالانضمام إلى "تنظيم الدولة"، بغية تخويف الهندوس من التحول للإسلام، الذي منعوه قانونا. 

ويصور قصة فتاة منهن تسمى "فاطمة" كانت تحلم بأن تصبح ممرضة، إلا أنها اختُطفت من منزلها وتم غسل دماغها من قبل جماعات متطرفة لتتحول إلى إرهابية وتقاتل في صفوف "تنظيم الدولة"، حتى تم القبض عليها وأسرها في أفغانستان.

ويزعم الفيلم أن عملية غسيل الدماغ للتحول للإسلام حدثت مع 32 ألف امرأة من ولاية كيرالا، حيث انضممن إلى صفوف "تنظيم الدولة" بعد إسلامهن، وفق موقع "أوت لوك" في 22 مايو 2023.

ويزعم أنهن ذهبن للحرب مع التنظيم في العراق وسوريا وأفغانستان، رغم عدم أدلة رسمية حول صحة هذه المزاعم.

ويقوم ببطولة الفيلم ممثلون ونجوم غير معروفين ولا يعدون من الصف الأول، كما أن الميزانية منخفضة جدا إلا أن عداءه للمسلمين في الهند تسبب بضجة كبيرة حوله، جعلته يتصدر حديث الجمهور ومنصات التواصل الاجتماعي ويحقق أرباحا.

وفور ظهور قصة الفيلم، وقبل عرضه، دعا سياسيون ونواب في ولاية كيرالا إلى حظره خشية أن يؤجج العنف الطائفي والكراهية ضد الإسلام.

وأكد مسلمو الهند أن الهدف من الفيلم تشويه مسلمات البلاد ودعم روايات الحزب الهندوسي الحاكم الدينية عن "تطرف المسلمين".

ودعمهم نقاد قالوا إن الفيلم ينشر الأباطيل عن التحول للإسلام بالعنف الإجباري، ويعزز رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا).

ووصفوا الفيلم بأنه "بروباغندا" هندوسية قومية، و"دعاية هندوتفا" تصور المسلمين على أنهم إرهابيون و "يحبون الجهاد"، وفق موقع "بي بي سي" في 10 مايو 2023.

بدوره، قال الناقد الهندي، نافين جي أنتوني، في موقع "ذا ويك" المحلي في 5 مايو 2023 إن فيلم "كيرالا" عبارة عن "كأس مليء بالسم ضد المسلمين".

وذكر أنه "طوال الفيلم، لا توجد شخصية إسلامية واحدة تظهر على أنها إنسانية، ولا شخصية واحدة غير مسلمة ليست ضحية للمؤامرة الإسلامية"، ما يفضح رسالة الفيلم.

وقال الناقد أليشان جفري، في موقع "ذا واير" الهندي في 14 مايو إنه ثبت أن ادعاء منتج الفيلم أن 32 ألف هندية أسلمن قهرا وذهبن للقتال مع تنظيم الدولة "كذب".

لكن هناك حقيقة معروفة في محاضر الشرطة هي قيام هندوس متطرفين بقتل مسلمين، لأنهم يذبحون البقر ليأكلوه حلالا، كما نشرت صحف هندية قصصا عن هندوس يصنعون قنابل، فهل يجرؤ منتج فيلم "كيرالا" على إنتاج فيلم عن 23 ألفا من هؤلاء المتطرفين الهندوس؟!. 

وأكدت عضو حزب المؤتمر الوطني (القومي)، جيتندرا أوهاد، أن فيلم "كيرالا" لا يستند إلى حقائق، ودعت لمنع عرضه، وذهبت لحد القول إنه يجب "شنق منتج الفيلم علنا لأنه يقوم بالتحريض على الكراهية والعنف"، وفق "يورونيوز" في 9 مايو 2023.

واعترف رئيس وزراء ولاية كيرالا "بينارايي فيجايان" بأن الفيلم "يبدو مصنوعا بهدف زرع الاستقطاب والانقسام الطائفي ونشر الكراهية"، لكنه رفض حظره!.

وكي لا يثير أحداث عنف بين المسلمين والهندوس، حظرت حكومة ولاية البنغال الغربية الفيلم، لكن المحكمة العليا في الهند رفعت الحظر الذي فرضته الولاية.

بالمقابل، دعمت ولايات يحكمها حزب "بهاراتيا جاناتا"، مثل أوتار براديش ومادهيا براديش، الفيلم، وكلاهما شجعتا مشاهدته عبر إعفائه من الضرائب.

وتسبب الفيلم في اندلاع أعمال عنف بعدة ولايات، حيث تسبب في منشورات معادية للمسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي من هندوس تعليقا على الفيلم، وحدثت وفيات وإصابات وجرى اعتقال المئات.

وطالبت منظمات وشخصيات إسلامية في بريطانيا بالضغط على دور السينما البريطانية لإلغاء عرض فيلم "قصة كيرالا" المثير للجدل، الذي يواجه انتقادات بتعزيز الإسلاموفوبيا وترويج قصص مكذوبة عن الإسلام في الهند.

وأبدت جهات ومنظمات إسلامية اعتراضها على العرض المرتقب للفيلم في دور السينما البريطانية، لما يبثه من رسائل كراهية ضد الإسلام، خاصة بعد ما شهدته بعض المناطق البريطانية سابقا من مناوشات طائفية عنيفة بين الهندوس والمسلمين.

أكذوبة 32 ألفا

وتم الترويج للفيلم في البداية بأنه يرتكز على قصص حقيقية لأكثر من 32 ألف امرأة، ولكن صناع الفيلم أُمروا بالتراجع عن هذه المزاعم بعد أن أعلنت المحكمة العليا أنهم لا يملكون أدلة تدعم هذه الادعاءات. 

وأمرت المحكمة العليا بولاية كيرالا في 5 مايو 2023 بعرض الفيلم، ولكنها اشترطت أن يزيل صناع الفيلم "أكذوبة" الدعاية التي تزعم أن مدينة كيرالا خرجت منها 32 ألف امراة هندية للانضمام لتنظيم الدولة، بحسب موقع " live law".

ففي مقطع دعائي للفيلم تقول امرأة ترتدي النقاب أن اسمها كان شاليني أونيكريشنان وأنها أرادت أن تصبح ممرضة، لكن "الآن أنا فاطمة، إرهابية من تنظيم الدولة في سجن بأفغانستان".

ثم تزعم في المقطع الدعائي، الذي شاهده قرابة 500 ألف على يوتيوب، أن هناك "32 ألف فتاة مثلها تم تحويلهن (للإسلام) ودفنهن في صحاري سوريا واليمن".

وقال الصحفي ريال أرفينداكشان عبر "تويتر" إنه طلب تحقيقا وطالب صانعي الفيلم بتقديم أدلة لأنه كان غاضبا من المزاعم الواردة في الدعاية، وقال: "ربما حدثت بعض الحالات لكن 32 ألفا هو رقم لا يصدق".

وزعم مخرج الفيلم في مقابلة عام 2021 إنه وصل إلى هذا الرقم بناء على الأرقام التي قدمها رئيس وزراء ولاية كيرالا السابق، أومن تشاندي، إلى مجلس ولاية كيرالا، بحسب موقع "BBC" 10 مايو/أيار 2023.

ونقل عنه زعمه أنه "كل عام تعتنق ما يقرب من 2800 إلى 3200 فتاة الإسلام"، ومن ثم فالعدد، وفق تخمينه في 10 سنوات هو 32 ألف فتاة تم تحويلها للإسلام، وهن تحولن بذلك، وفق زعمه، إلى مجندات في "تنظيم الدولة"!.

لكن موقع التحقق من الأخبار الهندية "ألت نيوز" أكد في تقرير 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أنه "لا يوجد دليل" يدعم هذا الادعاء، بل إن "تشاندي" قال عام 2012 إن 2667 شابة اعتنقت الإسلام في الولاية منذ 2006، دون ذكر رقم سنوي.

وأكد مسؤول في الشرطة الهندية، دون الكشف عن هويته لـ"بي بي سي" في 10 نوفمبر 2022، أنه "لا يوجد أكثر من 10 إلى 15 امرأة هندية تحولن إلى الإسلام وغادرن للانضمام إلى "تنظيم الدولة" من ولاية كيرالا منذ عام 2016".

حرب على الخانات

وقالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 16 فبراير/شباط 2023، إنه بعد عام من تولي مودي رئاسة الوزراء عام 2014، بدأ الهجوم على ممثلي بوليوود المسلمين، وهوجم الممثل المسلم الشهير "شاروخان" وتم وصفه بالإرهاب.

ثم قامت جماعات سياسية هامشية مرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا -وحتى بعض قادة الحزب-بمهاجمة شاروخان بشكل متكرر.

وعندما عُرِضَ المقطع الدعائي لأحدث أفلام شاروخان، Pathaan، في يناير/ كانون الثاني 2023 أعرب القوميون الهندوس من حزب بهاراتيا جاناتا عن اعتراضهم على الفيلم مدعين أنه يشوه الهندوسية لأن بطلة الفيلم ارتدت مايوه بلون الزعفراني الذي يقدسه الهندوس.

وكانت التهم سخيفة، كما تقول "فورين بوليسي"، حيث سبق أن ارتدت ممثلات بوليوود اللون الزعفراني في الأغاني من قبل، ولم يثر ذلك أي جدل لكن "كل هذا لأن شاروخان مسلم"، وفق المجلة وكان الهدف الهجوم عليه.

وبعد انتشار دعوات لمقاطعة فيلم Pathaan على "تويتر"، سرعان ما تبعتها دعوات أخرى لمقاطعة بوليوود، بدعوى أن الممثلين المسلمين يسيطرون عليها لتبدأ "حرب على الخانات"، في إشارة إلى 10 ممثلين مسلمين يسمون "خان".

رغم ذلك، احتشد المعجبون في دور السينما في مدن عبر الهند في يناير 2023 لرؤية شاروخان يعود إلى الشاشة بعد توقف دام أربع سنوات، ما ممثل ضربة لخطة الحزب الهندوسي المتطرف لحصاره ومنع الهند من مشاهدة أفلامه. 

وقالت "فورين بوليسي" إن "نجاح فيلم شاروخان أظهر أن القوميين الهندوس لا يزالون غير قادرين على محو جاذبية أحد المشاهير المسلمين.

لكن هذا لا يشير إلى تغيير في مزاج التعصب الهندوسي في دولة لا تزال تحت سيطرة مودي والأجندة السياسية الأوسع لحزبه "بهاراتيا جاناتا".