أسباب اقتصادية أم طائفية.. ماذا وراء استهداف مسؤولي لبنان اللاجئين السوريين؟

12

طباعة

مشاركة

جدل واسع في الشارع اللبناني بعد تصريح محافظ بعلبك-الهرمل، بشير خضر، عن دخل اللاجئين السوريين في بلاد الأرز، وسط استنكار حقوقي لهذا الاستهداف اللفظي المتصاعد. 

وتراوح الجدل بين منتقد للمحافظ المنحدر من الطائفة العلوية والمقرب من النظام السوري، ومؤيد له على اعتبار أن تكلفة لجوء السوري في لبنان "باتت باهظة جدا".

ورأت شريحة واسعة أن ما قاله المحافظ يندرج ضمن "الحملة العنصرية التحريضية" ضد اللاجئين السوريين، مقابل فئة أخرى عدته دليلا إضافيا على الأعباء والضغوطات التي تسبب بها "النزوح". 

كلفة عالية

كلام خضر أتى ردا على مطالبة منسق مخيمات النازحين في عرسال شرق لبنان على الحدود مع سوريا، بزيادة الدعم للنازحين الذين يعانون أوضاعا صعبة، وذلك أثناء انعقاد لقاء تنسيقي للجمعيات الإنسانية ضمن المحافظة، في 17 مارس/ آذار 2023.

وأشار خضر في رده إلى أن راتبه الشخصي من الحكومة اللبنانية "أقل من راتب النازح السوري" الذي يتقاضاه من الأمم المتحدة.

وحظي المقطع التسجيلي لكلام خضر بانتشار واسع على منصات التواصل الاجتماعي، معيدا إحياء الجدل بين اللبنانيين حول قضية "النزوح السوري".

وتشير بعض التقديرات غير الرسمية الى أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يبلغ قرابة المليوني نسمة، وهو ما يشكل تقريبا نحو ثلث عدد الشعب اللبناني المقدر بنحو ستة ملايين. 

علاوة على ذلك، فإن تصريح المحافظ أدى إلى سجال لبناني سوري متجدد على شبكات التواصل الاجتماعي، وسط استخدام مصطلحات تنضح بالعنصرية والفوقية من قبل عدد من المغردين اللبنانيين وخاصة المسيحيين منهم.

وفي تصريحات لموقع "العربية نت" في 21 مارس/ آذار 2023، أعاد محافظ بعلبك-الهرمل، التأكيد على ما قاله بحق اللاجئين.

ورأى أن كلامه هو "تعبير عن وجع يعاني منه موظفو القطاع العام الذي ينتمي إليه وليس عن عنصرية". 

وزاد عليه بتحميل من أسماهم بـ"النازحين"، قسطا من مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يعاني منه لبنان، قائلا "النازح السوري يتحمل جزءا من الانهيار الذي وقع فيه البلد، لأن كلفة النزوح على الاقتصاد اللبناني أكثر من 50 مليار دولار".

وأجرى خضر مقارنة ارتجالية بين اللبنانيين واللاجئين السوريين في الحصول على الخدمات الطبية والتعليمية، قائلا: "إذا أردت دخول مستشفى، يتوجب علي تأمين مبلغ بالدولار الفريش". 

واستطرد: "في حين أن النازح السوري يدخل إلى المستشفى على نفقة مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة دون أن يدفع دولارا واحدا".

وأضاف "خسر الطلاب اللبنانيون في المدارس الحكومية عامهم الدراسي بسبب إضراب الأساتذة، في حين أن الطلاب النازحين يواصلون التعليم، لأن الجهات المانحة تدفع للأساتذة بالدولار لتعليمهم". 

ولفت خضر إلى "إحصاءات حديثة تشير إلى أن 45 بالمئة من النازحين في البقاع شرق لبنان هم دون الـ15 عاما، أي أنهم ولدوا في لبنان بعد اندلاع الحرب في سوريا. 

وخلص إلى أن "الدعم الذي يتلقاه النازحون من الجهات الدولية المانحة يشكل أحد العوامل الرئيسة في زيادة معدل الولادات"، وفق قوله.

تحريض مقصود

في المقابل، أشار الخبير والمستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومحاربة الفقر، أديب نعمة، إلى أن هناك "كذبا وتحريضا مقصودا تجاه النازحين بهدف الشحادة (التسول)".

وأوضح نعمة، لموقع "العربية نت" السعودي في 21 مارس/ آذار 2023 أن "هناك فئة من اللبنانيين تضم سياسيين وحزبيين وموظفين يحرضون ضد النازحين، ويلقون باللوم عليهم بأنهم سبب الانهيار الاقتصادي في وقت خلق النزوح فرص عمل للبنانيين تحديدا في مناطق كانت غائبة عن خريطة الإنماء".

ولفت إلى أن "مظاهر العنف التي نراها تجاه النازحين في بعض المناطق مقصودة ولأهداف مشبوهة".

وعد نعمة أن "من يضطهد النازح السوري هو نفسه من يضطهد المواطن اللبناني". 

من جهتها، أوضحت المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، دلال حرب، أن "المساعدات النقدية للعائلات الأكثر ضعفا من اللاجئين تبلغ مليونين و500 ألف ليرة لبنانية (نحو 23.5 دولار)، بغض النظر عن عدد أفراد الأسرة".

وأضافت حرب لموقع "العربية" في 21 مارس 2023 أن "عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية هو 814 ألفا و715 لاجئا". 

يشار إلى أن الأمن العام اللبناني نظم سابقا رحلات عودة لعدد من اللاجئين تحت عنوان "العودة الطوعية"، إلا أن عددهم "كان ضئيلا جدا". 

وفي هذا الإطار، اتهم المحافظ خضر بعض الجمعيات الدولية بـ"تخويف النازحين من العودة"، وذلك من خلال زيارات لمندوبيها لخيم النازحين في مناطق عدة لشرح التداعيات السلبية لعودتهم إلى سوريا.

الإحصائية التي أشار إليها المحافظ هي عبارة عن مسح ميداني أجراه "اتحاد بلديات دير الأحمر" شرق لبنان، بالتعاون مع فريق إحصائي، ونشر أخيرا في وسائل الإعلام اللبنانية. 

وشمل المسح عينة إحصائية لـ655 خيمة للنازحين ضمن بلدة دير الأحمر، بلغ عدد اللاجئين فيها 3 آلاف و728 نازحا، من ضمنهم 1728 دون 15 عاما، ما يشكل نسبة 48 بالمئة من إجمالي اللاجئين.

وهذا يعد أكثر بكثير من الأسر اللبنانية، حسب تقرير لصحيفة "النهار" المحلية في 17 مارس/ آذار 2023. 

انفجار سكاني

وأوضح رئيس "اتحاد بلديات دير الأحمر"، جان فخري، أن "لبنان يتجه نحو انفجار سكاني، وفق تحليل هذه الأرقام التي تثير الهلع في الزيادة المتسارعة لعدد النازحين في السنوات القادمة". 

وأضاف لصحيفة "النهار" أنه "يجب تسليط الضوء على المسألة بعيدا عن العنصرية، فهي أعمق من أرقام لارتباطها بالتركيبة السكانية وتغيير ديموغرافي للبنان وهويته ضمن هذا الدمج المقنع للنازحين". 

كما لفت فخري إلى أن "تقديمات (مساعدات) المنظمات الدولية المغرية للنازحين شجعت على الإنجاب". 

وقال الصحفي اللبناني، سامر زريق: "ما جرى هو جزء من مشهدية لبنانية تحظى بدعم رسمي تهدف إلى الضغط على المجتمع الدولي والجهات المانحة من أجل دعم الحكومة اللبنانية بالأموال لتغطية تكاليف النزوح". 

وأضاف زريق في حديث لـ"الاستقلال" أن "الإحصائية المشار إليها أجريت في منطقة قريبة من الحدود مع سوريا، لذا فمن البديهي أن تكون كثافة النازحين في تلك المناطق عالية، لكن ذلك لا يمكن تعميمه على كل المدن والمناطق اللبنانية". 

وتابع: "مع ذلك فإن المناخ العام المحلي مشحون بشدة تجاه النازحين، كما هو الحال في تركيا والأردن، وإن كان بشكل أشد في لبنان، وذلك نابع من الخطاب الفوقي والعنصري الذي تشتهر به النخب المسيحية اللبنانية". 

ورأى زريق أن "الحديث عن دمج النازحين أو توطينهم المراد منه إخافة المسيحيين من التفوق الديموغرافي الكبير للمسلمين، وجعلهم يلتصقون أكثر بأحزابهم اليمينية رغم سياساتها الكارثية". 

وتساءل باستنكار: "إذا كان لبنان لا يزال من الدول القليلة التي ترفض إعطاء الزوجة حق منح جنسيتها لزوجها لأسباب طائفية ديموغرافية، فما بالكم بالحصول على الجنسية لعائلة غير لبنانية بالكامل؟".

واستطرد: "مع العلم أن آخر مراسيم التجنيس الذي أقرته السلطات اللبنانية عام 2018 كان حافلا بالفضائح وبيع الجنسية لمن يدفع المال، وكان بينهم رجال أعمال سوريون مقربون من نظام بشار الأسد".

وفي السياق، أتى كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، خلال مقابلة تلفزيونية في 21 فبراير/ شباط 2023، عن تقرير ورد إلى البطريركية المارونية يشير إلى أن نسبة المسيحيين في لبنان باتت أقل من 19.4 بالمئة "ليزيد الطين بلة". 

ومنح ميقاتي بكلامه هذا مشروعية لكل المخاوف التي تثار على الصعيد المسيحي، والتي تتحدث عن مخططات لإبعادهم عن مناصب أساسية وقيادية وحساسة، وأن توطين اللاجئين السوريين جزء من هذه الخطط.

خطاب عنصري

ورأى رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، أن تصريحات المحافظ خضر "عنصرية ويحرض على الكراهية، والهدف منه تبرئة الزعماء والمسؤولين الحقيقيين عن الأزمة الاقتصادية في لبنان". 

وقال الأسمر لموقع "الحرة" إن "الإحصاءات التي يتم إعدادها في لبنان لا يعتد بها، فالسلطة اللبنانية التي تعجز عن إحصاء عدد اللبنانيين كيف ستتمكن من إحصاء عدد اللاجئين وولاداتهم؟". 

وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، فإن "أكثر من 90 بالمئة من النازحين السوريين يعيشون في فقر مدقع، ويعتمدون على الاقتراض والديون المتزايدة للبقاء على قيد الحياة".

من جانبها، ذكرت الصحفية راكيل عتيق في مقالة لها بصحيفة "نداء الوطن" اللبنانية في 13 مارس/ آذار 2023 أنه "حتى نهاية عام 2022، وثقت ولادة 196 ألف سوري في لبنان من عائلات نازحة، هذا عدا عن الولادات غير المعروفة، وولادات السوريين المقيمين من غير النازحين".

وأضافت "حتى العام 2017 لم تتخط نسب تسجيل ولادات النازحين 17 بالمئة، فيما وصلت هذه النسبة إلى 36 بالمئة أواخر عام 2022". 

وتابعت: "لأن كل مولود لا يسجل على أنه سوري يعد بعد فترة "مكتوم القيد" (أي بلا أوراق ثبوتية لبنانية)". 

ولفتت عتيق إلى أن "وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية أعدتا خطة لتسجيل كل ولادات النازحين، وذلك بالشراكة مع باقي الوزارات والمنظمات الدولية، من أجل إبعاد شبح التوطين من باب (مكتومي القيد) السوريين". 

وتوقفت عند المخاطر الكبيرة التي ينتجها وضع "مكتومي القيد"، الذي ينتقل من جيل إلى آخر، قائلة إن "مكتوم القيد لا يستطيع أن يعود إلى بلده ولا أن يوطن في دولة ثالثة بغياب الأوراق الثبوتية اللازمة". 

بالإضافة إلى "مخاطر التوطين الذي يصبح واقعا إذا لم يتم تسجيل هؤلاء المواليد".

ضغوطات متواصلة

وعلى خط مواز، أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات، يانيز لينارتشيتش، عن "تقديم 60 مليون يورو كمساعدات إنسانية للفئات الأكثر ضعفا في البلاد، بمن فيهم اللاجئون السوريون والمعوزون اللبنانيون". 

وأكد لينارتشيتش، في تصريحات صحفية خلال زيارته لبنان في 30 مارس 2023، أن الاتحاد الأوروبي "لن يتخلى عن المحتاجين، ونحن نواصل دعم اللاجئين والمجتمعات المحلية الأكثر ضعفا". 

جاء ذلك بالتزامن مع زيارة وفد برلماني لبناني إلى بروكسل في 26 مارس 2023، لمدة ثلاثة أيام، وتباحثه مع أعضاء البرلمان الأوروبي في قضية "اللاجئين السوريين". 

وكشفت قناة "إل.بي.سي" المحلية أن "الوفد اللبناني تبلغ بمشروع قرار يتعلق بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم سيتقدم به نواب في البرلمان الأوروبي". 

كما أشار عضو الوفد اللبناني، النائب غسان سكاف، إلى أن "كابوس النزوح السوري كان محور لقاءات الوفد مع الاتحاد الأوروبي". 

وأفاد لموقع "النشرة" اللبناني بأن "التفهم الأوروبي كان واضحا". 

وذكر سكاف أن "الاتحاد الأوروبي بصدد التفاهم مع الدبلوماسية السعودية من أجل تضمين تطبيق الاتفاق السعودي – الإيراني بند إعادة تدريجية للنازحين سيقدم الشهر المقبل في اقتراح قانون في الاتحاد الأوروبي". 

وبالموازاة مع ذلك، تستمر عملية الضغط على اللاجئين السوريين، وتصدر المحافظ خضر مرة جديدة هذه الضغوطات. 

وعقد المحافظ في 31 مارس 2023 بمقره اجتماعا ضم قيادات أمنية للبحث في "كيفية وقف مزاحمة اليد العاملة السورية للعمال اللبنانيين في بلدة عرسال الحدودية". 

وعقب الاجتماع، أعلن خضر عن "ضبط ما بين 20 إلى 30 عائلة يوميا من النازحين السوريين إلى المناطق اللبنانية، وهؤلاء يخضعون للإجراءات القانونية والترحيل". 

وطالب بـ"تفعيل الأمن الاستباقي لمواجهة قضية النزوح السوري، لأن الوضع لم يعد يحتمل"، وفق قوله.