أحرقوا مساجدهم ومنازلهم.. لماذا يهاجم الهندوس المسلمين في رمضان؟

12

طباعة

مشاركة

 

على الطريقة الإسرائيلية المتكررة في استفزاز المسلمين خلال شهر رمضان والتضييق على صلاتهم، اعتدى هندوس متعصبون موالون لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، على المسلمين خلال صلوات الجمعة والتراويح.

في كل عام، يتعمد الهندوس المحتفلون بما يسمى "راما نافامي" في 30 مارس/آذار، وهو مهرجان هندوسي للاحتفال بأحد أعيادهم الوثنية، يستمر 9 أيام، أن تمر مواكبهم الدينية في مناطق ذات أغلبية مسلمة.

كما يتعمدون الوقوف أمام المساجد، ويرفع متطرفو "هندوتفا"، وهي عقيدة قومية هندوسية متعصبة تطالب بطرد المسلمين، أعلامهم البرتقالية على قباب المساجد ويطلقون هتافات استفزازية، ما يؤدي لأحداث عنف.

هذا العام تكرر نفس السيناريو في عدد من قرى منطقة ساسارام بولاية بيهار شرقي الهند، في ظل غياب متعمد للشرطة، ومروا خلال صلاة الجمعة 31 مارس 2023 على مناطق المسلمين ومارسوا نفس الشعائر وأطلقوا هتافات عنصرية.

كما اعتدوا على مسلمين وهم يصلون التراويح وشوشوا عليهم بأغانٍ هندوسية وثنية وحين تصدى لهم المسلمون، ألقوا قنابل حارقة دمرت مساجدهم ومنازلهم ومتاجرهم.

ولأنهم اعتادوا الاعتداء على المسلمين دون أن يرد على جرائمهم سوى "منظمة التعاون الإسلامي"، فقد تعرضت هذه الأخيرة للهجوم من قبل وزارة الخارجية الهندية.

وهاجمت نيودلهي بعنف في 4 أبريل/نيسان 2023 منظمة التعاون الإسلامي لأنها انتقدت الاعتداءات على المسلمين خلال المواكب الهندوسية.

وزعمت الخارجية أن المنظمة أظهرت "أجندة معادية للهند" لأنها قالت إن الاشتباكات العنيفة التي اندلعت خلال المهرجان الديني الهندوسي استهدفت الطائفة المسلمة.

ودعت "التعاون الإسلامي"، التي تضم 57 عضوا ومقرها في جدة، السلطات الهندية إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد المحرضين على هذه الأعمال ومرتكبيها.

وأدانت "أعمال العنف والتخريب الاستفزازية والتي تعد مظهرا حيا لتصاعد الإسلاموفوبيا (معاداة الإسلام) والاستهداف الممنهج للمسلمين في الهند".

ماذا جرى؟

تبدو هذه المواكب الدينية التي يقودها عادة المتطرفون من الحزب الحاكم وشباب "الهندوتفا" المتطرفون، وكأنها مخططة للتحرش بالمسلمين لقتلهم وطردهم من الهند.

روى مسلمون أنه خلال مسيرة "رام نافامي" تعمد "تي راجا سينغ"، وهو عضو في حزب بهاراتيا جاناتا، إيقاف الموكب أمام مسجد "تيلانجانا" في حيدر أباد، وألقى خطابا ملتهبا معاديا للمسلمين وهددهم بالقتل، وبثوا فيديو يؤكد ذلك.

قبل ذلك وخلال صلاة الجمعة 31 مارس 2023 اقتحم القوميون الهندوس المتطرفون مسجد "موراربور"، وهم يحملون السيوف والمشاعل، ورشقوا المصلين بالحجارة، وأشعلوا النار فيه وسط هتافات عنصرية تطالب بطرد المسلمين من الهند.

لم تتدخل الشرطة المتواطئة كالعادة، ووصلت الساعة 11 مساء رغم أن العنف بدأ أثناء صلاة الجمعة ظهرا، وفق روايات مسلمين على مواقع التواصل.

رغم أن منصات التواصل الاجتماعي الهندية، امتلأت بفيديوهات وثقت أعمال العنف البربرية للهندوس، وهم يحملون السيوف والمشاعل ليحرقوا المسلمين ومساجدهم، زعمت صحف هندية أن المسلمين هم من اعتدوا على المسيرة حين مرت في مناطقهم.

إمام مسجد أكد أن الغوغاء الهندوس أحرقوا أيضا مدرسة إسلامية في ولاية بيهار شريف وقتلوا مسلما، وأحرقوا مكتبة تاريخية تضم مصاحف وأكثر من 4500 كتاب في الأدب الإسلامي خلال عنفهم الطائفي بحسب صحيفة "ذا هندو" 3 أبريل 2023.

"محمد سياب الدين"، إمام المسجد والمسؤول عن المدرسة، أكد أن حشدا مسلحا قوامه نحو ألف شخص (من الهندوس) أشعلوا النار في مكتبة المدرسة التي يبلغ عمرها 110 أعوام وبها أكثر من 4500 كتاب.

كما تعرضت متاجر ومنازل وسيارات ومقابر إسلامية للحرق والنهب، حسب شهادات السكان المحليين، الذين اتهموا حاكم الولاية ونائبه بدعم المتطرفين في حضور الشرطة.

أيضا قدم مسلمون في منطقة "ناينيتال" التابعة لولاية أوتاراخند، احتجاجات للشرطة الهندية بسبب أربعة اعتداءات عليهم خلال شهر رمضان حتى الآن، وهم يصلون تراويح رمضان من قبل "غوغاء هندوتفا".

وطالبوا بالعدالة خاصة أن الهندوس ضربوا "الإمام" الذي يؤم المصلين أيضا، وفق ما قال موقع "سياست" الهندي في 4 أبريل 2023.

اعتراف رسمي

وللدلالة على أن العنف موجه ضد المسلمين، ناشدت رئيسة الوزراء بولاية البنغال الغربية "ماماتا بانيرجي"، الهندوس بـ "حماية سلامة المسلمين" بعد تصاعد الاشتباكات الطائفية ضدهم، بحسب موقع "مكتوب ميديا" الهندي 3 أبريل 2023.

حثت الهندوس على "ضمان عدم تعذيب الأقليات"، في إشارة للمسلمين، وعدم التعرض لهم خلال مهرجان هندوسي آخر (هانومان جايانتي)، والذي انطلق في 6 أبريل وسط مخاوف من جولة عنف جديدة ضد المسلمين.

أيضا اتهم رئيس حزب المؤتمر (حزب الماهماتا غاندي) "بعض الأشخاص الذين يحملون أسلحة وقنابل بتعمد تسيير موكب رام نافامي في المناطق الإسلامية عن قصد للتحريض على العنف" حتى بعد انتهاء المهرجان، وفق موقع "مكتوب ميديا".

وامتدت أعمال العنف ضد المسلمين إلى عدة أماكن في 3 أبريل 2023 منها منطقة هوغلي في غرب البنغال وتحولت عدة جيوب في منطقة ريشرا إلى ساحات قتال بعد اشتباكات موكب رام نافامي هناك.

وأفادت صحيفة "هندوستان تايمز" أن الاشتباكات امتدت إلى ولاية ماهاراشترا، والبنغال الغربية، ودلهي، وجوجارات، وتيلانجانا، وأوتار براديش، وأصيب العشرات خلال مواكب رام نافامي يومي 30 و31 مارس 2023، وجرى اعتقال على 54 شخصا. 

وذكر موقع " scroll" الهندي 31 مارس/ آذار 2023 أن عنف هذا العام هو تكرار للحوادث التي تقع كل عام في عدة ولايات ضد المسلمين خلال مواكب مهرجان "رام نافامي".

أكدت أنه عقب أحداث العام 2022، هدمت السلطات المحلات التجارية والمباني المملوكة لـ "المتهمين" بالعنف، (ومعظمهم من المسلمين الذين لفقت لهم الشرطة اتهامات رغم أنهم مُعتدي عليهم).

وقالت صحيفة "هيمالايان بوست" 2 أبريل 2023 إن أعمال العنف الطائفي ضد مسلمي الهند في رمضان هي استمرار لنفس العنف للعام الثاني على التوالي خلال مرور المواكب الدينية الهندوسية قرب مساجد المسلمين.

أشارت لاتهام السكان المسلمين عصابة "هندوتفا" الهندوسية المتطرفة باستهداف ممتلكات ومساجد المسلمين في المدينة، وزعم الشرطة أن كلتا المجموعتين متورطتان في الاشتباك.

قالت إن العنف الهندوسي تضمن إطلاق موسيقى صاخبة خارج المساجد (للتشويش على صلاة المسلمين)، وحرق سيارات، وخطابات تحريضية، ورشق الحجارة، ورفع علم الهندوس بلون الزعفران البرتقالي على قباب المساجد، والتلويح بالسيوف والمسدسات، والشعارات الجماعية الداعية للقتل.

وأشارت لتكرار نفس السيناريو في رمضان 2022، حين رفضت الشرطة الإذن بأداء صلاة الجمعة بينما يمر موكب "رام نافامي" في منطقة جاهانجيربوري بشمال غرب دلهي لتقع أعمال عنف طائفية شديدة حينئذ.

دعاة التفوق الإسلامي!

ومع هذا حاولت صحف وقنوات هندوسية إظهار الأمر وكأن المسلمين، الذين وصفتهم بأنهم "دعاة التفوق الإسلامي" هم من اعتدوا على الهندوس خلال موكبهم الديني ثم أحرقوا متاجرهم، وفق زعم صحيفة "opindia" في 4 أبريل 2023.

وعقب اليوم الأول للهجمات الهندوسية، زعمت الصحيفة في 31 مارس أن "الإسلاميين دعاة التفوق الإسلامي"، قادوا الهجمات على مواكب رام نافامي لأن "رام" أصبح رمز المقاومة الهندوسية الحديثة.

زعمت أنهم هاجموا الموكب لأنه احتفال بعيد راما، أحد أشهر آلهة الهندوس، "بصفته أقوى رمز للنهضة الهندوسية الحديثة ضد دعاة التفوق الإسلامي والانحطاط الغربي والأرثوذكسية في الشرق الأوسط"، وفق وصف الصحيفة.

اتهموا "الإسلاميين" بأنهم هاجموا مواكب رام نافامي أثناء عبورهم المناطق ذات الأغلبية المسلمة، في 7 مناطق، ورشقوا الموكب بالحجارة.

زعمت الصحيفة أن بعد "الاستعمار المسيحي وقرون من الاستبداد في ظل اللصوص الإسلاميين، سعى العديد من المفكرين والمصلحين الهنود لإحياء الهندوسية فظهر مفهوم النهضة الهندوسية الحديثة، وأصبح راما هو رمزها، لذا يهاجم المسلمون موكبه".

وادعت أن "الدافع النهائي للإسلاميين هو إخراج الهند من أصولها الهندوسية التي تعود إلى آلاف السنين وتحويلها إلى دار الإسلام".

وتشهد الهند، منذ أكثر من عامين، حملات اضطهاد واسعة وأعمال عنف ضد المسلمين، تقف وراءها مليشيات هندوسية متطرفة تتبع عقيدة "هندوتفا" العنصرية.

وقالت منظمات حقوقية هندية إن هذه العقيدة، التي تعتنقها قيادة البلاد المتمثلة في حزب "بهاراتيا جاناتا"، تهدف إلى تمييز الهندوس عن بقية الأقليات في الهند.

وعلى مدار الشهر الكريم، تنفذ مجموعات هندوسية متطرفة هجمات مبرمجة ضد مساجد ومنازل ومتاجر المسلمين، وهم ينشدون "أغاني الزعفران" الهندوسية التي تدعو إلى قتلهم وترحيلهم من البلاد.

وجاء ذلك في محاكاة وتطبيق لقانون للجنسية الذي أصدرته الحكومة عام 2019، وقوض دستور الهند العلماني، عبر سماحه بإقصاء المسلمين المهاجرين من دول مجاورة وإبعادهم.

ويشرف على هذه الاعتداءات الممنهجة في رمضان، متطرفو جماعة "آر إس إس" المتشبعون بعقيدة "هندوتفا" الهندوسية العنصرية.

وفي رمضان 2022 احتشدت أيضا مجموعة من المتعصبين الهندوس المتشحين بأوشحة "الزعفران" التي تميز الجماعات القومية الهندوسية، أمام جامع في جهانجيربوري تقام داخله صلاة التراويح ملوحين بالسيوف والمسدسات في الهواء.

وردد المتطرفون الهندوس هتافات مسيئة، وشغلوا الموسيقى بصوت مرتفع عبر مكبرات الصوت للتشويش على المصلين المسلمين، ومحاولة تعليق أعلامهم العنصرية على المسجد ويهددونهم ملوحين بالبنادق والسيوف.

لم يكتفوا بإطلاق عبارات مسيئة للمسلمين وتشغيل مكبرات الصوت بل رفضوا الرحيل قبل إجبار المسلمين على قول "جاي شري رام'"؟ (أي النصر للإله رام)، بحسب ما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" في 20 أبريل 2022.

مهرجانات للعنف

وقد اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته 5 أبريل 2023 حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي الحاكم في الهند باللجوء إلى استخدام المهرجانات الهندوسية للعنف ضد المسلمين.

قالت إن الحزب الحاكم يستغل هذه المهرجانات الدينية بشكل متزايد لحشد أنصاره لممارسة العنف والتحريض ضد المسلمين، داعية السلطات إلى التحقيق في الانتهاكات ومحاسبة الجناة.

وأكدت "هيومن رايتس ووتش" أن ما يشجع المتظاهرين الهندوس على العنف ضد المسلمين هو "شعورهم بالحماية السياسية التي تمنحهم الإفلات من العقاب"، في إشارة إلى حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم كراعٍ لاستمرار تلك الانتهاكات.

وقالت المنظمة الحقوقية إن "السجلات أظهرت أن المسلمين عادة ما يكونون مستهدفين ظلما من قبل السلطات".

واستشهدت بامتناع أجهزة حزب بهاراتيا جاناتا عن ردع التحريض والاعتداءات الهندوسية، ومعاقبة المسلمين المستهدفين بدلا من ذلك من خلال هدم ممتلكاتهم أو اعتقالهم أو جلدهم أمام العامة.

واستنكرت تلويح الهندوس بأسلحتهم وترديد شعارات معادية للمسلمين عند مرورهم بالأحياء المسلمة في المهرجانات الدينية الهندوسية، والتي كان آخرها مهرجان "رام نافام" الهندوسي، الذي تزامن هذا العام مع شهر رمضان المبارك.

و"أعمال العنف الطائفية التي اندلعت في ولاية بيهار شرقي البلاد وأسفرت عن جرح واعتقال العشرات، حيث أضرم حشد من الهندوس النيران في مدرسة العزيزية التي يعود تأسيسها لأكثر من قرن".

ووصفت هيومن رايتس ووتش الهند بأنها دولة ذات "حكم استبدادي" نظرا لمظاهر العنف المتزايدة ضد الأقليات، وقمع المدنيين المسلمين.