قوة ناعمة واستعداد للتطبيع.. هذه ملامح الشراكة الجديدة بين السعودية وماليزيا

أبرز موقع أميركي أبعاد زيارة رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، إلى السعودية، موضحا مصالح كل طرف لدى الآخر.
وقام إبراهيم بزيارة إلى المملكة استمرت 3 أيام، من 22 إلى 24 مارس/ آذار 2023، تلبية لدعوة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
ورافق رئيس الوزراء في الوفد الماليزي عقيلته وان عزيزة وان إسماعيل، ووزير الخارجية زامبري عبد القادر، ووزير الاتصالات الرقمية فهمي فاضل، وعدد من المسؤولين في الحكومة.
وضع متشابه
وقالت وزارة الخارجية الماليزية إن "هذه الزيارة تعكس العلاقة الخاصة والطويلة التي تجمع بين المملكة وماليزيا، وهي فرصة متميزة للطرفين لتعزيز العلاقات المشتركة والتنسيق بينهما بما يحفظ مصالح البلدين في مختلف المجالات".
وتعتبر السعودية أكبر شريك تجاري ومصدر للواردات لماليزيا في منطقة غرب آسيا، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 45.52 مليار رنجيت (دولار) في العام 2022.
وذلك بزيادة تبلغ 159.2 بالمئة مقارنة بالعام 2021 إذ سجل التبادل التجاري حينها 17.56 مليار رنجيت.
وفي تقرير له، قال موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي، إن كلا من كوالالمبور والرياض "في أوضاع جيوسياسية واقتصادية متشابهة، كما أن مخاوفهما متماثلة، ولديهما حاجة إلى إعادة هيكلة اقتصادهما".
وأضاف "فكلاهما في فترة انتقالية للتحول الاقتصادي من وضع قائم على النفط والوقود الأحفوري، إلى وضع أكثر تطورا، وموجها نحو المستقبل".
وهذا يجعل لديهما حاجة إلى استثمارات ضرورية في الرقمنة وغيرها من المحركات الاقتصادية، حسب الموقع الأميركي.
وأكد إبراهيم، في تصريحات صحيفة، أن ماليزيا تتمتع بعلاقات ممتازة مع المملكة، بما في ذلك الشؤون التجارية والمصرفية والأنشطة الإسلامية، مشيرا إلى رغبة بلاده في تعزيز العلاقات مع الرياض.
وفي حين أن ماليزيا محاصرة إلى حد كبير بين بكين وواشنطن، فإن السعودية تتمتع بنفوذ وقدرة أكبر على المناورة في تحديد مسارها بين الصين والولايات المتحدة، وذلك بفضل سيطرتها على إنتاج النفط وتأثيرها في منظمة "أوبك"، حسب التقرير.
وتابع: "كما أن مكانتها القيادية الإقليمية وقدرتها العسكرية، فضلا عن قدراتها المالية الضخمة يجعلها أكثر تفوقا ولديها المزيد من الخيارات بالمقارنة مع ماليزيا".
هذه القدرات "قد تمكّن السعودية من جني فوائد الضمانات الغربية، وتعهدات بكين في السوق ورأس المال المشترك في الوقت نفسه"، يضيف التقرير.
أهداف السعودية
ووفق التقرير، فإن "حملة التحول الجديدة في المملكة ستستند إلى أسس ومعايير اقتصادية جديدة، حيث تتركز على الاقتصاد الرقمي والأخضر، مع التركيز على التكنولوجيا المتطورة، والتقدم العلمي".
وأشار إلى أن "طموحات ابن سلمان مهدت الطريق لموجة غير مسبوقة من التحول المؤسسي والهيكلي، والتي انعكست في رؤية 2030".
وتقوم هذه الرؤية "على تغيير صورة المملكة، وإنشاء مدينة نيوم المستقبلية، والسعي لتأسيس شركة طيران سعودية جديدة، هذا فضلا عن استعداد السعودية للتطبيع مع إسرائيل"، وفق الموقع الأميركي.
وتشير هذه الخطوات إلى "نية السعودية إطلاق مرحلة من التجديد، تظهر فيها بصورة حداثية، ويقل فيها التوتر الإقليمي، لبناء نفسها كقوة جديدة".
وألمح التقرير إلى أن "الرياض لطالما نظرت إلى ماليزيا بصفتها شريكا حيويا من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية، وكساحة للقوة الناعمة".
وأضاف الموقع أن "هناك مجالات تعاون رئيسة بين الطرفين، إذ إن قدرة ماليزيا في مجالات تكنولوجيا المستقبل تعتبر عنصرا حيويا في حملة التحديث السعودية".
وتشمل قدرات ماليزيا تصنيع أشباه الموصلات والرقائق الدقيقة، والأمن الغذائي، والاقتصاد الرقمي والأخضر والتعليم العالي، ومجالات البحث المهمة.
ووفق "يوراسيا ريفيو"، فإن الاستثمارات في البنى التحتية الرئيسة بالإضافة إلى المجالات الهندسية المتقدمة والبحوث المشتركة تظل اهتماما مشتركا بين الرياض وكوالالمبور، حيث يستطيع البلدان الاستفادة من موارد وقدرات بعضهما البعض.
وأشار الموقع الأميركي إلى أن "السعودية، وأثناء عملها على إعادة تعريف قوتها الناعمة، فإنها ستحتاج إلى الجاذبية التي يمثلها الإسلاميون المعاصرون في ماليزيا".
علاوة على ذلك، "تريد السعودية الاستفادة من منطقة جنوب شرق آسيا لأهداف اقتصادية وجيوسياسية على حد سواء، وذلك لما تمثله هذه المنطقة من وجود طرق تجارية نفطية مهمة وضرورية للسعودية؛ لضمان أمن الغذاء، وأمن الطاقة الجديدة".
"أما المجالات الأخرى التي ستكون حاسمة والتي تستعد ماليزيا للعب دور فيها فهي التمويل الإسلامي والأعمال المصرفية والحوكمة، وإستراتيجية التنمية الريفية الحضرية، وتمكين الشباب، وحقوق المرأة، ومجال التنمية الإسلامية المتوازنة والحديثة"، يضيف التقرير.
أهداف ماليزيا
في المقابل، تحتاج ماليزيا إلى السعودية فيما يخص رأس المال والاستثمار في المجالات المشتركة للتكنولوجيا المتقدمة والاقتصاد الرقمي.
وستكون تنمية رأس المال البشري ومجالات البحث عالية التأثير بما في ذلك الابتكارات العلمية والتعليم العالي مجالات تركيز مهمة بين الطرفين، حسب التقرير.
كما أنه من المتوقع أن تعمل شركة "أرامكو" السعودية، و"بتروناس" الماليزية على تعميق الشراكات والمشاريع المشتركة التي تتضمن الانتقال إلى والاستثمار في الطاقة الجديدة، والتركيز على الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.
كذلك، ترغب ماليزيا في تعزيز مكانتها كقوة إسلامية عالمية، ولعب دور قيادي أكبر في منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي، وبين الدول الإسلامية بشكل عام.
ومن خلال تعميق علاقاتها مع الرياض، ستستمر كوالالمبور في تعزيز صورتها الإسلامية التقدمية وجاذبية نموذجها الخاص، وهذا بدوره سيمنح إبراهيم فرصة لتعزيز مكانة بلاده في العالم الإسلامي، الأمر الذي سيدعم مزيدا من الشراكات الاقتصادية والفرص الاستثمارية لماليزيا في عهده.
"كما ستستفيد كوالالمبور من الحفاظ على العلاقات التاريخية الوثيقة مع الرياض، والانضمام إلى مسار التحديث الذي تتبناه السعودية، من خلال الاعتماد على تبادل المنافع في المجالات الحيوية"، يضيف "يوراسيا ريفيو".
ويشمل هذا، قدرة ماليزيا على نقل خبراتها في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وإبراز الإسلام المعتدل، ودعم وضمان الأمن الغذائي، ومرونة سلاسل التوريد التي ستكون ضرورية للرياض.
ويرى التقرير أن "السعودية لا تواجه أي تهديد حقيقي في الوقت الحالي، مع سلسلة التحركات الدبلوماسية الإقليمية مع كل من إيران وإسرائيل وسوريا أخيرا".
واستطرد أنه "مع تزايد التحديات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية الداخلية وعدم المساواة، وارتفاع معدل البطالة، وزيادة نسبة فئة الشباب -الذين يصعب تحقيق مطالبهم واحتياجاتهم الجديدة- تدرك المملكة أن مستقبلها مليء بالتحديات".
وختم الموقع بالإشارة إلى أن "هذا يمكن ملاحظته في سعي ابن سلمان لترسيخ القومية السعودية، والسعي لوضع خطة جديدة لتطوير المملكة، ستحتاج إلى هجرة رأس المال البشري الماهر، والتكنولوجيا".