جدل حول حذف قوات حميدتي كلمة "قدس" من شعارها بمنشورات على تويتر.. ما القصة؟

12

طباعة

مشاركة

فيما يبدو التزاما بأجندتها الإماراتية المعادية للتيارات الإسلامية، وبينها المقاومة في غزة، حذفت قوات "الدعم السريع" السودانية، التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، كلمة "قدس" من شعارها الرسمي في عدة منشورات لها على حسابها بموقع توتير.

وهذه الكلمة (قدس) تُستخدم في الشعار المرفق ببيانات "الدعم السريع" الصادرة عنها عبر حساباتها على مواقع التواصل، لكنها بدأت أخيرا تحذف من بعض المنشورات.

وهذا التطور الذي تحدث عنه ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي تزامن مع إعلان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أنه يقاتل الجيش السوداني بحجة "مساندة الديمقراطية ومحاربة الإسلام الراديكالي".

وهو ما روجت له وسائل الإعلام الإماراتية المحسوبة على الإمارات على نطاق واسع، إلى جانب حسابات حميدتي على مواقع التواصل، والتي ثبت أنها تدار من الإمارات.

ومنذ 15 أبريل 2023، اندلعت في عدد من ولايات السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح معظمهم من المدنيين.

وعام 2013، تشكلت "الدعم السريع" لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المتمردة بإقليم دارفور (غرب)، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية وحفظ الأمن، قبل أن يصفها الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.

حذف "قدس"

مع بداية الاشتباكات مع الجيش، وصف حميدتي، البرهان بأنه "إسلامي راديكالي"، وقال في سلسلة تغريدات باللغة الإنجليزية: "نحن نقاتل ضد الراديكاليين الإسلاميين الذين يريدون إبقاء السودان معزولا في الظلام وبعيدا عن الديمقراطية"، في محاولة على ما يبدو لجلب دعم الغرب وإسرائيل.

لكن حميدتي، منطلقا من أجندة إماراتية على ما يبدو، تجاوز كل المحرمات في محاولته استمالة إسرائيل والغرب لجانبه، عبر تصريحات قادته للإعلام العبري.

ويرجح مراقبون أن يكون إلغاء "قدس"، من شعار قوات الدعم السريع، "نصيحة إماراتية" ضمن أجندة السعي لنيل رضا الغرب وإسرائيل كي تدعم حميدتي ضد البرهان وتضمن له الوصول للحكم.

ويشيرون إلى أنها تتناغم أيضا مع أجندة العداء الإماراتي الأعمى للتيارات الإسلامية بما فيها حركات المقاومة في فلسطين.

وبرغم رصد "الاستقلال" حذف قوات الدعم السريع كلمة "قدس" من شعارات بياناتها على مواقع التواصل منذ 18 أبريل 2023، لوحظ أن الكلمة لا تزال موجودة على الشعار في منشورات أخرى للصفحة على تويتر وفيسبوك في الأعلى.

ورغم أن سودانيين قالوا إن كلمة "قدس" هي اختصار للحروف الأولى لعبارة "قوات الدعم السريع"، ولا علاقة لها بمدينة القدس، ذكر آخرون أن أحد أسباب وضعها كشعار كان ادعاء المناداة بتحرير المدينة المحتلة مثل قوى عربية عديدة.

صحفي سوداني أوضح لـ "الاستقلال" أن حذف الكلمة بعد ثلاثة أيام من بدء المواجهات مع الجيش منذ 15 أبريل 2023، وادعاء حميدتي أنه يحارب الإسلاميين، يشير إلى أنه سعى للتبرؤ من "القدس"، وإظهار أنه داعم لإسرائيل.

أوضح أن كلمة "قدس" كان يشار لها أصلا على أنها اختصار لشعار قوات الدعم السريع، ولكن حذفها الآن يثير تساؤلات عن السبب، وعلاقتها بمدينة القدس المحتلة ورغبة حميدتي في التغزل بالصهاينة والتبرؤ من المدينة المحتلة، ليقدموا له الدعم.

أضاف أن حذف كلمة "قدس" من الشعار، جاء متزامنا مع وصف مستشار "حميدتي" يوسف عزت للمقاومة الفلسطينية وحركة "حماس" بـ "الإرهاب"، خلال لقائه مع قناة "كان" العبرية، لهذا جرى الربط بين شعار قدس والانبطاح لإسرائيل.

وقال يوسف في المقابلة 23 أبريل 2023 إن الجماعات التي تقاتل إلى جانب عبد الفتاح البرهان "إسلامية مثل الجماعات الإرهابية التي تقاتل إسرائيل كحركة حماس"، وفق زعمه

وأردف: "نقول للشعب الإسرائيلي إن ما نتعرض له وتتعرض له الخرطوم وقوات الدعم السريع من هجوم استغله الجيش واستغلته العصابة الإسلامية".

وبدوره، أوضح روعي كيس، معلق الشؤون العربية في قناة "كان"، الذي أجرى المقابلة مع "عزت"، أن الأخير من خلال الموافقة على إجراء المقابلة "يحاول تجنيد الرأي العام الإسرائيلي لصالح حميدتي".

أيضا زعم يوسف عزت، في حديث مع قناة "i24NEWS" الإسرائيلية 18 أبريل 2023 أن قواته تحارب "إسلاميين متطرفين"، ومن ضمنهم عبد الفتاح البرهان.

زعم أن "الحرب التي نخوضها كبيرة، ومتورطة فيها جهات كثيرة يرعاها التنظيم الإسلامي المتطرف، لقد ألقينا القبض على مقاتلين أجانب لا نعرف هويتهم، عملوا كقناصة يقاتلون إلى جانب البرهان".

وربط أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر محمد مختار الشنقيطي بين حذف الدعم السريع كلمة "قدس" وبين عرض الإسرائيليين وساطتها بينه وبين البرهان.

فيما رأى فلسطينيون حذف "قوات الدعم السريع" كلمة "قدس" من شعارها بالتزامن مع انتقاد مستشار حميدتي الفلسطينيين، "كلمة السر" التي يحرص عليها المسؤولون العرب لبقائهم في مناصبهم، حتى ولو لم يكن لها علاقة بالقدس المحتلة.

ولم تُشر قوات "الدعم السريع" في أي من حساباتها إلى سبب حذف كلمة "قدس"، رغم أنها مستخدمة في شعار القوات منذ سنوات.

وكان حميدتي من أبرز المسؤولين السودانيين الذين وقفوا في وجه انتقادات وجهت للخرطوم في مرحلة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقال في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إن بلاده ترغب في إقامة علاقات مع تل أبيب.

برر ذلك بـ "الاستفادة من إمكاناتها المتطورة"، مشيرا إلى أنه "لا يعد ذلك تطبيعا، وأن السودان ماضٍ في ذلك دون خوف من أحد".

وفي 30 نوفمبر/تشرين ثان 2022 كشف تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية عن حصول حميدتي على تقنيات تجسس أوروبية عبر شركة يديرها ضابط بالاستخبارات الإسرائيلية.

ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مسؤولين أوروبيين أن هذا الجهاز صُنع في الاتحاد الأوروبي، وقادر على تغيير ميزان القوى في السودان، بفضل قدرته على تحويل الهاتف الذكي إلى أداة تجسّس، لكن قوات حميدتي نفت ما ذكرته الصحيفة.

السودان والتطبيع

خلال حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ترددت أنباء قوية عن استخدام حركة المقاومة الإسلامية حماس موانئ السودان البحرية لتهريب أسلحة إلى غزة عبر سيناء.

وفي يناير/كانون الثاني 2009، قصفت طائرات إسرائيلية في السودان قافلة أسلحة تضم 17 شاحنة متجهة من إيران إلى غزة عبر البحر الأحمر، وقالت الخرطوم إنها قافلة هجرة غير شرعية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2012، اتهمت إسرائيل السودان مجددا بالسماح لإيران باستخدام موانئه لنقل إمدادات عسكرية لحماس في غزة.

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، زعمت صحيفة يديعوت أحرونوت أن السودان دأب على تزويد حماس بالمعدات القتالية، وإيصالها لغزة حيث يتمركز جناحها العسكري ما يعني تركيزا في علاقتها مع السودان على وقف إمداد الحركة بالسلاح.

وفي سبتمبر/أيلول 2021، أعلنت السلطات السودانية مصادرة أصول مملوكة لحماس، تصل إلى 1.2 مليار دولار.

وتشمل الأصول التي جرى الاستيلاء عليها، بالتفصيل، وفق السلطات السودانية ذاتها، عقارات، وأسهم شركات، وفندقا بموقع رئيس في الخرطوم، ومكتب صرافة، ومحطة تلفزيونية، وأكثر من مليون فدان من الأراضي الزراعية، وهو ما نفته حماس.

وحين زار وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين السودان، 2 فبراير/شباط 2023، حرص على ربط الزيارة، في بيان، بمحاربة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية.

قال إن "السودان منطقة إستراتيجية تقع على ساحل البحر الأحمر، وحاربت في وقت سابق ضد إسرائيل، وأرسلت أسلحة إلى حماس".

وظل السودان عصيا على التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وعنوانا للصمود والمقاطعة، منذ استضافة عاصمته الخرطوم قمة اللاءات العربية الثلاثة الشهيرة عام 1967، حتى انهار جدار المقاطعة بعد الإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير.

لكن كل شيء تغير بسرعة عقب سقوط البشير عام 2019، وصعود البرهان وتحكمه في مقاليد الأمور، مع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" الذي سهل انقلاب الأول، وسرعان ما وقع كلاهما في فخ التطبيع.

كانت البداية حين التقى عبد الفتاح البرهان سرا برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في أوغندا عام 2020 وتحدث عن قرب التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية بين الجانبين.

أهمية هذه البداية جاءت لأنها طوت تاريخا طويلا من العداء الطويل بينهما، وقيام الخرطوم، بصفتها بلدا ذات توجهات إسلامية قوية جدا، بدعم حركة حماس سياسيا وعسكريا، فضلا عن إقامتها اتصالات وثيقة مع إيران.

وأواخر عام 2020، أعلنت تل أبيب والخرطوم تطبيع العلاقات بينهما، بعد تعهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإزالة اسم السودان من قائمة واشنطن للدول التي "ترعى الإرهاب" وتقديم مساعدات له.

إلا أن الطرفين لم يوقعا رسميا حتى الآن على اتفاقية أبراهام، بسبب فشل التوصل لاتفاق نقل السلطة للمدنيين وعدم وجود برلمان يصدق على الاتفاق.

تبع هذا توقيع وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم اتفاقية للتعاون الاستخباراتي مع مسؤولين إسرائيليين، وفق ما ذكرته صحيفة "إسرائيل اليوم" 27 يناير 2021.

قالت إن الاتفاق "يتركز في كبح جماح المنظمات المسلحة والإسلام الراديكالي"، كما أطلع ضباط إسرائيليون كبار نظراءهم السودانيين على ما وصفوها بـ "التكتيكات العملياتية في الدفاع عن الحدود"، والعمل على نقل التجربة الإسرائيلية إليهم.

من الناحية الإستراتيجية، سيمنح هذا التطبيع السوداني مع إسرائيل قطاعا طويلا على حدود البحر الأحمر، بفضل علاقاتها الحالية مع إثيوبيا وأريتريا ومصر، والآن مع السودان.

وهذا يعني مزيدا من الوجود الإسرائيلي الآخذ في الاتساع في المنطقة المضطربة التي تشمل مصر وتشاد وجنوب السودان.

وفي 21 أبريل 2023 نقل موقع "المونيتور" الأميركي عن مسؤول دبلوماسي إسرائيلي رفيع أن "تل أبيب تلعب دورا مزدوجا بمساعدتها لكل من البرهان وحميدتي، وكلا الجانبين على علم بذلك، ويطالبان بتوضيح منا".

وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى نوعين مختلفين من المؤسسات الحكومية الإسرائيلية تربطهما علاقات مع السودان، الموساد (الاستخبارات الخارجية) ووزارة الخارجية.

وذكر تقرير "المونيتور" أن هناك مسؤولين كانا يقودان العلاقات السرية مع السودان لسنوات، الأول هو مدير الموساد السابق يوسي كوهين (2016–2021)، والذي تعمقت علاقات إسرائيل مع الدول الإفريقية في عهده.

أما الثاني فهو رونين ليفي، المعروف سابقا باسمه المستعار "ماعوز" الذي استخدمه خلال خدمته في جهاز الأمن العام (الشاباك)، والذي كان حتى وقت قريب مسؤولا كبيرا في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

وأوضح مصدر أمني إسرائيلي كبير للمونيتور أن "ليفي" يقف إلى جانب البرهان، بينما يميل الموساد أكثر إلى حميدتي.

وجاء تدخل إسرائيل لمحاولة التوسط بين البرهان وحميدتي لتحقيق مصالحها في توقيع اتفاق سلام ضمن اتفاقات "أبراهام" مع السودان بعدما عطلته الخلافات السياسية ثم الحرب.

وقال ثلاثة من مسؤولي وزارة الخارجية الإسرائيلية لموقع "أكسيوس" الأميركي في 24 أبريل 2023، إن إسرائيل عرضت على البرهان وحميدتي استضافتهما في محادثات للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

لكن الباحث الإسرائيلي "ايهود يعاري" يرى في تحليل نشره بموقع "معهد واشنطن" 21 أبريل 2023 أن إسرائيل ستفقد التطبيع مع السودان حتى لو جرى تجنب حرب سيناريو الحرب الأهلية هناك وتم وقف المعارك.

ولفت إلى أن "التأخير في توقيع اتفاقية السلام قد وفر مجالا لصعود الفصائل السياسية التي تعارض إقامة مزيد من العلاقات مع إسرائيل".

أشار إلى أن "الإسلاميين اتخذوا موقفا واضحا ضد السلام مع إسرائيل"، وفعل الشيء نفسه الأحزاب الأعضاء في قوى الحرية والتغيير (مثل الشيوعيين والبعثيين).

كما أعربت وزيرة خارجية السودان السابقة مريم الصادق المهدي عن اعتراضها على التطبيع أثناء عملها في منصبها في حكومة عبد الله حمدوك المدنية.

ويتوقع "يعاري" أنه "إذا فاز البرهان في منافسته مع حميدتي، فقد يقنعه حلفاؤه الإسلاميون بتعليق التطبيع أو على الأقل إبطائه".

"وبالمثل، إذا فاز حميدتي، فسيتعين عليه أن يأخذ في الحسبان شعور حزب الأمة الوطني والشركاء المحتملين الآخرين تجاه إسرائيل"، وفق تقديره.