مشروع مشبوه.. ما حقيقة المشروع الإيطالي لتوطين مهاجرين في ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

في وقت سنّت فيه روما قانونا جديدا للحد من الهجرة غير النظامية، أثار إعلان منظمة إيطالية عزمها تأسيس مركز تدريب للمهاجرين غير النظاميين في مدينة سبها جنوب ليبيا جدلا واسعا وانتقادا لاذعا.

وفي 5 مايو/آيار 2023، صدر نص قانون "كوترو" بالجريدة الرسمية في إيطاليا للتضييق على حقوق المهاجرين وتشديد إمكانية حصولهم على إقامات بهدف ثنيهم عن التوجه إلى البلد الأوروبي.

وتعود بداية الجدل حول مشروع منظمة "آرا باتشي" للسلام في ليبيا إلى تاريخ الإعلان عنه، في أبريل/نيسان 2023، بعد تقارير حول إجراء عدد من عمداء بلديات الجنوب الليبي زيارة إلى مدينة باري الإيطالية والاجتماع مع أعضاء "آرا باتشي" للتنسيق حول المشروع.

وأطلقت المنظمة الإيطالية، مبادرة بالشراكة مع المركز الدولي للدراسات الزراعية المتقدمة بالبحر المتوسط "سيام باري" ضمن ما قالت إنه "مشروع يتعلق بإنشاء مركز الصحراء للسلام في ليبيا، يستهدف تعزيز قطاع الزراعة والعمالة الزراعية ودعم اندماج السكان المحليين ومجتمعات المهاجرين في المنطقة".

الأمن القومي

غير أن المشروع أثار موجة من الإدانات والانتقادات من قبل مسؤولين ونشطاء المجتمع المدني الذين رأوا في مشروع المنظمة الإيطالية بداية لمشروع توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا.

مجلس الأمن القومي الليبي أكد رفضه لـ"أية مشاريع تمس القضايا المتعلقة بالأمن القومي، وعلى رأسها قضايا الهجرة".

وقال المجلس، في بيان نشره في 20 أبريل 2023، إنه "تابع المبادرة التي أطلقتها المنظمة الإيطالية ويرحب بالمشاريع كافة التي تهدف إلى المشاركة في تنمية بعض القطاعات المحلية في ليبيا".

لكنه حذر من المشاريع التي "تمس السلم الاجتماعي الليبي، مثل قضايا الهجرة والمهاجرين غير النظاميين".

من جهتها، أكدت "المنظمة الليبية لحقوق الإنسان" أن اجتماع مبادرة "آرا باتشي للسلام" في ليبيا الذي عقد بمدينة باري الإيطالية يهدف لإعادة توطين المهاجرين غير النظاميين في الجنوب.

وأوضحت المنظمة في بيان 20 أبريل 2023، أن مبادرة "آر باتشي للسلام" تهدف لإدماج السكان المحليين ومجتمعات المهاجرين غير النظاميين في الجنوب، من خلال فتح مكاتب توفر خدمات تعليمية، ومشاريع مدرة للدخل، وممارسة الزراعة المبتكرة، إضافة إلى مبادرات اجتماعية وثقافية ورياضية.

وأكدت المنظمة تأييدها لما جاء في بيان مؤسسات المجتمع المدني بمنطقة فزان، معتبرة أنه رد قوي لوقف هذه الاختراقات التي تمس أمن البلاد القومي، وتحاول فتح المجال لتوطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا.

مشاريع مشبوهة

وكانت منظمات المجتمع المدني في فزان، قد دعت وكيل وزارة الخارجية لشؤون التعاون الدولي والمنظمات (حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس) إلى "العمل بقوة" على إيقاف منظمة "آرا باتشي" الإيطالية والتحقق ومتابعة نشاطاتها في كل مناطق ومدن البلاد.

وفي 19 أبريل 2023، حذرت المنظمات الليبية في بيان مشترك من "محاولات خارجية مشبوهة، الهدف منها المساس بالثوابت الوطنية آخرها قضية التنصير" التي جرى توقيف عدد من الليبيين والأجانب بشأنها من قبل جهاز الأمن الداخلي.

وأعلن جهاز الأمن الداخلي في 13 أبريل 2023، توقيف أميركي بتهمة ممارسة أنشطة "التبشير المسيحي"، وإحالته إلى النائب العام.

وقالت المنظمات الليبية إنها "تفاجأت باجتماع مجموعة من عمداء ومسؤولي الزراعة ببلديات الجنوب مع منظمة آرا باتشي في باري الإيطالية بهدف توطين المهاجرين غير النظاميين في مناطق فزان".

ورفضت المنظمات ما أسفر عنه هذا الاجتماع من تأكيد على أن مشروع المنظمة الإيطالية في الجنوب "يهدف إلى المساهمة في التماسك الاجتماعي واندماج السكان المحليين ومجتمعات المهاجرين غير النظاميين في المنطقة".

وحملت المنظمات "حكومة الوحدة الوطنية المتمثلة في إدارة التعاون الدولي بوزارة الحكم المحلي المسؤولية الكاملة على النتائج المشبوهة للمبادرة التي تنص على تغيير التركيبة السكانية وغيرها من النتائج التي تمس الأمن القومي الليبي".

وذكرت منظمات المجتمع المدني في فزان عمداء البلديات المشاركين في اجتماع باري الذي وصفته بـ"المشبوه بأن التاريخ سيسجل من مع الوطن ومن ضده"، مؤكدة أن "سكان الجنوب بجميع مكوناته الاجتماعية يرفضون رفضا باتا التوطين بجميع أشكاله".

ويمثل ملف الهجرة غير النظامية أولوية لدى روما، حيث إن ليبيا من أبرز الدول التي يمر عبرها المهاجرون الأفارقة إلى شواطئ إيطاليا.

وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2023، زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، طرابلس للإشراف على توقيع اتفاق يخص مكافحة الهجرة غير النظامية.

وليبيا المطلة على البحر الأبيض المتوسط تعد نقطة عبور للمهاجرين الأفارقة نحو الشواطئ الأوروبية بينما تشتكي البلاد عدم مساعدتها على مواجهة تلك الظاهرة من قبل "بلدان المنشأ" أو الدول الأوروبية "بلدان المقصد".

أمر واقع

ومقابل الانتقادات لهذا المشروع، شدد عميد المجلس البلدي أوباري (جنوب)، أحمد ماتكو، على أن البرنامج الذي جرى التفاوض حوله في باري "لا علاقة له بمسألة توطين المهاجرين".

وفي تصريح لقناة "الوسط" المحلية في 19 أبريل 2023، قال ماتكو: "لم نذهب إلى هناك من تلقاء أنفسنا، ولكن عبر وزارة الحكم المحلي في حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة التي نسقت البرنامج، وهو يخص دعم قطاع الزراعة".

وأضاف أنه "لا يمكن أن نقبل بهذا، ونحن وطنيون، وتلك المسألة ليست من اختصاص البلديات".

وأشار ماتكو إلى "تنفيذ برامج دعم الزراعة في الجنوب الليبي يجري منذ سنوات، حيث شارك عمداء البلديات في عديد الندوات حول هذا الملف في دول عدة منها مصر والإمارات وقطر وتركيا ودول"، مشددا على أن "توطين المهاجرين ليس موجودا وغير وارد في البرنامج".

وفي تعليقه على ما أثاره مشروع المنظمة الإيطالية لتوطين مهاجرين غير نظاميين بليبيا من جدل، قال عضو المجلس الأعلى للدولة بليبيا علي السويح، إن ملف المهاجرين غير النظاميين "يعد أكبر تحد للحكومة الحالية والحكومات القادمة".

وأضاف السويح، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه "لا يوجد أي تعاطي مع هذا الملف بجدية ووضوح رغم أنه يمس الأمن القومي".

وأوضح أن "كل الدول ذات السيادة تفرض إجراءات دقيقة لمن يريد أن يدخل أراضيها، ومن ضمنها إيطاليا، حيث تفرض إجراءات صارمة في منح التأشيرة".

واستغرب السويح لكون إيطاليا "لا تريد لليبيا أن تفرض إجراءات الدخول لأراضيها بل تسعى ومنذ عهد النظام السابق لتوطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا"، مردفا "وما سعيها إلى فتح مراكز تدريب وما إلى ذلك إلا أكبر دليل على ذلك".

ويرى أن "الأسوأ من ذلك هو تزايد عدد المهاجرين بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وكأنه يراد من عدم التوافق الدولي وعدم وجود حل في ليبيا إلى جعلهم أمرا واقعا يجب على الليبيين تقبله والتعايش معه".

وترعى الأمم المتحدة حوارا بين الليبيين بهدف الوصول إلى انتخابات في 2023 تنهي أزمة سياسية بدأت عام 2022 عندما انقسمت السلطة بين حكومة فتحي باشاغا (قبل تنحيته)، وحكومة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تكلف من قبل برلمان جديد منتخب.

وطالب عضو المجلس الأعلى للدولة الحكومة أن توضح للدول التي تريد توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا بأنه "لا يمكننا، وليس في قدراتنا حل مشكلة إفريقيا وإيقاف هذه الهجرة".

وشدد السويح، على أنه "يجب على هذه الدول (إيطاليا وغيرها) وهي المسببة في أزمات هذه الشعوب أن تساعد هذه الدول مصدر الهجرة في التنمية وخلق الفرص بها"، داعيا الحكومة الليبية إلى أن "تكون حازمة في هذا الملف".