مقتدى الصدر يضع عينه على "آية الله".. لتوحيد تياره أم لولاية الفقيه؟
لا يزال غياب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عن المشهد السياسي في العراق، يثير الكثير من التساؤلات حيال أكثر شخصية مشيرة للجدل في البلاد بعد 2003، لا سيما قراره الأخير عام 2022 باعتزال السياسة والتخلي عن تشكيل الحكومة رغم فوزه بالانتخابات.
وخلال آخر انتخابات برلمانية شهدها العراق في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حققت الكتلة الصدرية المرتبة الأولى بحصولها على 73 مقعدا من أصل 329، لكنها استقالت بتوجيه من الصدر في يونيو/ حزيران 2022، لإخفاقها بتشكيل حكومة أغلبية سياسية بسبب مكائد الأحزاب الشيعية الموالية لإيران.
وعلى إثر ذلك، شكّل تحالف "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، حكومة محاصصة توافقية كما جرت العادة، برئاسة محمد شياع السوداني، شاركت فيها المكونات الثلاثة.
طموح جديد
وغياب الصدر عن الأوضاع السياسية في البلاد، كشفت مغزاه الزيارة الأخيرة التي أجراها قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، إلى العراق ولقائه زعيم التيار الصدري في مقر إقامته بمدينة النجف، حسبما كشفت صحيفة "الجريدة" الكويتية في 4 أبريل/ نيسان 2023.
ونقلت الصحيفة عن مصدر قالت إنه رافق قاآني في زيارته للعراق، أن الأخير طلب من الصدر العودة إلى المشهد السياسي العراقي والتعامل مع باقي المجموعات السياسية الشيعية.
إلا أن زعيم التيار أصرّ على اعتزال العمل السياسي، وأبلغ المسؤول الإيراني أنه ينوي السفر إلى قم قريبا للتركيز على متابعة دراساته الحوزوية.
وأضافت أن "قاآني خرج من اللقاء بانطباع مفاده بأن الصدر يفضل أن يصبح مرجعا دينيا في العالم الشيعي بدلا من أن يكون مرجعا سياسيا في العراق، وأنه يفكر أن يكون أرفع شخصية شيعية بعد وفاة المرشد الإيراني علي خامنئي والمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني".
وكشفت الصحيفة أن "قاآني فهم من الصدر أنه ربما يسعى إلى خلافة خامنئي نفسه، إذ إنه حسب الدستور الإيراني والقوانين المتعلقة بانتخاب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، فإن المرشد لا يحتاج أن يكون إيراني الجنسية لأنه مرشد الثورة الإسلامية، ووفق هذه الأيديولوجيا، فإن الثورة شمولية تشمل كل العالم الإسلامي لا إيران فقط".
وعلى حد قول الصحيفة، فإن المرجع الشيعي اللبناني الراحل محمد حسين فضل الله، الذي كان يعد الزعيم الروحي لحزب الله اللبناني، رفض بعد وفاة المرشد الأعلى الإيراني مؤسس الثورة الإسلامية روح الله الخميني في 1989، مبايعة المرشد الحالي علي خامنئي لمرتبة الولي الفقيه.
ولفتت إلى أن فضل الله كان يرى نفسه الأصلح لتولي هذا المنصب حسب أيديولوجيا الثورة الإسلامية، الأمر الذي تحوّل بعدها إلى خلاف بين إيران والمرجع الشيعي اللبناني الذي ما لبث أن ابتعد عن حزب الله، الذي بايع خامنئي.
وانتشرت في 1 أبريل 2023 صور للجنرال قاآني عل مواقع التواصل وهو يزور قبور والد وأشقاء الصدر في النجف، لكن أحمد الربيعي عضو التيار الصدري، نفى بشكل قاطع عبر "تويتر" حصول أي لقاء بين الطرفين، وأنه يتحدى من يثبت ذلك، بل وصف ذلك بأنه "حلم ابليس بالجنة".
عقدة المرجع
وبخصوص إمكانية تحوّل الصدر إلى مرجع ديني شيعي وترك العمل السياسي، رأى الباحث العراقي إياد ثابت أن "ذلك وارد، فهو يسعى لإنهاء العقدة التي يعاني منها كثيرا، ولطالما شكلت عنده عقبة أمام الجمع بين الزعامة الدينية والسياسية، ألا وهي الحصول على مرتبة آية الله".
ولفت إلى أن "الصدر حاليا لدينة مرتبة دينية هي حجة الإسلام والمسلمين، وبقي له مرتبة واحدة للوصول إلى درجة زعيم الحوزة العلمية، وأنه طالما عُير بأنه ليس بمرجع، وأن التيار الصدري بدأ ينشق كتبعية دينية لمراجع آخرين من أمثال كاظم الحائري وغيره".
ورأى الباحث أن "الصدر إذا أقبل بالفعل على إكمال دراسته الدينية في مدينة قم الإيرانية، فإن هذا باختصار هي محاولة منه لملمة التبعية الدينية للتيار الصدري، التي طعن بها أخيرا المرجع الشيعي الحائري، وكانت سببا في اعتزال الصدر العمل السياسي".
وفي 28 أغسطس/ آب 2022، أعلن الحائري اعتزاله العمل الديني مرجعا للتيار الصدري، معللا ذلك بالمرض وكبر سنّه، وأوصى باتباع مرجعية المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الأمر الذي دفع الصدر بعدها إلى ترك العمل السياسي والدخول في عزلة.
وتوقع الباحث أن "يصبح الصدر مرجعا شيعيا للصدريين فقط، وليس لباقي الشيعة سواء من أتباع السيستاني أو خامنئي، لأن الآخرين يعرفون سطحيته وغير مقتنعين به إطلاقا كمرجع سياسي فكيف به مرجعا دينيا".
ولفت إلى أن "الصدر ربما يستمر في اعتزال العمل السياسي بالوقت الحالي، ويبرر ذلك بأنه يسير على خطى والده محمد صادق الصدر، الذي كان ينأى بنفسه عن السياسة، لكن مستبعد أن يترك السياسة نهائيا، خصوصا دخوله إلى هذه العملية في عام 2005 كانت ضد إرادة أهله آل الصدر".
وأشار ثابت إلى أن "الحديث عن أن الصدر يتطلع لأن يكون أرفع شخصية دينية في العالم الشيعية، ربما ينطلق من أن السيستاني إذا توفي لا يوجد شخص واحد يخلفه حاليا، وخامنئي كذلك، وبالتالي يكون هو صاحب أكبر أتباع من الشيعة، وبعده أمين عام حزب الله حسن نصر الله".
وتابع: "ربما الصدر يعول بعد ذلك على التفاف الآخرين حوله كونه الأكثر شعبية وفي بلد مهم دينيا واقتصاديا مثل العراق، وبالتالي يريد التعجيل في الحصول على درجة عملية شيعية أعلى من الحالية".
ومنذ إعلان الصدر اعتزاله العمل السياسي في 30 أغسطس 2022، لم يصدر عنه أي شيء يتعلق في الأوضاع السياسية بالعراق، ويكتفي في نشر تغريدات وبيانات تقتصر على المواعظ الدينية.
متلازمة الاعتزال
ولم يكن ترك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر العمل السياسي عام 2022 هو الأول من نوعه، فقد أعلن سابقا مرات عدة اعتزال العملية السياسية في العراق قبل أن يعود مجددا إلى المشهد العام.
وفي هذا الإطار، ترصد "الاستقلال" نحو 10 قرارات اعتزال للعمل السياسي اتخذها زعيم الصدريين، خلال مسيرة التيار الصدري السياسية بالعراق منذ أول مشاركة لهم في الانتخابات البرلمانية عام 2005 تحت زعامة مقتدى الصدر.
وكان الصدر قد أعلن عام 2008 انسحابه من الحياة السياسية، وغادر العراق إلى مدينة قم لإكمال دراسته الدينية على يد المرجع الشيعي كاظم الحائري في إيران، وذلك بعد إعلان تجميد مليشيا "جيش الهدي" التي شن عليها رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي حملة عسكرية ضدها.
وعاد الصدر عام 2010 ودخل في حكومة رأسها نوري المالكي بولايته الثانية، ثم انسحب في 5 أغسطس/ آب 2013، وأعلن اعتزال العمل السياسي، إذ وصف حينها البقاء في الحكومة بـ"المضر والمعين على الإثم والعدوان".
في منتصف فبراير/شباط 2014، أعلن الصدر الانسحاب مجددا من العمل السياسي وحل التيار الصدري وإغلاق مكاتبه السياسية، مستثنيا بعض المؤسسات التطوعية والإعلامية التابعة له.
وقال الصدر حينها، إنه قرر الاعتزال "حفاظا على سمعة آل الصدر ومن منطلق إنهاء كل المفاسد التي وقعت أو التي من المحتمل أن تقع تحت عنوانها"، مشيرا إلى أن "إنهاء معاناة الشعب والخروج من فكاك السياسة والسياسيين" تستلزم الانسحاب من السياسة.
ولم يدم الاعتزال طويلا، حتى شارك التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 30 أبريل 2014 وفاز بنحو 34 مقعدا باسم "كتلة الأحرار"، وشارك بحكومة ترأسها حيدر العبادي.
وفي 20 أبريل/نيسان 2016 قرّر الصدر تجميد كتلة "الأحرار" التابعة لتياره في البرلمان، محذرا من تحول مسار الاعتصامات التي ينفذها أنصاره إلى "وجه آخر" في حال منعها من القوات الأمنية.
وقبل قرار الصدر لكتلته بالاعتزال، كان أعضاء الكتلة (34 مقعدا من أصل 328) في البرلمان، ينفذون اعتصاما داخل مبنى البرلمان، للضغط بغرض انتخاب هيئة رئاسة جديدة لمجلس النواب.
في العام الذي قرر فيه الصدر تجميد كتلة "الأحرار"، أصدر في يوليو 2016 قرارا "بتشكيل لجنة تتولى إخلاء مكاتب التيار كافة في محافظات العراق باستثناء مكتب النجف".
وقال في بيان حينه، إن "مكاتب التيار سيتم تحويلها إلى دور سكنية لتسكين الفقراء وذوي الدخل المحدود فيها".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016 أنهى الصدر مقاطعته لاجتماعات التحالف الوطني (أكبر كتلة بالبرلمان) حينها، وقدمت كتلة "الأحرار" مطالبها لتنفيذها لضمان عودتهم إلى الاجتماعات من جديد.
وفي 12 مايو/ أيار 2018، شارك التيار الصدري في الانتخابات بتحالف أطلق عليه "سائرون" وحقق المرتبة الأول بفوزه بـ54 مقعدا، و 4 أكتوبر من العام نفسه جدد زعيم التيار الصدري عزمهم على الانسحاب من الحياة السياسية والتزم بعدم تقديم تحالف "سائرون" أي مرشح للحكومة العراقية.
وقال الصدر في بيان: "أوعزنا بعدم ترشيح أي وزير لأي وزارة من جهتنا مهما كان"، مضيفا: "أوعزنا بتشكيل مجموعة وزارية بدون ضغوطات حزبية أو محاصصة طائفية أو عرقية مع الحفاظ على الفسيفساء العراقية الجميلة".
وفي ديسمبر/ كانون الثاني 2019، أعلن المكتب الخاص بمقتدى الصدر أنه "وجه بإغلاق كل المؤسسات التابعة للخط الصدري لمدة عام كامل" مستثنيا من ذلك مرقد والده وشقيقيه ومكتبه الخاص.
وفي 15 يوليو/ تموز 2021، أعلن الصدر انسحابه من العملية السياسية، وقال في كلمة له إنه "حفاظا على ما تبقى من الوطن الذي أحرقه الفاسدون وما زالوا يحرقونه، وإنقاذا له، نعلمكم بأنني لن أشترك في هذه الانتخابات.. فالوطن أهم من كل ذلك".
وبعد 3 أشهر من إعلان الانسحاب، عاد تياره للترشح مجددا في الانتخابات البرلمانية محققا نتائج عالية بحصوله على 73 مقعدا في البرلمان، خلال الانتخابات التي جرت في 10 أكتوبر 2021.
وفي 15 يونيو 2022 أعلن الصدر انسحابه من السياسة "احتجاجا على الفساد"، وقال إنه قرر الانسحاب من العملية السياسية وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة الفاسدين".
ووصف زعيم التيار الصدري الخطوة بأنها "تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهما من المصير المجهول"، مضيفا: "أريد أن أخبركم، في الانتخابات المقبلة لن أشارك بوجود الفاسدين".
وقرر الصدر في 29 أغسطس 2022 "الاعتزال النهائي" هذه المرة، وعدم التدخل في الشؤون السياسية بشكل نهائي وإغلاق المؤسسات التابعة له، باستثناء "المرقد الشريف" و"المتحف الشريف" و"هيئة تراث آل الصدر".
وقال في تغريدة: "الكل في حل مني، وإن مت أو قتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء"، مضيفا: "إنني لم أدع يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى القيادة وإنما آمر بالمعروف وناه عن المنكر".
وحول مسيرته السياسية السابقة، قال الصدر: "ما أردت إلا أن أقوّم الاعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه القوى السياسية الشيعية بصفتها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته".
المصادر
- الصدر يصدّ قآني وعينه على خلافة خامنئي
- العراق: مقتدى الصدر يعتزل "نهائيا" العمل السياسي وأنصاره يقتحمون القصر الجمهوري
- مقتدى الصدر والسياسة.. 9 اعتزالات في 9 سنوات
- اعتزل وسحب البساط من الصدر.. من هو المرجع الشيعي كاظم الحائري؟
- الصدر يعتزل العمل السياسي للمرة الثانية في ستة أشهر
- مقتدى الصدر يعلن اعتزال العمل السياسي
- كتلة "سائرون" تفوز بالانتخابات البرلمانية في العراق