تعديل وزاري مرتقب بحكومة السوداني.. هل يدخل العراق مجددا دائرة الصراعات؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من إتمام 6 أشهر على تشكيلها، فإن الأخير أصبح على موعد للإيفاء بوعد سبق أن قطعه على نفسه عند توليه السلطة، وهو تغيير كل وزير لم يستطع تطبيق المنهاج الحكومي خلال هذه المدة.

وشكلت قوى الإطار التنسيقي الموالية لإيران، حكومة السوداني في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بمشاركة ودعم من ائتلاف "إدارة الدولة" الذي يضم القوى الرئيسة في البلاد (الشيعية، السنية، الكردية، المسيحية).

وتأسس تحالف "إدارة الدولة" في 25 سبتمبر/ أيلول 2022، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة "بابليون" المسيحية.

تغيير قريب

ومع تداول أنباء عن تغيير وزاري مرتقب في الحكومة، أكد المحلل السياسي العراقي محمد نعناع، أن "السوداني طلب خلال اجتماع لقوى الإطار التنسيقي بإجراء تعديل وزاري يشمل خمسة وزراء على الأقل".

وأوضح نعناع خلال مقابلة تلفزيونية في 5 مارس/ آذار 2023، أن "السوداني أبلغ الإطار بأن سبب الاستبدال هو هؤلاء الوزراء الذين لم يتفاعلوا مع منهاجه الحكومي، ووعدته القوى المجتمعة بتلبية طلبه هذا".

وأشار نعناع إلى أن "التغيير الوزاري يتعلق في الأساس بمسألتين، الأولى مكافحة الفساد، وأن بعض الوزراء لا يستطيعون القيام بهذه الوظيفة، والأمر الثاني هو وجود أشخاص ضمن الحكومة الحالية غير مرغوب فيهم من المجتمع الدولي، لذلك يجب تغييرهم".

وأوضح أن "مسألة التعديل الوزاري التي من المتوقع أن تكون قريبا جدا ربما تتعلق بالأمر الثاني بالدرجة الأساس، وقد يكون طرح سبب تلكؤ بعض الوزراء في موضوع محاربة الفساد يأتي للتغطية على الدافع الحقيقي ليس أكثر".

وبحسب معلومات المحلل السياسي العراقي، فإن "اثنين من وزراء الحكومة الذين سيشملهم التغيير هما من خارج الإطار التنسيقي، وأن هذا الأمر نوقش داخل الاجتماع"، لافتا إلى أن "السوداني يشعر حاليا بقلق كبير جدا، لأنه لم ينجز أي ملف حتى الآن".

ويأتي الحديث عن التغيير الوزاري المحتمل بعدما ظهر السوداني، خلال تسجيل بثه التلفزيون الرسمي في 28 فبراير/ شباط 2023، وجه فيه انتقادا غير مسبوق إلى أداء بعض الوزراء، مشيرا إلى تلقي آخرين تهديدات من أحزابهم.

وقال السوداني خلال جلسة مجلس الوزراء، إن "الوزير تنتهي علاقته مع القوى السياسية بعد ترشيحه ونيله ثقة البرلمان، ولا يملك أي حزب أو كتلة برلمانية أي تأثير في بقاء الوزير من عدمه سوى رئيس الوزراء".

وشدد على أن "الوزير الذي يشعر بالضغط أو التهديد من كتلته التي ينتمي إليها بحجة الاستجواب (في البرلمان)، فأنا موجود"، موجها في الوقت ذاته انتقاده لأداء وزرائه، بالقول: "لم نرَ أي مؤشرات أولية عن أداء الوزراء في مكافحة الفساد، حتى نقول إن الحكومة نفذت التزامها هذا".

أكباش فداء

وعلى الصعيد ذاته، تحدثت وسائل إعلام محلية عدة، ومنها قناة "وان تي في" في 2 مارس 2023 عن أن السوداني سيلجأ إلى تغيير وزاري قد يشمل شخصيات حزبية حظرت واشنطن التعامل معها، لارتباطها بالمليشيات المسلحة الموالية لإيران.

وفي هذه النقطة تحديدا، قال الكاتب والباحث العراقي مجاهد الطائي، إن "السوداني، ومن خلال المعادلة العراقية وأدوات (مكافحة الفساد) والمعايير التي وضعها لنفسه يمهد الطريق لهذه الإجراءات والتغييرات الوزارية، خاصة مع قلقه من عدم ثقة واشنطن به، وشكها بالتزامه في تنفيذها".

وأوضح الطائي خلال تصريح نقله موقع "جريدة" المحلي في 5 مارس 2023، أن "القيام بهذه التغييرات الوزارية ستكون من المحتمل فيها أكباش فداء لتعزيز الثقة الأميركية، لذلك ربما يجرى تغيير وزير العمل، أحمد الاسدي، والتعليم العالي نعيم العبودي".

وفي خطوة فسّرت على أنها تمكين المليشيات من مناصب حكومية عليا، كان السوداني قد عيّن وزيرين ينتميان لمعسكر إيران المسلح، الأول زعيم مليشيا "جند الإمام" أحمد الأسدي، وزيرا للعمل، والثاني، القيادي في "عصائب أهل الحق" نعيم العبودي، وزيرا للتعليم العالي.

وعلى ضوء وجود وزراء ينتمون إلى مليشيات مسلحة موالية لإيران، يعتقد مراقبون أن الولايات المتحدة لم توجه دعوة حتى الآن إلى السوداني لزيارة واشنطن ولقاء الرئيس جو بايدن وكبار المسؤولين في إدارته.

وفي 9 فبراير 2023، أجرى وفد عراقي برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين، وعضوية محافظ البنك المركزي علي العلاق مع شخصيات أخرى زيارة إلى الولايات المتحدة، استمرت لأكثر من أسبوع جرت خلالها محادثات في قضايا عدة من أبرزها الملف المصرفي والمالي.

ورغم حديث وزير خارجية العراق، أن الزيارة كانت إيجابية، لكن سفير واشنطن السابق في بغداد دوغلاس سليمين كشف خلال مقال نشره موقع "معهد دول الخليج العربية في واشنطن" في 17 فبراير 2023 أن "الهاجس الاقتصادي وتهريب الدولار مسيطر بالكامل على التفكير الأميركي".

وأوضح السفير السابق أن "هناك رواية قوية في واشنطن بأن حكومة السوداني متواطئة في توسيع النفوذ الإيراني في العراق".

وأشار إلى أن "وزير الخارجية فؤاد حسين أوضح أن تصرفات رئيس الوزراء ضد الأهداف الإيرانية في العراق، لا سيما بيانه العلني في يناير/ كانون الثاني 2023 بدعم استمرار الوجود الأميركي في بلاده".

وبحسب السفير، فإن حسين ووفده سعوا وراء الكواليس إلى "تخفيف المخاوف في الإدارة والكونغرس من أن السوداني هو نتاج دعم إيراني".

تغييرات إجبارية

وعن الخلافات المحتملة داخل الإطار التنسيقي، التي زعمت وسائل إعلام محلية أن تسببها التغييرات الوزارية، ولاسيما إبعاد الوزيرين الأسدي والعبودي عن الحكومة، رأى الباحث في الشأن العراقي، عدي العزاوي أن "إجراءات السوداني ستكون باتفاق مع الإطار".

وأوضح العزاوي لـ"الاستقلال" أن "السوداني مرغم على إبعاد هذين الوزيرين، والإطار مجبر على الموافقة، لأن كسب ودّ أميركا أهم في الوقت الحالي، لاسيما بعد التضييق الذي فرضته وزارة الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي على انسيابية الدولار في العراق".

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 فرض الفيدرالي الأميركي قيودا جديدة تمثلت بتطبيق نظام "سويفت" لمراقبة منافذ بيع الدولار في مزاد بيع العملة الأجنبية بالبنك المركزي العراقي للسيطرة على تهريبه لدول مجاورة، لا سيما إيران التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات صارمة.

واستبعد الباحث أن يحصل أي خلاف داخل الإطار التنسيقي أو حتى مع القوى السياسية الأخرى من السنة والأكراد، في حال جرت التعديلات الوزارية التي يعتزم السوداني إجراءها في المرحلة المقبلة، لأن الموضوع سيجري بالتفاهم بين كل الأطراف.

وفي السياق ذاته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" العراقي، إحسان الشمري إن "فشل السوداني في إدارة ملف الفساد وانتشاره في مؤسسات الدولة يضعف من شعبيته وتعهداته على حل هذا الملف".

وأوضح الشمري خلال تصريح لصحيفة "المدى" العراقية، مطلع مارس 2023 أن "السوداني في الخطاب الذي ظهر عليه يبدو بأنه يريد النأي بنفسه فيما لو فشل في مكافحة الفساد، فاللوم سوف يكون على الوزراء الذين حذرهم من عدم أداء واجبهم".

ورأى رئيس المركز البحثي العراقي أن "كلام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، هو ضغط على وزراء متخادمين مع بعض الجهات أو غير قادرين على كشف ملفات الفساد".

وكان السوداني قد تحدث خلال مقابلة تلفزيونية في 4 مارس 2023 أنه ماض في تنفيذ ما وعد به من استبدال الوزراء المتلكئين، والذين سمحوا لأحزابهم بالتدخل في شؤون الوزارات، زاعما أنه "لا توجد لديه أي خطوط حمراء تجاه أي أحد".