صحيفة ألمانية: لهذه الأسباب ترفض تركيا تمديد بقاء القوات الأممية في قبرص
منذ عام 1974، لم يجد الخلاف بين تركيا واليونان في جزيرة قبرص طريقا لنهايته، بل يتجدد من حين لآخر، كما حدث مع قرار الأمم المتحدة الأخير بتمديد بقاء قوات حفظ السلام في الجزيرة.
ففي 30 يناير/ كانون الثاني 2023، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2674 بشأن تمديد ولاية قوة حفظ السلام في جزيرة قبرص حتى 31 يناير 2024.
وفي هذا السياق، تحدثت صحيفة "مينا واتش" الألمانية عن الأسباب التي دفعت الإدارة التركية للاعتراض على قرار الأمم المتحدة الأخير.
أسباب الاعتراض
وتعزو الصحيفة اعتراض تركيا على قرار الأمم المتحدة إلى عدة أسباب، منها اكتشافات الغاز الطبيعي في المنطقة.
إذ إن الخلافات لا تزال مستمرة حول ترسيم الحدود البحرية، بين تركيا وقبرص (الجنوبية) من جهة، ومن جهة أخرى بين الجزء الشمالي التركي، والجنوبي اليوناني من الجزيرة.
وفي دلالة على أهمية الملف بالنسبة لأنقرة، أصدرت وزارة الخارجية التركية، في ذات اليوم، بيانا اعترضت فيه على القرار، داعية إلى إنهاء مهمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في قبرص.
والجدير بالذكر أن أنقرة اتجهت منذ عام 2019 للحديث عن حل الدولتين في جزيرة قبرص، بعد أن فشل حل إعادة توحيدهما منذ عام 1974.
لذلك، اتهمت أنقرة– في بيانها- مجلس الأمن الدولي بـ"الإصرار على الحلول التي جُربت قبل ذلك وثبت فشلها"، مؤكدة أن ذلك يتعارض مع حسن النية وجدية الرغبة في الوصول إلى تفاهم.
وأضافت أنقرة: "يتضح أن المجلس، وبشكل منفصل عن الواقع على الأرض، يتجاهل إرادة جمهورية شمال قبرص التركية لحل الدولتين ويصر على نماذج الحل الفاشلة والتي جرت تجربتها مرات عديدة".
وأردفت: إن "مجلس الأمن غير قادر على التحرر من النفوذ القبرصي اليوناني، إضافة إلى عجزه عن إيجاد حل حقيقي للأزمة".
وفي 2004، رفض القبارصة اليونانيون– في استفتاء شعبي- خطة قدمتها الأمم المتحدة لتوحيد شطري الجزيرة، بينما وافق عليها القبارصة الأتراك.
وبدورها، انتقدت وزارة خارجية جمهورية شمال قبرص التركية، قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، تمديد ولاية قوة حفظ السلام الأممية في جزيرة قبرص لمدة عام واحد.
وأوضحت الخارجية في بيان، بذات يوم صدور القرار، أنه من غير المقبول معاملة أحد الطرفين في الجزيرة كدولة والآخر كمجتمع.
وأضاف البيان أن جمهورية شمال قبرص التركية ستستمر في الاعتراض على قرارات مجلس الأمن، طالما استمر الأخير في معاملة أحد الطرفين في الجزيرة على أنه "دولة" والآخر "مجتمع".
وأشار إلى أن مجلس الأمن الدولي تجاهل إرادة جمهورية شمال قبرص التركية وشعبها أثناء اتخاذ هذا القرار.
وتابعت الخارجية قائلة: "مجلس الأمن الدولي انتهك مبدأ الحصول على موافقة جميع الأطراف، واكتفى بأخذ موافقة القبارصة الروم، وهذا يضر بمصداقية الأمم المتحدة".
حظر غير إنساني
وتعترض تركيا على تجاهل الأمم المتحدة "لممارسات الحظر اللا إنسانية وغير القانونية المفروضة على الشعب القبرصي التركي"، رغم موافقته لعقود على توحيد الجزيرة، في ظل رفض الشطر اليوناني.
فمنذ انقسام الجزيرة، بات القبارصة الأتراك محاصرين في القسم الشمالي، وعاجزين عن السفر إلى أي دولة حول العالم بشكل مباشر، باستثناء تركيا.
وفي المقابل، وافق الاتحاد الأوروبي على انضمام الجزء اليوناني من جزيرة قبرص إليه، في مايو/أيار 2004.
بدورها، نقلت الصحيفة الألمانية إشادة مجلس الأمن بجهود الأمين العام للأمم المتحدة لمواصلة العمل من أجل "حل دائم وشامل وعادل" للصراع القبرصي.
ووجه مجلس الأمن الدولي انتقادات للحكومة التركية وزعماء القبارصة الأتراك لطريقة تعاملهم مع منطقة "فاروشا"، الواقعة في الجزء الشمالي من الجزيرة.
ففي خضم الحرب التي وقعت عام 1974، انتقل السكان الأتراك المضطهدون إلى القسم الشمالي، الذي سيطرت عليه القوات التركية، بينما انتقل القبارصة اليونانيون إلى الجزء الجنوبي.
ورغم أن منطقة "فاروشا" (مرعش بالتركية) تقع في الجزء الشمالي التركي منذ 1974، فقد بقيت مغلقة طيلة العقود الفائتة، الأمر الذي حولها إلى "مدينة أشباح"، وفق وصف الصحيفة الألمانية.
وتعد المنطقة، التي قرر الجانب التركي فتحها، في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2020، سياحية من الدرجة الأولى، كما كان يقطنها نحو 39 ألف نسمة، ويزورها 700 ألف سائح سنويا.
وفتح الجانب التركي المدينة بعد إغلاق تام دام لأكثر من 46 عاما، وعارض حينها مجلس الأمن الدولي القرار، بناء على القرار الأممي رقم 550، الصادر عام 1984، والذي نص على أن "محاولات استعمار أي جزء من فاروشا غير مقبولة". وفق قوله.
وذكرت الصحيفة الألمانية أن الإدارة التركية عرضت على المقيمين اليونانيين السابقين استعادة ممتلكاتهم، بشرط إحضار الأوراق الثبوتية ذات الصلة، والاعتراف بشرعية "الجمهورية التركية لشمال قبرص"، التي أُعلنت في عام 1983.
ومن جانبها، اعترضت تركيا على البيان الأممي، وعبرت عن "دعمها الكامل للخطوات المتخذة من قبل سلطات جمهورية شمال قبرص التركية والتي راعت حقوق أصحاب الملكية بمنطقة مرعش، ومصالح شعبي الجزيرة".
كما أكدت أن "مرعش هي إحدى أراضي جمهورية شمال قبرص التركية"، وفق ما نقلت الصحيفة الألمانية.
انقلاب وتوتر
وبينت أن مهمة قوات حفظ السلام في جزيرة قبرص هي واحدة من أطول البعثات التابعة للأمم المتحدة على الإطلاق.
فقد بدأت في عام 1964، بهدف منع تجدد الاقتتال بين الجانبين، القبارصة اليونانيين ونظرائهم الأتراك، في الجزيرة، إضافة إلى محاولة إعادة الأوضاع إلى طبيعتها.
لكن يبدو أن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح، حسب تقييم الصحيفة. ففي عام 1974، أطيح بالرئيس القبرصي، مكاريوس الثالث، في انقلاب عسكري مدعوم من الجيش اليوناني، وقت أن كانت الجزيرة موحدة.
وسعى الانقلابيون آنذاك للاستيلاء على الجزيرة وضمها لليونان بشكل رسمي، وهو ما لم تقبله تركيا.
هذا بالإضافة إلى المجازر التي وقعت بحق المسلمين الأتراك على يد مقاتلي منظمة (EOKA) القبرصية الرومية، الأمر الذي دفع أنقرة إلى التدخل العسكري والسيطرة على الجزء الشمالي من الجزيرة، الذي فر إليه القبارصة الأتراك.
ومنذ وقف إطلاق النار بحكم الواقع، ودون وجود اتفاق موقع، في أغسطس/آب 1974، حددت الأمم المتحدة خطوط وقف إطلاق النار وقدمت المساعدة الإنسانية.
كما حافظت على منطقة عازلة بين القوات التركية في الشمال والقوات اليونانية في الجنوب، وفق الصحيفة.
وتمتد خطوط وقف إطلاق النار على مسافة 180 كيلو مترا، ونظرا لعدم وجود اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار، فإن هناك مناوشات تندلع من حين لآخر بين الجانبين.
وهو ما يتطلب تدخل جنود القوات الأممية لحفظ السلام، التي يبلغ قوامها 796 عنصرا عسكريا و65 عنصر شرطة، حسب صحيفة "مينا واتش" الألمانية.
وعلاوة على هذه المهمة، فإن رئيس بعثة قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص يقوم أيضا بدور الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الجزيرة، ويقود الجهود لمساعدة الأطراف في التوصل إلى اتفاق شامل، حسب الصحيفة.
وقد لفتت الصحيفة إلى أن "اكتشافات الغاز الطبيعي قبالة قبرص أسهمت في إثارة التوتر والنزاعات خلال السنوات الأخيرة".
وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي هدد فيها – بشكل غير مباشر- بالحرب إذا استمرت التهديدات اليونانية ضد بلاده.
كما أشار أردوغان -في غير مرة- إلى أن العاصمة اليونانية أثينا تقع في "مرمى الصواريخ التركية"، وأن على اليونان أن تكون "عاقلة"، حتى لا يستخدم الأتراك تلك الصواريخ.
وبدوره، حذر السيناتور الأميركي الديمقراطي، بوب مينينديز، من "عدم أخذ تهديدات أردوغان على محمل الجد". وطالب "مينينديز" الإدارة الأميركية بـ"ألا تضع مقاتلات F-16 بين يديه"، وفق قوله.
ورغم هذا التوتر المتجدد، فإنه في الآونة الأخيرة، وبعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا بقوة 7.8، في 6 فبراير/شباط 2023، هدأت التوترات اليونانية-التركية.
إذ زار وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، المناطق المتضررة، وقال نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو: "يمكن أن تكون هناك مشاكل لم نستطع حلها مع اليونان. وأحيانا نشهد توترا في العلاقات، إلا أننا أصبحنا دولتين تلتقيان في الأوقات الصعبة".