باتيلي يقامر عليهم.. هل يقود صانعو الأزمة الليبية البلاد إلى الانتخابات؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على المبادرة الأممية الجديدة لحل الأزمة في ليبيا، مدعيا أن الأمم المتحدة تبدو أنها فقدت عقلها بمقامرتها على صانعي الأزمة من أجل تمهيد الطريق لعقد الانتخابات أواخر 2023.

ومنذ سنوات تعيش ليبيا أزمة سياسية معقدة تتمثل أحدث صورها في صراع بين حكومة كلفها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، وحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

مسار شائك

وقال الموقع في تقرير بنسخته الفرنسية، إنه في وقت تنزلق فيه البلاد تدريجيا إلى نزاع مزعزع للاستقرار في المنطقة، أعلن المبعوث الأممي لليبيا عبد الله باتيلي، في فبراير/ شباط 2023، عن خطته لحل الصراع التي طال انتظارها.

ورأى الموقع أن المشكلة هي أنها تحمل تشابها كبيرا مع الخطة الأممية السابقة، التي فشلت فشلا ذريعا في عام 2021، حسب الموقع.

وبينما تعد الأمم المتحدة تكرار هذه الخطة في بيئة أكثر صعوبة فكرة جيدة، فإن مراقبين آخرين أكثر قلقا بشكل ملحوظ، يضيف التقرير.

فبعد كل شيء، إذا فشلت الخطة فسوف تنغمس ليبيا مرة أخرى في الوضع الذي ساعد أخيرا في تأجيج أزمة الهجرة لإيطاليا، وزعزعة استقرار منطقة الساحل، وتأجيج الوضع شرق البحر المتوسط​.

"بل حتى قد يصل الوضع إلى جعل ليبيا مركزا عسكريا تابعا لروسيا، مطلا على البحر المتوسط"، حسب ميدل إيست آي.

وفي الواقع، كانت خطة باتيلي للذهاب بليبيا نحو إجراء الانتخابات هذا العام 2023، قيد الإعداد منذ أكثر من ستة أشهر.

وعلى الرغم من تأرجح ليبيا على حافة أزمة وتجدد الصراع عندما تم تعيينه في سبتمبر/ أيلول 2022، إلا أن الأكاديمي والدبلوماسي السنغالي كان مصرا على أن يكون منهجيا. 

وكان لديه سبب وجيه لتوخي الحذر، بالنظر إلى أن الكثيرين يعتقدون أن هذه هي الفرصة الأخيرة لليبيا للذهاب إلى صناديق الاقتراع، حسب التقرير.

ولذلك ظل المبعوث الأممي الجديد "في وضع الاستماع" لعدة أشهر لمختلف القوى السياسية الفاعلة في ليبيا.

حيث أجرى جولات إلى مختلف السلطات السياسية الليبية، وأمراء الحرب، ومنظمات المجتمع المدني، والدول المنخرطة في الشأن الليبي للاستماع إلى مقترحاتهم.

لكن بعد ذلك، وعندما باتت الساحة الليبية لا تتحمل هذه المماطلة، أعلن "باتيلي" عن خطته أمام مجلس الأمن الدولي في 27 فبراير/شباط 2023.

ورأى الموقع البريطاني أن "باتيلي" قد شخَّص المشاكل الكامنة وراء الصراع المعقد الذي ابتليت به ليبيا بشكل صحيح.

واعترف المسؤول الأممي أن هناك إحباطا عاما لدى الليبيين من طبقتهم السياسية المتعنتة، وازدواجية هذه الطبقة، وحقيقة أن نجاح الانتخابات يعتمد على الشعور بالمصداقية والأمن وإشراك الجميع.

لكن حله– الذي تمثل في تشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى لتوجيه البلاد نحو الانتخابات– لا يبدو أنه يناسب تشخيصه للأزمة في ليبيا.

"وتضم هذه اللجنة مجموعة واسعة من الشخصيات الليبية، سواء كانوا أعضاء في المجتمع المدني أو شخصيات سياسية فاسدة أو ناشطات نسويات أو حتى مجرمي حرب"، وفق توصيف التقرير.

وبدورها، فإن هذه المجموعة الانتقائية مسؤولة عن القيام بكل شيء، من حل القضايا القانونية المتعلقة بالانتخابات، إلى وضع خارطة طريق مفصلة، واتخاذ الترتيبات الأمنية اللازمة للتصويت، وحتى إعادة توحيد ليبيا، كل ذلك قبل نهاية العام الجاري 2023.

وعلى الرغم من معرفتها بأن الطبقة السياسية الليبية فقدت شرعيتها وقادت إلى انهيار البلاد، فإن الأمم المتحدة تضع ثقتها مرة أخرى في هذه الطبقة للذهاب بالبلاد إلى الانتخابات. 

ووفق التقرير، فإن ما قام به "باتيلي" هو مجرد تكرار لملتقى الحوار السياسي الليبي السابق برعاية الأمم المتحدة، لكن دون استخلاص أي دروس منه، بل على العكس من ذلك، فهو يسير بذات الديناميكيات التي فشلت في السابق.

مهمة معقدة

وحسب الموقع، فإن هذه المجموعة الكبيرة والمتنوعة التي وضعها "باتيلي" سيتضح بشكل سريع أنها غير عملية، بينما ستؤدي قائمة المهام الطويلة وغير المحددة بشكل جيد إلى ركودها.

وفي الوقت نفسه، لا توجد ضمانات لمنع الجهات الفاعلة القوية والمعادية العاملة في ليبيا من إفساد العملية ونتائجها، كما حدث مع ملتقى الحوار السياسي الليبي.

والأسوأ من ذلك، أن السلطة العليا لهذه المجموعة وقائمة صلاحياتها الواسعة تعني أن المشاركين ليس لديهم حافز لتنظيم الانتخابات فعليا، أو التخلي عن سلطاتهم الجديدة، وهي مشكلة شائعة في ليبيا.

أخيرا، وعلى الرغم من أنها داخلة في تمثيل هذه المجموعة، فإن السلطات الليبية الحالية ستتنازع بشكل انتهازي مع الهيئة لأنها تنتهك سلطتها القانونية.

وهي في ذلك مدفوعة بمصالحها الذاتية، فالصلاحيات المخولة للسلطات الليبية ستضعفها تلك السلطات الممنوحة للهيئة الجديدة.

 

وحسب التقرير، فإن النتيجة الأكثر ترجيحا لخطة "باتيلي" هي أن تُضاف المجموعة الجديدة إلى مجموعة المؤسسات السياسية الليبية المعقدة بالفعل، والمطعون في شرعيتها.

"هذا فضلا عن أنها ستكون بمثابة منصة جديدة للمفسدين التاريخيين في ليبيا لمواصلة فسادهم"، يضيف الموقع.

وألمح إلى أن ولع الأمم المتحدة بتجربة الشيء نفسه وتوقع نتائج مختلفة لا يقتصر على الحالة الليبية فقط.

فقد تم تصميم الدعامة الأساسية للمكون الأمني ​​للأمم المتحدة في ليبيا، وهي اللجنة العسكرية المشتركة، على غرار هيكل يمني مماثل، تجمع برعاية خليجية عام 2011.

وهناك، انهارت في نهاية المطاف فكرة اختيار ضباط من فصيلين عسكريين، بطريقة خرقاء، لتأسيس مشاريع مشتركة ودعم تعافي اليمن.

وعلى الرغم من أن اللجنة العسكرية المشتركة في ليبيا تتبع نفس المسار، إلا أن "باتيلي" وسع نطاق اختصاصاتها في تأمين الانتخابات، بل وحتى تسييسها من خلال إشراكها في عمل اللجنة الانتخابية. 

"وتبدو هذه النية مثيرة للإعجاب، لكن التنفيذ يأتي بنتائج عكسية خطيرة"، حسب الموقع.

فنظرا لضعف اللجنة العسكرية المشتركة، فإن توسيع سلطتها لن يؤدي إلا إلى تحريض القوى القوية الراسخة في ليبيا ضدها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع المدني- المُخنوق بالفعل في الفضاء المدني الليبي والمستمر في الانكماش- سيتم تكميمه، تحت ذريعة إجراء حوار مع الجيش.

وفي الأخير، فإن عسكرة المكون السياسي تثير تساؤلات حول مبدأ خضوع الجيش للقيادة المدنية، وهو مبدأ يجب أن تروج له الأمم المتحدة، لأن الليبيين قاتلوا وماتوا من أجله.

وأكد الموقع أن خطة باتيلي هي أحد أعراض نظام الأمم المتحدة، الذي يمنح البيروقراطيين سلطة صياغة الحلول الإجرائية- خلف أبواب مغلقة- لمشاكل هم ليسوا على دراية بها أصلا.

فرصة وحيدة

ولسوء الحظ، فإن هذه الخطة هي الطريقة الوحيدة الآن لإنقاذ مصداقية الانتخابات في أعين الشعب الليبي المحبط، ولحماية التحول الديمقراطي في ليبيا من نخبها الفاسدة وداعميهم الانتهازيين.

لذا، وعلى الرغم من أن هذه الخطة خاطئة بشكل واضح، فإنه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين التعايش معها.

لأن القيام بخلاف ذلك من شأنه أن يتسبب في حدوث تصدعات، يمكن للجهات الخبيثة استغلالها لمواصلة منافساتها الصفرية على الدولة الليبية الثرية الهشة، حسب الموقع.

وإذا فشلت خارطة الطريق هذه، فسوف تعود ليبيا إلى الخلافات حول نفطها وثروتها، مما قد يؤدي بسهولة إلى اندلاع حرب دولية تستعصي على الحل.

لذلك، يجب على أولئك الملتزمين باستقرار ليبيا، أو الذين يدعمون الديمقراطية على المستوى الإقليمي تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا الوضع السيئ.

ويتضمن ذلك، الضغط لضخ الخبرات اللازمة لإعانة الأمم المتحدة في مهمتها، والتخفيف من عيوب الخطة أثناء تنفيذها، وبناء جبهة دولية لإجبار المخربين على الانصياع.