"تحرك مرهون".. هل الأردن جاد بشن عملية عسكرية خاصة على حدوده مع سوريا؟
على الرغم من أنه يقود قطار إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي، لا يزال الأردن يصرخ من حجم المخدرات المهربة من هذا البلد المجاور.
إذ لا تكاد أسابيع تمر حتى تعلن المملكة الأردنية التي تربطها حدود تصل إلى 375 كيلو مترا مع سوريا، دخول الملايين من حبوب المواد المخدرة إليها.
وخاصة بعدما أصبح نظام بشار الأسد يدير إنتاج المخدرات، وحول سوريا إلى ممر لتوزيعها وتصديرها إلى العالم بتأكيد الولايات المتحدة والدول الغربية.
معركة المخدرات
وأمام حجم المخاوف من انفلات الأمور عند حدود الأردن الشمالية، بدأت السلطات بالتلويح بعملية عسكرية خاصة لقطع دابر تهريب المخدرات عبر أراضيها.
ولا سيما أن عمّان تتهم بشكل مباشر المليشيات الإيرانية وأذرعها المتمركزة جنوب سوريا التابعة لنظام الأسد، بالوقوف وراء عمليات تهريب المخدرات إليها، مما زاد العبء الأمني على المملكة.
وأصبحت "تجارة المخدرات رابحة" لنظام الأسد وباتت تبلغ عائدتها عليه 57 مليار دولار سنويا، بحسب ما أكدت "روزي دياز" المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في تغريدة لها بتاريخ 28 مارس/آذار 2023.
حتى أن الكونغرس الأميركي بمجلسيه (النواب- الشيوخ) أقر في 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، مشروع قرار يضع إستراتيجية أميركية لوقف إنتاج المخدرات والاتجار بها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد.
وينص المشروع الملزِم لإدارة الرئيس جو بايدن، الذي قدمه مشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على أن "الاتجار بالكبتاغون المرتبط بنظام الأسد يشكل تهديدا عابرا للحدود".
وهدد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بشن عملية عسكرية في الداخل السوري بهدف وقف عمليات تهريب المخدرات، حسبما قال في تصريحات لمحطة "سي إن إن" الأميركية في 5 مايو/أيار 2023.
وأوضح بالقول "نحن لا نتعامل مع تهديد المخدرات باستخفاف، في حال لم نر إجراءات للحد من هذا التهديد، فسنقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك تنفيذ عمل عسكري داخل سوريا".
وأضاف الصفدي، أن "تهريب المخدرات لا يشكل خطرا على الأردن وحده، بل يهدد دول الخليج العربي وبلدان العالم كافة".
الملف الأهم
وملف تهريب المخدرات "قديم جديد" بالنسبة للأردن الذي ينظر إليه كتهديد أمني قومي، لا سيما أنه من أجل حله، هرول سريعا إلى تطبيع علاقاته بشكل كامل مع النظام عام 2021، بعد 10 سنوات من الجفاء السياسي والاقتصادي بينهما على خلفية اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ومنذ ذلك الحين، بدا واضحا أن العلاقة بين الأردن ونظام الأسد مرهونة بمعالجة تهريب المخدرات عبر الحدود.
إذ لم يفتح الأردن ملف إعادة اللاجئين السوريين على أراضيه البالغ عددهم 1.3 مليون سوري نصفهم يحملون صفة لاجئ ممن فروا من بطش وقصف نظام بشار الأسد على مدنهم وبلداتهم.
ولهذا كثفت المملكة مساعيها مع نظام الأسد، للجم تهريب المخدرات من الجنوب السوري، إلا أن هذا الملف لم يتقدم "شعرة واحدة" بل زاد بشكل غير مسبوق منذ التطبيع بين عمّان ودمشق عام 2021.
وفي 8 مايو 2023، كشفت وكالة "رويترز" البريطانية أن الأردن شن غارتين جويتين ضد موقعين لتجارة المخدرات جنوبي سوريا.
وقالت مصادر استخبارية ودبلوماسية للوكالة: إن "ضربة استهدفت معملاً للكبتاغون في درعا مرتبطاً بالمليشيات المدعومة من إيران وحزب الله، فيما قتلت الأخرى من تعده عمّان المطلوب الأول لديها بتهريب المخدرات إلى الأردن، ويدعى مرعي الرمثان".
وذكر مسؤولان أردنيان رفضا الكشف عن اسمهما أن "الخطوة الأردنية تعد بمثابة رسالة إلى دمشق، بألا تخطئ في تقديراتها بشأن عزم عمّان على مواجهة قضية تهريب المخدرات عبر حدودها، في وقت تقود فيه المملكة جهوداً عربية لإنهاء القطيعة مع سوريا".
وأشار المسؤولان إلى أن "الأردن عبّر للنظام السوري عن مخاوفه بشأن تهريب المخدرات، وذلك خلال اجتماعات أمنية خلال الأشهر الماضية، لكنها لم تجد أي محاولات حقيقية من الجانب الآخر للقضاء على تلك التجارة".
وتحت اسم "ضربة الصقور"، شاركت قوات من الجيش الأردني في 21 فبراير/شباط 2022، مع قوات بتمارين عسكرية تحاكي سيناريو القضاء على "عناصر إرهابية ومهربي مخدرات" عند الحدود الأردنية السورية.
ويعد الأردن الخط الأول للسيطرة على تهريب المخدرات للدول المجاورة وخاصة الخليجية، القادمة من سوريا.
وفي 7 مايو، أعلن الجيش الأردني، إحباط محاولة تهريب كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة من سوريا، بحسب الموقع الرسمي للقوات المسلحة.
وقال مصدر عسكري مسؤول في بيان إن "قوات حرس الحدود وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العسكرية، رصدت من خلال المراقبات الأمامية محاولة مجموعة من المهربين على الواجهتين الشمالية والشرقية، وجرى تحريك دوريات رد الفعل السريع وتطبيق قواعد الاشتباك والرماية المباشرة عليهم، ما أدى إلى تراجع المهربين إلى داخل العمق السوري".
وأضاف المصدر أن الجيش عثر بعد تفتيش المنطقتين على 1.5 مليون حبة من مخدر الفينيثايلين المعروف باسم "كبتاغون"، وكميات كبيرة من الحشيش الكريستال المخدر، بالإضافة لأسلحة وذخائر.
كما أعلن الجيش الأردني في 25 فبراير 2023، أن قوات حرس الحدود أسقطت طائرة مسيرة قادمة من سوريا حاولت اجتياز الحدود الأردنية وهي تحمل قنابل يدوية وبندقية.
وفي 17 فبراير 2022، أعلن الجيش أنه أحبط خلال نحو 45 يوما، دخول أكثر من 16 مليون حبة كبتاغون من سوريا، ما يعادل الكمية التي جرى ضبطها طوال العام 2021.
ولذلك، ما بات يقلق الأردن هو شعوره بتلاشي سلطة نظام بشار الأسد عند حدوده الشمالية مع سوريا، وأصبحت تابعة بشكل شبه مباشر لإيران ومليشياتها.
ابتزاز الأسد
وأمام ذلك، يبدو أن كل جهود الأردن في إنهاء ملف تهريب المخدرات عبر أراضيه لم يفلح، ولا سيما أن كثيرا من المراقبين يؤكدون أن نظام الأسد يستخدمه "كورقة ضغط لتمرير شروطه في التطبيع العربي معه"، وفق مراقبين.
إذ نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في 2 مايو 2023، عن مسؤول عربي لم تسمه، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد، رفض تقديم أي تنازلات لوزراء الخارجية العرب مقابل عودته لمقعد سوريا في جامعة الدول العربية، في الوقت الذي أوضح فيه المسؤول ذاته، "أن النظام يريد (من العرب) استسلاما كاملا".
وقد شغل ملف المخدرات حيزا واسعا من نقاشات عدد من الدول العربية المتعلقة بإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية التي طرد منها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد قمعه ثورة السوريين بالحديد والنار التي اندلعت في مارس من العام المذكور.
لكن ما كان لافتا هو إعلان الأردن في مطلع مايو 2023 إحباط محاولة تهريب شحنة مخدرات قادمة من سوريا.
وجاء ذلك بالتزامن مع وصول وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، إلى العاصمة عمّان للمشاركة في الاجتماع العربي الذي تستضيفه المملكة حول سوريا حضرها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق.
وقال الجيش الأردني في بيان إن المنطقة العسكرية الشرقية أحبطت على إحدى واجهاتها، محاولة تسلل وتهريب كميات من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية.
وجرى العثور على 133 ألف حبة كبتاغون، وقطعة سلاح من نوع كلاشينكوف وكمية من الذخائر، وفقا للبيان.
ومن هنا بدا واضحا مدى "الحنق الأردني" من استفزازات النظام السوري، وعدم إبداء الأخير المرونة في وقف تهريب المخدرات "كبادرة حسن نية" في ظل الجهود العربية لإعادته.
وتجري إعادة الأسد إلى الحضيرة العربية بقيادة السعودية التي أعلنت في أبريل/نيسان 2023 تطبيع علاقاتها معه بعد قطيعة منذ عام 2011.
تحرك مرهون
وفي هذا السياق، يرى الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد، إن "عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن أصبحت منظمة وليست فردية".
كما أنها تنسق بين حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام بشار، والتي "اتخذت أشكالا تقنية تختلف عن العبور والتسلل، بل أصبحت عبر قوافل كبيرة مدعومة بالطائرات المسيرة".
وأضاف الأسعد لـ "الاستقلال": "أن الأردن رغم تلويحه بالعمل العسكري دون وجود أي شيء ملموس في الميدان، فإن عملية التطبيع مع نظام الأسد تهدف إلى وضع حد لعمليات تهريب المخدرات التي لا تستهدف عمان فقط بل دول الخليج بشكل عام".
وعدّ أن "الأردن بدأ يقلق من الطرق التي يستخدمها النظام السوري في تهريب المخدرات إلى المملكة التي بدأت كذلك تعاني مع تعاطي المخدرات من قبل المجتمع المحلي".
بدوره، ينظر المحلل والخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب، إلى أن "تطور آليات التهريب باستخدام الطائرات المسيرة عبر سوريا، يقلق الأردن".
وهو الأمر الذي يدفع المملكة لتغيير قواعد الاشتباك خاصة أنه في عام 2022 قتل عدد من الضباط والجنود الأردنيين من حرس الحدود الأردني خلال التصدي لمهربي المخدرات.
وأضاف أيوب لـ "الاستقلال"، أن "تنفيذ عمل عسكري أردني في الداخل السوري المحاذي من أجل منع عمليات تهريب المخدرات أمر مطروح".
وهذا يتطلب موافقة دولية خاصة من الولايات المتحدة، لكن في حالات خاصة إذا لم يجر التحكم بعمليات التهريب "أعتقد أن الجيش الأردني قادر وبشكل كبير أن ينفذ ضربات عسكرية جوية والتوغل بعمق معين في الأراضي السورية لحماية حدوده من تهريب المخدرات والسلاح، وهذا الأمر ليس ببعيد".
واستدرك: "العمل العسكري متوقف على مدى ضبط عصابات التهريب من الجانب السوري التي تتحكم بها الفرقة الرابعة وحزب الله اللبناني".
وبالتالي إذا لم تحدث استجابة في منع استباحة الحدود الأردنية، فإن الأردن ليس له بديل عن العمل العسكري.
"ولا سيما أن هذا الأمر منطقي إذا نفذت عملا عسكريا داخل سوريا، إذ إن الجيش الأردني لديه الإمكانات اللوجستية والعسكرية"، وفق قوله.
فهو مدرب ومجهز وله وسائط تأثير ناري دقيقة تمكنه من إقامة منطقة عازلة على الرغم أن القيادة السياسة في المملكة لا تريد إقامة هذه المنطقة في سوريا كما هي في الشمال السوري لاعتبارات خاصة تتعلق بكلا الشعبين على طرفي الحدود.
ويشار إلى أن هناك صلة دم بين قبائل حوران جنوب سوريا والأردن، إذ يوجد ترابط أسري، يؤكد مراقبون على أنه يحتم على عمّان أن تأخذ الدور السياسي وحماية عشائرها من تأثير المليشيات الإيرانية عليها والتي تتخذ من الجنوب نقطة تمركز كبيرة بسبب قرب المنطقة من إسرائيل كذلك.