تراشقات واتهامات.. إلى أي مدى تدهورت علاقات إسرائيل وأميركا؟

حسن عبود | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أخيرا وبشكل نادر، خرجت الخلافات الأميركية الإسرائيلية إلى العلن بعد تراشقات واتهامات مشتركة أنتجت جدلا حادا على مدار الشهور الثلاثة الماضية بين الجانبين.

وبدأت العلاقات بالتوتر مع الإدارة الأميركية الديمقراطية، مع تشكيل بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود (يميني) للحكومة الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول 2023.

والرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن مؤيد بشدة لإسرائيل، لكن ماضي العلاقات بينه وبين نتنياهو ينتابه بعض التوتر، فقد أحرق الأخير الكثير من الجسور مع خصم الجمهوريين خاصة أثناء تولي دونالد ترامب الحكم.

ويعود التوتر أيضا إلى محاولة نتنياهو إعاقة تمرير الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 عندما كان بايدن نائبا للرئيس الأميركي وقتها باراك أوباما.

خلافات معلنة

آخر تفاصيل الخلاف، تمثلت بإرسال بايدن رسالة خاصة و"حازمة" إلى نتنياهو، في خضم الأزمة التي اندلعت بالدولة العبرية بسبب انقسامات حادة حول "التعديلات القضائية".

ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي، في 29 مارس/آذار 2023 عن مصدرين أميركيين وصفهما بالمطلعين، أنه بعد ساعات من توجيه بايدن لتلك الرسالة، خرج نتنياهو على التلفزيون من أجل الإعلان عن تعليق تشريع التعديلات القضائية.

وأورد أن البيت الأبيض كان قد حث نتنياهو طيلة أشهر على أن يتم مشروع التعديلات القضائية في إطار توافق، وهو أمر لم يحصل.

ومنذ 12 أسبوعا، يتظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين ضد خطة "الإصلاح القضائي" التي تدعمها حكومة نتنياهو، وتتضمن تعديلات تحد من سلطات المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية) وتمنح الحكومة صلاحية تعيين القضاة.

ومساء 27 مارس، أعلن نتنياهو على وقع تظاهرات حاشدة وإضرابات واسعة، تعليق إقرار قوانين "إصلاح القضاء" لإفساح المجال أمام حوار مع المعارضة، لكنه قال إنه "لن يتنازل عنها".

وكان من المقرر تمرير خطة "إصلاح القضاء" خلال دورة الكنيست (البرلمان) الشتوية التي تنتهي في 2 أبريل/نيسان 2023.

لكن بعد قرار نتنياهو تأجلت مناقشتها للدورة الصيفية، التي تبدأ 30 من الشهر نفسه وتستمر 3 أشهر، وفق موقع الكنيست.

وأضاف مصدرا موقع "أكسيوس" أن هذه الرسالة من بايدن إلى نتنياهو تكشف التوتر المتزايد بين الدولتين الحليفتين، وكيف أن بايدن كان منخرطا على نحو وثيق في مساعي إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدم المضي قدما في القانون.

وزاد منسوب التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بعدما أقدم نتنياهو على إقالة وزير الجيش في حكومته اليمينية، يوآف غالانت، أواخر مارس 2023، على خلفية تصريحات أدلى بها الأخير بشأن تعديل النظام القضائي، الذي قال إنه يمثل "خطرا مباشرا" على أمن إسرائيل.

وما إن صدر قرار الإقالة، حتى دخل البيت الأبيض في استشارات مكثفة وعاجلة بين مستشاري الرئيس من أجل تحديد طبيعة الرد الممكن على خطوة نتنياهو، وفق موقع "أكسيوس".

وفي 29 مارس، رفض بايدن، ادعاءات تدخل بلاده في شؤون إسرائيل الداخلية، وذلك على خلفية موجة الاحتجاجات التي تشهدها الأخيرة، قائلا: "الجميع يعرف موقف الولايات المتحدة وموقف اليهود في أميركا".

وقال في معرض رده على أسئلة الصحفيين في البيت الأبيض، إنه قلق على "الديمقراطية الإسرائيلية" شأنه في ذلك شأن "العديد من الداعمين بشدة لإسرائيل".

وردا على سؤال عما إذا كان يعتزم دعوة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، قال بايدن: "لا، هذا لن يحدث قريبا"، موضحا أنه لم يتواصل هاتفيا معه، بل أبلغ رسائله له عبر السفير الأميركي في تل أبيب، توم نايديس.

موقف إسرائيل

وبعد هذه التصريحات، رد نتنياهو، بالقول إن "إسرائيل دولة مستقلة تتخذ قراراتها وفقا لإرادة مواطنيها وليس على أساس ضغوط خارجية، وبضمنها من جانب أفضل أصدقائنا".

وكتب نتنياهو على تويتر: "أعرف الرئيس بايدن منذ أكثر من 40 عاما وأنا أقدر التزامه لإسرائيل منذ سنوات طويلة".

وتابع: "الحلف بين إسرائيل والولايات المتحدة صامد وتغلب دائما على خلافات الرأي التي تنشأ بيننا بين حين وآخر. والحكومة برئاستي ملتزمة بتعزيز الديمقراطية بواسطة إعادة التوازن اللائق بين السلطات الثلاث، الذي نتطلع إلى تحقيقه بتوافق واسع".

وإضافة إلى نتنياهو، رد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، في 29 مارس، على الانتقادات الشديدة التي وجهها بايدن.

وقال "نقدر النظام الديمقراطي هناك، ولهذا السبب بالتحديد، فهم بحاجة إلى أن يفهموا أن إسرائيل دولة مستقلة وليست نجمة أخرى على العلم الأميركي".

وأضاف "بن غفير" لإذاعة جيش الاحتلال: "يجب أن يكون واضحا في جميع أنحاء العالم أن الناس هنا ذهبوا للانتخابات ولديهم رغباتهم".

بدوره، قال وزير التربية والتعليم، يوآف كيش، في ذات اليوم إن "جميعنا يحترم الرئيس الأميركي وبإمكانه قول موقفه، ورغم ذلك فإن إسرائيل دولة ذات سيادة وقراراتها تُتخذ هنا".

أما وزير المساواة الاجتماعية والمتقاعدين، عَميحاي شيكلي، فرأى أن "إسرائيل دولة ذات سيادة، وبالإمكان توجيه انتقادات، لكن الذي يقرر من يقودها هو الشعب فقط بواسطة منتخبيه، كما هو الحال في أميركا".

وكتب وزير الثقافة والرياضة، ميكي زوهار، في تويتر أنه "محزن أن الرئيس بايدن أيضا سقط ضحية أخبار كاذبة نُشرت في إسرائيل ضد إصلاحنا القضائي العادل".

وشطب زوهار تغريدته هذه لاحقا، وكتب أنه "شطبت التغريدة انطلاقا من الاحترام لعلاقاتنا الهامة مع حليفتنا الأكبر الولايات المتحدة"، وفق ما نقل موقع "عرب 48".

من جانبه، قال نائب رئيس الكنيست، نيسيم فيتوري، إن “إسرائيل لا تحتاج إلى الولايات المتحدة على الإطلاق للدفاع عن نفسها ويمكننا التنازل عن مساعداتها الأمنية".

وفي مقابلة على راديو "103 FM" في 29 مارس، أضاف فيتوري “أعتقد أن الطريقة الأميركية التي يختارون فيها رئيس المحكمة العليا لديهم غير مناسبة، وبالتأكيد لن يتم قبولها في إسرائيل، ربما نحن أكثر ديمقراطية منهم".

وبعد هذه التصريحات المتتالية، دعا نتنياهو وزراء حكومته ومقربيه، إلى الكف عن الحديث حول إدارة بايدن.

وذكرت القناة " 12" العبرية في 29 مارس، أن نتنياهو دعا وزراءَه ونواب حزب الليكود إلى الكف عن التصريحات ضد الرئيس الأميركي ووقف المقابلات الإعلامية بهذا الخصوص وذلك "خشية تدهور العلاقات والدخول في أزمة حقيقية".

ووفقا لما نشر موقع "والا" الإسرائيلي في ذات اليوم، فإن مسؤولين أميركيين حذروا رئيس نتنياهو ومقربين منه من استفزاز الرئيس بايدن.

وقالوا إن تحذيرهم لنتنياهو ينبع تحديدا من أن بايدن يعرّف نفسه على أنه صهيوني ولديه خطوط حمر؛ حيث إنه لا يحتمل المساس بما يصفها بالديمقراطية الإسرائيلية.

مدى التدهور

دقت المعارضة الإسرائيلية ووسائل إعلام عبرية ناقوس الخطر تجاه سياسات حكومة الاحتلال، وحذرت من تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، حليفها الأبرز والأول.

وترى صحيفة "هآرتس" أن "الأشياء القاسية التي قالها بايدن يجب أن تقلق كل إسرائيلي، فقد أوضح دون استخدام لغة دبلوماسية مهذبة، أنه لا ينوي دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض قريبا، وأنه يعتقد أن رئيس الوزراء يقود إسرائيل إلى كارثة".

وبينت الصحيفة في 30 مارس، أن "الضرر الذي يسببه نتنياهو وحكومته المسعورة لا يبقى داخل حدودنا، فقد نجح في جلب العلاقات مع أميركا إلى أدنى مستوياتها".

وأردفت: "كان يمكن إيجاد حلول وسط وصيغ تهدئة مع بايدن حتى في أصعب أيام التوترات، ولكن هناك سبب حقيقي للقلق، فقد كانت رسالته قصيرة وواضحة بشأن نظام القضاء الإسرائيلي".

وفي البيت الأبيض يتحدثون رسميا عن “حل وسط” سينبثق عن المحادثات التي تجري هذه الأيام في مقر الرئيس، لكن بايدن أوضح مدى انخفاض توقعات الإدارة لهذه المحادثات، وفق المصدر.

وتابع: "يُنظر إلى نتنياهو، وبحق، على أنه شخص لا يقترب من المفاوضات بحسن نية، ويحاول بشكل أساسي أن يكتسب الوقت ويضع حركة الاحتجاج ضده إلى حالة سبات في حالة عدم وجود حل وسط".

بدوره، تطرق زعيم المعارضة، يائير لابيد، في 29 مارس إلى توتر العلاقات بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن، قائلا إن "إسرائيل كانت طوال عشرات السنين الحليف الأقرب للولايات المتحدة، والحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الدولة أفسدت ذلك خلال ثلاثة أشهر".

أما رئيس كتلة "المعسكر الوطني" ووزير الجيش السابق، بيني غانتس، فقال إن "بايدن أرسل دعوة عاجلة للاستيقاظ إلى الحكومة الإسرائيلية. والمس بالعلاقات مع الولايات المتحدة، صديقتنا الأفضل وحليفتنا الأهم، هو ضرر إستراتيجي".

وأضاف غانتس أن "على رئيس الحكومة إصدار تعليمات لطواقمه التي تفاوض حول التشريعات القضائية، بالعمل بسرعة من أجل تصحيح الوضع والحفاظ على الديمقراطية الإسرائيلية التي هي أساس هذه القيم".

وتابع: "وليس أقل أهمية من ذلك، عليه التصرف بمسؤولية سياسية وأمنية، والإعلان فورا أن الوزير (يوآف) غالانت سيبقى بمنصبه، وأن يصادر الصلاحيات الأمنية من وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وألا يسمح بانفلات الوزير بن غفير".

وحذرت واشنطن مبكرا من تعيين مستوطنين متطرفين وزراء في الحكومة من أمثال بن غفير وسموتيرتش بسبب سياساتهم المعادية للفلسطينيين، لكن نتنياهو مضى في مخططاته لتبدأ من هنا هذه الحلقة النادرة من التوتر بين الجانبين.

تأثير الخلاف

وحول الأزمة مع الولايات المتحدة، قال المعلق العسكري لصحيفة معاريف، تال ليف رام: “هذا هجوم سياسي، من وجهة نظر أمنية إستراتيجية يؤثر على نظرتهم إلينا”.

وأضاف: “بيان بايدن هو هجوم سياسي على إسرائيل، إلى جانب إخراج الأزمة خارج تل أبيب، قد يؤثر ذلك -على المدى الطويل- على مصالح الدول الأخرى تجاهنا”، بحسب ما نقل موقع "الهدهد" المتخصص بالشأن الإسرائيلي.

ونقل الموقع ذاته في 28 مارس 2023 عن المعلق السياسي في موقع “والا”، باراك رافيد، قوله: “الإيرانيون يفهمون اليوم أن نتنياهو لا يحظى بدعم البيت الأبيض”.

وأوضح "الهدهد" في مقال لهيئة تحريره في 29 مارس، أن “دولة العدو” قطعت شوطا مهما نحو كره العالم لها، وخاصة صديقتها الولايات المتحدة الأميركية، وهذا مؤشر مهم وفعال وله ما بعده".

وبين أنه "حتى لو قال بعض المقربين من نتنياهو أن الخط الأمني مع واشنطن معزول عن العلاقات السياسية، فهذا كلام تلطيفي ودعائي، خاصة وأن لذلك ما يدفعه في الواقع".

واستند في ذلك إلى تعطيل الولايات المتحدة صفقة صواريخ القبة الحديدية، واستمرار التعطيل فترة طويلة، متسائلا: فكيف سيكون الأمر اليوم؟.

وكان نواب ديمقراطيون نجحوا عام 2021 في عرقلة مشروع قرار بتمويل تصل قيمته مليار دولار، كانت معدة لدعم نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "القبة الحديدية"، في خطوة وصفت بالأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الوثيق بين واشنطن وتل أبيب. 

وأكد موقع "الهدهد" أنه "لذلك لا يوجد فصل في العلاقة فيما يتعلق بالكيان، لأن المصلحة الأميركية محكومة بالممرات السياسة التي تمر عبرها العلاقات والمساعدات الأمنية".

بدوره، رأى معهد أبحاث الأمن القومي أن كلمات “بايدن” الأخيرة تظهر شكوك الرئيس العميقة بنوايا نتنياهو، والحذر الذي ينوي اتخاذه لمنع الإدارة من الإحراج إذا فشلت المحادثات.

وبين في 29 مارس أن الخلاف الحالي -كما ينعكس في كلمات بايدن الذي يعد نفسه صديقا حقيقيا لإسرائيل- سببه فهم الرئيس أن القيم المشتركة التي تستند إليها العلاقات الخاصة بين البلدين في خطر حقيقي.

ومن وجهة نظر المعهد، فإن الخطر على “مكانة إسرائيل” في الولايات المتحدة، وعلى الساحة الدولية حقيقي، خاصة إذا انهار مخطط المفاوضات.

وبين أنه "قد تكون العواقب المحتملة على الأمن القومي لإسرائيل مأساوية، عند عزمها اتخاذ قرارات بشأن الخطوات التالية".

ولفت إلى أنه "يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تأخذ في الاعتبار -بالإضافة إلى الأمور الداخلية-، العواقب المستقبلية لخطواتها على العلاقة مع الولايات المتحدة.

وبشأن الخطوة التالية في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، قال السفير الإسرائيلي الأسبق في الولايات المتحدة، داني أيالون، إنها "تعتمد على التطورات".

وقال أيالون لإذاعة "103 FM" العبرية في 29 مارس: "ينتظر الأميركيون رؤية ما ستكون عليه نتيجة المحادثات بين الأطراف في منزل بايدن، وهم حريصون على الخروج بإجماع واتفاق واسع".

ولفت إلى أنه "بدون إجماع ستكون إسرائيل ضعيفة"، داعيا الأطراف المتخاصمة إلى "التوصل لوسط هادف".

وختم أيالون بالقول: "سمعت من واشنطن أن نتنياهو يشكل خطرا وجوديا على إسرائيل، ويُعرّض المصالح الأمنية للولايات المتحدة للخطر".