باحتلال مشافي الخرطوم وتثبيت قناصة بها.. حميدتي يعيد للأذهان مآسي دارفور
لا تتوانى قوات الدعم السريع السودانية بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" في ارتكاب كل المحظورات في حربها الشرسة ضد الجيش النظامي، التي بدأت في 15 أبريل/ نيسان 2023، ويرجح تواصلها في قادم الأيام.
ولعل من أخطر ما فعلته تلك القوات في صراعها، لتحقيق أطماع قائدها، هو استهداف المدنيين المرضى واحتلال المراكز الطبية وتثبيت قناصة داخلها، كما أوردت تقارير حقوقية سودانية.
ورغم أنه معروف أنه حتى في وقت الحروب توجد قواعد أخلاقية فيما يتعلق بالمدنيين يلتزم الأطراف المتنازعة بتطبيقها، إلا أن قوات حميدتي لا تراعي ذلك بشكل ملحوظ.
وتنص المادة الرابعة من القانون الدولي الإنساني الصادر عن الأمم المتحدة، بحق المدنيين في الحماية من أخطار الحرب، فضلا عن الاعتراف بحقهم في الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها.
إضافة إلى وجوب توخي جميع أسباب الحيطة الممكنة لتفادي إلحاق الضرر بهم أو بمنازلهم أو تدمير وإتلاف سبل بقائهم، مثل مصادر المياه والمحاصيل والماشية.
أما المادة السادسة من القانون الدولي الإنساني فتنص على عدم مهاجمة العاملين في المجال الطبي والمركبات الطبية والمستشفيات المخصصة للعمل الإنساني.
انتهاكات جسيمة
غير أن قوات الدعم السريع تواصل انتهاكاتها الجسيمة التي تمس الحق في الحياة والحق في الصحة وذلك عبر احتلال عدد من المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة.
وخلال الأيام الأخيرة قامت قوات حميدتي باقتحام عدد من المستشفيات بقوة السلاح والتمركز فيها وعلى أسطحها، بغرض الاحتماء بها واستعمالها كمنصات للقنص.
ونتج عن ذلك توقف الخدمات الطبية، في ظل نصب المدافع والقناصين عليها، ما حولها إلى أهداف عسكرية وفقا لتعريف الهدف العسكري الوارد في القانون الدولي الإنساني (بطبيعته أو باستخدامه).
وفي 8 مايو/ آيار 2023، أصدرت الآلية الوطنية لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني المحليتين، تقريرا حول انتهاكات قوات الدعم السريع للحق في الحياة والحق في الصحة.
وبلغ عدد المستشفيات العامة التي استهدفتها قوات حميدتي نحو 14 مستشفى، أبرزها مستشفى الشعب، ومستشفى ابن سيناء، ومستشفى الخرطوم، ومستشفى أم درمان، ومستشفى النساء والتوليد (الدايات)، ومركز الخرطوم للأورام.
وبلغ عدد المستشفيات الخاصة المتضررة نحو 15 مستشفى، أبرزها الكويتي، وشرق النيل، وبنك الدم المركزي، ومعمل الصحة القومي (ستاك)، والفيصل، والبلسم.
وأورد التقرير أن قوات حميدتي قامت بتعطيل بعض مراكز غسيل الكلى، وكذلك بعض مراكز القلب الرئيسة، ما أدى إلى وفاة كثير من المرضى.
كما قامت أيضا بضرب وتعطيل عدد من المحولات الكهربائية لبعض المستشفيات، وفق التقرير.
خطف واغتيالات
يذكر أنه في 4 مايو 2023، أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة السودانية الدكتور محمد إبراهيم، أن هناك 14 مستشفى سودانيا تتمركز حولها مليشيا الدعم السريع.
وأوضح إبراهيم أن هذا الأمر يمثل ظاهرة غريبة على الأخلاق السودانية والمواثيق الدولية في الحفاظ على الخدمات الصحية وإسعافات الطوارئ.
وقال إن "احتلال الدعم السريع للمستشفيات، أثر على تقديم الخدمات الصحية لأنها مستشفيات كبيرة في مركز الخرطوم".
وأضاف أن "انقطاع التيار الكهربى والمياه بسببهم، أثر على تقديم الخدمة الصحية والعلاجية للسودانيين".
ولم تقف انتهاكات الدعم السريع على الهجوم على المستشفيات فقط، ففي 17 أبريل/ نيسان 2023، قامت باختطاف 3 أطباء من مستشفى الأطباء بالخرطوم.
وكذلك خطفت عددا كبيرا من الجراحين والاختصاصيين والممرضات من عدد من المستشفيات لعلاج قادتهم في أماكن الاشتباكات.
وفي 5 مايو 2023، شهدت الخرطوم واقعة مؤسفة، عندما قتلت برصاص الدعم السريع، "فريدة عبدالمنعم"، طبيبة الامتياز بمستشفى التوليد بـ "أم درمان".
وكانت الطبيبة حينئذ في طريق عودتها لمنزلها بالخرطوم، قبل أن تقتل بدم بارد، حسب بيان لوزارة الصحة السودانية.
وأعلنت نقابة الأطباء في السودان، يوم 26 أبريل 2023، أن مستشفيات الخرطوم قصفت بمدافع وآليات الدعم السريع، وتعرضت 19 مستشفى للإخلاء القسري بشكل كامل.
وذكرت النقابة أن هناك 82 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات، يوجد 23 مستشفى تعمل بشكل كامل أو جزئي (بعضها يقدم خدمة إسعافات أولية فقط)، وجميعها مهددة بالإغلاق نتيجة الانتهاكات وقص الكوادر الطبية والإمدادات الطبية، إضافة إلى انقطاع التيار المائي والكهربائي.
مذكرة رسمية
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد أعلنت في 27 أبريل 2023، أنها سلمت منظمة الصحة العالمية، مذكرة رسمية حول تعدي قوات الدعم السريع على مستشفيات وأطباء السودان.
ووصفت هجوم قوات حميدتي على المؤسسات الطبية والأطباء، بأنه عمل بربري صادم يتنافى مع كل المبادئ والأعراف الإنسانية.
وأضافت أن تلك العمليات تمثل خرقا صارخا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وجميع المبادئ والأعراف وقواعد الاشتباك الميداني التي تصون حرمة وقدسية هذه المرافق.
وطالبت منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة ومنظماتها وأجهزتها الأخرى بإدانة هذا العمل ومطالبة قوات الدعم السريع بالانسحاب الفوري من كل المؤسسات والمرافق الصحية بالسودان.
وحتى 9 مايو 2023 أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، في بيان، ارتفاع القتلى بين المدنيين منذ بداية الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى 517 وإصابة 2701 شخصا.
وأشارت إلى أن جميع المستشفيات والمرافق الصحية في مدينة الجنينة (دارفور) غربي البلاد لا تعمل.
وفي 11 مايو، قالت هذه اللجنة، إن 67 بالمئة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات متوقفة عن الخدمة.
وأوضحت أنه من أصل 88 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات يوجد 59 مستشفى متوقفة عن الخدمة و29 مستشفى تعمل بشكل كامل أو جزئي وهي مهددة بالإغلاق أيضا نتيجة لنقص الكوادر الطبية والإمدادات الطبية والتيار المائي والكهربائي.
وفي 9 مايو 2023، طلبت الآلية الوطنية لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني السودانية، القوات المسلحة بضرورة حماية المنشآت الطبية، في ظل تحويلها إلى ثكنات عسكرية لقوات الدعم السريع،
وناشدت تلك القوات عبر وحدة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التابعة لها بإيقاف الاحتلال والاعتداء على الأطباء والمستشفيات والخروج منها دون شروط.
سلوك العصابات
وعن هذا الوضع المؤسف، قال السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبد العاطي، إنه "لا يتعجب من جرائم وانتهاكات الدعم السريع المتعلقة بالمستشفيات والأطقم الطبية، لأن هذا ضمن كتاب الشر لهذه المليشيات البربرية" على حد وصفه.
وأضاف لـ"الاستقلال" أن "هذه المليشيات ارتكبت جرائم أشنع وأشد خلال حرب دارفور الأولى واستباحوا القرى والبيوت وقتلوا آلاف المدنيين في ساعات معدودة، ورأينا نحن نموذجا مصغرا لفض اعتصام القيادة العامة، عندما قتلوا 100 إنسان في صبيحة يوم، واغتصبوا عشرات النساء".
ومضى عبد العاطي يقول: "نحن هنا لا نتحدث عن قوات نظامية أو جيوش حديثة بالمعنى الذي يجعلهم يقفون أمام القانون الدولي، ويلتزمون بقوانين وقواعد الحرب الأخلاقية والإنسانية".
"بل نتحدث عن عصابات في ثوب عسكري، تم تقنين أوضاعها في الحقبة الماضية، والسودان يدفع الآن ثمن هذا الخطأ الرهيب"، يستدرك السياسي السوداني.
وشدد على أنه "يجب أن ندرك أن السودان يواجه أكبر خطر في تاريخه، خطر يفوق بمراحل خطر انفصال الجنوب، لأن الوضع الآن مدمر للدولة نفسها، فلو انتصر الجنجويد (الدعم السريع) لن يكون هناك سودان بمعناه الدارج، ستكون شبه دولة لا حاكم ولا رابط لها".
وأكد أن "استهداف المستشفيات والطواقم الطبية والمدنيين ما هو إلا بداية مرحلة مرعبة، فلو تحكموا بالأمر، ستكون الخرطوم هي دارفور الثانية".
وختم عبد العاطي قائلا: "وسنكون مملكة قبائل وطوائف، لذلك فإن الوقوف بجانب الجيش والدولة السودانية أمر ملزم لكل مواطن، حتى لو اختلفنا في الآليات والأهداف".
ومنذ اندلاع المواجهات في 15 أبريل، تشهد العاصمة السودانية الخرطوم حالة من الفوضى ناجمة عن المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط وضع إنساني مرير.
وتلبية لمبادرة سعودية-أميركية، أرسل البرهان وحميدتي ممثلين عنهما إلى مدينة جدة قبل أيام لعقد مباحثات لوقف إطلاق النار، لكن لم يجر التوصل إلى نتائج بعد.
المصادر
- بيان الآلية الوطنية لحقوق الإنسان حول انتهاكات قوات الدعم السريع للحق في الحياة والحق في الصحة
- مقتل طبيبة نساء وتوليد بطلق ناري خلال الاشتباكات
- السودان: قصف 14 مستشفى منذ بدء المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع
- السودان.. تحليق طائرات ودوي انفجارات ووضع إنساني متفاقم والجيش: ما نبحثه في جدة هو آليات تمديد الهدنة
- فيديو.. الصحة السودانية: قوات الدعم السريع تحتل 14 مستشفى
- تعدي الدعم السريع على 12 مستشفى.. تسليم مذكرة للصحة العالمية