تقدم محلي مدفوع برغبة أميركية.. ما فرص توحيد الجيش الليبي قبل انتخابات 2023؟
يبدو أن جهود التسوية في ليبيا دخلت مرحلة جديدة دشنتها الأطياف العسكرية، بعد شروعها في التنسيق لتوفير الظروف المناسبة لتنفيذ مبادرة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي بشأن تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية 2023، عبر توحيد المؤسسات الأمنية لتأمين الاقتراع المنتظر.
وتشهد ليبيا أزمة سياسية تتمثل في تصارع حكومتين على السلطة، الأولى حكومة فتحي باشاغا كلّفها مجلس النواب مطلع 2022، والثانية حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تكلف من قبل برلمان جديد منتخب.
ولحل تلك الأزمة، أطلقت الأمم المتحدة مبادرة تقضي بتشكيل لجنة من مجلسي النواب والدولة، للتوافق على قاعدة دستورية تقود البلاد لتلك الانتخابات، لكن ذلك لم يتحقق.
وبعد نحو عام على ذلك، عادت الأمم المتحدة لإطلاق مبادرة جديدة أعلنها باتيلي في 27 فبراير/ شباط 2023، تهدف للوصول إلى انتخابات ليبية في 2023 وتتضمن "إنشاء لجنة توجيه رفيعة المستوى واعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزم لإجرائها".
وفي إطار المبادرة المدعومة أميركيا دعا باتيلي، أطراف النزاع المنخرطين في مباحثات توحيد المؤسسة العسكرية إلى تقديم الدعم الجماعي لإجراء الانتخابات الوطنية من أجل إعادة الشرعية للمؤسسات الليبية.
ودعت الولايات المتحدة، في 2 مارس/ آذار 2023، القادة الليبيين للتعاطي بإيجابية مع المقترح الأممي الجديد لإجراء الانتخابات قبل نهاية 2023.
وأضافت في بيان لسفارتها في طرابلس أن المقترح الأممي "سيُبنى على التقدّم الذي أحرزه كل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في التوصل إلى قاعدة قانونية للانتخابات".
ومن الواضح أن الأطراف الليبية المتصارعة، وأهمها الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، بدأت تستجيب للضغوط الأميركية، أملا في الحصول على مكاسب مقابل ذلك في التسوية الجديدة، وفق مراقبين.
بناء الثقة
مسلسل توفير بيئة آمنة لإجراء الانتخابات المرتقبة، انطلق عبر عقد اجتماع بالعاصمة طرابلس بين أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) وقيادات من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا مع ممثلين لقوات الشرق بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
وفي 26 مارس 2023، ذكر بيان لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، أن "وزير الداخلية عماد الطرابلسي ترأس اجتماعا حضره المبعوث الأممي لدى ليبيا عبدالله باتيلي وأعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية بالمنطقة الغربية والشرقية".
ولجنة (5+5) تضم 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا ومثلهم من طرف قوات الشرق، وتعقد منذ عامين حوارات داخل وخارج ليبيا لتوحيد الجيش تحت رعاية الأمم المتحدة وذلك تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف في أكتوبر/تشرين الأول 2020 عقب حرب بينهم.
وأبرز بيان وزارة الداخلية، أن هذا الاجتماع يهدف لدراسة سبل "توحيد الجهود من أجل تنظيم الانتخابات ووضع الآليات للتواصل بين الوحدات الأمنية والعسكرية لتأمينها ونبذ الفرقة للخروج بالبلاد لبر الأمان".
اجتماع طرابلس، الذي ناقش دور المؤسسات العسكرية والأمنية في توفير بيئة مناسبة للدفع بالعملية السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال العام 2023، أسفر عن الاتفاق على عدة نقاط.
ومن أهم هذه النقط، حسب البيان الختامي لهذا الاجتماع الأمني، التأكيد على ضرورة أن يكون الحوار ليبيا - ليبيا وداخل الأراضي الليبية مع رفض التدخل الأجنبي في الشأن الليبي.
وشددت أطراف الاجتماع على الالتزام الكامل بكل ما نتج عن الحوار بين القادة العسكريين والأمنيين مع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في اجتماعها الأول في تونس والثاني في طرابلس.
وتم تنظيم اجتماع تونس في 15 مارس 2023، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة وبمشاركة اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 وعدد من قادة الوحدات العسكرية والأمنية في المنطقتين الغربية والشرقية.
البيان الختامي، جدد التأكيد أيضا على نبذ الاقتتال والعنف بأشكاله كافة على كامل التراب الليبي، ومواصلة العمل في طريق توحيد المؤسسات العسكرية من خلال رئاسات الأركان، وتوحيد المؤسسات الأمنية وباقي مؤسسات الدولة.
كما تم الاتفاق على إيجاد حكومة موحدة لكل مؤسسات الدولة الليبية، وزيادة المجهودات لحل مشاكل المهجرين والنازحين والمتضررين من الاقتتال والحروب، واستكمال جهود المصالحة الوطنية وجبر الضرر.
وبعد أن اتفق المشاركون في هذا الاجتماع على عقد الاجتماع القادم خلال شهر رمضان في مدينة بنغازي، تعهدوا على المضي في مسعى الانتخابات، مع حث مجلسي النواب والأعلى للدولة على استكمال الإجراءات المنوطة بهما.
وإثر اختتام الاجتماع، رأى باتيلي، في تغريدة عبر تويتر، أن الاجتماع "بمثابة عملية بناء ثقة مهمة للقيادات الأمنية والعسكرية الليبية".
وأثنى، باتيلي، على "الروح الوطنية التي أظهرها المشاركون"، معبرا عن أمله في أن يكون الاجتماع ونتائجه "قدوة للآخرين الذين يسعون للتوصل إلى حلول للأزمة السياسية في ليبيا".
كان اجتماع الأمس بمثابة عملية بناء ثقة مهمة للقيادات الأمنية والعسكرية الليبية. أثني على الروح الوطنية التي أظهرها المشاركون وآمل أن يغدوا قدوة للآخرين الذين يسعون للتوصل إلى حلول للأزمة السياسية في ليبيا.https://t.co/SY5JxS8xES
— SRSG Abdoulaye Bathily (@Bathily_UNSMIL) March 27, 2023
ثلاثة مسارات
وإذا كان بعض المتتبعين لما يجري بليبيا عدوا اللقاء سابقة من حيث نوعية المسؤولين العسكريين الذين شاركوا فيه، فإن المحلل السياسي الليبي إبراهيم اللاصفير، يرى أن اجتماع طرابلس "يأتي تكملة لسلسلة من اللقاءات والاجتماعات التي عُقدت برعاية أممية".
وأضاف اللاصفير لـ"الاستقلال"، أن هذه الاجتماعات كانت تشتغل على ثلاثة مسارات وهي السياسي والاقتصادي والعسكري.
وأكد أن المسار العسكري يعد في الوقت الراهن من أهم الملفات والمحاور التي يجب توحيدها والعمل على معالجة الإشكاليات المرتبطة به.
وأفاد بأنه لا يمكن تنزيل خطة المبعوث الأممي بإجراء انتخابات قبيل نهاية سنة 2023 إلا بتوحيد الأجهزة والمؤسسات الأمنية والشرطية وأن تكون تحت قيادة واحدة.
ويخشى العديد من الأطراف أن يتعرض مشروع الانتخابات إلى عملية إجهاض من قبل جهات ضاغطة في الواقع المحلي، تتقدمها المليشيات والجماعات المسلحة.
وقال اللاصفير إن "باتيلي يحاول أن يكون حاسما وحازما في نفس الوقت في هذا الملف لأنه يعرف جيدا أنه لو تمكن من تحقيق تقدم ملموس أو حتى تحسن مؤقت في هذا الملف فيمكنه التعويل على إنجاح خطته الأممية والسير بها إلى الأمام".
وتابع أن "الأمم المتحدة ومبعوثها باتيلي يعرفان جيدا أن المشكل في ليبيا على مختلف المراحل كان مشكلا أمنيا عسكريا بحتا".
وأضاف أن القوة العسكرية أقوى من الدولة وتستطيع أن تفرض رأيها على المؤسسات السياسية والأمنية، بمعنى أن "الواقع العسكري أقوى من الواقع السياسي والدبلوماسي في ليبيا".
ورأى اللاصفير أن أساس الأزمة الليبية ليس قانونيا ولا سياسيا ولا قضائيا بل هو مشكل عسكري يتجلى في وجود قوة سياسية تمتلك قوات عسكرية تفوق قوات الدولة ويمكنها فرض واقع سياسي بالقوة العسكرية وتقويض أي محاولة للتقارب السياسي ما لم تكن مرضية لهذه المجموعة.
وتوقع المحلل السياسي، أن تشهد الأيام والأشهر القادمة تطورا وتحولا فارقا في الملف الليبي، مبينا أن المعطيات تقول بأن الانتخابات ستكون قبل نهاية سنة 2023.
وأشار اللاصفير، إلى أن المجتمع الدولي سيعمل على فرض واقع توحيد المؤسسة الأمنية حتى تستطيع السيطرة والإشراف على الانتخابات المرتقبة قبل نهاية سنة 2023 .
رغبة أميركية
وأمام إمكانية تشكل واقع سياسي جديد بليبيا جراء هذا تسارع وتيرة اللقاءات الأمنية، يرى مراقبون أن تنشيط المسار العسكري جاء برغبة أميركية، في إطار مساعيها لتحييد الأزمات الدولية الفرعية وتركيز اهتمام العالم بالصراع مع روسيا والصين.
وفي 24 مارس 2023، أحال الرئيس الأميركي جو بايدن، مشروع قانون استراتيجية منع الصراعات وتعزيز الاستقرار في ليبيا إلى الكونغرس لاعتماده والبدء في تنفيذه.
ويتضمن المشروع الأميركي مجموعة من النقاط والمحاور من بينها مساعدة ليبيا على تكوين "جهاز عسكري وأمني موحد خاضع لسيطرة مدنية مع تحكم مطلق في استخدام القوة القادرة على الحفاظ على الاستقرار والمساهمة في تحقيق أهداف الأمن الإقليمي".
الباحث في العلاقات الدولية البشير الجويني رأى أن بناء جيش ليبي موحد هو مطلب أساسي لكل الليبيين عبر جيش يكون تحت السلطة المدنية ويؤمن بليبيا موحدة ديمقراطية ومدنية يتم فيها التداول السلمي على السلطة.
وأضاف الجويني لـ"الاستقلال"، أنه إذا تمكنت الأطراف الليبية من إنجاح هذه الخطوة الأولى فإنه ستليها خطوات أخرى بشكل آلي سواء ما تعلق بالوجود الأجنبي أو المرتزقة والتي يمكن العمل على حلها في اجتماعات لاحقة.
ورأى الجويني مؤلف كتاب "ليبيا العميقة"، أن توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية هو مسار مهم من بين مسارات أخرى متوازية ومهمة منها المسارين الاقتصادي والاجتماعي.
ورغم تأكيده على أهمية هذه الخطوة، قائلا: "من حيث المبدأ فإن توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية أمر إيجابي ومطلوب ومحمود"، غير أنه لا يجب أن نعطيها أكبر من حجمها لأن حل الملف الليبي يتطلب خطوات أخرى لاحقة، حسب الجويني.
وخلص الجويني إلى القول إن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة، مبينا أنه لا يمكن الاتجاه إلى إجراء انتخابات دون التوفر على حد أدنى من التوافق المجتمعي والسياسي بين مختلف الأطراف ومنها الجانب العسكري.
المصادر
- رسالة من الرئيس جو بايدن بشأن الاستراتيجية الأمريكية لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار
- اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة بعدد من قادة الوحدات العسكرية والأمنية من المنطقتين الشرقية والغربية
- اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة بعدد من قادة الوحدات العسكرية والأمنية في طرابلس
- ليبيا.. اجتماع عسكري في طرابلس لتوحيد جهود تأمين الانتخابات
- توحيد المؤسسة العسكرية وسحب المرتزقة..أبرز نقاط لقاء القيادات العسكرية والأمنية في طرابلس