"مغامرة جديدة".. ماذا وراء هجوم إعلام حزب الله على رئيس الحكومة اللبنانية؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تشتد التجاذبات السياسية في لبنان بين الحكومة وحزب الله وحلفائه، كلما تصاعدت المطالبات الرسمية بضرورة حصر السلاح في البلاد بيد الدولة.

ورفع حزب الله وحركة أمل التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، سقف الانتقادات الموجهة إلى رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام الذي يكثف تصريحاته بشأن جمع السلاح في البلاد.

سلام وحزب الله

ويضع سلام قضية حصرية السلاح بيد الدولة كأولوية انسجاما مع المرحلة الجديدة التي ينتهجها لبنان بعيدا عن التسويف والمماطلة، لكنه يتعرض لهجوم من قبل الماكينة الإعلامية لحزب الله.

فقد شن "المفتي الجعفري الممتاز" الشيخ أحمد قبلان، المقرب من حزب الله هجوما عنيفا على سلام من باب الإشادة بالثورة الإيرانية.

وخاطبه قائلا: "من باب الأخلاقيات التاريخية، أقول أنت رئيس الحكومة بفضل دعم الثورة الإيرانية للمقاومة التي حررت لبنان واستعادت الدولة والأرض وهزمت إسرائيل، والمفروض شكر من وقف مع (بيروت) بلحظة الشدة لا التنديد به".

وجاء كلام قبلان ردا على قول سلام: "إن زمن تصدير الثورة الإيرانية قد ولى". كما هاجمه بسبب رفضه منطق "ثنائية السلاح".

وأردف: “المنطق السيادي يقول: "لا سلاح شرعيا أكثر من شرعية السلاح الذي حرر لبنان وما زال يحميه”.

وأوضح أنه “بمنطق الأرض والتاريخ والتحرير: لا شرعية فوق شرعية سلاح المقاومة والجيش اللبناني”.

وواصل القول: "حين يحصل لبنان على طائرات إف 35 ومنظومات ثاد عندها نناقش سلاح المقاومة الذي قاد أعقد المعجزات لتحرير وحماية" البلاد.

أما رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة لحزب الله النائب محمد رعد فقد طُرِح عليه سؤال صحفي في 26 مايو بشأن تصريح نواف سلام حول "تصدير الثورة الإيرانية" فقال "أرفض التعليق حفاظا على بقية الود". 

ووصل التجييش ضد الاستياء من نواف سلام إلى حد إطلاق هتافات عليه في مدينة كميل شمعون الرياضية ببيروت، مثل "نواف سلام صهيوني"، وترديد شعارات مؤيدة لحزب الله.

وترجع فكرة إنشاء حزب الله في لبنان إلى عام 1982 حيث أشرف على تأهيله الحرس الثوري الإيراني، وزودته إيران منذ ذلك الوقت بالسلاح والمال، حتى بات كيانا مستقلا.

وتنظر الولايات المتحدة إلى الجيش اللبناني كقوة يجب أن تبقى مكافئة أو أقوى من حزب الله الذي يبلغ عدد مقاتليه مئة ألف في لبنان، وهو رقم يماثل عدد قوات الجيش.

وسبق لزعيم حزب الله الأسبق حسن نصر الله أن قالها صراحة في 24 يونيو/ حزيران 2016: إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".

وتصنف الولايات المتحدة الأميركية ودول بارزة في الاتحاد الأوروبي حزب الله "منظمة إرهابية"، وهي فرنسا وهولندا وألمانيا وتحظره على أراضيها.

وفي مقابل مقاربة سلام، يطرح الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم معادلة أخرى عنوانها: "جيش وشعب ومقاومة".

ولكن في موقف متقدم، رد وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي على هذا التوصيف قائلا: "يستطيع أن يقول ما يشاء، إنما الشعب اللبناني لم يعد يريد هذه الثلاثية الخشبية، انتهى".

وأكد لصحيفة "القدس العربي"، في 28 مايو 2025 أن "الدولة اللبنانية لا تفاوض على سيادتها"، واصفا حزب الله بـ التنظيم المسلح الخارج عن القانون وبأنه “ليس شرعيا”، ومتوجها إليه بالقول: "سلم سلاحك وشكل مع مناصريك حزبا سياسيا عاديا مع العقيدة التي تريدون".

رأى رجي أن التهجم عليه سببه أنهم "لا يريدون أن تتم حصرية السلاح في البلد مهما كان".

ورد النائب اللبناني وعضو كتلة "الوفاء للمقاومة" أمين شري بالقول: إن رجي يتصرف وكأنه ليس وزير خارجية لبنان، متخليا عن دوره الوطني.

وأشار "شري" إلى أن “التركيز الداخلي ينصب على مسألة حصرية السلاح ويتغاضى عن أولويات أخرى لا تقل أهمية، ومنها تحرير الأرض، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية”.

"مغامرة خطرة"

اللافت أن رئيس البرلمان نبيه بري وجه كلاما مباشرا لرئيس الحكومة اللبنانية وصف فيها طبيعة العلاقة الراهنة معه بقوله “بسَخّن منسَخّن، ببَرّد منبَرّد”، وذلك خلال مقابلة مع صحيفة "الجمهورية" المحلية نشرت في 30 مايو 2025.

وفي رد بري على ربط الخارج تمويل إعادة الإعمار في لبنان بسحب سلاح حزب الله من كامل البلاد، قال "الاتفاق لا يلحظ ذلك، ونحن نفذنا كليا ما يتوجب علينا بموجب اتفاق وقف إطلاق النار لناحية سحب السلاح من جنوب الليطاني".

وعقب مقتل زعيمه السابق نصر الله في 28 سبتمبر/ أيلول 2024، منح حزب الله وكالة عامة لنبيه بري تفوضه بتولي المهام السياسية وصولا إلى وقف النار في لبنان.

 و"حزب الله" و"حركة أمل" يطلق عليهما "الثنائي الشيعي" في لبنان وهما متحالفان في كثير من الاستحقاقات الانتخابية في البلاد فضلا عن المواقف السياسية.

 وضمن هذا السياق، يشير الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة لـ"الاستقلال" إلى أن “نواف سلام معني بتطبيق وقف إطلاق النار في لبنان والقرارات الدولية ونشر الجيش في الجنوب”.

كما أنه معني بـ "العمل على انسحاب إسرائيل من النقاط الإستراتيجية الخمس التي تحتلها في الجنوب وهذه هي خريطة طريق الحكومة الجديدة والتي تتلاءم مع مضمون وقف إطلاق النار" 

وأضاف بشارة: "الغريب أن نبيه بري يتصدر حملة الهجوم على نواف سلام ويقول له: إذا أردت التصعيد فسنصعد ضدك أما إذا أردت التهدئة فنحن معها".

واستدرك قائلا "ماذا يعني ذلك؟ يعني أن نبيه بري هو الواجهة الأمامية لحزب الله الآن والتي تعمل على نسف اتفاق وقف إطلاق النار وتفريغه من مضمونه بهدف منع سحب سلاح الحزب وتسليمه إلى الدولة".

وذهب بشارة للقول "رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في الموقع الصحيح، ويقوم بالحد الأدنى من الخطوات.. لكن حزب الله مُصر على عدم تسليم السلاح وهذا ما سيؤدي بلبنان إلى تحمل مغامرة عسكرية ربما تكون أخطر من مغامرة الحرب السابقة".

ويرى كثير من المراقبين أن كلمة السر في إطلاق عملية البناء وإعادة الإعمار، تكمن في حل ملف "سلاح حزب الله"؛ إذ إن ملف سلاح حزب الله بالغ الحساسية في لبنان ويتطلب معالجته من خلال لجان متخصصة تضم ممثلين عن الدولة اللبنانية والحزب، وذلك عبر وضع آلية واضحة لتسليمه.

ويتراوح السلاح بين الثقيل والمتوسط والصواريخ بعيدة وقصيرة المدى فضلا عن أصناف متعددة من الطائرات المسيرة والانتحارية.

إلا أن "التسويف والمماطلة" في فتح ملف سلاح حزب الله ومناقشته رسميا وفنيا ما يزال تسبقه خطوات كثيرة.

ولعل لغة التصعيد من ماكينة حزب الله وحلفائه في لبنان تعكس مدى الفجوة الشاسعة بين طموح حكومة سلام وبين ما يريده الحزب. 

وكثيرا ما صرح نواف سلام عقب توليه رئاسة الحكومة أن استعادة الدولة قرار الحرب هو خيار أساسي في سبيل تعزيز الدستور وحضور لبنان ومؤسساته في مختلف القضايا.

رفض "منطق الدولة"

وفي تصريح لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، قال سلام في 29 مايو 2025: إن الحكومة حققت ما يقارب 80 بالمئة من أهدافها في نزع السلاح جنوب البلاد.

وهناك 265 نقطة عسكرية تابعة لحزب الله، محددة في جنوب الليطاني، سلم الأخير منها قرابة 190 للجيش اللبناني بموجب تطبيق وقف إطلاق النار المبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بين لبنان وإسرائيل.

وقد نصّ اتفاق وقف إطلاق النار على انسحاب "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني على بُعد 30 كيلومترا من الحدود مع فلسطين المحتلة وتفكيك ما تبقى من بنيته التحتية في الجنوب وانتشار الجيش اللبناني فيها.

لكن النقطة الأكثر حساسية في نقاط وقف إطلاق النار المذكور هو نصه على تطبيق القرار الأممي 1701، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

وسبق أن حذر الرئيس اللبناني جوزيف عون في 12 أبريل/نيسان 2025 من أن أي سلاح خارج إطار الدولة "يعرّض مصلحة لبنان للخطر"، وذلك على وقع الجدل المرتبط بعتاد حزب الله.

وقال عون في خطاب من بعبدا بمناسبة مرور 50 عاما على اندلاع الحرب الأهلية في بيروت: "آن الأوان لنقول جميعا: لا يحمي البلد إلا دولته وجيشه وقواه الأمنية الرسمية".

و​​هذا الإرباك في خطاب حزب الله، عدته مصادر سياسية لبنانية “استشعارا مسبقا لجدية موضوع جمع السلاح الفلسطيني في لبنان وهو الأمر الذي يمكن أن ينعكس على سلاحه”، حسبما نقلت عنها صحيفة "نداء الوطن" في 30 مايو 2025.

واتفق الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ونظيره اللبناني عون، في 21 مايو 2025، على تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأكدا التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية.

وأردفت الصحيفة: "لذا قرر الحزب حسب المصادر شن هذا الهجوم على نواف سلام وحاول إحداث شرخ بين رئيسي الجمهورية والحكومة علما أن مواقف الرئيس جوزيف عون واضحة بالنسبة لملف السلاح ولا تختلف عن مواقف" الأول.

وأوضحت المصادر أن "الرد على هذه الهجمة يكون عبر استكمال تطبيق خطة جمع السلاح غير الشرعي تنفيذا لمضمون البيان الوزاري الذي تلتزم الحكومة بكامل بنوده (طرح في فبراير/شباط 2025 لمنحها الثقة)، مذكرة بأنه حاز على ثقة نواب حزب الله في المجلس النيابي".

وضمن هذه الجزئية، رأى الكاتب اللبناني ياسين شبلي أن "ما يحصل اليوم من سجال بين حزب الله وسلام بصفته الرسمية يذكّر بفترات سابقة مظلمة من العلاقة بين الطرفين كانت نتيجة رفض الحزب لمنطق الدولة الطبيعية وإصراره على مشاركتها مسؤولياتها".

وأردف في مقال رأي له نشره في 30 مايو 2025 "تلك الفترات أعادت لبنان واللبنانيين إلى دوامة الانقسام والحروب منذ عام 2004، وهو ما أوصل البلد إلى ما هو عليه اليوم من انهيار وانقسام وهزيمة واحتلال، ووصايات عربية ودولية في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية".

ورأى شبلي أن “هناك من لا يزال يُكابر ويجادل في جنس المقاومة والسيادة، في إنكار مرضي للواقع الذي وضع البلد فيه، وذلك بدل العمل الجاد والصادق مع الحكومة للخروج من هذا الواقع المرير”.