واشنطن تكشف عن مستجدات حالة حقوق الإنسان في مصر.. كيف قيّمت نظام السيسي؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

نحو عشر سنوات خلت من حكم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بعد انقلابه العسكري عام 2013، ولا تزال حالة حقوق الإنسان، تمثل دائرة لا تنتهي من الانتهاكات، ولا تزال أخبار القتل والتعذيب والاعتقال المسيطرة على المشهد.

وفي 20 مارس/ آذار 2023، أصدرت الخارجية الأميركية تقريرها عن الحالة الحقوقية المصرية لعام 2022، ووجهت فيه انتقادات رئيسة لنظام السيسي وأكدت أن لا أفق قريبا للتغيير في ممارساته.

في مقدمتها، استمرار انتهاكات الاختفاء القسري من قبل جهاز الأمن الوطني، والمعاملة غير الآدمية للمواطنين، والاعتقالات التعسفية، وظروف السجن القاسية والمهددة للحياة، فضلا عن التدخل القهري وغير القانوني في الخصوصيات. 

مصارع المعتقلين

أما أخطر ما كشفه تقرير الخارجية الأميركية، موت 52 سجينا ومعتقلا نتيجة سوء المعاملة أو الإهمال الطبي على مدار عام 2022.

وقالت الوزارة الأميركية إنه "في كل مرة تزعم التصريحات الرسمية أن الوفاة حدثت لأسباب طبيعية، ويتم إغلاق الموضوع دون مساءلة".

واستندت إلى عدد من الوقائع في ذلك، أبرزها الوفاة المأساوية للخبير والباحث الاقتصادي أيمن هدهود في مارس/ آذار 2022، بعد اعتقاله ونقله لمستشفى الأمراض النفسية. 

ثم ذكرت أن "السلطات قدمت روايات متضاربة ومتناقضة بشأن اعتقاله". 

وأضافت أنه "رغم حديث عدد من المنظمات الحقوقية عن وفاة هدهود بسبب التعذيب استنادا إلى صور لجثمانه، إلا أن أجهزة الأمن سجلت سبب الوفاة (أزمة قلبية)".

وكذلك تحدثت عن سجن الآلاف في تهم سياسية، في الوقت الذي تنفي فيه الحكومة وجود سجناء سياسيين.

وبحسب تقرير الشبكة العربية لحقوق الإنسان في أبريل/ نيسان 2022، يوجد في مصر 120 ألف سجين، 65 ألفا منهم على خلفيات سياسية. 

بينما تتشابه التهم الموجهة إليهم في كثير من القضايا إلى حد التطابق، وهي "الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام الدستور والقانون، بهدف التحريض ضد نظام الحكم، وبث ونشر أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها".

يذكر أنه في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أصدر مركز "النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" تقريرا أورد فيه أنه جرى تسجيل حالتي وفاة داخل سجن "بدر"، بالإضافة إلى 17 حالة إهمال طبي متعمد.

وقال في التقرير الذي حمل عنوان "أرشيف القهر": "منع من العلاج في سجن بدر 3 أشخاص، منهم عبد الحميد الصيفي (61 عاما) المصاب بسرطان المعدة، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، بعد أن تفاقمت حالته الصحية".

تنكيل مستمر 

كما انتقدت الخارجية الأميركية استمرار حجب المواقع الإلكترونية، وقالت إن "آلاف المواقع منها 129 موقعا إخباريا على الأقل، تم حجبها بينها مدى مصر، ودرب، والمنصة". 

يذكر أن موقع صحيفة "الاستقلال" أيضا محجوب في مصر منذ عام 2020. 

وفي يناير 2023 قررت الخارجية الأميركية منع 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر بسبب عدم امتثال السلطات المصرية لشروط حقوق الإنسان التي وضعتها وزارة الخارجية الأميركية.

وليس تقرير الخارجية الأميركية وحده من ذكر التدهور الشديد الذي وصلت إليه الحالة المصرية، ففي 20 مارس 2023، أعربت 38 منظمة حقوقية مصرية ودولية، عن قلقها إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في سجن بدر سيئ السمعة.

ودعت المنظمات الحقوقية في بيان مشترك، إلى تشكيل آلية أممية مستقلة تتولى مراقبة وتقييم أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

وطالبت بفتح سجن "بدر" تحديدا، أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الحقوقية المستقلة، للتحقق من أنباء "التنكيل بالسجناء ومحاولات الانتحار المتكررة وحالات الإضراب عن الطعام بين المعتقلين".

وخصت ذكر المعتقل عمر محمد علي، الذي تعرض "للتحرش الجنسي" من قبل أفراد الأمن داخل زنزانته عقب نقله لسجن بدر في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

إضافة إلى مضايقات أخرى مثل منح حقوق الزيارة بشكل انتقائي وتعسفي، ورهن تنفيذها برغبة وتقدير مسؤولين أمنيين. 

ومن أبرز المنظمات الموقعة على البيان "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومبادرة الحرية، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، واللجنة الأميركية لإنهاء القمع السياسي في مصر، والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، وشبكة المدافعين عن حقوق الإنسان في غرب إفريقيا".

رسائل استغاثة 

وفي 14 مارس 2023، نشر موقع "المبادرة المصرية للحقوق والحريات"، رسائل استغاثة من مجمع سجون بدر، كشفت الواقع المروع هناك. 

ومما ورد إجماع كل المحتجزين بلا استثناء على خطورة الأوضاع داخل السجن، وإبلاغهم القضاء بتعرضهم للتعذيب على يد مأمور السجن ورئيس المباحث، وبضلوع أحد مساعدي وزير الداخلية في هذه الانتهاكات.

وذكرت الرسائل أن متهمين على ذمة قضايا مختلفة تعرضوا للتجريد من ملابسهم بشكل كامل واعتدي عليهم بالضرب داخل الزنازين.

وتحدثت عن وقوع عشرات السجناء في محاولات للانتحار بسبب الاعتداءات وسوء الأوضاع في السجن الجديد الذي لا يسمح فيه بالزيارات أو التريض بالمخالفة للقوانين المصرية والدولية.

وبحسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فسجناء بدر "يعدون في عداد الموتى".

وتحت عنوان "احنا (نحن) بنموت"، وصلت للمنظمة رسائل يدوية من داخل "سجن بدر 3"، تؤكد استمرار الانتهاكات الحقوقية المروعة داخل السجن. 

وذكرت الرسالة الصادمة المبعوثة في 18 يناير/كانون الثاني 2023، مدى تردي الأوضاع الإنسانية، وسوء المعاملة، والرعاية الصحية، والتغذية.

وأشارت إلى أنه مع قدوم فصل الشتاء، ورفض سلطات السجون دخول الملابس الشتوية، تنتشر الأمراض المزمنة بين المعتقلين، ومنهم من مات بالفعل نتيجة تلك الحالة غير الآدمية.

وسجن بدر هو بديل سجن "العقرب" سيئ السمعة، ومعظم معتقليه السياسيين كانوا نزلاء في العقرب قبل نقلهم إليه. 

وافتتح السجن رسميا في 30 ديسمبر 2021، تحت مسمى "مجمع السجون المركزية الجديدة".

ويقبع في منطقة "بدر" بالصحراء الشرقية قرب العاصمة الإدارية الجديدة، وعلى بعد أقل من 60 كلم غرب القاهرة، وأسس على مساحة 85 فدانا، وضم 3 مراكز إصلاح وتأهيل.

وفي 21 مارس 2023 أعلنت وزارة الداخلية المصرية، فتح ثلاثة سجون جديدة بمحافظات القاهرة والشرقية وسوهاج، تحت مسمى مراكز إصلاح وتأهيل "15 مايو" و"العاشر من رمضان" و"أخميم".

وحسب بيانات وزارة الداخلية فإن عدد السجون في مصر حتى عام 2023 وصل إلى 88 سجنا رئيسا، من بينها 45 سجنا صدرت قرارات إنشائها خلال حكم السيسي.

مراوغة السيسي 

ودائما ما تعرض السيسي لأسئلة وانتقادات حول الوضع الحقوقي المتردي في مصر، وكانت له إجابات متعددة راوغ بها الحقيقة الصعبة. 

وشهد لقاؤه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 24 أكتوبر/ تشرين الثاني 2017، واحدة من أشهر هذه الوقائع، عندما سئل بشكل مباشر عن المعتقلين السياسيين، وحقوق الإنسان في مصر. 

ليجيب السيسي بسطحيته وكذبه المعهودين قائلا: "مصر لا يوجد بها معتقلون سياسيون". 

وأضاف: "لماذا نقصر الحديث عن حقوق الإنسان السياسية في مصر؟ لماذا لا تسألون عن حق الإنسان في مصر في التعليم الجيد؟ معندناش (ليس لدينا)، لماذا لا تسألون عن الحق في العلاج الجيد؟ معندناش علاج جيد".

وأتبع: "لماذا لا تسألون عن حق التوظيف والتشغيل؟ ليس لدينا توظيف جيد، ولماذا لا تسألون عن الوعي الحقيقي الذي من المفروض أن يرسخ في نفوس المصريين حتى تستقيم الدولة وتستمر، نحن لسنا في أوروبا بتقدمها الفكري والثقافي والحضاري والإنساني، نحن في منطقة أخرى".

وفي 13 يناير 2022 قام السيسي بواحدة من أكثر الردود جدلا وهزلية، عندما سأله مراسل إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية، خلال مؤتمر صحفي، عن الاختفاء القسري وأعداد المعتقلين، وسوء أحوال المعتقلات. 

ليجيب السيسي بنبرة حادة: "أنا عايز أقولك على حاجة هو انتوا بتحبوا شعبنا أكتر مننا؟.. هو انتوا خايفين على بلادنا أكتر مننا؟"

وأضاف غاضبا: "احنا بلادنا مش لاقية تاكل، البلد دي عايزة تعيش والشعب دا عايز ينمو زي ما الباقي كبر، مش عايزين حد يعيقنا". 

وتعليقا على ذلك قال المحامي الحقوقي كريم اليعقوبي: "العسكريون لا يعرفون إلا لغة واحدة هي القمع والدم، حتى السيسي نفسه قالها من قبل متوعدا خصومه (احذروا أنا مش سياسي، بتاع الكلام)". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "مصر تشهد أسوأ سنوات تاريخها في حقوق الإنسان والحريات، ربما أسوأ من عهود الاحتلال نفسه، فسجن أكثر من 65 ألف إنسان، وقتل الآلاف، واختفى الآلاف قسرا قبل ظهورهم".

وتابع اليعقوبي: "هي سوابق لم تحدث في مصر بهذه الأعداد ولا الكيفية، حتى المنظمات الحقوقية لا تستطيع حصر المآسي والأرقام كاملة وبدقة، لصعوبة العمل، وحجم المظالم". 

وذكر: "بصفتي حقوقيا عملت في ملف المعتقلين لسنوات طويلة، والتقارير السنوية والدورية ترصد الحالة العامة، فإذا قلنا هناك 65 ألف معتقل فنحن لسنا أمام رقم مجرد، بل هناك 65 ألف حالة حقوقية وإنسانية تعامل كل على حدة، وكذلك حالات القتل والإعدام والاختفاء القسري". 

واستطرد: "قد تكون تقارير الخارجية الأميركية أو البرلمان الأوروبي أو المنظمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، غير قادرة على إحداث تغيير في سلوك النظام، لكنها عامل ضغط مهم في معركة طويلة، وكذلك هي تأريخ فاصل لتلك الحقبة المأساوية من تاريخ مصر".